الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المفعول معه
هو الاسم التالي واوًا، تجعله بنفسها في المعنى كمجرور (مع)، وفي اللفظ كمنصوب معدى بالهمزة. (فالتالي واوًا) جنس يشمل المفعول معه، والمعطوف في مثل: مزجت عسلاً وماء، وأشركت زيدًا وعمرًا، بخلاف سرت والنيل، فإن المصاحبة لم تفهم إلا من الواو، وقوله:«كمنصوب معدى بالهمزة» يشمل الفعل، وما عمل عمله نحو: عرفت استواء الماء والخشبة، والناقة متروكة وفصيلها، ولست زائلاً وزيدًا حتى تفعل، وسيبويه يسميه مفعولاً معه ومفعولاً به، وزعم بعض النحاة: أنه لا يكون إلا مصاحب فاعل فعل مذكور أو مقدر ليخرج منه مصاحب المفعول في نحو: ضربت زيدًا وعمرًا، وأنه إذا أريد المفعول معه أتى بالأصل، وهو (مع)، وبعضهم جوز فيه الأمرين، وبعضهم حمله على العطف، ولا ينكر المعية مع المفعول نحو: قولهم كفاك وزيدًا درهم، وامرأ ونفسه.
وشرط انتصابه أن يكون بعد تمام الكلام، وأجاز الصيمري أن ينتصب عن تمام الاسم، فأجاز كل رجل وضيعته، وانتصابه بما علم في السابق من فعل متعد ولازم، واسم بمعناه.
وزعم قوم أنه لا يكون إلا مع الفعل اللازم، فلا يقال: ضربتك وزيدًا على أنه مفعول معه، وفي كونه بعد كان الناقصة خلاف نحو:
فكان وإياها
…
...
…
...
…
...
…
...
فذهب قوم إلى أنه لا يكون بعد كان، وإليه ذهب الأستاذ أبو علي، وذهب الجمهور إلى جواز ذلك، وهو الصحيح، ومذهب سيبويه أنه لا ينصبه العامل المعنوي كحرف التشبيه، والظرف، والمخبر به، والجار والمجرور، واسم الإشارة، ولهذا لم ينصب بـ (لك) في قوله: هذا لك وأباك، وفي حسبك وزيدًا درهم، وأجاز أبو علي أن يكون قوله (وسربالا) من قوله
…
...
…
... هذا ردائي مطويًا وسربالا
العامل فيه هذا، وهو خلاف ظاهر كلام سيبويه، بل العامل فيه هو قوله: مطويًا.
وذهب الزجاج إلى أنه منصوب بمضمر بعد الواو فإذا قلت: ما صنعت وأباك، فالتقدير عنده: ولا بست أباك، وذهب الأخفش، ومعظم الكوفيين إلى أن الواو مهيئة لما بعدها أن ينتصب انتصاب الظرف.
وذهب بعض الكوفيين إلى أن الناصب هو الخلاف لما لم يشرك الأول في الإعراب الذي له.
وذهب الجرجاني إلى أنه ينتصب بالواو نفسها، ويلزم من كون المفعول معه أن يصح عطفه على ما قبله، وأن أصل هذه الواو العطف، وهذا مذهب الجمهور والأخفش، والسيرافي، والفارسي، وابن جني، وأصحابنا الأستاذ أبو علي، وابن عصفور، وابن الضائع، وقد ذكر الإجماع على ذلك أبو الحسن بن الباذش. وفي البديع: جلست والسارية، الأخفش لا يجيزه قال: ولا أقول: ضحكت وطلوع الشمس، حيث لا يصح فيه العطف، لأن الطلوع لا يكون منه ضحك، وأجاز: جاء البرد والطيالسة، وذهب ابن خروف، وتبعه ابن مالك إلى أن العرب تستعمله في مواضع لا يصلح فيها العطف، وذلك على ضربين:
أحدهما: ترك فيه العطف لفظًا ومعنى كقولهم: استوى الماء والخشبة، وما زلت أسير والنيل، وقوله:
فكان وإياها كحران
…
...
…
...
…
والثاني: استعمل فيه العطف لمجرد اللفظ كاستعمال النعت على الجواز، ومنه قولهم: أنت أعلم ومالك أي: أنت أعلم مع مالك كيف تدبره.
ولا يجوز تقديمه على عامل المصاحب باتفاق، لا يجوز: والخشبة استوى الماء.
وإن كان يجوز مع الخشبة استوى الماء، ولا يجوز توسطه، لا يجوز: استوى في الخشبة الماء، وأجاز ابن جني ذلك.
