المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل يحذف عامل المصدر جوازًا لقرينة لفظية نحو: حثيثًا لمن قال: - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل يحذف عامل المصدر جوازًا لقرينة لفظية نحو: حثيثًا لمن قال:

‌فصل

يحذف عامل المصدر جوازًا لقرينة لفظية نحو: حثيثًا لمن قال: أي سير تسير، أو قرينة معنوية نحو تأهبًا مأمونًا؛ لمن رأيته تأهب لأمر، ووجوبًا، لكونه بدلاً من اللفظ بالفعل منها المصادر التي تستعمل في الدعاء للإنسان، والمصادر المستعملة في الدعاء للإنسان، أو عليه، فإن كان له فعل انتصب به، وإن لم يكن له فعل قدر من معناه، فمن المتعدي سقيًا ورعيًا في الدعاء، وكذا مرحبًا، وأهلاً، وسهلاً أي سقاك الله ورعاك، ورحبت بلادك، وأهلت، وسهلت، وتحتمل هذه الثلاثة إضمار المصادفة، وجدعًا وعقرًا في الدعاء عليه، ومن اللازم في الدعاء عليه بعدًا، وسحقًا، وتعسًا، ونسكًا، وبؤسًا، وخيبة، وجدعًا، وتبًا أي بعد، وسحق، وتعس، والتعس ألا ينتعش من عثرته. والنكس الرجوع في المرض، ويئس، وحاب، وجدع وتب أي خسر.

ومما ليس له فعل من لفظه: دفرًا أي نتنًا وأفة، وتفة كذلك وقذرًا، والأف: وسخ الأذن والتفة وسخ الأظفار، فأما بهرًا ففسره سيبويه بتبًا، وجءا (بهرًا) بمعنى عجبا فقيل: لا فعل له، والأفصح أن له فعلن حكى ابن الأعرابي في الدعاء على القوم: بهرهم الله أي غلبهم.

ص: 1360

وذهب الأخفش، والفراء، والمبرد: إلى أنه قياس في الدعاء تقول: ضربًا له أي ضربه الله، وقتلا ونحوه، ومذهب سيبويه أنه لا ينقاس، وقيل ما كان له فعل من لفظه لا يبعد فيه القياس، وما لا فلا ينقاس، وقد جاء بعض هذه مرفوعًا قال:

.... وخيبة

لأول من يلقى

...

ولا تضاف هذه المصادر إلا في قبيح من الكلام، وما جاء منه مضافًا لزمه النصب نحو: بعدك، وسحقك، ومما استعمل مفردًا ومضافًا: ويح قالوا: ويح له وويحه، وويح فلان، وويح غيرك للمصاب المرحوم.

وويسه مثل ويحه، وقال الجزولي: ويحه وويسه كلما استصغار واحتقار، وللمتعجب منه، ويبًا له، وويتك، وويب غيرك، وإذا أضيفت وجب النصب، وإذا أفردت جاز الرفع والنصب، وإذا أفرد ويح وتب، فالغالب على (تب)

ص: 1361

النصب، وعلى «ويح» الرفع، ويختار سيبويه أن يجعل كل واحد منهما على وجهه إذا أفرد، فإذا قالوا: تبًا له، وويحًا، فبالنصب، والعرب لا تقول: ويح إلا مع خبره، وقال ابن أبي الربيع: تبًا له ألزم النصب، وويح له ألزم الرفع؛ فإن عطفت ويحًا على تب نصبت، وإن عطفت تبًا على ويح كفحاله قبل العطف، ويكون عطف جملة فعلية على جملة اسمية، وإن قلت تبًا له، وويح له، فالرفع في «وويح له» ومنع المازني من عطف أ؛ دهما على الآخر.

وعن الجرمي منع هذا الباب جملة؛ لأنه يؤدي إلى أن ترفع ما شأنه النصب كتبًا، وتنصب ما شأنه الرفع (كويح).

