الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المفعول به
هو ما كان محلاً لفعل الفاعل خاصة نحو: ضربت زيدًا، وهو منصوب إذا لم يبن لما لم يسم فاعله، والكلام هذا هو في المفعول الذي لم يكن من باب ظن وأعلم. وإنما هو فيما يتعدى إلى واحد أو إلى اثنين من باب أعطى، أو إلى اثنين أحدهما أصله بحرف الجر، وإذا وجد مفعولان، وأحدهما مفعول في المعنى، أو مقيد بحرف الجر، فالأصل تقديم ما هو فاعل في المعنى، وتقديم ما ليس مقيدًا بالحرف فإذا قلت: أعطيت درهمه زيدًا جاز عند البصريين ومنه.
فدع ذا، ولكن ما ينالك نفعه
…
ومن كان يعطي حقهن القصائدا
ومنع ذلك هشام، قال ابن عصفور: وبعض البصريين، وقال ابن كيسان: هي قبيحة.
ولا يجوز أعطيت مالكه الغلام، ولا مالكه أعطيت الغلام إلا عند الكوفيين، إذا قدرت أن الإعطاء أخذ للغلام أولاً، فالأول عندهم هو الذي يقدر آخذًا له قبل صاحبه، ولو قدمت على الفعل المفعول الثاني متصلاً به ضمير الأول نحو: ثوبه أعطيت زيدًا، جاز ذلك عند البصريين، والفراء، وثعلب.
وقال هشام لا يجوز، وقال ابن كيسان: درهمه أعطيت زيدًا أجود من أعطيت درهمه زيدًا.
وقال ابن عصفور: درهمه أعطيت زيدًا جائزة بلا خلاف، وقد نقل فيها الخلاف، كما ذكرنا أبو جعفر النحاس، وتقول: أعطيت ما أراد زيدًا جاز عند البصريين إلا من منع منهم أعطيته درهمه زيدًا.
وما أراد أعطيت زيدًا، جائزة عند البصريين، ولا يجوز هذه، ولا التي قبلها عند الكوفيين، وتقول: اخترت قومه عمرًا، واخترت من قومه عمرًا، ولا يجوز اخترت أحدهم القوم، ولا اخترت أحدهم من القوم إلا على قول من قال: ضرب غلامه زيدًا.
وفي جواز اخترت أحدهم من القوم خلاف، فإذا قلت: لبست ألينهما من الثياب، وأخذت درهمه من زيد، وأنت تريد: لبست من الثياب ألينها، وأخذت من زيد درهمه.
فذهب الكوفيون إلى أن ذلك لا يجوز قالوا: إذا كان المكنى من مخفوض، والمخفوض في غير تأويل المنصوب لم يجز لمكنيه أن يتقدم عليه، ولذلك امتنع: دارها يسكن غلام هند، وفي دارها غلام جاريتك.
فإن كان المخفوض في معنى المنصوب فلا اختلاف بينهم في تقديمه نحو: في داره مررت بزيد، وقال ابن عصفور: لا يجوز لبست ألينهما من الثياب، كما لا يجوز أعطيت صاحبها الجارية.
ويجوز ذلك عند الكوفيين إذا قدرت أن الفعل تناول المجرور قيل: فإذا قلت: أتيت في داره زيدًا جاز ذلك باتفاق. انتهى.
وهو مخالف لما حكيناه عن الكوفيين قاطبة، أنه لا يجوز لبست ألينهما من الثياب من غير تفصيل، والذي حكيناه نقلناه عن أبي جعفر النحاس، وقال النحاس: أكثر البصريين لا يجيز: لبست ألينهما من الثياب.
وترك هذا الأصل الذي تقدم ذكره وجب، وجائز، وممتنع مثال الواجب: ما أعطيت درهمًا إلا زيدًا، وأعطيت الدرهم صاحبه، وهما نظيرا: ما ضرب زيدًا إلا عمرو.
ومثال الممتنع: ما أعطيت زيدًا إلا درهما، وأكفلت زيدًا عمرًا؛ أي جعلت زيدًا يكفل عمرًا، وهذان نظيرا: ما ضرب زيد إلا عمرًا، وضرب موسى عيسى.
وما خلا من سبب الوجوب وسبب الامتناع جائز أن يبقى الأصل نحو: كسوت زيدًا ثوبًا، وجائز أن يخالف الأصل نحو: كسوت ثوبًا زيدًا ويجب تأخير منصوب الفعل إن كان الناصب أن مشددة أو مخففة فلا تقول: أنك منطلق عرفت، ولا أن سيخرج زيد علمت.
