الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ظرف المكان أنواع: فمنها ما له مقدار نحو: ميل، وفرسخ، وبريد، وغلوة، فالغلوة مائة باع. والميل عشرة غلاء، والفرسخ ثلاثة أميال، والبريد أربعة فراسخ، وهو ظاهر كلام الفارسي، وقول بعض النحاة: إن المقدار داخل تحت حد المبهم، وقال الأستاذ أبو علي: ليس داخلاً تحته، وقال سيبويه:«ويتعدى إلى ما كان وقتًا في الأمكنة كما كان يتعدى إلى ما كان وقتًا في الأزمنة ثم قال: وذلك قولك: ذهبت فرسخين. وسرت ميلين، كما تقول: ذهبت الشهرين، وسرت الميلين» انتهى.
والصحيح أنه شبه بالمبهم، ولذلك وصل إليه بنفسه، وانتصاب هذا النوع من المقدار عند النحاة على الظرف، وزعم السهيلي: أن انتصاب هذا النوع انتصاب المصادر لا انتصاب الظروف، واللغة تساعد مذهبه، لأن اللغويين شرحوا الغلوة، والميل، والفرسخ، والبريد بالخطى، والأبواع.
وذهب ابن طلحة إلى تقدير هذا المقدار بحذف المضاف كأنه قال: سير فرسخين، كما في قولك: ضربته سوطًا أي: ضربة سوط، والنحاة غير هؤلاء سموا المسافة التي تقع فيها هذا الخطا المذكورة باسم الخطا المذكورة، ولها نهاية معروفة، وحدود محصورة ألا ترى أن الميل له مقدار معلوم من المسافة.
النوع الثاني: ما دل على مسمى إضافي محض، أو جاريًا باطراد مجراه، وهذا الذي لا تعرف حقيقته بنفسه، بل بما يضاف إليه فالأول نحو: مكان،
وناحية، وأمام، ووراء، ووجهة، وجهة، وغير ذلك من الأسماء المبهمة غير المشتقة من لفظ الفعل.
واحترز بمحض من الإضافي الذي يدل بنفسه على معنى لا يصلح لكل مكان نحو جوف، وباطن، وظاهر، وداخل وما أشبهها من الأماكن المختصة، إذا قصد بشيء منها معنى الظرف لازمة لفظة في وما بمعناها.
ومكان مفعل من الكون لزمت الميم، فصارت كالأصلية حتى قالوا: أمكنة، وهذه التي من شأنها حذف حرف الوعاء ينتصب ظرفًا مؤكدًا إن كان مبهمًا ومبينًا إن كان غير مبهم.
وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز نصب المبهم على الظرف إلا بوصف يخصصه، أو ما في حكمه نحو: قعدت مكانًا صالحًا، والجهة كذلك فلا تقول: قعدت قداما، ولا خلافًا إلا على الحال كأنك قلت: قعدت متقدمًا ومتأخرًا، فإن خصصته بالإضافة جاز نحو: قعدت خلفك وقدامك.
وقالت العرب: «هما خطان جنابتي أنفها» يعنون خطين اكتنفا أنف الظبية، ومذهب سيبويه «أن جنابتي أنفها» من الظروف المبهمة، ومذهب
الفارسي: أنه من الأسماء المختصة المستعملة استعمال الظروف يحفظ، ولا يقاس عليه، وأما
…
...
…
...
…
جنبى فطيمة
…
... ....
فهو موضع، وليس مما جعل ظرفًا بغير قياس، وأما قولك أقطار البلاد، فأقطار جمع قطر، وهو الناحية، فالمعنى قومك في نواحي البلاد، وأما:
…
...
…
...
…
ينثنى مساليه
…
...
…
فالمسال عند سيبويه العطف، وهو الجانب، وليس باسم مكان، لكن استعمل ظرفًا شبه بجنبى فطيمة، وقال ثابت: المسال ما هبط من الصدغ إلى العزار. وعن ابن خروف: مسالي الرجل جانبًا لحيته الواحد مسال.
وأما الجاري باطراد مجرى المسمى الإضافي المحض، فصفة المكان الغالبة نحو: هم قريبًا منك، وشرقي المسجد، ومصادر قامت مقام مكان مضاف إليها تقديرًا نحو قولهم: هو قرب الدار، ووزن الجبل، وزنته أي: مكان مسافته، والمراد بالاطراد أنه لا تختص ظرفيته بعامل ما، كاختصاص ظرفية المشتق من اسم الواقع فيه.
وقال ثعلب: إن جعلت قريبًا من القرابة ثني وجمع، أو من القرب، أو خلفًا من موصوف فلا يثنى ولا يجمع، ولا يؤنث. انتهى.
ومما ينتصب ظرفًا بمعنى قريب الظرف: قبلك ونحوك، وقرابتك وهو أبلغ من (قريبًا)، قال سيبويه: صار هذا بمنزلة قول العرب: هو حذاؤه وإزاءه، وذكر سيبويه هم حواليك: وهي تثنية لا شفع الواحد معناها معنى أحوالك، وحولك، وشرقي الدار مما يلي المشرق وهو غير معين دخلته ياء النسب، فصار مبهما.
