الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المستثنى
وهو المنسوب إليه خلاف المسند للاسم الذي قبله بواسطة إلا، أو ما في معناها، واحترز بإلا وما في معناها من المخصص بالصفة، وبالشرط وغيرهما، وشمل هذا الرسم الاستثناء المتصل والمنقطع، وذكر الفراء من الاستثناء المنقطع ما فاق ما قبله مع اتحاد الجنس نحو قوله: له على ألف إلا ألفين، ويحتاج مثل هذا التركيب إلى سماع من العرب.
ومذهب سيبويه، وجمهور البصريين أن المستثنى لم يندرج في الاسم المستثنى منه، ولا في حكمه، ومذهب الكسائي أن المستثنى لم يندرج في المستثنى منه، وهو مسكوت عنه فإذا قلت: قام القوم إلا زيدًا، فهو إخبار عن القوم الذين ليس فيهم زيد، وزيد يحتمل أنه قام وأنه لم يقم.
ومذهب الفراء أن زيدًا لم يخرج من القوم، وإنما أخرجت (إلا) وصف زيد من وصف القوم؛ لأن القوم وجب لهم القيام، وزيد منفي عنه القيام، وهذا الخلاف إنما هو في الاستثناء المتصل، و (إلا) تكون للاستثناء وصفة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ولا تكون بمعنى الواو خلافًا للأخفش: إذ جعل قوله تعالى: {إلا الذين
ظلموا} بمعنى: ولا الذين و (لا) زائدة خلافًا للأصمعي، وابن جني في زعمهما ذلك في قوله:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة
…
...
…
....
وقد تقدم ذكر ذلك في باب كان، وخلاف الكوفيين في جعلهم إلا بمعنى الواو في قول الشاعر:
وأرى لها دارًا بأغدرة السـ
…
ـيدان لم يدرس لها رسم
إلا رمادًا هامدًا قد دافعت
…
عنه الرياح خوالد سحم
والذي بمعنى إلا يأتي ذكره.
والحرف والاسم الذي يستثنى به يكون في الاستثناء المتصل، والمنقطع، لو قلت: ما في الدار أحد خلا حمارًا لم يجز، وقال أصحابنا: لا يستثنى من النكرة
غير العامة النكرة المجهولة عند السامع نحو: قام رجال إلا رجلا، لا على الاتصال، ولا على الانقطاع، فإن تخصصا جاز نحو: قام رجال كانوا في دارك إلا رجلاً منهم؛ فإن عمت جاز نحو: ما جاءني أحد إلا رجلاً، ولا تستثنى المعرفة من النكرة التي لا تعم، ولم تخصص نحو: قام رجال إلا زيدًا؛ فإن عمت نحو: ما قام أحد إلا زيدًا، أو تخصصت نحو: قام رجال كانوا في دارك إلا زيدًا منهم جاز، ولا من المعرفة بالنكرة التي لم تخصص، نحو: قام القوم إلا رجلا.
فإن تخصصت جاز نحو: قام القوم إلا رجلا منهم، ونص أصحابنا على أنه لا يجوز أن يكون المستثنى مستغرقًا للمستثنى منه، ولا زائدًا عليه ولا يجوز أن تقول: عندي عشرة إلا عشرة، ولا عندي عشرة غلا أحد عشر، وذكروا اتفاق النحاة على ذلك، وهو مخالف لما تقدم ذكره عن الفراء.
وفي الاستثناء من العدد ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه يجوز مطلقًا، وهو اختيار شيخنا أبي الحسن بن الضائع، وقال الأخفش في الأوسط تقول: مر بي عشرة إلا واحدًا، ولو قلت: مر بي رجال إلا واحدًا لم يجز.
والثاني: المنع مطلقًا، وهو اختيار ابن عصفور.
والثالث: التفصيل بين أن يكون المستثنى عقدًا فلا يجو نحو قوله: عندي عشرون إلا عشرة، أو غير عقد، فيجوز نحو: له عندي عشرة دراهم إلا اثنين.
واختلفوا في قدر المستثنى، فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن يكون قدر المستثنى منه ولا أكثر، بل يكون أقل من النصف، وذهب أبو عبيد، والسيرافي إلى أنه يجوز أن يكون قدره، وأكثر منه، وذهب بعض البصريين، وبعض الكوفيين إلى أنه يجوز أن يكون النصف فما دونه.