ويقال: للمصاب المغضوب عليه: ويله: وويل له وويل طويل، فويل بدل أو صفة موطئة، وويل له ويلاً طويلاً، وويل له ويلا كيلاً كلاهما على الحال كأنه قال: ويل له دائمًا، التقدير: ويل له ألزمه الله ويلاً طويلاً، فتكون جملتي دعاء وتقول: ويل له، وعول، وويلك، وعولك، ولا يفرد (عول) ويجوز أن يفرد (ويل) منصوبًا قال:

...

...

فويلاً لتيم

...

ص: 1362

وإذا أضيفت هذه الأسماء لزمها النصب، وغذا أفردت جاز نصبها ورفعها، والويل الفضيحة والحسرة، وويب في معناه، ويقال: ويبًا لك أي عجبًا (وواح) وواس ووال مصنوع.

وقال ابن عصفور: ومضافها للتبيين كلك بعد سقيًا، وفي البسيط: هو مضاف إلى ما وقع عليه الدعاء، والمعرف (بأل) الأحسن فيه الرفع تقول: الويل له، والخيبة له.

ولا يطرد إدخال (أل) في جميعها، إنما هو سماع، قال سيبويه:«لو قلت: السقي لك، والرعي لك لم يجز» وأجاز الفراء، والجرمي: رفعهما، وأخواتهما، وإذا قلت: سقيًا لك دل على المختص بالسقي، وفسروا ذلك بأن المعنى لك أعني فجعلوه على كلامين وقال الكوفيون:(ل) صلة لسقيا، وأصله سقيك فجاءت اللام بمعنى الإضافة كما قلت ذلك في غلامك، وغلام لك، فهو كلام واحد.

ومن ذلك المصادر المثناة وهي لبيك وسعديك، وحنانيك ودواليك، وهذاذيك، وحجازيك، وحذاريك، ولا تتصرف، وتلزم الإضافة فإن أفرد منها شيء تصرف نحو:

فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا

...

...

وقال تعالى: «وحنانًا من لدنا» وزعم ابن الطراوة: أن الرفع في

ص: 1363

(حنان) أقيس من النصب، فأما (لبيك) فذهب الخليل، وسيبويه، والجمهور: إلى أنه تثنية (لب) كما أن حنانيك تثنية حنان، وذهب يونس إلى أنه اسم مفرد قلبت ألفه ياء للإضافة إلى المضمر، كما في عليك ولم يسمع لبا، وسمع لب، وحكى سيبويه عن بعض العرب: لب على أنه مفرد لبيك، غير أنه مبني على الكسر كأمس، وغاق، ولقلة تمكنه، ونصبه نصب المصدر كأنه قال إجابة لك وزعم ابن مالك أنه اسم فعل فاسد، لإضافته في قوله:

دعوني فيا لبي إذ هدرت لهم

...

...

...

ويضاف إلى الظاهر تقول: لبي زيد، وسعدي زيد وإلى ضمير الغائب قالوا: لبيه، ودعوى الشذوذ فيهما باطلة، والناصب في لبيك من غير لفظه «أي أجيب إجابتك» وكأنه من ألب بالمكان إذا أقام به، وأما (سعديك) فلا يستعمل وحده، بل تابعًا للبيك، ويجوز استعمال (لبيك) وحده والتقدير: تسعد إسعادًا لأمرك بعد إسعاد.

ص: 1364

وأما (حنانيك) فالتقدير: تحنن حنانيك «أي تحننا بعد تحنن» ، وقد نطق بتحنن، ودواليك أي تداولنا، وهذاذيك أي: تهذ هذاذيك، وحجازيك؛ أي: تحجز حجزيك، وحذاريك، أي تحذر.

وقال سيبويه في حذاريك: «ليكن منك حذر بعد حذر أي احذر أبدًا»

وفي النهاية: م المصدر المثنى حذاريك بفتح الحاء، ولا مفرد له، وهو مضاف إلى الفاعل، والحذار بالكسر، والحذر والحذر مصادر حذر. انتهى.