وقياس ما أجازه هشام من أن: أن زيدًا منطلق حق، وما أجازه الفراء من الابتداء بأن الثقيلة نحو: أنك قائم يعجبني، يقتضي أن يجوز أنك منطلق عرفت.
ويجب تقديمه إن تضمن معنى استفهام نحو: من رأيت وأيهم لقيت، ومتى قدمت، وأين أقمت.
وسواء أقصد بالاستفهام ابتداء أو كان للاستثبات [هذا مذهب البصريين، ولم يحفظوا من تقديم العامل في الاستثبات] إلا قولهم: ضرب من منا، واعتقدوا شذوذه.
وذهب الكوفيون إلى أن ما قصد به الاستثبات لا يلزم الصدر، وحكى الكسائي: ضرب من منا بالإعراب، وضرب غلام من منا بالإعراب، وضرب من منا، وضرب غلام من منا ببناء من الأولى فيهما.
وحكوا أن العرب تفعل ذلك فيما تقول لمن قال: ضربت رجلاً: ضربت (ما) وضربت ماذا، وضربت مه، ولمن قال: ضربت الرجل ضربت ألما. وضربت ألماذا. وضربت ألمة بإدخال (أل) عليهما، وبحذف الفعل، وإلحاق هاء السكت لفظًا في الوقف، وخطا دون لفظ في الوصل، وما في جميع ذلك مبقاة على بنائها.
وحكى محمد بن جرير الطبري أن العرب تقولك تفعل ماذا، تصنع ماذا، ينصب كل مضارع يقع قبل ماذا، ألا تراهم يقولون: تريد ماذا بالرفع.
وحكى الكوفيون أن العرب تقدم العامل على (أي) يقولون: لمن قال: ضربت رجلاً: ضربت أيا، ولم يقدموا العامل في شيء من أسماء الاستفهام غير (من وما وأى) إلا ما حكاه بعضهم عن بعض العرب أنه قال: إن أين الماء والعشب لمن قال: إن في موضع كذا ماء وعشبًا، فعلى هذا لو قال: ضربت عشرين رجلاً، فاستثبت، قلت: كم ضربت، ولم يجز أن تقول: ضربت كم.
ويجب تقديمه إن كان اسم شرط نحو: أيهم تضرب أضربه، أو كان مضافًا إليه، أو إلى اسم استفهام نحو: غلام من تضرب اضربه، وغلام أيهم رأيت، أو نصبه فاصلاً جواب أما، نحو: أما زيدًا فاضرب، فإن فصله غير المفعول جاز له أن يتقدم نحو: أما اليوم فزيدًا اضرب، وإن يتأخر نحو: أما اليوم فاضرب زيدًا، أو كان معمول مفسر الجواب نحو: أما زيدًا فاضربه، أو كان ضميرًا منفصلاً لو تأخر وجب اتصاله نحو:«إياك نعبد» .
فلو كان إذا تأخر جاز اتصاله لم يلزم تقديمه نحو: الدرهم إياه أعطيتك، ولو تأخر جاز أعطيتكه، وأعطيتك إياه، أو كان (كم) الخبرية نحو: كم غلام ملكت: تريد كثيرًا من الغلمان ملكت.
وحكى الأخفش أنه يجوز تقديم العامل على (كم) الخبرية في لغة رديئة للعرب تقول: ملكت كم غلام؛ أي ملكت كثيرًا من الغلمان، أو كان الناصب فعل أمر دخلت عليه الفاء نحو: زيدًا فاضرب.
وفي الترشيح: زيدًا فاضرب، دخلت الفاء هنا لما في الكلام من معنى الشرط، ومعناه يدق، فإذا قلت: زيدًا فاضرب فكأن قائلاً قال لك: أنا لا أضرب زيدًا، ولكني أضرب عمرًا، فقلت أنت مجيبًا له: فاضرب عمرًا. ثم قلت: عمرًا
فاضرب، جعلت تقديم الاسم بدلاً من اللفظ بالشرط كأنك قلت: إن كان الأمر على ما وصفت فاضرب زيدًا، وكذلك على عمرو فانزل. انتهى.
ويجوز في غير ما تقدم إن علم النصب تأخير الفعل إما بإعراب نحو: زيدًا ضرب عمرو، أو قرينة نحو: حبارى صاد موسى؛ فإن جهل لم يجز نحو: موسى ضرب عيسى.
