الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المبتدأ والخبر
المبتدأ: هو الاسم المنتظم منه مع اسم مرفوع به جملة؛ فقولي: الاسم يعني أنه لا يكون المبتدأ فعلاً، وشمل الملفوظ به، والمقدر نحو:{وأن تصوموا} (أي وصومكم خير لكم) وقولي: المنتظم يشمل المحدث عنه نحو: زيد قائم، والوصف الرافع للمنفصل، المغني عن الخبر، وقولي: مع اسم مرفوع به يشمل الخبر المسند إلى المبتدأ؛ فإنه مرفوع به على ما يبين، والمرفوع بالوصف فاعلاً، أو مفعولاً لم يسم فاعله نحو: أقائم الزيدان، وما مضروب أخواك وبالاسم الذي ليس بوصف؛ لكونه يؤدي إلى معنى الفعل وهو قولهم:{لا نولك أن تفعل} أعربوا نولك مبتدأ، و «أن تفعل» فاعل به، ومعناه لا ينبغي أن تفعل، وقولي جملة يشمل مثل: زيد قائم، وأقائم زيد، وأبوه قائم من قولك: زيد: أبوه قائم واحترز بقوله جملة من نحو: قائم أبوه من قولك: زيد قائم أبوه؛ فإن قولك: قائم أبوه لا يسمى جملة.
والإسناد إلى المبتدأ تارة يتكون باعتبار اللفظ نحو: زيد ثلاثي، وتارة باعتبار مدلوله نحو: زيد قائم، وتارة باعتبار المعنى ومن ذلك، سواء على أقمت أم قعدت فالجملة في موضع المبتدأ، والمعنى قيامك وقعودك سواء على، وقيل سواء مبتدأ، والجملة في موضع الخبر، والقولان عن أبي علي، وأجاز بعضهم أن يكون سواء مبتدأ، والجملة في موضع الفاعل المغني عن الخبر، والتقدير: استوى
عندي أقمت أم قعدت: أي قيامك وقعودك كما قالوا في نولك أن تفعل: إن «أن تفعل» فاعل «نولك» لما كان بمعنى الفعل؛ إذ معناه ما ينبغي لك أن تفعل، وقد تحذف الجملة بعد سواء، للدلالة عليها قال تعالى:{فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم} أي أصبرتم أم لم تصبروا، وقد تأتي بعد سواء الجملة الفعلية المتسلطة على اسم الاستفهام نحو: سواء عندي أي الرجال ضربت، ويجيء أيضًا بعد سواء، ما يعرى عن الاستفهام من المتعاطفين وهو الأصل نحو قوله تعالى:{سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} ويجوز دخول «من» على المبتدأ، بالشرط المذكور في زيادتها نحو:{هل من خالق غير الله} ، والباء في «بحسبك درهم» ، ولا يختص بالحرف الزائد، كما ذكر بعضهم، بل قد جاء ذلك في الحرف غير الزائد إجراءً له مجرى الزائد، وذلك رب تقول: رب رجل عالم أفادنا، فرجل موضعه رفع بالابتداء، وقد جر برب، وليس بحرف زائد.
والوصف المغني هو اسم الفاعل، واسم المفعول، ونحوهما من الأسماء المشتقة التي لها عمل، وما جرى مجراها باطراد نحو: أقرشي أبواك، وأقرشي قومك، وما كريمة نساؤكم: قال سيبويه: «ومن قال ذهب فلانة قال أذاهب فلانة، وأحاضر القاضي امرأة» ، وهذا الوصف يرفع الظاهر، كما مثلناه، والضمير المنفصل، نحو: أقائم أنتما، وأقائم أنتم، خلافًا للكوفيين، في منع رفعه المضمر المنفصل، فإذا قلت: أقائم أنت، جعلوا «قائمًا» خبرًا مقدمًا، وأنت مبتدأ،
والبصريون يجيزون هذا الوجه، ويجيزون أن يكون «أنت» فاعلاً بقائم، وثمرة الخلاف تظهر في التثنية، والجمع، والكوفيون لا يجيزون إلا: أقائمان أنتما، وأقائمون أنتم، وإذا عطفت على هذا الوصف «ببل» انفصل الضمير فتقول: أقائم الزيدان بل قاعدهما، قال المازني، ولو قال قائل: زيد قائم، جاز أن تقول منكرًا عليه: أقائم هو، ترفع هو بقائم، وتقول أقائم أخواك أم قاعد هذا هو القياس، وحكى المازني: أم قاعدان، فأضمر المتصل على حد ما يضمر في اسم الفاعل.
وشرط هذا الوصف أن يتقدم، فلو تأخر نحو: أخواك خارج أبوهما لم يكن من الوصف الذي يغني مرفوعه عن خبر المبتدأ، والمرفوع بهذا الوصف مغن عن الخبر، واحترز من نحو: أقائم أبواه زيد، فالفاعل فيه غير مغن عن الخبر، فزيد مبتدأ، وقائم خبر مقدم، وأبواه مرفوع به، وأجاز ابن مالك أن يكون قائم مبتدأ، وأبواه مرفوع به، وزيد خبر قائم، وهذا المرفوع بالوصف، كما ذكرنا مغن عن الخبر، وذهب بعض النحويين إلى أن خبر هذا الوصف محذوف، ولما قام هذا الوصف مقام الفعل، لم يجز تصغيره، ولا وصفه، ولا تعريفه لا تقول: القائم أخواك، ولا يجوز تثنيته، ولا جمعه إلا على لغة:
ألفيتا عيناك
…
...
…
....
…
...
…
....
و:
يلومونني في اشتراء النخيل أهلي
…
...
…
....
وهي لغة لبني الحارث، وقال ابن السراج: القائمان أبواهما أخواك لا يجوز، وقد نص كثير من النحاة، على أن هذا الوصف لا يثنى ولا يجمع.
وقال القاضي أبو محمد بن حوط الله: هذا غلط، ويجوز تثنيته، وجمعه وجعل من ذلك «أو مخرجي هم» ويحتمل أن يكون على لغة بني الحارث، وأن يكون خبرًا مقدمًا، وإنما يتعين الفاعلية إذا لم يطابق.