والناصب في هذه غير لبيك من لفظها، والجمهور على أن هذه تثنية يراد بها التكثير، ومداولة الفعل لا شفع الواحد، وذهب بعض النحاة إلى أنها تثنية تشفع الواحد، وقال هذا السهيلي في حنانيك، والكاف في «لبيك، وسعديك، وحنانيك» الواقع موقع الفعل الذي هو خبر في موضع المفعول، وفي دواليك، وهذاذيك، وحنانيك إذا وقعت موقع الطلب في موضع الفاعل.

وذهب الأعلم: إلى أن الكاف حرف خطاب، فلا موضع لها من الإعراب: وحذفت النون لشبه الإضافة، وعد في البسيط في هذه المصادر المثناة حواليك قال بمعنى الإقامة، والقرب كأنه أراد الإحاطة من كل جهة؛ لأنه يقال: أحوالك، ويحتمل أن يريد إطاقة بك بعد إطاقة، وليس له فعل من لفظه، ويجوز نصبه على الظرف وعلى الحال. انتهى.

ص: 1365

ومن ذلك: سبحان الله، وريحانه، ومعاذ الله، ومعنى سبحان الله: براءته من السوء، ومثله في المعنى سلامك ربنا، وتستعمل سبحان مفردًا منونًا، وغير منون، فإذا قلت سبحان الله فهو ممنوع من الصرف عند سيبويه للعلمية، وزيادة الألف والنون، وقيل هو مضاف في التقدير ترك على هيئته حين كان مضافًا في اللفظ، وهو اسم وضع موضع المصدر الذي هو التسبيح وأصله الإضافة، ثم استعمل مقطوعًا عنها منونًا في الشعر وغير منون، وقيل: وضع نكرة جارية مجرى المصادر، فعرف بالإضافة، و (بأل) قال:

سبحانك اللهم ذا السبحان

وريحانه إذا كان بمعنى استرزاقه، ولم ينصرف ولزمه النصب، والإضافة، ولا يستعمل إلا مقترنًا مع سبحان الله، وقيل يستعمل وحده، ويحتمل أن يكون فيه معنى الدعاء، كأنه قال: استرزقك استرزاقًا وأن يكون خبرًا، وهو الإقرار

ص: 1366

بالنعمة نحو: شكرًا لك ويحتمل ما احتمل سبحان من كونه مصدرًا لا فعل له من لفظهن أو اسمًا منزلاً منزلة المصدر، وأصله: ريوحان فقلت، وأدغم، ولزم التخفيف، وقال ابن خروف: أصله روحان، فقلبت الواو ياء، وإن أريد بريحان الطيب، والعبق تصرف، ودخلت عليه (أل) وارتفع قال تعالى:«فروح وريحان» ، ومعاذ الله مفعل، من عذا مصدر مرادف لعياذ استعمل بدل فعله فلا ينصرف، ولزم الإضافة، وأصله معاذًا بالله، فأما (غفرانك) فقيل يجب إضمار ناصبه، وقيل يجوز، وقال الزجاج: التقدير اغفر غفرانك، وقال الزمخشري يقال: غفرانك لاكفرانك أي نستغفرك ولا نكفرك، وقيل نطلب أو نسأل غفرانك، ومن ذلك: حمدًا وشكرًا لاكفرًا، فقيل هو إنشاء، وهو مذهب الأستاذ أبي علي، وقيل: خبر، وقد سردها سيبويه مع ما هو خبر، قال: هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من ذلك قولك: حمدًا وشكرًا لاكفرًا وعجبًا؛ وأفعل ذلك وكرامة ومسرة، ونعمة عين، وحبًا، ونعام عين، ولا أفعل ذلك، ولا كيدًا، ولا همًا، ولأفعلن ذلك ورغمًا وهوانًا كأنك قلت: أحمد

ص: 1367

الله حمدًا وأشكر الله شكرًا، وكأنك قلت: أعجب عجبًا، وأكرمك كرامة، وأسرك مسرة، ولا أكاد كيدًا، ولا أهم همًا، وأرغمك رغمًا ثم قال سيبويه: وقد جاء بعض هذا رفعًا يبتدأ، ثم يبنى عليه وأنشد:

عجب لتلك قضية وإقامتي

...

...

...