ومسائل هذا الباب أربعة أقسام:
الأول: ما يجب فيه العطف، ولا يجوز النصب، وذلك إذا تقدم الواو مفرد نحو: كل رجل وضيعته، وأنت ورأيك، والرجال وأعضادها، وإنك ما وخيرا وقوله:
فإني وجروة
…
...
…
...
وكل هذا مسموع من العرب، أو تقدمها جملة غير متضمنة معنى فعل نحو: أنت أعلم ومالك.
وذكر ابن مالك أنه لا خلاف في وجوب الرفع في: أنت ورأيك، وأنت أعلم ومالك، فأما أنت ورأيك، فتقدم خلاف الصيمري فيه، وهو أنه يجوز فيه النصب نحو: ما أجازه في كل رجل وضيعته.
وحكى ابن مالك: أن بعضهم أجاز ذلك على تأويل أن ما قبل الواو جملة، حذف ثاني جزأيها، والتقدير: كل رجل كائن وضيعته، فصار في المسألة ثلاثة مذاهب:
الصحيح وجوب الرفع بلا تأويل، وهو قول الجمهور، وأما أنت أعلم ومالك فقيل: ومالك معطوف على أنت، ونسب العلم إلى المال على سبيل المجاز، وإن كان في الحقيقة لم يشتركا في العلم، وإنما المعنى أنت أعلم بمالك، والواو للمصاحبة، وقال أبو بكر بن طاهر هو معطوف على أعلم، والأصل: بمالك فوضعت الواو موضع الباء، فعطفت على ما قبلها، ورفعت ما بعدها في اللفظ، وهو بمعنى الباء متعلقة بأعلم. وقيل: ما قبل ومالك مبتدأ مقدر، والتقدير: أنت أعلم وأنت ومالك، وتكون الواو سدت مسد الخبر.
وأما أنت أعلم وعبد الله فجوزوا أن يكون، (وعبد الله) معطوفًا على أنت، وأعلم خبر عنهما توسط بين المتعاطفين، وأن يكون مبتدأ محذوف الخبر جوازًا، والتقدير: أنت أعلم بعد الله، وعبد الله أعلم بك، أو محذوفًا وجوبًا، والواو بمعنى مع عطف بها في اللفظ لوقوعه موقع المجرور بمع.
القسم الثاني: ما يجب فيه النصب، وهو أن يتقدم الواو جملة فعلية، أو اسمية متضمنة معنى الفعل وقبل الواو ضمير متصل مرفوع غير مؤكد بضمير رفع منفصل، ولا طول يقوم مقام التأكيد، أو ضمير خفض متصل باسم لا يمكن عطف ما بعد الواو عليه نحو: ما صنعت وأباك، وما شأنك وزيدًا، فهذا عند البصريين لا يجوز فيه العطف إلا ضرورة، وهذا الذي عبر عنه ابن مالك، بأنه يتعين فيه النصب عند الأكثر.
وقال الكسائي: إذا وقعت ما بال، وما شأن على اسم مضمر ثم عطف
عليه باسم ظاهر، كان الوجه في المعطوف النصب، والخفض جائز، وقال ابن خروف: وبه أقول، والنصب في مالك وزيدًا، وما شأنك وزيدًا، بكان مضمرة قبل الجار، أو بمصدر (لابس) التقدير ما كان لك وزيدًا، وما كان شأنك وزيدًا، أو مالك وملابسة زيدًا، وما شأنك وملابسة زيدًا، وكلا هذين التقديرين في كتاب سيبويه، ووافق الأستاذ أبو علي ظاهر قول سيبويه في تقدير المصدر أولاً، ثم خالف وقال: هو تفسير معنى لا تقدير إعراب، وتقدير الإعراب فيه: مالك تلتبس وزيدًا.
وذهب السيرافي، وابن طاهر، وابن خروف إلى أنه منصوب بلابس محذوفة بعد الواو أي: ولابست زيدًا، وهذا التقدير: وتقدير المصدر يخرجه عن أن يكون مفعولاً معه، وتعين أن يكون مفعولا به.
القسم الثالث: ما ترجح فيه العطف، وهو أن يتقدم الواو جملة متضمنة معنى الفعل، وبعد الواو اسم لا يتعذر عليه العطف، نحو: ما شأن عبد الله وزيد، ويجوز النصب، نص عليه سيبويه، ومنعه بعض المتأخرين.
وقال سيبويه: «وزعموا أن ناسًا يقولون: كيف أنت وزيدًا، وما أنت وزيدًا، وهو قليل في كلام العرب، كأنه قال: كيف تكون وقصعة من ثريد،
وما كنت وزيدًا، وزعم ابن عصفور: أن هذا مما يجب فيه النصب على المعية، ولا يجوز التشريك ومخالف لكلام سيبويه.