وشرط هذا الوصف أن يتقدمه أداة نفي، أو استفهام، هذا مذهب جمهور البصريين، وإعمال هذا الوصف بهذا الشرط راجع إلى اعتماد إعمال اسم الفاعل، ويأتي ذلك في باب اسم الفاعل إن شاء الله تعالى، وذهب الأخفش
إلى أنه ليس من شرط إعماله الاعتماد، ودعوى ابن مالك: أن سيبويه لا يحسن عنده الابتداء بالوصف المذكور، على ما تقرر إلا بعد استفهام أو نفي؛ فإن فعل به ذلك دونهما قبح دون منع، ليست بصحيحة، وذهب الكوفيون إلى نحو: مذهب الأخفش من عدم اشتراط الاستفهام والنفي، إلا أنهم يجعلون الوصف مرفوعًا بما بعده، وما بعده مرفوع به على قاعدتهم، ويوافقونه في التزام إفراده، وتجرده من ضمير ويجيزون إجراءه مجرى اسم جامد، فيطابق ما بعده، ويجيزون أيضًا جعله نعتًا منويًا مطابقًا للآخر في إفراده، وتثنيته، وجمعه، ولا بد إذ ذاك من مطابقة النعت، ويسمونه خلفًا، وأطلق ابن مالك في أداة النفي، فأجاز ذلك في «لا» ، و «إن» ، و «ليس» ، و «ما» الحاجزية نحو: لا قائم الزيدان، ولا العمران، وإن قائم الزيدان، وليس قائم الزيدان، وليس منطلق إلا العمران، وما ذهب عبداك.
وفي أداة الاستفهام نحو: هل معتق أخواك، وما فعل الزيدان، ومن ضارب العمران، ومتى راجع العمران، وأين قاعد صاحباك، وكيف مقيم ابناك، وكم ماكث صديقاك، وأيان قادم رفيقاك، والمشهور من أدوات النفي «ما» ومن أدوات الاستفهام الهمزة؛ فالأحوط ألا يثبت تركيب من هذه التراكيب التي أجازها ابن مالك، غلا بعد السماع. وفي النهاية: أسماء الاستفهام فوضى في الاعتماد، وأتى بمثل من نحو مثل ابن مالك، ثم قال: ومن قال: أكلوني البراغيث قال: كم ماكثان أخواك كما تقول: كم مكثا أخواك، فالسؤال ليس على عدد الأخوين؛ إنما السؤال عن مرات الفعل، أو زمانه، وهذه المسألة من كلام أبي الحسن في المسائل الصغيرة انتهى، وإذا تقدم الظرف والمجرور الهمزة أو حرف النفي نحو: أفي
الدار زيد، وما في الدار زيد، فالأخفش يجيز أن يرفع الظرف والمجرور كما يجيز أن يرفع دون اعتماد، وسيبويه لا يجيز رفعه إذا اعتمد على الهمزة، أو (ما) ويجيز رفعه إذا اعتمد بكونه وقع خبرًا، أو صفة، أو حالاً.
وقال ابن هشام: إذا اعتمد الظرف والمجرور، فالأكثرون على أن ما بعدهما مرتفع بهما ارتفاع الفاعل لا غير، ومنهم من أجاز الوجهين، كما يرى أبو الحسن إذا لم يعتمد انتهى، وف يالنهاية: وتقول: كم فيها غلاماك ترفع غلاماك بفيها؛ لأنه حرف جر قد اعتمد على ما في كم من الاستفهام، كأنك قلت: استقر فيها غلاماك، ويجوز أن يرتفع غلاماك بالابتداء وفيها الخبر، ويكون المقدر مثنى يطابق ما كان خبرًا عنه، كأنك قلت كم فيها غلاماك مستقران، ولا يستقيم هذا في كم ماكث أخواك؛ لعدم المطابقة، فلذلك وجب رفعه به، وقد أجرى النفي بغير مجرى النفي بما فتقول: غير قائم أخواك كما تقول: ما قائم أخواك، فغير مبتدأ، وأخواك مرفوع بقائم، وأغنى عن خبر المبتدأ، وإذا قام الجار والمجرور مقام المفعول الذي لم يسم فاعله أغنى عن الخبر فتقول: أمغضوب على زيد، وما مغضوب على زيد و:
غير مأسوف على زمن
…
...
…
...
والخبر هو: التابع المحدث به عن الاسم، المحكوم عليه على سبيل الإسناد فقولي التابع: جنس يشمل سائر التوابع، والمحدث به فصل يخرج سائر التوابع نحو قولك: زيد الخياط إذا جعلته صفة، واختلفوا في الرفع للمبتدأ والخبر، فذهب سيبويه، وجمهور البصريين على أن الابتداء يرفع المبتدأ، والمبتدأ يرفع الخبر، وقد نسب هذا إلى المبرد، وذهب الأخفش، وابن السراج، والرماني، إلى أنهما مرفوعان بالابتداء، وذهب الجرمي، والسيرافي، وكثير من البصريين على أنهما مرفوعان بتعريهما للإسناد من العوامل اللفظية، ونسبه الفراء إلى الخليل وأصحاب الخليل لا يعرفون هذا، وذهب الكوفيون إلى أن كلا منهما رفع الآخر، كذا أطلق النقل عنهم ابن مالك، وقيده غيره، فحكى أن المبتدأ مرفوع بالذكر الذي في الخبر، فإن لم يكن ثم ذكر ترافعا، أي رفع كل واحد منهما الآخر قال، وهذا مذهب الكوفيين، وأقول: الذي نختاره من هذه المذاهب هو مذهب الكوفيين، وهو أنهما يرفع كل منهما الآخر، وهو اختيار ابن جني.
ولا يغني عن الخبر وصف مجرور، وأجاز الكسائي، وهشام: كل رجل قائم بخفض قائم على أنه خبر وموضعه رفع، وأبطل ذلك الفراء، وتأولوا قراءة أبي جعفر {وكل أمر مستقر} بالخفض على حذف الخبر، أو على عطف (وكل) على الساعة من قوله:{اقتربت الساعة} .