والمتصل هو ما كان بعضًا من المستثنى منه، والمنقطع ما لم يكن بعضه، أو كان بعضه إلا أن العامل غير متوجه عليه، وقد أنكر هذا النوع من الاستثناء بعض الناس وتخيلوا في جعل ما ورد من ذلك متصلاً، والمنقطع مقدر بلكن عند البصريين من حيث المعنى.
وزعم بعض النحويين، ومنهم أبو الحجاج بن يسعون أن (إلا) في الاستثناء المنقطع، تكون مع ما بعدها كلامًا مستأنفًا، فزعم أن:
إلا الأواري
…
...
…
...
…
...
…
...
…
(إلا) فيه معنى لكن، وإلا الأواري منصوب بها، والخبر محذوف، وحذف
خبر (إلا) كما حذف خبر (لكن) في قوله:
…
...
…
....
…
ولكن زنجيًا عظيم المشافر
أي لا يعرف قرابتي، وقد رد أبو علي هذا المذهب في بغدادياته. ويقدر سوى عند الكوفيين، والاستثناء المنقطع يكون في الإيجاب كما يكون في النفي تقول: ضربت القوم إلا الحمار.
وحكى سيبويه على الانقطاع في الإيجاب: «والله إن لفلان مالاً إلا أنه شقي» على معنى: ولكنه شقي أي: إلا شقاوته أي: ولكن شقاوته لا تقيه، ولأفعلن كذا وكذا غلا حل ذلك أن أفعل كذا معناه: والله لأفعلن كذا إلا إن فعلت كذا، يجعله حلاً ليمينه.
وقال أبو بكر خطاب في كتاب الترشيح: وإذا استثنيت بإلا في غير النفي شيئًا ليس من صنف ما قبله، فالنصب أبدًا نحو: جاءني القوم إلا حمارًا، ومررت
بهم إلا كلبًا، وكذلك في النفي نقول: ما في الدار أحد إلا حمارًا، وما مررت بأحد إلا كلبًا، وبنو تميم يجرون هذا مجرى ما هو من صفة الأول، فينصبون في الإيجاب، ويبدلون ما بعد (إلا) مما قبلها في النفي، انتهى.
وليس البدل عندهم على جهة الوجوب، بل يجيزون في النصب على الاستثناء، وإذا ترك المستثنى منه، وفرغ السابق للمستثنى كان له من الإعراب بعد (إلا) ما له بعدمها.
والتفريغ يكون في جميع المعمولات من مفعول به وغيره إلا المصدر المؤكد، ولذلك تؤول قوله تعالى:{إن نظن إلا ظنا} ، واشترط ترك المستثنى منه، وهو الذي كان تسلط عليه ما يطلبه، واشترط معه تفريغ السابق، لأنه قد يترك المستثنى منه، ولكن السابق قد يفرغ لما بعد (إلا) نحو: ما قام إلا زيد إلا عمرًا، وكذلك ما قام زيد إلا عمرًا، تريد ما قام زيد، ولا غيره إلا عمرًا، والسابق أعم من أن يكون عاملاً نحو: ما قام إلا زيد، أو غير عامل نحو: ما في الدار إلا زيد.
ولا يكون التفريغ عند أكثر النحاة إلا في النفي نحو: {وما محمد إلا رسول} ، والنهي نحو:{ولا تقولوا على الله إلا الحق} . والاستفهام المؤول بالنفي نحو: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} ، ومن النفي المؤول: زيد غير آكل إلا الخبز.
ومن الشرط المؤول بالنهي قوله تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا} وهو تفريغ في الأحوال أي لا يول أحد دبره إلا في هذه الحالة.