قال: وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له: كيف أصبحت: فيقول: حمد الله، وثناء عليه كأنه يقول أمري وشأني حمد الله، وثناء عليه، انتهى كلام سيبويه.

وقال أبو عمرو بن بقي قوله يعني سيبويه: حمدًا وشكرًا لا كفرًا يتكلم بالثلاثة مجتمعة، وقد تفرد، وقوله، وعجبًا مفردًا عنها، وقال ابن عصفور: لا يستعمل كفرًا إلا مع حمدًا أو شكرًا ولا يقال حمدًا وحده وشكرًا إلا أن يظهر الفعل على الجواز، ولا يلتزم الإضمار إلا مع لا كفرًا، جرت مجرى المثل، فينبغي أن يلتزم فيها ما لتزمته العرب. انتهى.

ص: 1368

ولا يكون أفعل ذلك وكرامة، إلا جوابًا لمن قال: افعل كذا أو أتفعل كذا؟ فقلت: أفعله، وأكرمك بفعله كرامة، وأسرك مسرة، ولا يستعمل مسرة إلا بعد كرامة، وكذا نعمى عين بعد حبًا لا يقال: مسرة، وكرامة ولا نعمى عين، وحبًا، و (كرامة) اسم وضع موضع المصدر الذي هو الإكرام.

وكذلك نعمة عين، ونعام عين وهو بفتح النون وضمها، وكسرها، وهما اسمان بمعنى الإنعام لما كانت بمعنى المصدر ذكرت مع المصدر.

وفي كتاب التمهيد: يقال نعم عين، ونعمى عين، ونعامى عين، ونعيم، ونعام عين، وقد يكون الفعل الناصب لها رباعيًا بالزيادة الدالة على المعنى. انتهى.

وفي قول سيبويه، وقد جاء بعض هذا رفعًا دليل على أنه لا يطرد، وهو مخالف لكلام ابن عصفور أنها تستعمل مرفوعة، و (عجب) مبتدأ، والخبر في لتلك، وقضية تمييز أو حال، وقيل التقدير: أمري عجب لتلك، وقيل يجوز رفع (قضية) على تقدير: هي قضية.

وزعم الأعلم أن (عجب) لتلك مرفوع على الإهمال، وتفسير سيبويه: العامل في «ولا كيدًا» بقوله ولا أكاد. قال الأعلم: أكاد هذه التي عملت في كيدًا هي الناقصة، وقال ابن طاهر: هي التامة، والمعنى، ولا مقاربة، (وهما) من هممت بالشيء، ولأفعلن ذلك «ورغمًا وهوانًا» جواب لمن قال: أفعله، وإن رغم أنفه رغمًا، وإن هان هوانًا، وإذا كانت معارف فالرفع فيها الوجه كما كان النصب فيها نكرة الوجه.

ص: 1369

فتقول: الحمد لله، والعجب لك، والكرامة لك، والمسرة، ويظهر أنه قياس فيها، والرفع فيه معنى النصب، والمجرور خبر، أو صلة، والخبر محذوف أي شأني وأمري. ويجوز النصب نظرًا إلى الأصل فتقول: الحمد لله قال سيبويه: ينصبهما عامة بني تميم، وناس كثير من العرب. وكذلك العجب، ولك بعده كما بعد النكرة.

ومن ذلك في التعجب كرمًا، وصلفًا صار بدلاً من قولك: أكرم به وأصلف به، وتقدير الناصب لكرم كرمًا، ولصلف صلفًا ناب المصدر مناب الفعل، فتحمل الضمير، وتفسير سيبويه ألزمه الله تفسير معنى، ومن ذلك في الخبر توبيخًا مع استفهام للغير «أذلا في الحرب، وزهوًا في السم» ، أو للنفس، تحسرًا نحو:«أغدة كغدة البعير وموتًا في بيت سلولية» ، والمخاطب:

أطربًا وأنت قنسرى

ص: 1370

ولا بد من مشاهدة الحال، أو تقديرها، وتوبيخًا في غير استفهام نحو قوله:

خمولاً وإهمالاً وغيرك مولع

بتثبيت أسباب السعادة والمجد

ومما جاء للذم والتوبيخ:

...