ويجوز حذف المبتدأ لقرينة نحو قولك: صحيح لمن قال: كيف زيد، ومسك عند شم طيب، أي هو صحيح، وهذا مسك فلو قلت: المسك: جاز أن يكون المبتدأ محذوف الخبر (أي المسك هذا)، ويحسن حذفه دخول فاء الجزاء على ما لا يصح للابتداء كقوله تعالى:{من عمل صالحا فلنفسه} أي فصلاحه لنفسه، ويجب حذفه إذا كان مخبرًا عنه بنعت مقطوع لمجرد مدح نحو: الحمد لله أهل الحمد، أو ذم نحو: مررت بزيد الفاسق، أو ترحم نحو: مررت بزيد المسكين، أي هو أهل الحمد، وهو الفاسق، وهو المسكين؛ فإن كان النعت بغير ذلك نحو: مررت بزيد الخياط، جاز إظهاره، وإضماره، أو بمصدر بدل من اللفظ بفعله نحو: سمع وطاعة و:
حنان ما أتى بك ههنا
…
...
…
...
…
أي أمري وسمع وطاعة، وأمري حنان، وقد جاء إظهار هذا المبتدأ في الشعر في قوله:
فقالت على اسم الله أمرك طاعة
…
...
…
...
…
أو بمخصوص في باب نعم وبئس على رأي نحو: نعم الرجل زيد أي هو زيد، أو بصريح في القسم، ومنه قول العرب: في ذمتي لأفعلن، أي في ذمتي ميثاق، أو عهد، وفي قولهم: دار فلانة أو ديار فلانة بعد ذكر المنزل أو المنازل، التي يتغزل بها الشاعر، أي هي دار، أو هي ديار، وفي قولهم: من أنت زيد (أي مذكورك زيد)، وفي قول العرب: لا سواء يقال ذلك عندما يسوى بين شيئين، فقدره سيبويه «هذان لا سواء» ، وقدره غيره لا هما سواء، وقالها
المختار بن أبي عبيد حين قتل عمر بن سعد بن أبي وقاص، وابنه حفصا قال: عمر بالحسين، وحفص بعلي بن أبي الحسين، ولا سواء، وأجاز المبرد، والسيرافي في إظهار المبتدأ في هذا، ويجب ايضًا حذفه بعد لا سيما؛ إذا ارتفع الاسم بعدها نحو: ولا سيما زيد (أي ولا سي الذي هو زيد)، وفي المصادر التي انتصبت توكيدًا لنفس الجملة إذا رفعت فعلى إضمار مبتدأ لا يجوز إظهاره نحو:{صنع الله} ، و {صبغة الله} ، و {وعد الله} ، و {كتب الله} أي ذلك صنع الله.
ويجوز حذف الخبر لقرينة نحو: قولك زيد لمن قال: من في الدار، وإذا قلت: زيد وعمرو قائم، فخبر الأول محذوف، وقيل خبر الثاني [وقيل بالتخيير بين أن تقدر المحذوف للأول، وبين أن تقدره للثاني، وإذا قلت: زيد قائم وعمرو، فخبر الثاني] محذوف، ولا يجوز: زيد قائمان وعمرو، وحكى أبو حاتم: هند وزيد قائم، فخبر هند محذوف، وقال ابن مالك: ومن الحذف الجائز بعد إذا الفجائية نحو: خرجت فإذا السبع، وحذفه بعد إذا هذه قليل، ونقول: الخبر بعد «إذا» إذا لم يدل دليل على حذفه، وجب ذكره نحو قوله تعالى:{فإذا هي حية تسعى} {فإذا هي بيضاء} ، وأما في نحو: خرجت فإذا السبع،
فالخبر هو إذا الفجائية؛ وهي ظرف مكان أي خرجت فبالمكان الذي أنا فيه السبع، ويصح أن يجيء الحال بعد المبتدأ نحو: خرجت فإذا الأسد رابضًا، والخبر «إذا» ، ويصح أن تكون معمولة للخبر نحو: خرجت فإذا زيد جالس، وسيأتي الكلام عليها في الظروف، إن شاء الله تعالى، ومن ذهب إلى أن المرفوع بعد لولا، ولوما للامتناع مبتدأ اختلفوا فقالا ابن الطراوة: الخبر هو الجواب وقال الجمهور: الخبر محذوف وجوبًا ولا يكون إلا كونًا مطلقًا، فإذا قلت: لولا زيد لكان كذا، فالتقدير: لولا زيد موجود، وذهب الرماني، والشجري، والأستاذ أبو علي إلى التفصيل فقالوا: إن كان كونًا مطلقًا وجب حذفه، أو مقيدًا، ودل على حذفه دليل، جاز إثباته وحذفه، أو لا يذل وجب إثباته، واختار ابن مالك هذا المذهب، وجعل مما يجوز حذفه، وإثباته قول المعري في صفة سيف:
…
...
…
... فلولا الغمد يمسكه لسالا
والقائلون بالمذهب الأول: لحنوا المعرى، وتأوله بعضهم على إضمار أن، والتقدير: أن يمسكه، وأعربه بدلاً أي إمساكه، وبعضهم على أنه حال، وحكى الأخفش عن العرب أنهم لا يأتون بعد الاسم الواقع بعد (لولا) الامتناعية بالحال كما لا يأتون بالخبر، وزعم أنه إن ورد خبر لمبتدأ بعد (لولا) كان شذوذًا، أو ضرورة، وهو منبه على الأصل، ويجب حذف الخبر أيضًا في قسم صريح، مثاله: لعمرك، وأيمن الله، وأمانة الله، ويمين الله (أي قسمي)، وأجاز ابن عصفور في نحو: يمين الله أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، وأن يكون خبرًا محذوف المبتدأ، وقدره: قسمي يمين الله؛ فإن كان المقسم به قد يستعمل لغير القسم، كان حذف الخبر جائزًا نحو: على عهد الله لأفعلن.
فأما قولهم: كل رجل وضيعته، وكل ثوب وقيمته، مما الواو صريحة في المصاحبة، فمذهب البصريين أن الخبر محذوف وجوبًا وتقديره مقرونان، ومذهب الكوفيين أنه مبتدأ لا يحتاج إلى خبر، أو قامت الواو مقام مع، وهو اختيار ابن خروف، وقدره ابن أبي الربيع: كل رجل مع ضيعته، وضيعته معه، قال: وعلى هذا زيد وكتابه وعمرو وفرسه؛ إذا كانا لا يفارق أحدهما صاحبه، وتدخل عليه النواسخ نحو قوله:
فكان تنادينا وعقد عذاره
…
...