فلا يكون (موسى) مفعولاً به مقدمًا، بل مبتدأ فلو كان الفعل في التعجب نحو ما أحسن زيدًا، فلا يجوز ما زيدًا أحسن أو في صلة حرف ناصب للمضارع نحو: من البر أن تكف لسانك فلا يجوز: لسانك أن تكف، ولا أن لسانك تكف أو داخل على ماض نحو: أعجبتني أن ضربت زيدًا فلا يجوز أعجبني زيدًا أن ضربت، ولا أن زيدًا ضربت؛ فإن كان في صلة حرف ليس من شأنه أن ينصب، جاز التقديم نحو: عجبت مما تضرب زيدًا، فيجوز عجبت مما زيدًا تضرب أو في مقرون بلام الابتداء، لا تصحب خبر (إن) نحو: لسوف يرضى عمرًا زيد، فلا يجوز عمرًا لسوف يرضى زيد، فإن كان في خبر (إن) جاز نحو: إن زيدًا ليضرب عمرًا، فيجوز: عمرًا ليضرب أو بلام قسم نحو: والله لأضربن زيدًا، فلا يجوز: والله زيدًا لأضربن.
وذكر أبو العباس بن الحاج في نقده على ابن عصفور صاحب (كتاب المقرب) أن ابن عصفور أغفل النواصب، والجوازم ونص النحاة على أنه لا يجوز: لم زيدًا أضرب، ولا سرت حتى زيدًا ألقى، لا خلاف في ذلك.
ونص سيبويه على أنه لا يجوز ذلك في الجوازم إلا في (إن) وحدها من أدوات الشرط، ولا يجوز في الكلام إلا بشرط سيذكر في موضعه، وأغفل أيضًا (قد) و (سوف) و (قلما) و (بما) وأغفل أيضًا أنه لا يجوز: ما زيد عمرًا إلا يضرب على أن يعمل ما بعد (إلا) فيما قبلها.
وذكر الرندي، والبهاري أنه لا يجوز تقديم المفعول في مثل: ضرب القوم بعضهم بعضا، لأن الفاعل مفسرًا له.
وذكر البهاري أنه لا يجوز تقديم الفاعل إذا كان المفعول مفسرًا له نحو: ضرب بعض القوم بعض. انتهى.
ويجوز ضرب زيدًا غلامه، وضرب زيد غلامه، أو غلام أخيه، وأخذ زيد ما أراد، أو ما أكل طعامك إلا زيد، فلو قلت: زيدًا غلامه ضرب أو غلامه، أو غلام أخيه ضرب زيد، وما أراد أخذ زيد، وما طعامك أكل إلا زيد، جاز ذلك عند البصريين، ومنع ذلك الكوفيون في هذه المسائل الخمس، والصحيح الجواز، وبه ورد السماع ولا يقع فعل مضمر متصل على مفسره الظاهر نحو: زيدًا ضرب، فلو كان الضمير منفصلاً جاز نحو: ما ضرب زيدًا إلا هو، فيقع الفاعل على مفسره الظاهر.
فلو أبرز الضمير المستكن، فقيل: زيدًا ضرب هو، أجاز ذلك الكسائي وحده، والذي تقتضيه الأقيسة أن ذلك لا يجوز، لأنه ليس من مواضع انفصال الضمير.
فلو وقع على مضاف إليه نحو: غلام هند ضربت، وثوبي الزيدين يلبسان، فذهب الأخفش، والفراء إلى منعهما.
وذهب هشام، والبصريون في نقل ابن عصفور إلى الجواز، وأكثر البصريين في نقل النحاس إلى المنع، واختلف في النقل عن الكسائي، والمبرد والصحيح الجواز لثبوت ذلك في لسان العرب.
فلو وقع على موصول بفعله أي بفعل المسند إلى مفسر الضمير جاز نحو: ما أراد زيد أخذ.
قال ابن شقير: «ما أراد زيد أخذ» جائز من قول البصريين، سواء أكان زيد مبتدأ أم فاعلاً بأراد، وأما الكوفيون: فإن كان مبتدأ ما بعده خبره فلا تجوز المسألة. وإن كان زيد فاعلاً جاز عند الكسائي، وهو خطأ من قول الفراء، وقال ابن شقير: أخذ زيد ما أراد، أخذ ما أراد زيد، زيدًا أخذ ما أراد، زيد ما أراد أخذ، جائزة من كل قول.