وفرق سيبويه بين وزن الجبل، وزنة الجبل فمعنى وزن الجبل ناحية توازنه أي تقابله كانت قريبة أو بعيدة منه، وزنة الجبل حذاؤه أي متصلة به، وكلاهما مبهم يصل إليها الفعل بنفسه، ومن المصادر هو قصدك، وحلة الغور، وذكر
سيبويه صددك، وصقبك، وليسا بمصدرين، بل هما اسمان في معنى المصدر.
وقسم بعض أصحابنا المبهم إلى ما وضعته العرب عمومًا نحو: مكان وما في معناه من موضع، ومنزل، والجهات فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وأمام، وخلف، وإلى ما كان منسوبًا نحو: شرقي الدار، وغربي المسجد. وإلى ما اشتق من الفعل نحو: المذهب، والمجلس، وإلى مصدر موضوع موضع الظرف نحو: هو قصدك.
وقالت العرب: «تركته بملاحس البقر أولادها» ، فهذا مضاف إليه الظرف أي مكان ملاحس البقر، وأما قولك: زيد فوق عمرو في الشرف، ودون عمرو في العلم، فمشبه باسم المكان.
وقالت العرب: «هم هيئتهم» أي في هيئتهم. نصب نصب الظرف، والهيئة ليست مكانًا شبهت بالمكان، ولكونها ظرف مكان مجازًا، وقعت خبرًا عن الجثة. وسواك، ومكانك بمعنى بدلك، وهذا النوع يحفظ ولا يقاس عليه.
وزاد الكوفيون، مثلك، وقرنك، وسنك، ولدنك، وموضع السماع عندهم مثلك، وينتصب أيضًا ظرف مكان ما أضيف إليه بشرط أن يكون إياه نحو: سرت جميع الليل أو بعضه نحو: سرت نصف الليل.
النوع الثالث: المختص، وهو ما له اسم من جهة نفسه كالدار، والمسجد، والسوق، فهذا لا يتعدى إليه الفعل إلا بواسطة (في) أو (الباء) الظرفية تقول قعدت في الدار، وأقمت بالبصرة.
ومما جاء من المختص وصل إليه بغير واسطة (في) قول العرب: رجع أدراجه أي: في الطريق الذي جاء فيه وقولهم: هم درج السيول، و «دخلت» مع كل ظرف زمان مختص نحو: دخلت البيت، ودخلت الدار هذا هو الذي عليه الجمهور شبه ظرف المكان المختص مع «دخلت» بالمكان غير المختص.
وذهب الجرمي، والأخفش إلى أنه ينتصب انتصاب المفعول به مع دخلت نحو: هدمت البيت، وذهب الأخفش أيضًا إلى أنه مما يتعدى تارة بنفسه، وتارة بحرف الجر تقول: دخلت البيت، ودخلت في البيت وبه قال جماعة.
وذهب الفارسي إلى أنه يتعدى في الأصل بحرف الجر وهو (في) إلا أنه حذف اتساعًا، فانتصب على المفعول به، وفصل السهيلي: إن اتسع المدخول
فيه حتى يكون كالبلد العظيم وجب النصب كقولك: دخلت العراق، ويقبح دخلت في العراق، وإن ضاق كالبئر، والحلقة كان النصب بعيدًا جدًا فتقول: دخلت في البئر، وأدخلت إصبعي في الحلقة، والإبرة في الثوب، وقال: فقس عليه، وسكت عن المتوسط. وقياس تفصيله يقتضي جواز وصول الفعل إليه بنفسه، وبواسطة (في).
وقالت العرب: ذهبت الشام، وهذا عند سيبويه ظرف مختص انتصب على إسقاط (في) تشبيهًا بغير المختص، ولا يجوز نصب الشام إلا مع ذهب، وذهب المبرد إلى أنه على إسقاط (إلى) أي: ذهبت إلى الشام.
وزعم الفراء: أن العرب أنفذت (إلى) أسماء الأماكن والبلاد دخلت، وذهبت، وانطلقت، وحكى أنهم يقولون: انطلقت العراق، وذهبت اليمن، ودخلت الكوفة، وهذا شيء لم يحفظه سيبويه، ولا البصريون.
ومما جاء من وصول الفعل إلى المكان المختص بغير واسطة (في) في الشعر قوله:
…
...
…
...
…
كما عسل الطريق الثعلب
و:
قلن عسفان
…
...
…
...
…
...
…
...
…
....
و:
فلأبغينكم قنا وعوارضًا
…
...
…
...
…
و:
…
....
…
قالا خيمتي أم معبد
فذهب سيبويه إلى أن انتصابها على الظرف تشبيهًا للمختص بالمبهم، وذهب الفارسي إلى أن انتصابها نصب المفعول به بعد إسقاط حرف الجر تشبيهًا لها بالأناسي.