ولا يكون التفريغ في الموجب، والأمر، والتمني، والشرط الذي لا يتضمن النهي، فلا يجوز قام إلا زيد، ولا اضرب إلا زيدًا، ولا متى قام إلا زيد، فأما قوله تعالى:{ويأبى الله إلا أن يتم نوره} ، [فهو محمول على معنى: لا يريد الله إلا أن يتم نوره]، فلو كان الموجب لازمًا له النفي نحو: لولا ولو، فذهب المبرد إلى جواز التفريغ تقول: لولا القوم إلا زيد لأكرمتك، ولو كان معنا إلا زيد لغلبنا، والصحيح أن ذلك لا يجوز، وزعم بعض المتأخرين أن غير الموجب هو الوجه الذي يكون فيه النفي، وأن التفريغ لا يكون إلا فيه، وعزاه إلى سيبويه. وليس بصحيح، فلا بد أن يكون النفي محققًا في اللفظ، أو في المتضمن، وكل منهما تارة يباشر ما دخلت عليه (إلا) نحو: ما ضربت إلا زيدًا، وقلما يقوله إلا زيد، أو غير مباشر، وشرطه أن يكون ما دخل عليه النفي غير مقصود النفي، بل دخل لتغير جهة ما في النفي الذي هو الخبر، فيكون كالمباشر، وذلك إنما يوجد في بعض أفعال القلوب المفيدة في الجملة وجهًا من وجوه الاعتقاد نحو: ما علمت أن فيها إلا زيدًا، وما ظننت أن يقول هذا إلا زيد، وكذا سمعت وشهدت كأنك قلت: ما فيها أحد إلا زيد في علمي، وما يقول ذلك أحد في ظني، وفي تفريغ لما بعد أن، وقد تقدمه ما علمت نحو: ما علمت أن فيها إلا زيدًا وهو مثال سيبويه نظر.
وينبغي ألا يقدم على إجازته إلا بسماع، وأجاز الأخفش التفريغ في نحو: ما علمته، أو ما ظننته يقول ذلك إلا زيدًا، والهاء ضمير الشأن، ومنعه غيره وقال الأخفش لو قلت: ما أرى، وما أعلم بقى من الشهر إلا يومان لم يحسن؛ لأنك جئت إلى جنب أرى بفعل، وإنما ينبغي أن تجيء باسم انتهى.
والتخصص مشبه إما بالأمر، وإما بالإيجاب، لأنه حث على إيجاد الفعل، واستبطاء المحثوث في تركه، والأمر، والإيجاب لا يجوز فيها الإبدال، وعن الزجاج: أنه كان يجيز الإبدال في مثل {إلا قوم يونس} قال: لأن التحضيض له نظير إلى الاستفهام، وإلى النهي، وذلك لا يجوز فيه الإبدال. انتهى.
وإن كان الموجب يمكن تعلقه بعام، والعام غير مرفوع بالفعل نحو: برئت إلا من ذمامك، التقدير: من ذمام كل أحد إلا من ذمامك. فقد يوجد في أشعار المولدين.
وينبغي ألا يقدم عليه إلا بسماع من العرب، وقد عملته أنا في قولي:
لا خرس إلا عن ثنائك مقول
…
وقد صم إلا عن سماعك آذان
وقال ابن اللبانة:
أنكرت إلا للقراءة عدة
…
وقد ذكرت في الروضات جنات
وهذا تقسيم في غير الموجب بالنسيبة إلى تفريغه لما بعد إلا وذلك إما أن يكون ما قبل إلا تامًا في اللفظ، أو غير تام، إن كان تامًا، فإنه يقتضي منصوبًا، أو مجرورًا نحو: ما ضربت إلا زيدًا، وما مررت إلا بعمرو، فيجوز فيما بعد إلا أن يكون زيد منصوبًا بضربت و (بعمرو) متعلقًا بمررت، والنصب على الاستثناء، ومعمول الفعل محذوف كما قال:
.
…
...
…
...
…
ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا
أي ولم ينج بشيء، وأجاز بعض النحاة نصبه على البدل من مبدل منه محذوف، فيقدر: ما رأيت مرئيًا إلا زيدًا، وما مررت بمرور به إلا بزيد.
وإن كان غير تام، وأمكن أن يقدر محذوف يتم به وجب الرفع إن لم تقدر المحذوف، وإن قدرته جاز الرفع والنصب، وذلك مثل قوله:
هل هو إلا الذئب لاقى الذيبا
روى برفع الذئب، ونصبه على تقدير: هل هو شيء إلا الذئب، وإن لم يمكن وجب رفع ما بعد (إلا) نحو: ما قام إلا زيد، وأجاز فيه الكسائي الرفع على الفاعل، والرفع على البدل من الفاعل المحذوف، والنصب على الاستثناء، وحذف الفاعل، وقال في البديع: أجاز قوم: ما قام إلا زيدًا، وإذا انتصب ما بعد (إلا) على الاستثناء، فالخلاف في الناصب فقيل: النصب بـ (إلا) نفسها، ونسب إلى سيبويه، وقيل بما قبل إلا من فعل وغيره بوساطة إلا ونسب إلى سيبويه.