....

ألومًا لا أبا لك واغترابا

الناصب لهذه المصادر أفعال لها كأنه قال: أتطرب وأتلوم؟ وقيل هي أحوال مؤكدة؛ ولذلك لا تقع هنا المعرفة لا تقول الطرب، وأنت شيخ. قيل: ولم يتعرض سيبويه للرفع في هذا النوع، ولا يبعد جوازه على تقدير الابتداء أي شأنك طرب،

ص: 1371

ومن ذلك ما كان تفصيل عاقبة بعد طلب نحو: «فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء» أو بعد خبر نحو: أنت قد ملكت، فإما عدلاً، وإما جورًا، ولو قلت فعدلاً، أو جورًا صح وقال:

وقد كذبتك نفسك فاكذبنها

إن جزعًا وإن إجمال صبر

وقوله:

ألم تعلم مسرحي القوافى

فلا عيًا بهن ولا اجتلابا

ويجوز الرفع في هذه، ونص سيبويه عليه، لأنه أجاز الرفع:«فإن جزعا على أمري جزع» .

ومن ذلك المصدر المكرر خبرًا عن اسم عين، أو المحصور خبرًا عنه نحو: زيد سيرًا سيرًا، [وفي الناسخ: كان زيد سيرًا سيرًا؛ وإن زيدًا سيرًا سيرًا]،

ص: 1372

وما أنت إلا سيرًا وإنما أنت سيرًا، وفي الاستفهام أأنت سيرا؟ ويجوز تعريفه فتقول: زيد السير السير، ولا يكون ذلك إلا إذا أدرته على تلك الحال، أو ذكر ذلك، أو قدرته لنفسك، أو غيرك وعلى جهة الاتصال ويجرى مجرى المكرر بلفظ ما كان بغير اللفظ نحو: زيد قيامًا وقعودًا، وما عطف عليه نحو: زيد ضربًا وقتلاً وزيد سيرًا، وردًا، وبغير الواو نحو: زيد إما قيامًا إما قعودًا، ويجوز بغير تكرير إذا كان المصدر محصورًا، أو مستفهمًا عنه: ما أنت إلا سيرًا، وإنما أنت سيرًا، وأأنت سيرًا؟ وما أنت إلا ضرب الناس، أو ضربًا الناس، وما أنت إلا شرب الإبل، وهذا كله على مشاهدة الحال والاتصال فأما قولك: زيد سيرًا، وما زيد سيرًا، فنص سيبويه على أنه لا يجوز في أنت سيرًا إظهار الفعل، وأجاز ذلك غيره، وأطلق بعضهم جواز ذلك، ولم يفرق بين الاستفهام وغيره، ويجوز الرفع في هذا النوع على جهة المجاز والاتساع، وما كان غير مكرر أو معطوفًا، فيظهر من قول سيبويه إنه قياس مطرد وقال سيبويه:«وإن شئت رفعت هذا كله» ولم يذكر سيبويه نصب المعطوف، لكنه يخرج من الرفع.

وأما الإخبار في نحو: زيد عدل، فلا يدخل هنا بل يكون سماعًا لا تجعله خبرًا حتى يكون كأنه هو، ثم تجوزت، وإذا كان أحد المتعاطفين منفصلاً جاز أن يتسع في الأول دون الثاني تقول: ما زيد ضرب وما قتلا أي ولا يقتل قتلاً، فإن لم

ص: 1373

ينفصلا، وتجوزت، فلا بد من رفعهما نحو: زيد سير ورد وما كان مكررًا يضعف الرفع فيه لكنه جائز، ولا يكون الرفع في أحدهما دون الآخر.