«ما أراد أخذ زيد» جائز عند البصريين، خطأ عند الكوفيين، إرادته أخذ زيد، جائز عند الجميع، ولو اتصل بالمفعول ضمير يعود على الفاعل، لم يلزم تأخير المفعول عند البصريين.
وسواء أكان الضمير مرفوعًا، أو منصوبًا، وفرق الكوفيون بين أن يكون ضمير رفع فالتزموا تأخيره نحو: أخذ زيد ما أراد.
وأجاز البصريون: أخذ ما أراد زيد، أو غير ضمير رفع جاز التقديم عندهم كمذهب البصريين نحو: ضرب غلامه زيد.
ويجوز الاقتصار على منصوب الفعل من مفعول به وغيره مستثنى عنه بحضور معناه نحو: (زيدًا) لمن رأيته قد شرع في إعطاء مثلاً «أي أعط زيدًا» أو في
ذكر رؤيا (خيرًا)، ولمن قطع حديثًا: حديثك «أي ذكرت خيرًا» ، و «تمم حديثك» أو سببه نحو قوله:
إذا تغنى الحمام الورق هيجنى
…
ولو تسليت عنها أم عمار
أي ذكرت أم عمار، لأن التهييج سبب للذكر، أو مقارنة نحو قوله: لمن تأهب للحج (مكة) أي أراد مكة، أو سدد سهمًا: القرطاس (أي يصيب) أو كبر مرتقب الهلال: (الهلال) أي رأى، أو الوعد به: زيدًا لمن قال سأطعم، أو السؤال عنه بلفظه (بلى زيدًا) لمن قال: هل رأيت أحدًا، أو بمعناه بلى وجاذًا لمن قيل له: أفي مكان كذا أحد أو عن متعلقه: «ماذا أنزل ربكم قالوا
خيرًا» أي أنزل خيرًا.
أو بطلبه: ألا رجل إما زيدًا، وإما عمرًا؛ أي اجعله إما زيدًا، وإما عمرًا، أو اللهم ضبعًا وذئبًا أي اجمع فيها، أو بالرد على نافيه بلى زيدًا لمن قال: ما لقيت أحدًا، أو الناهي عنه «بل من أساء» لمن قال: لا تضرب أحدًا أو على مثبته لا بل زيدًا، لمن قال: ضرب زيد عمرًا، أو الأمر به «لا بل زيدًا» لمن قال: اضرب عمرًا، بإضمار لقيت، وأضرب، وضرب، واضرب، فهذا وفق اللفظ والمعنى، ومن المعنى دون اللفظ:«وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم» أي بل نتبع ملة؛ لأن معنى ما قبله: «اتبعوا ملة اليهود والنصارى» .
فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال فهو لازم، ومثال الاقتصار في مثل قولهم:«كل شيء ولا شتيمة حر» أي ائت ولا ترتكب.
«وهذا ولا زعماتك» يقال: لمخاطب كان يزعم زعمات، فلما ظهر خلاف قوله قيل له ذلك أي هذا الحق، ولا أزعم زعماتك، أو ولا أتوهم زعماتك، و «كليهما وتمرا» أصله أن إنسانا خير بين شيئين فطلبهما، وطلب معهما تمرًا، ثم استعمل لمن خير بين شيئين فطلبهما جميعًا.
والتقدير اعطني كليهما، وزدني تمرًا، ومثال شبه المثل في كثرة الاستعمال حسبك خيرًا لك أي وائت خيرًا لك، ووراءك أوسع لك: أي وائت
مكانًا أوسع لك من وراءك، و {فآمنوا خيرًا لكم} و {انتهوا خيرًا لكم} ؛ أي وائتوا خيرًا لكم وهذا فيه خلاف، ذهب الخليل، وسيبويه إلى أن هذه منصوبة بفعل مضمر يدل عليه الأول.
وذهب أبو عبيدة، والكسائي إلى أن هذه منصوبة على إضمار يكن، وذهب الفراء إلى أن (خيرًا) منصوب باتصاله بالأمر، لأنه من صفات الأمر. وصرح بعضهم عنه بأن انتصابه به على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: انتهاء خيرًا لكم، وقال الفراء: ترى الكناية عن الأمر تصلح قبل الخبر تقول: اتق الله فهو خير لك.
فإذا أسقطت (هو) اتصل بما قبله فنصب. انتهى.
وقيل: لا يكون مثل هذا في الخبر عند الخليل وسيبويه، وأجاز الكسائي مثله في الخبر، وزعم أنه قد سمع: لتقومن خيرًا لك، ولآتين البيت خيرًا لي.