وكان المقدرة نص أبو علي وغيره على أنها التامة، وهو اختيار الأستاذ أبي علي، وأبي عمرو بن بقى فتكون (كيف) في موضع نصب على الحال.
وأما (ما) فلا تكون حالاً، وزعم بعضهم أنها مخرجة عن أصلها إلى السؤال عن الحال، والصحيح أن كان ناقصة، و (كيف) في موضع الخبر، وكذلك (ما) والتقدير على أي حال تكون مع قصعة من ثريد، وأي شيء يكون شأن عبد الله مع زيد، وإلى كونها ناقصة ذهب ابن خروف، واختلف في تقدير سيبويه مع ما كنت، ومع كيف تكون أهو مقصود أم لا، فزعم السيرافي أنه غير مقصود، ولو عكس لأمكن.
وزعم ابن ولاد: أنه لا يجوز إلا ما قدره سيبويه، وأبدى هو وغيره فرقًا بين (ما) حيث كان التقدير بالماضي، وبين كيف حيث كان التقدير بالمضارع.
القسم الرابع: ما ترجح فيه النصب على المعية: وهو ما يخاف بالعطف فوات معنى المعية نحو: لا تغتذ بالسمك واللبن، ولا يعجبك الأكل والشبع، أي مع اللبن ومع الشبع، فالنصب يبين المراد من المعية، والعطف لا يبينه.
وإذا كان الفعل لا يليق بتالي الواو، جاز النصب على المعية، وعلى إضمار الفعل اللائق إن حسن مع موضع الواو، وإلا تعين الإضمار مثاله:{والذين تبوءوا الدار والإيمان} فجعل (والإيمان) مفعولاً معه، أو تضمر واعتقدوا الإيمان،
وإذا لم يصح تقدير الفعل بعد الواو، ولا كون الواو بمعنى مع تعين إضمار ما يليق نحو
…
...
…
...
…
وزججن الحواجب والعيونا
أي وكحلن العيونا هكذا أورد ابن مالك هذه المسألة، وتعين الإضمار في نحو: وزججن الحواجب والعيونا على الفعل اللائق فيه خلاف. ذهب أبو عبيدة، وأبو محمد اليزيدي، والأصمعي، والجرمي، والمازني، والمبرد، وجماعة إلى أن التالي الواو معطوف على الأول، ويكون العامل قد ضمن معنى يتسلط به على المتعاطفين.
قال أبو عمر في الفرخ: يجوز في العطف ما لا يجوز في الإفراد نحو: أكلت خبزًا ولبنًا، وأنشد:
يا ليت زوجك قد غدا
…
متقلدًا سيفا ورمحا
ضمن متقلدًا معنى حاملاً، وذهب الفراء، والفارسي وجماعة من الكوفيين، والبصريين إلى أن ما جاء من هذا النوع محمول على إضمار فعل مناسب، لتعذر عطفه على ما قبله، فيصير في مثل: يجدع أنفه وعينه؛ أي ويفقًا عينه، من عطف الجمل قال: وهو لا يسوغ علفتها ماء وتبنًا كما يسوغ:
علفتها تبنًا وماءً باردًا
…
...
…
...
…
وما منعوه مسموع قال:
…
...
…
...
…
لها سبب ترعى به الماء والشجر
وحمل هذا على ترجيح التضمين لا الإضمار، وقالت العرب: حسبك وزيدًا درهم، فزعم الزجاج أن حسبك اسم فعل، والكاف في موضع نصب.
وزعم الزمخشري: أن (وزيدًا) مفعول معه، وقال سيبويه: «لما كان فيه معنى كفاك، وقبح أن يحملوه على المضمر نووا الفعل كأنه قال حسبك، ويحسب أخاك درهم وكذلك: كفيك. انتهى.
فلم يجعله مفعولاً معه، بل أضمر له ناصبًا، ويحسب مضارع أحسبني فلان إذا أعطاني حتى أقول حسبي، فالناصب فيه فعل يدل على إضماره معنى حسبك وهو في «كفيك وزيد درهم» أوضح، لأنه مصدر للفعل المضمر أي ويكفي. وهو في «قطك وزيدًا درهم» أبعد، وفي ذلك الفعل المضمر ضمير فاعل يعود على الدرهم، وما ادعاه ابن عطية: أن الكاف في «حسبك» في موضع نصب لا يصح.