وقيل بما قبلها من غير واسطة (إلا) وهو مذهب ابن خروف مستدلاً عليه في زعمه بكلام سيبويه، وقيل (بأن) مقدرة بعد (إلا) ونسب إلى الكسائي، [وقيل باستثناء ضميره بعد إلا، وهو مذهب المبرد، والزجاج، وقيل بمخالفته الأول، ونسب إلى الكسائي] وقيل (بإن) مخففة من (إن) مركبًا منها، ومن (لا)، فمن نصب غلب حكم (إن)، وخبرها محذوف، ومن رفع غلب حكم لا، ومثل هذا الخلاف لا يجدي كبير فائدة، وهو كالخلاف في رافع المبتدأ والخبر، ورافع الفاعل، وناصب المفعول، وإنما الخلاف الذي يجدي هو فيما أدى إلى حكم لفظي، أو معنى كلامي.
وهذا تقسيم لأصحابنا في المستثنى بالنسبة إلى الموجب، وغير الموجب إذا ذكر المستثنى منه، وكان المستثنى متصلاً مؤخرًا والكلام موجب، وهو ما ليس بمنفي في المعنى، وسواء أكان في اللفظ منفيًا نحو: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدًا وما جاء القوم إلا ركبانًا إلا زيدًا، أم لم يكن منفيًا نحو: قام القوم إلا زيدًا، واضرب القوم إلا زيدًا، وإن قام القوم إلا زيدًا أقمت، فكل هذا نصب.
وحكى الأخفش عن بعض العرب أنهم جعلوا الاستثناء من المخفوض مخفوضًا فتقول: مررت بالقوم إلا بزيد، وغير الموجب ما هو منفي في المعنى، كان في اللفظ منفيًا نحو: ما قام القوم إلا زيد، ولا يضرب القوم إلا زيد، وهل قام أحد إلا زيد، وأقل رجل يقول ذلك إلا زيد، فالمختار في هذا الاتباع بدلاً عند سيبويه والبصريين، وعطفًا عند الكوفيين.
والاستفهام الحقيقي إعرابه كالنفي، وإذا كان اللفظ نفيًا، والمعنى إيجابًا، أو كان الأمر بالعكس، فالمنفي في هذا الفصل المعنى فإذا قلت: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدًا، فلا يجوز في زيد إلا النصب، ولو قلت: أتاني بنو محمد إلا بنى جعفر إلا خالد، فترفعه بدلاً على التوهم، كأنك قلت: ما أتاني بنو جعفر، فلذلك قلت: إلا خالد، ومنه: أقل رجل يقول ذلك إلا زيد.
فأقل موجب في اللفظ، منفي في المعنى، فأقل مبتدأ و (زيد) بدل منه، فكأنك قلت: ما أحد يقول ذلك إلا زيد، وذكر ابن مالك في اختيار الاتباع شرطين.
أحدهما: أن يكون غير مردود به كلام تضمن الاستثناء مثاله مردودًا به: ما قام القوم إلا زيدًا، ردًا لمن قال: قام القوم إلا زيدًا، وأنت تعلم أن الأمر بخلاف ذلك فيختار عنده في هذا النصب على الاستثناء، لا البدل، وفي شرحه لكلام نفسه هذا قال: فتنصب زيدًا، ولا ترفعه، وهذا الشرط تلقفه من ابن السراج قال: قولك ما جاءني القوم، إن قدر أن الأصل: ما جاءني القوم، ثم أتى بعد ذلك
بالاستثناء، فالمختار الرفع، وإن قدر أن الأصل: جاءني القوم إلا زيدًا، ثم دخل حرف النفي فالنصب.
والشرط الثاني: ألا يكون متراخيًا، فإن كان متراخيًا نحو: ما ثبت أحد في الحرب ثباتًا نفع الناس إلا زيدًا، اختير النصب، ولم يشترط سيبويه، ولا أصحابنا شيئًا من هذين الشرطين.