…
... ....
وقوله:
…
...
…
... .... فإني
…
وجروة
…
...
…
...
…
...
أي تنادينا مع عقد عذاره، وعقد عذاره مع تنادينا، وفإنى مع جروة وجروة معي ومثله في الاستغناء: أنت أعلم وربك (أي أعلم بربك)(وربك أعلم بك)، فحذف من الأول ما دل عليه الثاني، ومن الثاني ما دل عليه الأول، فالكلام على هذا جملتان، وعلى تقدير البصريين جملة واحدة؛ فإن كانت الواو تحتمل المصاحبة، وتحتمل مطلق العطف، فلا يجب حذف الخبر نحو: زيد وعمرو، وأنت بزيد مع عمرو، فلك أن تقول: مقرونان، ولك أن تحذف اتكالاً على فهم السامع اللفظ مع الاقتران والصحبة، وفي الغرة: يرفع الاسم بواو منسوقة عليه كقولهم كل ثوب، وثمنه تقديره كل ثوب بثمنه، فنابت الواو عن مع والباء، فرفعت، وقال الكسائي: هذا كل ثوب، وهذا ثمنه، فحذف اختصارًا.
فأما أنت أعلم ومالك، فقال الجرمي: ومالك: معطوف على أنت لا على التشريك في الخبر الذي هو أعلم، بل هو بمنزلة شاة ودرهم (أي معطوف في اللفظ)، خبر في المعنى، لنيابته منابه فقولهم: الشاة شاة ودرهم الشاة مبتدأ، وشاة مبتدأ، ودرهم خبره، والجملة خبر الأول. وذهب أبو بكر بن طاهر: إلى أن «ومالك» معطوف على أعلم والأصل بمالك، وضعت الواو موضع الباء، فعطفت على ما قبلها، ورفعت ما بعدها في «ومالك» ؛ وهو بمعنى الباء متعلقة بأعلم.
وأما قول العرب (حسبك ينم الناس)؛ فذهب أبو عمرو بن العلاء، والجرمي: إلى أن ضمة حسبك بناء، وهو اسم سمى به الفعل، والكاف حرف الخطاب، وذهب الجمهور إلى أنها ضمة إعراب، فقيل مبتدأ محذوف الخبر لدلالة المعنى عليه، والتقدير: حسبك السكوت ينم الناس، وذهب جماعة منهم الأخفش: إلى أنه مبتدأ لا خبر له؛ إذ معناه اكتف، وهو اختيار أبي بكر بن طاهر.
وأما «ضربي زيدًا قائمًا» ، فذهب الجمهور إلى أن «ضربى» مرفوع على الابتداء، وذهب بعض النحويين إلى أنه فاعل لفعل محذوف تقديره: يقع ضربي زيدًا قائمًا، أو ثبت ضربي زيدًا قائمًا، ويدل على أنه مبتدأ دخول النواسخ عليه، والقائلون بأنه مبتدأ اختلفوا، فذهب ابن درستويه، والأخفش الأصغر:
إلى أنه لا خبر له؛ إذ هو واقع موقع ضربت أو اضرب، وهو نظير أقائم الزيدان، وقيل له خبر، واختلفوا، فذهب الكسائي، والفراء، وهشام، وابن كيسان، إلى أن الحال بنفسها هي الخبر، لا سادة مسده على خلاف بينهم في ذلك، فقال الكسائي وهشام: في هذه الحال ذكران مرفوعان أحدهما من صاحب الحال، والآخر من المصدر، ويجوز أن تؤكد الضميرين فتقول: ضربي زيدًا قائمًا نفسه نفسه، وضربك زيدًا قائمًا نفسك نفسك، وقال الفراء: لا ضمير فيها من المصدر، وقيل الخبر محذوف؛ فقال الأخفش، وتبعه عضد الدولة، واستحسنه أبو القاسم بن القاسم هو مصدر مقدر قبل الحال: تقديره: ضربه قائمًا، وقال الجرمي، وابن كيسان، وتبعهما الأعلم: الحال سدت مسد الخبر كالظرف، كأنك قلت: ضربي زيدًا في حال كونه قائمًا.
والعرب تقول: أكثر شربي يوم الجمعة، فاستعملوا الحال استعمال الظرف وروى هذا عن أبي الحسن أيضًا، وقال الكوفيون فيما نقل عنهم ابن السيد، وابن هشام: الخبر محذوف بعد الحال تقديره: واقع أو يقع أو ثابت، وذهب سيبويه، وجمهور البصريين: على أنه زمان مضاف إلى فعله تقديره: إن كان الضرب لم يقع؛ إذا كان، وإن كان قد وقع يقدر؛ إذا كان، وكان هذه المقدرة تامة لا ناقصة، والحال من الضمير المستكن في كان، والعامل فيها كان، ومذهب الأخفش،
والفراء، والمبرد أن العامل فيها المصدر، فلو كانت الحال من زيد عمل فيها ما عمل فيه، وهو: ضربي، ولا تغني الحال عن الخبر؛ بل كنت تقول: ضربي زيدًا قائمًا شديد، وزعم ابن عصفور: أن هذا الخبر الذي قدره البصريون مما يجب حذفه، فقال ابن الحاج في نقده على ابن عصفور: عده نحو: ضربي زيدًا قائمًا مما يلزم فيه حذف الخبر خطأ، فلا مانع من قولك: ضربي زيدا إذا كان قائمًا، وإذ كان قائمًا، ولم يقل أحد: إن هذا خبر لا يثبت وكذلك أيضًا لا مانع يمنع ضربي زيدًا قائمًا حسن، وقد مثل أبو الحسن في الأوسط بقولك: سمع أذني زيدًا يقول ذلك حسن انتهى.
ولو جئت بدل المصدر بأن والفعل فقلت: أن ضربت زيدًا قائمًا، وأن تضرب زيدًا قائمًا، منع ذلك الجمهور، وأجازه بعض الكوفيين، وقال ابن الأنباري: أبطل الكسائي، والفراء، وهشام أن تضرب عد الله قائمًا، واتفقوا على إجازة: الذي تضرب عبد الله قائمًا، وما تضرب عد الله قائمًا، على أن الذي، و (ما) بمعنى المصدر معناهما: ضربك عبد الله قائمًا، والمضاف إلى المصدر يجري مجرى المصدر، والمحفوظ المشهور أن يكون أفعل التفضيل فمثلوا بقولهم: أكثر شربي السويق ملتوتًا، وأكثر أكلي التفاحة نضيجة، وأخطب ما يكون الأمير قائمًا.