وزعم الكسائي أن النصب لخروجه من الكلام قال: والعرب تقوله بعد الكلام التام، فإن كان مطلوبًا لغيره رفعوه، نحو: انته خير لك.
وقال الوراق في قوله:
تروحى أجدر أن تقيلي
هو على تقدير يكن أجدر، وأجاز ابن درستويه حذفها قياسًا بعد فعل الأمر، فأما قولهم: انته امرًا قاصدًا، فالتقدير: وائت أمرًا قاصدًا، وهذا يجوز فيه إضمار الفعل. وإظهاره بخلاف:{انتهوا خيرًا لكم} وما ذكر معه: فإنه يجب إضمار الفعل، وقد غفل الزمخشري عن نص سيبويه في ذلك فجعل: انته أمرًا قاصدًا، وانتهوا خيرًا لكم، سواء في وجوب إضمار العامل.
وجعل سيبويه من هذا القبيل قول ذي الرمة:
ديار ميه
…
...
…
....
…
...
…
...
…
...
قال: كأنه قال: اذكر ديار ميه، ولكنه لا يذكر (اذكر) لكثرة ذلك في كلامهم. انتهى.
ومما التزم فيه إضمار الناصب: امرءًا ونفسه، والكلاب على البقر، وأحشفًا وسوء كيلة، ومن أنت وزيدًا، وإن تأتني فأهل الليل وأهل النهار، ومرحبًا وأهلاً وسهلاً، وعذيرك بإضمار دع، وأرسل، وأتبيع، وتذكر، وتجد وأصبت، وأتيت، ووطئت، وأحضر.
وقد يجعل بعض المنصوبات هنا مبتدأ، أو خبرًا فيلزم حذف أحد الجزأين، قال سيبويه: ومن العرب [من يرفع الديار كأنه يقول تلك ديار فلانة ومن العرب] من يقول: كلاهما وتمرًا، كأنه قال: كلاهما لي وزدني تمرًا، وكل شيء ولا شتيمة حر، كأنه قال: كل شيء أمم ولا شتيمة حر، وترك ذكر الفعل بعد (لا)، ومن أنت زيد أي كلامك أو ذكرك زيد، وفي حواشي المفصل: من أنت زيدًا أي ذاكرًا زيدًا، وانتصاب (ذاكرًا) على الحال بفعل مضمر أي: من كنت أنت ذاكرًا زيدًا.
ومن هذا النوع التحذير والإغراء، والشائع في التحذير أن يراد به المخاطب نحو: إياك وأخواته، والتحذير إلزام المخاطب الاحتراز من مكروه، أو ما جرى
مجراه، والإغراء إلزام المخاطب العكوف على ما يحمد عليه من صلة رحم، وحفظ عهد، ونحوهما، فينصب تحذرًا، إياي أو إيانا معطوفًا عليه المحذور، وهذا للمتكلم نحو:«إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب» ، أي إياي نح عن حذف الأرنب، ونح حذف الأرنب عن حضرتي، وزعم الزجاج أن ذلك جملتان، والتقدير «إياي وحذف الأرنب وإياكم وحذف أحدكم الأرنب» حذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول، وقد قال بعضهم: إياي ليس على فعل أمر بل على معنى إياي (أباعد) تجعله خبرًا، وكأنه أجاب من قال: إياك من الشر أي إياك باعد فقال: إياي أي إياي أباعد وينصب تحذيرًا إياك وأخواته. ونفسك وشبهه من المضاف إلى المخاطب معطوفًا عليه المحذور، بإضمار ما يليق من نح أو اتق وشبههما نحو: إياك والشر، وإياك والأسد، ومذهب السيرافي، وجماعة أنه معطوف على إياك، والكلام جملة واحدة التقدير: إياك باعد من الأسد، والأسد من نفسك، فكل منهما مباعد.
ومذهب ابن طاهر، وابن خروف أنه منصوب بفعل آخر، والكلام جملتان أي إياك باعد من الأسد. واحذر الأسد، وتقول: نفسك والشر، ورأسك والجدار.
وزعم ابن مالك أن هذا وإياك والأسد ليس من عطف الجمل، ولا من عطف المفرد على التقدير الذي قدروه، بل هو من عطف المفرد على تقدير: اتق تلاقي نفسك والشر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
ولا يكون المحذور ظاهرًا، ولا ضمير غائب إلا وهو معطوف نحو: ماز رأسك والسيف ونحو:
فلا تصحب أخا الجهل
…
وإياك وإياه
وشذ «إياه وإيا الشواب» من وجهين إضافته إلى ظاهر، وكونه ضمير غائب.