ولا يشترط في نصب المستثنى تعريف المستثنى منه خلافًا للفراء، وهو محجوج بما روى عن العرب: ما مررت بأحد إلا زيدًا، وما أتاني أحد إلا زيدًا، ولا في جواز الإبدال عدم صلاحيته للإيجاب، خلافًا لبعض القدماء حكاه سيبويه عنهم، فلا يجيزون: ما قام القوم إلا زيد، بل يوجبون النصب على الاستثناء، ويجيزون: ما جاء أحد إلا زيد؛ لأنه عدمت صلاحية (أحد) للإيجاب، وقال تعالى:{ما فعلوه إلا قليل منهم} في قراءة الجمهور.
وعن بعض النحاة: أن البدل يختص بما يكون ما بعد إلا مستثنى مما يكون فيه المستثنى منه مفردًا، نحو: رجل واحد، وهو محجوج بقوله تعالى:{ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} ، فشهداء جمع، وليس بمفرد.
وإذا توسط المستثنى بين المستثنى منه وبين صفته نحو: ما جاءني أحد إلا زيدًا خير منك [وما مررت بأحد إلا زيد خير منك]، جاز فيه النصب على الاستثناء، والاتباع على البدل، وهو المختار عند سيبويه، وهو قول المبرد، وعن المازني اختيار النصب، وعنه اختيار البدل، وعنه وجوب النصب، وهو وهم عليه من ابن عصفور ومن صاحب النهاية: قال فيها قال أبو عثمان: يجب النصب: نزل تقديمه على الصفة منزلة تقديمه على الموصوف؛ لأنك لو أبدلت من أحد، كان في حكم المطرح، ولو وصفت لم يكن في حكم المطرح؛ لأن المبدل منه ملغي الجانب من بعض الوجوه، والموصوف ليس ملغي الجانب، فيتدافعان فلو أوقعت المستثنى بين صفتي المستثنى منه نحو: ما مررت بأحد خير من زيد إلا ابنك بر بوالديه، فالظاهر أن الخلاف قائم إلى على رأي سيبويه؛ فلأنك لم تقدمه على المستثنى، فالإبدال قائم، وإما على رأي المازني؛ فلأنك قد جئت بصفة بعد المستثنى، وإذا تأملت تعليله وجدته متجها انتهى.
ومن مثل هذه المسألة: ما لي أحد إلا زيد صديق، ومن لي إلا زيد صديق، فالرفع على البدل من (من)، و (من) مبتدأ، و (لي) خبره، ومثل سيبويه هذا بنصب (صديق) على الحال.
وزعم المبرد: أن «إلا أبوك» خبر عن (من) وأدخلت (إلا) على الخبر؛ إذ معناه النفي كأنه قال: ما لي إلا أبوك، و (صديقًا) حال متعلقًا به.
ولا يتبع المجرور (بمن) نحو: ما في الدار من أحد إلا زيد، ولا الباء الزائدتين نحو: ليس زيد بشيء إلا شيئًا لا يعبأ به، ولا اسم (لا) الجنسية «لا إله إلا الله» إلا باعتبار المحل، والنكرة والمعرفة في ذلك سواء، لو قلت: لا رجل في الدار إلا رجلاً من بني تميم، أو إلا تميميًا، على أنه اتباع على اللفظ، لا على المحل لم يجز، ويجوز النصب على الاستثناء من هذه الصور وأشباهها.
وإذا أبدلت مما دخلت عليه (من) الزائدة نكرة لا معرفة، جاز ذلك عند الكسائي نحو: ما جاءني من أحد إلا زيد، و {ما من إله إلا إله واحد} وأجاز الأخفش: ما حسنت بصدر رجل إلا صدر زيد، بخفض (صدر زيد) على اللفظ، ونصبه على الموضع، ويجوز النصب على أصل الاستثناء.
ويجوز جر الاسم فيما كان قبله مجرور على أن يكون (إلا)، وما بعدها صفة لذلك المجرور وأنشدوا:
«إلا الأواري»
بالخفض على الصفة (من أحد) في قوله:
وأنشد الفراء والكسائي:
أبني لبيني لستما بيد
…
إلا يد
…
... ....
بالخفض وأجاز ذلك الفراء في إلا يد، ولم يجزه في إلا الأواري.