[وفي الإفصاح: هذا الباب مقيس عند النحويين في كل مصدر]، وفيما أضيف إليه إضافة بعض لكل، أو كل للجميع، والمعنى: أن يكون المضاف إليه مصدرًا في المعنى نحو: أكثر شربي، واقل شربي، وأيسر شربي السويق ملتوتًا، وكل ركوبي الفرس ذراعًا ومثل ابن مالك بقوله: كل شربي السويق ملتوتًا،
وبعض ضربك زيدا بريئًا، ومعظم كلامي معلمًا، وقائمًا في قولك: ضربي زيدًا قائمًا حال كما ذكرنا من ضمير كان الذي يفسره المفعول الذي هو زيد، وزعم الزمخشري أنه يجوز أن يكون التقدير؛ إذ كنت قائمًا، وإذا كنت قائمًا؛ فتكون كان مسندة إلى ضمير فاعل الضرب، ولا يسوغ ذلك، غلا إن كان قد اقتصر على الفاعل لحذف المفعول، أو لكون المصدر لفعل لازم، فيتعين إذ ذاك تقدير: إذ كنت، وإذا كنت، وأجاز الأخفش: رفع قائم خبرًا عن أفعل مضافًا إلى (ما) موصولة بكان، أو يكون نحو: أخطب ما يكون الأمير قائم، ومنع ذلك سيبويه، ورفع ما كان انتصب حالاً بعد صريح المصدر لا يجوز، وأجاز ابن مالك رفعه على إضمار مبتدأ مقرون بواو الحال (أي وهو قائم)، وأجاز ابن الدهان: رفع قائم على أن يكون بمعنى ثابت، ودائم كما قالوا: الأمير بيننا قائم، والحرب قائمة على ساق، وهذا جار على قولهم ضربي زيدًا شديد، ولا خلاف في جوازه.
ويجوز أن يقع الفعل موقع هذه الحال عند أبي الحسن، وهشام، وعن سيبويه المنع، وعن الكسائي، والفراء قولان: الجواز والمنع، وعن الفراء رد الحال إلى الاستقبال إذا كانت غير رافعة، وإبطال ذلك إذا رفعت فخطأ عنده: حسبك تركب، وأجاز هو، والكسائي حسبك تركب مسرعًا، وعن الفراء إنما
يمنع المضارع المرفوع، ويجوز أ، يقع موقع الحال الجملة الاسمية المصحوبة بواو الحال عند الكسائي والفراء، وعن سيبويه المنع، وقال الفراء: يرفع الاسم بواو مستأنفة نحو: قيامي إليك، والناس ينظرون والرطب، والحر الشديد، وقال ابن كيسان: يجوز في كل الأقوال، فإن عريت عن واو الحال نحو: مسرتك أخاك هو قائم، أجاز ذلك الكسائي فيما فيه ذكر، ومنعه الفراء، والبصريون على مذهب الكسائي في هذا الأصل، ويقتضي مذهب سيبويه المنع.
وفي الواضح: قال الفراء من قال: حسن الزهر والشمس طالعة عليه، لم يجز: حسن الزهر الشمس طالعة عليه؛ لأن الواو رافع لا يحذف، وأجاز ذلك الكسائي، وأجاز الكسائي، والفراء: حسن الزهر الشمس طالعة إلا بإبراز الواو؛ لأنه لم يعد الذكر على الزهر انتهى.
وإذا كنيت عن هذا المصدر قبل ذكر الحال نحو: ضربي زيدًا هو قائمًا، جاز ذلك عند البصريين والكسائي، وإعراب هو مبتدأ، وقائمًا حال سدت مسد خبره، والكسائي يرفع الضرب بالراجع من هو، ويرتفع هو بقائم، وقال الفراء: لا يجوز ذلك، وإذا قدمت هذه الحال على المصدر، منع ذلك الفراء سواء أكانت من مضمر، أم من ظاهر، وأجازه الكسائي، وهشام: إن كانت من مضمر نحو: مسرعًا قيامًا لا من ظاهر نحو: مسرعًا قيام زيد؛ فلو كان المصدر متعديًا، فالتقديم ممنوع عند الكسائي، والفراء، وهشام نحو: ملتوتًا شربك
السويق، وأجاز التقديم على المصدر البصريون سواء أكان المصدر متعديًا أم لازمًا فلو وسطت الحال بين المصدر ومعموله نحو: شربي ملتوتًا السويق لم يجز عند الكسائي، والفراء، وهشام، وحكى عن البصريين الجواز، ولعله لا يصح.
ولو كانت الحال جملة اسمية بالواو والمصدر متعد، وتقدمت عليه نحو: وهو ملتوت شربك السويق، لم يجز عند الكسائي، والفراء، وهشام، أو لازم وتقدمت جاز ذلك عند الكسائي، ولم يجز عند الفراء نحو: وأنت راكب حسنك، وإذا تقدم معمول هذه الحال عليها نحو: ضربي زيدًا فرسًا راكبًا منع ذلك الفراء، وجاز ذلك عند الكسائي، والبصريين؛ فإن فرق بينهما لم يجزه الكسائي نحو: فرسًا في الدار راكبًا، وقياس قول البصريين الجواز.