ولا يلزم الإضمار إلا مع إيا، أو مكرر نحو: الأسد الأسد، أو معطوف ومعطوف عليه نحو: الشيطان وكيده، يستغنى بذكر المحذر منه عن ذكر المحذر مع التكرار، أو العاطف، ولا يحذف العاطف بعد إيا إلا والمحذور منصوب بإضمار ناصب آخر، أو مجرور بمن، فلا يجوز رأسك الجدار حتى يقول: من الجدار أو والجدار.
وزعموا أن ابن إسحاق أجاز في الشعر:
إياك إياك المراء
…
...
…
...
…
...
…
...
وقال سيبويه: كأنه قال: إياك ثم أضمر بعد إياك فعلا [آخر] فقال: اتق المراء. انتهى.
وتقدير (من) مع أن يفع لكاف نحو: إياك أن تفعل قال سيبويه: إذا أردت إياك الفعل لا يجوز، فإن أردت إياك أعظ مخافة أن تفعل، أو من أجل أن تفعل جاز.
وحكم الضمير في هذا الباب مؤكدًا، أو معطوفًا عليه حكمه في غيره، فمؤكدًا نحو: إياك أنت نفسك أن تفعل، وإياك نفسك أن تفعل، وقال الخليل: لو قال: إياك نفسك لم أعنفه؛ لأن الكاف مجرورة، ومعطوفًا عليه نحو: إياك وزيد قبيح.
فإن أكدت فقلت: إياك أنت وزيد، عطفًا على الضمير المستكن في إياك حسن، وإن نصبت فقلت إياك وزيدًا، جاز.
وتقول: إياك وزيدًا والأسد، ورأسك، ورجليك، والضرب أي إياك وزيدًا باعد، وينصب المعدى به مفردًا نحو: نفسك يا زيد، أو مكررًا نحو: الخلة الخلة، أخاك أخاك، أو معطوفًا عليه نحو: الأول والولد بإضمار إلزم، أو شبهة.
ولا يمتنع إظهار الناصب في المفرد نحو: نفسك الزم، دون عطف، ولا تكرار، وربما وقع المكرر قالوا: السلاح السلاح، وقع وفيه معنى الأمر بلبس السلاح.
وقال الفراء: نصب {ناقة الله} على التحذير، وكل تحذير نصب، ولو
رفع على إضمار هذه ناقة الله لجاز، ولا يعطف في هذا الباب إلا بالواو، وكون ما يليها مفعولاً معه جائز.
والمفعول بالنسبة إلى الحذف والإثبات أقسام، فالذي في باب ظن وأعلم يذكر في بابه، والذي لا يجوز حذفه هو المخبر عنه، وهو المفعول الذي لم يسم فاعله نحو: ضرب زيد، والمجاب به نحو: زيدًا لمن قال: من رأيت، والمحصور نحو: ما رأيت إلا زيدًا، والملتزم حذف فاعله وإبقاؤه نحو: خيرًا لنا وشرًا لعدونا ....
فأما مفعول فعل التعجب. فجاء حذفه قليلاً نحو قوله:
…
...
…
...
…
بكاء على عمرو وما كان أصبرا
أي أصبرها، ويجوز حذفه في غير ذلك لدليل، فينوى وقد لا ينوى، لتضمين الفعل معنى يقتضي اللزوم كتضمين جرح معنى عاث في قوله:
…
...
…
... يجرح في عراقيبها نصلى
أي بعث، أو للمبالغة بترك التقييد نحو: فلان يعطي ويصل، ويقطع أي هذا شأنه ومنه:{يحيي ويميت} .
أو لبعض أسباب النيابة عن الفاعل فلإيجاز نحو: «واسمعوا وأطيعوا» ، ولمشاركة المجاور:{وأن إلى ربك المنتهى} {وأنه هو أضحك وأبكى} ولإصلاح النظم.
وخالد يحمد ساداتنا
…
...
…
...
…
....
أي يحمده وللعلم: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} ، وللجهل به: ولدت فلانة وأنت لا تدري ما ولدت، ولكون التعيين غير مقصود:{ومن يظلم منكم نذقه عذابًا كبيرًا} ، ولتعظيم الفاعل:{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} ولتحقير، ولتعظيم: بسم فلان، وللخوف منه أتبغض في الله، ولا تذكر المبغض خوفًا منه.