وإذا كان الاستثناء منقطعًا، وصح إغناؤه عن المستثنى منه، وتأخر، فـ (بنو تميم) يجيزون الاتباع فيه كالمتصل نحو: ما في الدار أحد إلا حمار، والنصب عندهم أفصح من البدل، والحجازيون يوجبون نصبه فيقولون: إلا حمارًا، فإن لم يتأخر نحو: ما في الدار إلا حمارًا أحد، فلا يجوز فيه على مذهب البصريين إلا النصب، كالاستثناء المتصل نحو: جاء إلا زيدًا القوم، وسيأتي الكلام على هذا. وإن لم يصح إغناؤه عن المستثنى منه نحو: جاء إلا زيدًا القوم، وسيأتي الكلام على هذا. وإن لم يصح إغناؤه عن المستثنى منه نحو: ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضر فـ (في) زاد، ونقص ضميران فاعلان، و (ما) مصدرية كأنه قال: ما زاد إلا النقص، وما نفع إلا الضر، فهذا الذي لا يمكن أن يتوجه عليه العامل لا يصح فيه عند جميع العرب إلا النصب.
وزعم أبو بكر محمد بن إسماعيل مبرمان، وأبو سعيد السيرافي: أن المصدر المنسبك من (ما) والفعل هنا في موضع رفع على الابتداء، وخبره محذوف تقديره: ما زاد النهر لكن النقصان أمره، وما نفع زيد لكن الضرر شأنه، وزعم الأستاذ أبو علي: أن المصدر هنا مفعول به حقيقة تقديره: ما زاد شيئًا إلا النقصان، ثم فرغه له كـ (ما ضرب إلا زيد)، أو جعله متصلاً، وكان الذي قام مقام الزيادة النقصان، ومقام النفع الضرر.
وذهب ابن الطراوة إلى أن (ما) زائدة، وخطأ سيبويه في جعل (ما) مصدرية كأنه قال: ما زاد إلا نقص، وما نفع إلا ضر، ولقوة الاتصال بإلا استغنت عن الواو، كما في قولك: ما قام زيد إلا وقعد عمرو.
وزعم بعض المتأخرين أنه قد يصح البدل بتقدير معطوف محذوف، فالتقدير: ما في الدار أحد، ولا غيره إلا الأوارى، وعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً، وليس ما ورد منقطعًا من تغليب العاقل، فيختص المستثنى منه بمن يعقل كأحد، وشبهه خلافًا للمازني.
ألا ترى إلى قول الشاعر:
عشية لا تغني الرماح مكانها
…
ولا النبل إلا المشرفي المصمم
وغير، وسوى، وأختاها في الاستثناء المنقطع كإلا قال:
لم ألف في الدار ذا نطق سوى طلل
…
...
…
... ....
فقوله: «ذا نطق» معناه أحد، و (سوى طلل) استثناء منقطع؛ فإن كانت أداة الاستثناء فعلاً، فقد تقدم لنا أنه لا يقع بعدها استثناء منقطع فلا تقول: ما في الدار أ؛ د ليس حمارًا، ولا يكون حمارًا.
وإذا عاد ضمير قبل المستثنى بـ (إلا) الصالح للاتباع على المستثنى منه المبتدأ، أو أحد نواسخه التي هي مصدرة بنفي حقيقي اتبع الضمير جوازًا، وصاحبه اختيارًا مثال ذلك: ما أحد يقول ذلك إلا زيد، وما حسبت أحدًا يقول ذلك إلا زيدًا، وما كان أحد يجترئ عليك إلا زيدًا، ففي الأولى والثالثة أن يرتفع تابعًا للمرفوع بدلاً منه، وأن يرتفع بدلاً من الضمير في تقول، ويجترئ، وفي الثانية أن ينتصب بدلاً من مفعول حسبت، وأن يرتفع بدلاً من ضمير يقول، ويجترئ
الصفة في ذلك كالخبر، وكما في حسبت تقول: ما فيهم أحد اتخذت عنده يدًا إلا زيد، وما ظننت فهيم أحدًا يقول ذلك إلا زيد، وما كان فيهم أحد يقول ذلك إلا زيد، فيجوز في الأولى رفع زيد بدلاً من أحد، وجره بدلاً من ضمير عنده، وفي الثانية: نصبه بدلاً من أحد، ورفعه بدلاً من ضمير يقول، وفي الثالثة، رفعه بدلاً من أحد، ورفعه بدلاً من ضمير يقول، وهل يجري الحال مجرى الصفة في ذلك فيه نظر، ،القياس يقتضيه؛ لأن الحال يتوجه عليها النفي في المعنى كالصفة، والخبر فتقول: ما إخوتك في البيت عاتبين عليك إلا زيد، فتبدل من إخوتك، أو من الضمير في عاتبين.