ويجوز دخول كان الناقصة على هذا المصدر، فتقول: كان ضربي زيدًا قائمًا، نص على ذلك السيرافي، وابن السراج، وقال ابن عصفور: هو قبيح، واتفقوا على جواز دخول لام إن، وفاء أما على الحال نحو: إن حسنك لراكبًا، وأما حسنك فراكبًا، واتفقوا على منع ما حسنك براكب، وإذا قلت: أما ضربيك فإنه حسنًا، وإما ضربيك فكان حسنًا، وإما ضربيك فظننته حسنًا، فيجوز على أن الحسن الضرب، فإن كان حسنًا صفة للياء، والكاف، أبطلها الفراء، وأجازهن كلهن الكسائي، وإذا قلت: عبد الله وعهدي بزيد قديمين، أو عبد الله والعهد بزيد قديمين، وإن عبد الله والعهد بزيد قديمين، وعبد الله وإن العهد بزيد قديمين أجازها كلها الكسائي، وهشام، وليس عن الفراء إجازة شيء منها، وأصحابه يردون على الكسائي، وهشام ذلك، وقياس البصريين المنع، ولا يجوز ذلك عند الكسائي وهشام إلا بالواو الجامعة، لا بالفاء، واتفقوا على جواز: أكثر لبسي الكتان، واختلفوا
في «أكثر ضربي زيد» برفع زيد فمنعها الكوفيون، وأجازها البصريون، وفي عبد الله أحسن ما يكون القيام فأجازها الزجاج، وقال: لا يجوز غيره، ومنعها المبرد، وأجاز ابن كيسان: أما ضربي زيدًا فكان قائمًا نفسه نفسه، الأولى لذكر زيد، والثانية لذكر الضرب، ولا يجوز على مذهب الفراء، ويجوز على مذهب الكسائي والبصريين، ومنع أبو علي: علمي بزيد كان ذا مال، وأجازها غيره على وجوه أسهلها بزيادة كان، ولا يجوز أن يقع المصدر موقع هذه الحال نحو: ضربي زيدًا قيامًا، وأجاز الكسائي إتباع هذا المصدر نحو: ضربي زيدًا الشديد قائمًا، وشربي السويق كله ملتوتًا، ومن النحويين من منع ذلك ومنهم الفراء، إذ لم يرد به سماع، وحكى الفراء: ضربي زيدًا القائم، وينبغي أن تكون (فيه)(أل) زائدة، وأجاز ابن عصفور، إجراء الاسم الذي لا حقيقة له في الوجود مجرى هذا المصدر فتسد الحال مسد خبره نحو: خيال لهند غائبة.
وإذا ولى معطوفًا بالواو فقط على مبتدأ فعل، أو دائم لأحدهما واقع على الآخر نحو: عبد الله والريح يباريها، وأخوك والدنيا يذمها، فأجاز ذلك هشام لما كان يباريها فيه راجعان إلى عبد الله والريح، وكان النسق بالواو، كان البناء على عبد الله والريح يتباريان، أو الواو بمعنى مع أبي عبد الله مع الريح نحو: كل رجل وضيعته، ويباريها حال، قال ثعلب: فإذا رد إلى الدائم قبل مباريها، [وإذا كان يباريها خبرًا عنها، وصرف إلى الدائم أبرز المكني؛ فقيل مباريها] هو، كما تقول: يدك باسطها أنت.
وقد أجاز هشام: كل رجل وأخوه قائم، وخالفه في ذلك بعض الكوفيين، وجمهور البصريين لا يجيز هذه المسائل، ومن أجازها من البصريين جعل خبر المبتدأين محذوفًا تقديره: يجريان يباريها، ويباريها نصب على الحال، وقد استغنى بها عن الخبر لدلالتها عليه، وقالت العرب:(راكب الناقة طليحان) الأصل: راكب الناقة، والناقة طليحان، حذف المعطوف لوضوح المعنى، وقد أجاز هذه المسألة الكسائي، وهشام، فلو قدمت فقلت: طليحان صاحب الناقة أبطلاها، وقد تؤول طليحان على حذف مضاف أي أحد الطليحين، وأجاز بعضهم: غلام زيد ضربتهما بإعادة الضمير إليهما، وأجاز الكسائي، وهشام: زيد مع جاريته قاعدان حملت على الواو، وأبطل ذلك الفراء قال ابن الأنباري: واتفقوا كلهم على إجازة: الحليم مع الحليم يصطلحان، والسفيه مع السفيه يقتتلان، ويعني بالاتفاق اتفاق الكوفيين والله أعلم، وأجاز بعضهم زيد بكر أخوه ضاربهما: زيد مبتدأ، وبكر مبتدأ ثان، وأخوه مبتدأ ثالث، وضاربهما خبر أخوه، والجملة خبر بكر، والعائد عليهما من الجملة هما في ضاربهما.
الأصل في المبتدأ: أن يكون معرفة، والأصل في الخبر أن يكون نكرة، وقد يكونان معرفتين، فقيل الخيار في جعل أيهما شئت المبتدأ، أو الخبر، وهو قول أبي علي، وظاهر قول سيبويه في باب كان، وقيل بحسب المخاطب؛ فإن علم منه أنه في علمه أحد الأمرين، أو يسأل عن أحدهما بقوله: من القائم فقلت في جوابه: القائم زيد فلا اختيار، فلو أحضر الأمرين فقال: هل أخوك زيد، فالخيار، وقيل المعلوم عند المخاطب هو المبتدأ، وغير المعلوم هو الخبر، وقيل: الأعم هو الخبر نحو: زيد صديقي إذا كان له أصدقاء غيره، وهو قول أبي بكر بن الضائع، وأجاز تقديم الخبر، وقيل لا يجوز على هذا صديقي زيد، وقيل إذا لم يكن له صديق إلا زيد قلت: زيد صديقي ويكون على الحصر، وقد ينكران.
وتتبع النحاة مسوغات الابتداء بالنكرة فمنها: الوصف {ولعبد مؤمن خير من مشرك} ، وخلف موصوف كقول العرب: ضعيف عاذ بقرملة (أي: إنسان ضعيف)، وقد يكون الوصف محذوفًا، ومنه: السمن منوان بدرهم (أي منوان منه)، وكونه عاملاً نحو:{أمر بمعروف صدقة} ، ويدخل فيه المضاف نحو:{خمس صلوات كتبهن الله على العباد} ، أو معطوفًا على معرفة: زيد ورجل قائمان، أو معطوفًا عليه ما فيه مسوغ {طاعة وقول معروف} (أي أمثل)، أو مفصلاً: شهر ثرى، وشهرين ترى، وشهر مرعى، أو عامًا (تمرة خير من جرادة)، أو تعجبا: عجب لزيد، أو وليا استفهامًا نحو: أرجل في الدار، أو نفيًا: ما رجل عندنا، أو لولا
لولا اصطبار لأودى كل ذي مقة
…
...
…
...
…
أو واو الحال:
سرينا ونجم قد أضاء
…
...
…
... ....