وذهب بعض النحاة، ومنهم ابن الطراوة إلى أن انتصاب الطريق ظرفًا، يجوز أن يكون في فصيح الكلام قال: وذلك مشهور في الكلام جار على القياس. ومنه قول العرب: «أبعده الله وأسحقه وأوقد نارًا إثره» قال: ويقال ذهبت طريقي، ومروا طرقاتكم، وأنشدوا:
وقد قعدوا أنفاقها كل مقعد
…
ويهوي مخارمها هوى الأجدل
وهذا عند غير ابن الطراوة ضرورة، فأما قوله تعالى:«لأقعدن لهم صراطك المستقيم» ، «واقعدوا لهم كل مرصد» . فذهب الفراء إلى أن ذلك من الظروف التي حذفت (في) منها في الاختيار وغيره ينصبه على التضمين، فـ (لأقعدن) أي: أملكن، واقعدوا أي: أملكوا.
النوع الرابع: ما دل على محل الحدث المشتق هو من اسمه نحو: مقعد، ومرقد، ومجلس، ومعتكف، نحو: قعودك مقعد زيد، وجلست مجلس عمرو، فلو عمل فيه من غير لفظه نحو: ضحكت مجلس زيد: تريد في مجلس زيد لم يجز، ومما جاء من نحو هذا شاذ أراد به القرب والبعد: هو مني مقعد القابلة، ومعقد الإزار، ومناط الثريا، ومنزلة الولد، ومنزلة الشغاف، و:
…
...
…
مقعد رايئ الـ
…
ــ ضرباء
…
...
…
...
ومزجر الكلب، ومذهب سيبويه، والجمهور أنه لا يقال منه إلا ما سمع لو قلت: هو مني مجلسك، ومتكأ زيد، ومربط الفرس، ومعقد شراك النعل، ومعقد الشفرتين لم يجز، ولو لم يرد بها تمثيل القرب، والبعد، بل الحقيقة لم يجز لو قلت: هو مني مزجر الكلب تريد: المكان الذي يزجر فيه الكلب أو قلت: هو مني مقعد القابلة أي: في الموضع الذي قعدت فيه القابلة لم يجز، وحكى أبو الحسن: هو مني مكان السارية أي: من المنارة، فاستعمل في القرب.
وحكى سيبويه «هو مني مرأى ومسمعًا» بالنصب، وانتصاب هذه كلها على أنها ظروف مختصة شبهت بالمبهم، وهو إخبار عن المبتدأ
وأصل نصبها بالاستقرار، ولا ينصب إلا الظروف، وقيل الأصل: مكانًا مثل مكان مناط الثريا، وكذا باقيها يحذف في جميع ذلك الظرف المبهم، وأقيمت هذه الأسماء المشتقة من الفعل مقامه، فانتصبت لذلك على الظرف من قبل ما قامت مقامه لا من قبل أنفسها. وقيل لما كانت هذه أمثال القرب والبعد، ولا يراد حقيقة اللفظ حمل على المعنى فقولهم: أنت مني مناط الثريا معناه: أنت مني مكانًا مباعدًا غاية البعد، وكذا معقد الإزار هو كناية عن غاية القرب، فكما لو تكلم بها جاز، فكذلك ما دل عليه، وهذا قول؛ سن وقال به ابن الطراوة، ويرجع ذلك كله إلى معنى المبهم.
وذهب الكسائي إلى أن انتصاب هذه الأسماء المختصة المشتقة من الفعل انتصاب الظروف مقيسًا ومعنى: «مقعد القابلة أي من النفساء» . ومعقد الإزار من المؤتزر، ومنزلة الولد من أبيه، ومنزلة الشغاف من القلب، ومقعد رابئ الضرباء من الضربى، ومناط الثريا من الدبران، أو من يد المتناول، ومزجر الكلب من الزاجر، فجميع ذلك يتعلق فيه منى الأولى بالظرف لما تضمنه من معنى الفعل، لوقوعه موقع الخبر أي هو كائن مني.
وتتعلق (من) الثانية بنفس اسم المكان لما فيه من الدلالة على الفعل الذي اشتق منه، وتعلق (من) الأخيرة باسم المكان هو مذهب سيبويه، وزعم ابن خروف أن حرفي الجر يتعلقان بمحذوفين تقديره: قرب زيد مني قرب الشغاف من القلب، وبعد مني بعد مزجر الكلب من الزاجر.
وذهب بعض النحاة إلى أن المختص الذي لا شكل له ولا صورة كمزجر الكلب، ومقعد القابلة، ونحوه هو على حذف الجار، كأمرتك الخير، وإذا لم تذكر من الثانية فقلت: هو مني مناط الثريا يتعلق مني بمحذوف وهو خبر أي: أنت من اتباعي، ومناط الثريا خبر ثان، وقيل: بما في الظروف من البعد والقرب كأنك
قلت: هو قريب مني، والمجرور يعمل فيه المعنى. وإن تقدم كقوله:
…
...
…
...
…
... كل فؤاد عليك أم
أي مشفق عليك، فقدم عليك على (أم).