وإذا كان المصدر خبرًا عن اسم عين، امتنع نصبه تقول: جدك جد عظيم، فترفع، ومن ذلك المصدر المؤكد مضمون جملة، فإن كان لا يتطرق إليها احتمال يزول بالمصدر سمي مؤكدًا لنفسه نحو: له على دينار اعترافًا، وإن كان يتطرق إلى الجملة احتمال سمي مؤكدًا لغيره نحو: هو ابني حقًا، وهذا المصدر المؤكد به في «ضربته» يجوز أن يأتي نكرة، ومعرفة (بأل)، وبالإضافة، فمما استعمل معرفة (بأل)، ونكرة: الحق والباطل تقول: هذا عبد الله حقًا، وهذا زيد الحق لا الباطل، وغير وقول تستعمل مضافة لمعروف نحو: هذا القول لا قولك، وهذا القول غير ما تقول، وتقول: هذا الأمر غير قيل باطل، وقال:«صنع الله» و «وعد الله» لأن الكلام الذي قبله صنع ووعد.

ومن النكرة هذا عبد الله حقًا وقطعًا ويقينًا. قيل ومنه: هو عالم جدًا، وسيبويه يقول في هو حسيب جدًا إنه على الحال، ومما لا يستعمل في التأكيد إلا معرفة: لا أفعله البتة ولا عودة له البتة، ومعناه القطع.

ص: 1374

والصحيح أنه لا يجو تقديم هذين المصدرين على الجملة لا يجوز أن تقول: اعترافًا له على ألف درهم، ولا حقًا هو ابني، وهو مذهب الزجاج وأجاز الزجاج توسيطه تقول: هذا حقًا عبد الله، وهو مسموع من كلامهم وأجاز بعضهم تقديمهما على الجملة قال أبو علي: يجوز غير ذي شك زيد منطلق، فيقدم ويؤخر، وهذه المصادر منصوبة بإضمار فع لمن لفظها كأنه قال: اعترف اعترافًا، وصنع الله صنعه وأجاز الفراء، والمبرد الرفع في جميع هذه المصادر، ولم ينص سيبويه في الرفع إلا في ما كان توكيدًا لنفسه، ولا يبعد القياس عليه، فأما قولهم: أجدك لا تفعل كذا، فأدخله سيبويه في المصدر المؤكد لما قبله، وهو بمنزلة أحقًا لا تفعل كذا و «لا تفعل» عن أبي علي «حال» أو على إضمار أن، فحذف (أن)، وارتفع الفعل، ولا تستعمل إلا مضافًا، وغالبًا بعده (لا) أو (لم) أو (لن) وفي النهاية قال الأعشى:

أجدك ودعت الدمى والولائدا

...

...

...

ودعت موجب، وجاء مع (لم) كثيرًا، ومع (لا) تقول: أجدك لا تفعل، وهو مصدر مؤكد تقدم على الجملة من أجل همزة الاستفهام، وهي دخلت على قوله:

ص: 1375

لا تفعل فصار معنى الكلام التقدير: كأنه قال: ألا تفعل كذا، وكذا أجدك، فقدم المصدر لما ذكرنا، وهنا نكتة، وهي أن الاسم المضاف إليه جد حقه أن يناسب فاعل الفعل الذي بعدها في التكلم والخطاب والغيبة نحو: أجدى أكرمتك، وأجدك لم تفعل، وأجده لم يزرنا، وعلة ذلك أنه مصدر يؤكد الجملة التي بعده، فلو أضفته لغير فاعله اختل التوكيد. انتهى.

ومن ذلك المصدر المشبه به مشعرًا بحدوث بعد جملة حاوية فعله، وفاعله معنى دون لفظ، ولا صلاحية للعمل فيه نحو: مررت به فإذا له صوت صوت حمار وفإذا له صراخ صراخ الثكلى، فإن لم يشعر بحدوث نحو: له ذكاء ذكاء الحكماء، فالرفع، ولا يجوز النصب، ولم يكن بعد جملة، فالرفع نحو: صوته صوت حمار، وإن لم يحو فعله وفاعله دون لفظ نحو: عليه نوح نوح الحمام فالهاء في عليه ليست بفاعل معنى، وكذا: فيها صوت صوت حمار، فالرفع في نوح الحمام على البدل، وفي (صوت حمار) على البدل، أو الوصف، والنصب في مثل هذين ضعيف.