أو فاء الجزاء: «إن ذهب عير فعير في الرباط» أو ظرفًا مختصًا نحو: أمامك رجل، أو جارًا مختصًا: في الدار رجل، أو كان دعاء: ويل لزيد وسلام على عمرو، أو جوابًا نحو: درهم في جواب ما عندك، أو واجب التصدير اسم استفهام نحو: من عندك، وكم الخبرية نحو: كم عبد الله واسم شرط نحو: من يقم أقم معه، أو مصغرًا: رجيل عندنا أو محصورًا: إنما في الدار رجل، أو مثبتًا ومعناه الحصر:«شر أهر ذاناب» ، «ومأرب دعاك إلينا لا حفاوة» .
و:
قدر أحلك ذا المجاز
…
...
…
...
…
أي ما أهر ذا ناب إلا شر. قيل: ولا يقال ذلك إلا في وقت جرت العادة في مثله أن لا يكون إلا لأم رمهم، أو في معنى الفعل على مذهب الأخفش نحو: قائم زيد، أو كونها لا تزاد لعينها على ما زاد ابن عصفور نحو: رجل خير من امرأة يريد واحدًا من هذا الجنس أي واحد كان خيرًا من كل واحدة من ذلك الجنس، وهذا الذي قاله راجع إلى العموم، إذ العموم عموم شمول، وعموم بدل نحو قوله:
مرسعة بين أرساغه
…
...
…
....
هي نكرة لا تزاد لعينها: لأنه لا يريد مرسعة دون مرسعة، ولم يشترط سيبويه في جواز الابتداء بالنكرة، إلا أن يكون في الإخبار بذلك فائدة، [وأجمع النحاة على أنه لا يجوز: رجل في الدار، وعلى أنه يجوز في الدار رجل، وزعم ابن مالك أن من مسوغات الابتداء بالنكرة، تقدم جملة مشتملة على فائدة] تكون خبرًا عن النكرة نحو: قصدك غلامه رجل أجراها مجرى تقدم
الظرف، والمجرور المسوغين لجواز الابتداء بالنكرة، وأجاز سيبويه الابتداء بكم في نحو: كم مالك وأقصد رجلاً خير منه أبوه، وكم الخبرية عنده مثل الاستفهامية، ورد الفارسي قول سيبويه في:«كم» جريبًا أرضك، ولم يجز أن يكون أرضك الابتداء.
وإذا اجتمع معرفة ونكرة، فالمعرفة مبتدأ، والنكرة الخبر، فأما قولهم: كم مالك، وأقصد رجلاً خير منه أبوه، فكم وخير عند سيبويه المبتدأ؛ إذ فيهما المسوغ، ووقعا مكان المبتدأ وتقول: ما أنت وزيد، فكذلك عند سيبويه، وغيره عكس، فجعل النكرة الخبر، والمعرفة المبتدأ.
الأصل: تأخير الخبر، ويجب هذا الأصل؛ إن كانا معرفتين نحو: زيد أخوك، أو كانا نكرتين نحو أفضل منك أفضل مني، أو مشبهًا بالخبر المبتدأ نحو: زيد زهير شعرًا هكذا أطلق أكثر أصحابنا، وقيل إذا دل المعنى على تمييز المبتدأ من الخبر جاز تقديم الخبر نحو قوله:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
…
...
…
...
…
أي بنوا أبنائنا بنونا، (أي مثل بنينا)، وإن لم يكن معنى يميز نحو: زيد أخوك فمجيز، ومانع، أو إن أخبر عنه بفعل رافع ضمير المبتدأ المتصل نحو: زيد قام أو لفظه نحو: زيد قام زيد، فإن كان المضير مثنى أو مجموعًا نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا فمجيز، وهو مذهب الأخفش والمبرد، ومانع وهم باقي البصريين، فلو انفصل الضمير نحو: زيد ما قام إلا هو، أو سببًا نحو: زيد ما قام إلا أخوه جاز التقديم، فلو كان ظهرًا غير سبب نحو: زيد ضرب أبو بكر، يريد ضربه أبو بكر قبح التقديم، أو قرن بالفاء نحو: الذي يأتيني فله درهم أو بإلا نحو: {وما محمد إلا رسول} ، وجاء في الشعر تقديمه هذا نحو:
فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى
…
...
…
...
…
...
أو بمعناها {إنما أنت نذير} أو قرن بلام الابتداء: لزيد قائم، أو كان ضمير الشأن هو زيد منطلق، أو شبهه: كلامي زيد منطلق أو كان خبرًا لأداة استفهام: أيهم أفضل، أو شرط: من يقم أقم معه، أو مضافًا لأحدهما: غلام أيهم أفضل، وغلام من يقم أقم معه، أو كان خبرًا لكم الخبرية نحو: كم غلام عندي
أو المضاف إليها: أجر كم أسير لي، أو خبرًا لضمير متكلم، أو مخاطب موصولاً تجوز تثنيته وجمعه، أو نكرة، أو معرفًا (بأل)، والصلة، والصفة قد عاد الضمير فيهما مطابقًا للمبتدأ في التكلم والخطاب، ومثاله: أنت الذي تضرب، وأنا الذي أضرب، وأنت رجل تضرب، وأنا رجل أضرب، وأنا الرجل أضرب، وأنت الرجل تضرب خلافًا للكسائي، فإنه يجيز التقديم فتقول: الذي تضرب أنت وكذا باقيها، أو خبرًا لما التعجبية نحو: ما أحسن زيدًا، أو لمبتدأ مستعمل مقدما عليه في مثل نحو «الكلاب على البقر» ، و «أمت في الحجر لا فيك» ، أو لمبتدأ فيه معنى الدعاء معرفة نحو:{لعنة الله على الظالمين} ، أو نكرة نحو: ويح لزيد، وويل له، ولبيك، وخير بين يديك، أو جملة لا تحتمل الصدق والكذب نحو: زيد اضربه، وزيد هلا ضربته، أو خبر لما بعد أما نحو: أما زيد فعالم، أو خبرًا محذوفًا نحو: لولا زيد لكان كذا، وضربي زيدًا قائمًا، قيل أو خبرًا لمبتدأ بعد ما، وقد دخلت عليه الباء نحو: ما زيد بقائم على اللغتين، ويأتي إن شاء الله تعالى ذكر الخلاف في باب ما النافية، وذكر أبو سعيد على بن مسعود في كتاب المستوفى إذا كانت (إذا) خبرًا عن الحدث الذي بها يخبر عنه، لم يجز تقديمها؛ لأنها إذا وقعت صدر الكلام غلبت عليها المجازاة، ولا يجازى بالاسم المفرد أصلاً، ولهذا لم يجز أن تقول: إذا يقوم زيد قيامه، وإن كان قيامي إذا يقوم زيد انتهى. فأما هذا حلو حامض، فلا يجوز تقديم أحد الجزءين، قال ابن الدهان: ولا يجوز أيضًا
تقديمها، وقد أجازه بعضهم يعني تقديمهما معًا، أنشد أبو الفتح في التمام:
بان الخليط الذي ما دونه أحد
…
عندي وإن لم يكن يرضى به أحد
وجعل دونه، وعندي خبرين لأحد، وقد قدم أحدهما.