ومما يلحق بالنفي قولهم: أقل رجل يقول ذلك إلا زيد فهو بدل من الضمير في يقول، وذهب السيرافي إلى أنه لا يجوز أن يكون بدلاً من أقل، وهو الصحيح.
وذهب ابن خروف إلى أنه يجوز، فلو أريد (بأقل) التقليل الذي يقابله التكثير لا النفي المحض، فأجاز السيرافي أن يكون بدلاً من الضمير في يقول. وذهب ابن خروف إلى منع ذلك، وأوجب النصب في (إلا زيدًا)، وهذا هو الأظهر، ويجوز في هذه المسائل كلها النصب على الاستثناء، وظاهر كلام سيبويه أن البدل أحسن من النصب، ونص عليه السيرافي وغيره، ويظهر من كلام ابن عصفور أنهما مستويان.
ولو عاد الضمير بعد المستثنى نحو: ما أحد إلا زيدًا يقول ذلك: لم يكن فيه إلا النصب على الاستثناء، ولا يجوز الرفع بدلاً من الضمير المتأخر في (يقول)، والمستثنى بإلا يشمل المتصل كما مثلنا في تلك المسائل والمنقطع نحو: ما أحد يقيم
بدراهم إلا الوحش وكذلك ما حسبت وما كان، وقال:
في ليلة لا نرى بها أحدًا
…
يحكى علينا إلا كواكبها
برفع كواكبها بدلاً من الضمير في يحكى، والظاهر أن غيرًا في ذلك مثل: إلا، لكن لم يمثل النحويون إلا (بإلا) فتقول: ما ظننت أحدًا يقول ذلك غير زيد، بنصبه بدلاً من أحد، ورفعه بدلاً من يقول، فلو كان ما بعد (إلا) لا يصلح للاتباع، وهو أن يكون مستثنى لا يمكن أن يتوجه عليه العامل نحو: ما أحد ينفع إلا الضر، ولا مال يزيد إلا النقص، وجب فيه النصب على الاستثناء.
ولو كان المستثنى منه غير مبتدأ، ولا معمول لأحد نواسخه نحو: ما شكر رجل أكرمته إلا زيد، وما مررت بأحد أعرفه إلا عمرو، وما مررت بمن أعرفهم إلا بعمرو، فلا يجوز اتباع الضمير، ويظهر أن المعرفة كالنكرة في تلك المسائل التي يجوز فيها الاتباع للضمير، ولكن تمثيل النحاه بالنكرة.
فتقول في المعرفة: ما القوم يقولون ذلك إلا زيد، وما إخوتك يقولون ذلك إلا عمرو. فلو كان المبتدأ، أو معمول أحد نواسخه ضمير الشأن لم يبدل منه، وتعين رفعه على الفاعلية نحو: ما هو يقول ذلك إلا زيد، وما ظننته يقول ذلك إلا زيد وقال:
يهدي كتائب خضرًا ليس يعصمها
…
إلا ابتدار إلى موت بإلجام
فهو ضمير الشأن، وكذلك الهاء في ظننته، والمستكن في ليس، ويجوز أن تكون (ليس) مثل ما، فلا عمل لها. ويجوز في المضاف والمضاف إليه نحو: ما جاءني أخو أحد إلا زيد، أن يتبعه المرفوع، فيرفع، وأن يتبعه المجرور فيجر.
وقد يجعل المستثنى متبوعًا والمستثنى منه تابعًا، حكى يونس عن بعض العرب الموثوق بهم: ما لي إلا أبوك أحد، وما مررت بمثله أحد، وقال الفراء: ومن العرب من يرفع الاستثناء المقدم، وأجاز ذلك الكوفيون، والبغداديون ومخرجه على البدل، وعلى ذلك خرجه سيبويه، والفراء وقال ابن أصبغ: لا يجوز فيه عند البصريين إلا النصب خاصة.