وقال سيبويه: هذا صوت صوت حمار رفعت، وإن نصبت كان وجهًا،

ص: 1376

ولو تضمن المفرد إسنادًا معنويًا فهل يجرى مجرى الجملة، أو مجرى المفرد في ذلك نظر نحو: زيد له صوت صوت حمار، إذا جعلت صوت حمار مرفوعًا بالمجرور أي زيد كائن له صوت صوت حمار، فإن كان ثم ما يصلح للعمل في المصدر انتصب المصدر به نحو: هو مصوت صوت حمار، وانتصاب «صوت حمار» بعد قوله: فإذا له صوت على إضمار يصوت فيكون مصدرًا مبنيًا، أو على إضمار يخرجه، أو يبديه؛ فيكون نصبه على الحال، ويجوز رفعه، فإن كان نكرة فعلى الوصف، وعلى البدل، أو على إضمار مبتدأ محذوف أي هو صوت حمار، وإن كان معرفة نحو: لها هدير هدير الثور، فكذلك إلا الوصف، فأجازه الخليل، واستقبحه وضعفه سيبويه. قال ابن خروف النصب في هذا الباب هو الوجه، وقال ابن عصفور النصب والرفع متكافئان.

وإذا وقعت صفة المصدر موقعه نحو: له صوت أيما صوت أو له صوت مثل صوت الحمار، أو وصفته فقلت: له صوت صوت حسن، فالاختيار الرفع، ويجوز النصب، والتقدير: يصوت أيما صوت ويصوت مثل صوت

ص: 1377

الحمار، ويصوت صوتًا حسنًا، ويلحق بقوله: له صوت صوت حمار قول أبي كبير الهذلي:

ما إن يمس الأرض إلا منكب

منه وحرف الساق طي المحمل

قال سيبويه صار ما إن يمس الأرض بمنزلة له طي.

وينوب عن المصدر اللازم إضمار ناصبه صفات نحو: عائذًا بك، وأقائمًا وقد قعد الناس، وأقاعدًا وقد سار الركب، وقائمًا قد علم الله، وقد قعد الناس، والصحيح انتصابها على أنها أحوال مؤكدة لعاملها الملتزم إضماره، والتقدير: أتقوم قائمًا.

وزعم المبرد أن انتصابها انتصاب المصدر جاءت على فاعل كقولهم: فلج فالجًا، فكأنك قلت: أتقوم قيامًا، وزعم بعض أصحابنا أن انتصاب هذه

ص: 1378

الصفات مقصور على السماع، وقال غيره: زعم سيبويه أن هذا مقيس يقال لكل من لازم صفة دائبًا عليها نحو: أضاحكًا، وأخارجًا، والتنكير لازم لهذه الصفات.

وإذا أسندت إلى غير الضمير برز الفاعل تقول: أقائمًا زيد، وقد قعد الناس، ومن العرب من يقول: عائذ بالله، يضمر مبتدأ أي أنا عائذ بالله، وذكر في هذه الصفات هنيئًا لك، (وهنيء) صفة مبالغة تقول: هنأني الطعام أي ساغ لي، واسم الفاعل: هانئ ويجوز أن يكون اسم فاعل من هنؤ كشريف من شرف، وكذلك «مرئ» فيجوز أن يكون للمبالغة من مرأنى، أو من فعل نحو: مرؤ تقول: هنأني الطعام ومرأني تتبع مرأنى لهنأني، فإذا لم تتبعه قلت: أمرأني رباعيًا.

وأجاز أبو البقاء العكبري أن يكونا مصدرين جاءا على وزن فعيل كالصهيل والنكير وقال سيبويه: هنيئًا مريئًا صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره المختزل للدلالة التي في الكلام عليه كأنهم قالوا: ثبت ذلك هنيئًا مريئًا، أو هنأه هنيئًا، ففي تقدير ثبت يكون حالاً مبنية، وفي تقدير هنأه حالاً مؤكدة انتهى.