وقال العرب: ويله وأباه، [وويلاً له وأخاه، فليس وأخاه وأباه مفعولاً معه؛ بل التقدير: ألزمه الله ويله وأباه] فهو معطوف على مفعول ألزم.
وأما «ويل له، واباه» فويل على إضمار ألزم ويل له، وألزم الله الويل أباه، أضمر ناصبًا لأباه، وأما رأسه والحائط، وامرأ ونفسه، وشأنك والحج، فيجوز في الثواني النصب على المعية، والنصب على العطف، وهذا مقيس في المتعاطفين نحو: زيدًا وعمرًا، وتقدير (من) في شأنك والحج لفظ الإعراب، وهو (عليك) تمثيل وتقدير معنى، وتفسير الإعراب هو ألزم شأنك، وبهذا قدره النحويون وقالوا: لا يضمر عليك، وأما: هذا لك وأباك، فقال سيبويه: هو قبيح يعني أنه غير جائز، وأجاز بعض النحاة أن يعمل في المفعول معه الظرف وحرف الجر، وقد تقدم إجازة أبي علي: أن يعمل فيه اسم الإشارة وهذا الباب.
قال أبو الحسن: قوم يقيسون هذا في كل شيء، وقوم يقصرونه على ما سمع، وقال الأستاذ أبو علي: إذا كان العطف نصبًا على معنى (مع)، وكان حقيقة في المعنى ضعف النصب، كقولك: قام زيد وعمرو، فهذا لا يقال بالنصب إلا إن سمع ومنه:
…
...
…
...
…
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
أي مع القمر، فإذا كان العطف ليس بنص في المعنى نحو: استوى الماء والخشبة، أو كان مجازًا نحو: مشيت والنيل، فينبغي أن يكون الخلاف في هذا أقياس هو أم لا، وقال ابن هشام الخضراوي، اختلف القياسيون فقيل: ينقاس في كل ما جاز فيه العطف حقيقة أو مجازًا، وقيل قياس في المجاز سماع في العطف الحقيقي.
ومذهب الفارسي عدم القياس إلا فيما صلح فيه العطف فلا يجيز: جلست والسارية، ولا جلست وطلوع الشمس، ولا قام زيدًا ومرا، وإن كان قد سمع فيما هو بمعناه إلا أنه لا يقيس وعلى هذا أكثر النحاه، وهو ظاهر الكتاب.
وذهب الجرمي، والمبرد، والسيرافي إلى أنه مطرد في كل مكان الثاني مؤثرًا الأول، وكان الأول سببًا له نحو: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة، وجئت وزيدًا إذا كنت السبب في مجيئه، وما زلت وعبد الله حتى قعد، فألزموا النصب في هذه المثل، وغيرهم أجاز النصب في هذه للاشتراك في المجيء والاستواء. وإن كان في الثاني بعض تجوز، ورأيت الشلوبين يجيز القياس في هذا النوع، وفي ما زلت أسير والنيل، والاتفاق على هذا مطرد في لفظ الاستواء، والمجيء والصنع، وفي كل لفظة سمعت، وينبغي عندي أن يقاس على ما سمع في معناه، فنقيس وصل على جاء، ووافق على استوى، وفعلت على صنعت.
وذكر سيبويه «لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، وما زلت وزيدًا حتى فعل. انتهى ما لخص من كلام ابن هشام.
وإذا كان للمعطوف عليه خبر، أو حال، فحكمه متأخرًا بعد المفعول معه حكمه متقدمًا عليه تقول: كان زيد وعمرًا متفقا كما تقول: كان زيد متفقًا وعمرًا، وجاء البرد والطيالسة.
وأجاز الأخفش، واختاره ابن مالك إجراء (واو) مع إجراء واو العطف، فيطابق الأول، والمنصوب على معنى (مع) فتقول: كان زيد وعمرًا مذكورين، وجاء زيد وعمرًا ضاحكين، ومنع المطابقة ابن كيسان، وإياه اختار، ولا يجوز الفصل بالظرف بين (واو) مع، والمنصوب كما جاز مع واو العطف لو قلت: جاء زيد واليوم عمرا، لم يجز، وقلت: جاء زيد واليوم عمرو، جاز.
وفي النهاية: استوى الماء والشخبة وشفير الوادي، وسألت شيخنا فقال:(الواو) الأولى (واو) مع، والثانية قال (واو) العطف قلت: فهل يجوز إظهار (واو) مع بعدها، فلم يجب بنعم، ولا بلا.
وقد قيل إن (واو) المعية أصلها واو العطف، فإذا كان أصلها واو العطف، لم يجز الجمع بينها، وبين واو العطف، لأنه لا يجتمع حرفان لمعنى، انتهى.