ويجب تقديم الخبر إذا كان أداة استفهام نحو: أين زيد، أو مضافًا إليها نحو: صبح أي يوم السفر، خلافًا للأخفش، والمازني، فإنهما أجازا زيد كيف، وعمرو أين، أو مصححًا تقديمه الابتداء بالنكرة نحو: في الدار رجل، وخلفك امرأة، وقال ابن مالك ونحو: قصدك غلامه رجل انتهى.
والكوفيون يرفعون ما بعد الظرف من نكرة، ومعرفة على الفاعلية، وأجاز الجزولي، والواحدي في كتابه في النحو: تأخير الخبر في الظرف والمجرور على ضعف نقله عنهما ابن عمرون، أو خبرًا دالاً بالتقديم على ما يفهم بالتأخير نحو قولهم: لله درك، ومن أبوك، ولله أنت وشبهه من الجمل التعجبية ونحو قولك: سواء على أقمت أم قعدت، على قول من أعرب الجملة الداخلي عليها
الهمزة، وما بعدها مبتدأ، وتقدم ذكر الخلاف في ذلك، وللسهيلي فيه مذهب غريب، وهو أن الجملة في موضع المفعول، وسواء مبتدأ لا خبر له، أو مسند دون أما إلى أن وصلتها نحو: معلوم أنك فاضل، وهذا على مذهب سيبويه، والجمهور، وأجاز تقديمه الفراء، والأخفش، وأبو حاتم، فإن وليتها أما جاز التقديم بلا خلاف نحو: أما أنك فاضل، فمعلوم أو مقرونًا المبتدأ بإلا نحو: ما في الدار إلا زيد، أو بمعناه إنما في الدار زيد، أو في المبتدأ ضمير يعود على شيء في الخبر نحو: في الدار ساكنها، وخلف دارك من يشتريها و:
…
...
…
...
…
...
…
ملء عين حبيبها
أو مستعملاً مقدمًا في مثل نحو: في كل واد بنو سعد، أو دخلت الفاء على المبتدأ نحو: أما في الدار، فزيد أو تقدم، ودخل عليه الوصل نحو: والله لفي الدار زيد، وإن تقم، ففي الناس من ينكر قيامك، فإن قدمت المبتدأ بعد الوصل جاز نحو: والله لزيد في الدار، وإن تقم فمن ينكر قيامك في الناس، أو كان اسم إشارة ظرفًا نحو: ثم زيد، وهنا بكر، قيل أو كان الخبر كم الخبرية نحو: كم درهم
مالك، أو مضافًا إليها نحو: صاحب كم غلام أنت، ولما ذكر ما يجب فيه تأخير الخبر، وما يجب فيه تقديمه دل على أن ما سوى ذلك يجوز فيه التقديم، والتأخير، وفي بعض ذلك خلاف؛ قال ابن مالك، ويجوز نحو: في داره زيد إجماعًا، وليس كما ذكر، بل ذكر النحاس فيها، خلافًا عن الأخفش فيمنعها إذا ارتفع زيد بالظرف، وأجاز ذلك البصريون على الابتداء والخبر والكوفيون، وقياس قولهم أنه لا يجوز ذلك، فإن كان الخبر مشتملاً على ضمير عائد على ما أضيف إليه المبتدأ نحو: في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند، جاز ذلك عند البصريين، والأخفش وغيره، ومنع الكوفيون المسألتين، ونقل النحاس المنع عن الأخفش إن رفع بالظرف، ولو كان الخبر مضافًا إلى ضمير يعود على مضاف إليه نحو: غلامه محبوب زيد، أو جملة مصدرة بمضاف إلى ضميره نحو: أبوه ضربه عمرو، فنقل ابن كيسان أن ذلك لا يجوز إجماعًا فلو زدت اسمًا فقلت: أبوه ضربه عمرو، فنقل ابن كيسان أن ذلك لا يجوز إجماعًا فلو زدت اسمًا فقلت: أبوه ضربه عمرو وزيد والفعل لعمرو، والهاء في أبوه لزيد، جاز ذلك في قول البصريين على التقديم والتأخير، وأجاز البصريون: قائم زيد، وقائم أبوه زيد، وقام أبزه زيد، وضربته زيد، وضرب أخاها زيد هند
…
وذهب الكوفيون إلى منع تقدم الخبر في هذه المسائل كلها، ونقل عن الكسائي، والفراء أنهما يجيزان التقديم، إذا لم يكن الخبر مرفوعًا نحو: ضربته
زيد، ويمنعان ذلك مع المرفوع نحو: قائم زيد، وذهب ابن الطراوة إلى أنه لا يجوز قائم زيد؛ لتركبه من واجبين، ويجوز: زيد أخوك؛ لأنه مركب من واجب، وجائز صار بالتأخير واجبًا، وتقدير مذهبه موضح في الشرح، وإذا التبس المبتدأ بضمير اسم ملتبس بالخبر نحو: زيد أبوه ضرب، أو يضرب جاز من قول البصريين وهشام، وهي خطأ من قول الكسائي، والفراء، فلو كان مكان الفعل اسم فاعل نحو: زيدًا أبوه ضارب، جازت من قول البصريين، والكسائي وهشام، وأحالها الفراء، وفي البسيط في مثل زيدًا أجله أحرز، قال أكثر المتقدمين بحيلها، وجوزها هشام.