وقال بعضهم هو من القلة بحيث لا يقاس عليه، ووجهه أن يكون بدلاً، وقال جماعة: جعله سيبويه من باب الصفة، وإبدال الموصوف منها نحو: جاءني مقبل رجل.
وقال شيخنا أبو الحسن بن الضائع: الوجه أن يقال هو بدل من الاسم مع (إلا) مجموعين، فيقدر العامل نحو: لم يبق إلا شغر، وهو من بدل الشيء من الشيء لعين واحدة، ومن مسائل هذا: ما أتاني إلا عمرًا إلا بشرًا أحد، وما أتاني إلا بشر إلا عمرًا أحد.
وتقديم المستثنى أول الكلام لا يجوز عند الجمهور وأجازه الكسائي، والزجاج. وفي النهاية: أجازه الكوفيون نحو: إلا زيدًا قام القوم، ولو تقدمه حرف نفي فالمنع أيضًا، ويقتضى مذهبهما الجواز نحو: ما إلا زيدًا في الدار أحد، والمنع نص ابن الضائع، والجواز ظاهر كلام شيخنا أبي الحسن الأبذي نحو قوله
ولا خلا الجن بها إنسي
وقال الأخفش: وتقول: ليس إلا زيدًا فيها أحد، ولم يكن إلا زيدًا فيها أحد، ولو قلت: ما إلا زيد فيها أحد، وهل إلا زيدًا فيها أحد لم يجز، وفي النهاية: مذهب البصريين أنه لا يجوز تقديم المستثنى أول الكلام إجراء لأداته مجرى حرف العطف؛ لأن معنى (إلا زيدًا) لا زيد، وفرعوا على هذا مسألتين قالوا: يجوز: كيف إلا زيدًا إخوتك، وأين إلا زيدًا القوم، وقالوا: لا يجوز هل إلا زيدًا عندي أ؛ د، ولا أين إلا زيدًا جلس القوم، وعللوا المنع بأن هل وأين في هذا التركيب فضلة، فلو حذفا وقع المستثنى أو لا، وفي مسألتي الجواز وقع المستثنى بين شطري الجملة، انتهى.
وأجاز الكسائي تقديمه على حرف النفي نحو: إلا زيدًا ما أكل طعامك أحد، وأجازه الفراء إلا مع المرفوع، ومنعه هشام إلا مع الدائم.
ويجوز أن يتوسط المستثنى بين المستثنى منه، والمنسوب إليه الحكم سواء أكان مسندًا غليه الحكم أم واقعًا على المستثنى منه نحو: قام إلا زيدًا القوم، والقوم إلا زيدًا ذاهبون، وفي الدار إلا عمرا أصحابك، وهاهنا إلا زيدًا قومك، وأين إلا زيدًا قومك، وكيف إلا زيدًا قومك، ومثاله واقعًا على المستثنى منه: ضربت إلا زيدًا القوم، فأما إذا تقدم على المستثنى منه وعلى العامل، وتوسط بين جزءى الكلام، ففي ذلك مذاهب:
أحدها: الجواز على الإطلاق كان العامل متصرفًا أو غير متصرف.
الثاني: المنع على الإطلاق.
الثالث: التفصيل بين أن يكون متصرفًا فيجوز نحو: القوم إلا زيدًا جاء، أو غير متصرف، فلا يجوز نحو: القوم إلا زيدًا في الدار، وهو مذهب الأخفش، وهو الذي نختاره؛ إذ ورد به السماع، ويحتاج جواز: القوم إلا زيدًا في الدار إلى سماع، ولا خلاف في جواز، قام إلا زيدًا القوم.
وفي البسيط: وقع الإجماع على جواز تقديمه على أحد جزءي الجملة من فاعل أو مفعول، وإذا عطفت على المستثنى المقدم المنصوب اسمًا نصبته نحو: قام إلا زيدًا وعمرًا القوم، ولا يجوز غير النصب، فإن أخرت المعطوف بعد المستثنى منه، فالمختار النصب، نحو: قام إلا زيدًا القوم وعمرًا، ويجوز أن يرفع حملاً على المعنى فتقول: قام إلا زيدًا القوم وعمرو؛ لأن معنى الاستثناء لم يقم زيد.