و «مريئًا» تابع لهنيء وزعم بعضهم أن مريئًا يستعمل وحده غير تابع لهنيء ولا يحفظ ذلك إلا في بيت فرق بينهما قال:

كل هنيئًا وما شربت مريئًا

ثم قم صاغرًا فغير كريم

ص: 1379

وأجاز الزمخشري في قوله تعالى: «فكلوه هنيئًا مريئًا» أن يكون نعت مصدر محذوف أي أكلاً هنيئا، وأن يكون حالاً من مفعول (فكلوه)، وأن ينتصبا انتصاب المصدر فيقف على فكلوه؛ كأنه قال: هنأ، ومرأ كقولك: سقيًا ورعيًا أي هنأه، ومرأه وإذا قلت: هنيئًا له ذلك، فذلك عند السيرافي مرفوع بثبت الحذوفة، و (هنيئًا)[حال من ذلك، ففيه ضمير ذلك، وعند أبي علي مرفوع بهنيئًا] ولا ضمير فيه وإذا قلت هنيئًا مريئًا، فمرئ صفة لهنئ عند بعضهم وبه قال أبو الحسن الحوفي، وذهب الفارسي إلى أن (مريئًا) منتصبة انتصاب هنيئًا التقدير: عنده ثبت مريئًا، وأما:(تربًا وجندلاً) فنصبهما سيبويه، وفاها لفيك نصب المفعول به، وذهب الأستاذ أبو علي وغيره إلى أن نصب «تربا وجندلا» نصب المصادر، وإن كانت جواهر ولذلك تدخل اللام نحو: تربًا لك كما تقول: سقيًا لك.

وأما: أعور وذا ناب وما قبله، فقدره سيبويه: ألزمه أو أطعمه الله تربًا وجندلاً، وألزم الله فاهًا لفيك، والضمير في (فاها) للداهية قاله سيبويه،

ص: 1380

وجعله بعضهم ضمير الحبيبة «وأتستقبلون أعور وذا ناب» هو الحمل، قيل: كان له ناب طويل، وقيل: أراد بالأعور بعيرًا أعور، وبالناب كلبًا، وقد جاء «ترب» مرفوعًا وقال سيبويه: ولو قال «أعور وذو ناب» كان مصيبًا انتهى. ولا ينقاس الرفع في أسماء الأعيان التي يدعى بها لو قلت: فوها لفيك على قصد الدعاء لم يجز، ولا يجوز تعريفها (بأل) وفي البسيط: وقد أدخلوا ههنا (أل) كما فعلوا في المصدر قال: (الترب) لك، و «الترب» له، ولا يقاس هذا الباب لا يقال أرضًا ولا جبلاً، وقد استشكلوا تقدير سيبويه في أعور وذا ناب أتستقبلون، فقيل: هو تفسير معنى لا إعراب.

والإعراب: أتستقبلونه أعور، وحذف المفعول، وجمع ابن مالك بين تربًا وجندلاً وفاهًا لفيك، وبين أعور وذا ناب تخليط، وإنما ذكر سيبويه أعور، وذا ناب في باب أتميميًا مرة، وقيسيًا أخرى وقول الشاعر:

أفي السلم أعيارًا جفاء وغلظة

...

....

ص: 1381

وقول الآخر:

أفي الولائم أولادًا لواحدة

...

... ....

وأنشد يعقوب:

عفاريتًا علي وأكل مالي

وجبنًا عن رجال آخرينا

ويجوز ارتفاع ذلك فتقول: أتميمي مرة وقيسي أخرى، على إضمار مبتدأ تقديره: أأنت تميمي.

وذكر ابن مالك: أن مما ينتصب وجوبًا بفعل مهمل بله زيدًا، أي ترك زيد، وفي الاستعطاف: قعدك الله إلا ما ذكرت كذا أي تثبيتك الله قال: ومثله عمرك الله في لزوم الإضافة والاستعطاف قال: إلا أنه مختصر من التعمير مصدر عمرتك الله بمعنى نشدتك الله، ويلزمه إذا كان عمرك الله مختصرًا من التعمير مصدر عمرتك فلا يكون منصوبًا بالفعل وسيأتي القول في (بله) في أسماء الأفعال، وعلى «قعدك، وعمرك» في باب القسم إن شاء الله تعالى.

ص: 1382