الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المفعول الذي لم يسم فاعله
ورسمه كرسم الفاعل، إلا أنه يبدل به بمنه، واصطلح ابن مالك على أن سمى هذا الباب باب النائب عن الفاعل، وذكر المتأخرون البواعث على حذف الفاعل، وقد نظمت ذلك في أرجوزة في قولي:
وحذفه للخوف والإيهام
…
والوزن والتحقير والإعظام
والعلم والجهل والاختصار
…
والسجع والوفاق والإيثار
ويجرى مجرى الفاعل في تنزله منزلة الجزء في نحو: ضربت، وفي امتناع الحذف، وفي وجوب تأخره عن العامل، ولا يكون عامله إلا الفعل المصوغ له، واسم المفعول.
وفي ارتفاعه بالمصدر الذي ينحل لحرف مصدري والفعل مذاهب:
أحدها: أنه يجوز، ويدل عليه ظاهر قول سيبويه.
والثاني: لا يجوز.
والثالث: إن كان الفعل لم يبن للفاعل في أصل الوضع، بل للمفعول جاز نحو: عجبت من جنون بالعلم زيد، وإلا فلا، والذي يقوم مقام الفاعل أشياء متفق عليها، ومختلف فيها، المتفق عليه أربعة:
أحدها: المفعول به نحو: ضرب زيد، ثم الفعل إما أن يكون تامًا أو ناقصًا إن كان ناقصًا من باب أفعال المقاربة، فلا نعلم أحدًا أجاز بناءه للمفعول إلا الكسائي، والفراء أجازا جعل يفعل في جعل زيد يفعل، والخلاف فيه كالخلاف الآتي في كين يقام، وإن كان من غيره جامدًا، فكذلك، أو متصرفًا نحو: كان فذهب سيبويه، والسيرافي، ،الكوفيون، والكسائي، والفراء، وهشام إلى جواز ذلك، وذهب الفارسي إلى المنع، وهو الذي نختاره.
فأما سيبويه فقال في كتابه: «فهو كائن ومكون، ولم يبين ما الذي يقوم مقام المحذوف، وتأول الفارسي، والأعلم قول سيبويه: مكون إنه من كان التامة.
وقال ابن طاهر، وابن خروف، مكون من كان الناقصة لا يتكلم به، وإنما قصد سيبويه أنها فعل متصرف ويستعمل منه ما لا يستعمل من الأفعال إلا إن منع مانع.
وقد نص الصيمري على أن مذهب البصريين المنع من بناء كان الناقصة للمفعول، وإجازة ذلك تنسب للكوفيين. انتهى.
وأما السيرافي فقال: يحذف اسم كان، وينحذف الخبر لحذفه، ويقام ضمير مصدرها مقام المحذوف، واختاره ابن خروف، وقال ابن عصفور: يحذف الاسم والخبر، ويقام ظرف، أو مجرور معمول لها، وأما الكسائي فكان يقول في «كان زيد يقوم»: كان يقام، فيجعل في كان مجهولاً، ويرد يفعل إلى يفعل، ويجعل فيه مجهولاً آخر، وأما الفراء فيقول في كان زيد يقوم: كين يقام، وفي «كان زيد قام»: كين قيم، وكل من الفعلين فارغ لا شيء فيه.
وأما هشام فقال: كين يقام، وكان يقام إن شئت ألزمت الأول ما ألزمت الثاني، وتجعل منهما جميعًا مجهولاً، وليس واحد من المجاهيل يرجع إلى صاحبه، وإن شئت تركت الأول على حاله ولا يجوز عند البصريين في «كان زيد يقوم
أو قام، ولا في كان زيد قائمًا» أن يبنى للمفعول، لتحمل الخبر الضمير، فلا يكون ثم ما يعود عليه، وأجاز الكوفيون: كين قائم، إلا أن الفراء قال: إن نويت بقائم أن يكون اسمًا بمنزلة زيد، ورجل جاز أن تقول: كين قائم قال النحاس: والبصريون يجيزون: كين قائم على أن تريد «كين رجل قائم» ، فإن قلت: كان زيد قائمًا أبوه، لم يرد إلى المفعول على مذهب البصريين، وجاز ذلك على مذهب الكوفيين، وكذا: كان زيد حسنًا وجهه، فإن قلت: يحسن وجهه، لم يجز على كل قول: وفرق الكوفيون بين هذا وبين: كان زيد يقوم، وكذا لا يجوز في: كان زيد وجهه حسن، ولا في: كان زيد أبوه منطلق، ولا في: كان زيد قائم، على أن تضمر في كان ضمير الأمر.
وإن كان تامًا لازمًا لم يتعد ظاهرًا إلا إلى مصدر لا زمان، ولا مكان نحو: جلس وقعد، فذهب أكثر النحاة من البصريين والكوفيين إلى أنه لا يجوز، وقد نسب جواز ذلك إلى سيبويه على أن فيه ضمير المصدر، وهو غلط على سيبويه، وأجاز ذلك الفراء على أن الفعل فارغ، والكسائي وهشام على أن فيه مجهولاً من ضمير مصدر أو زمان، أو مكان لم يعلم أيهما هو.
وإن كان متعديًا فإما إلى واحد، أو أكثر. إن كان متعديًا إلى واحد، فإما أن يكون مما الجملة في موضع ذلك الواحد أو لا، إن كان وذلك قال، فالجملة إن كان
فيها ضمير يعود على الفاعل يقال وهي اسمية نحو: قال زيد: أبوه منطلق، أو لا يكون، إن لم يكن، جاز أن يبني للمفعول نحو: قال زيد: عمرو منطلق، فتقول: قيل عمرو منطلق، فالمقام مقام الفاعل فيه هو ضمير المصدر الدال عليه قال، والجملة بعده في موضع التفسير لذلك المضمر، فلا محل لها من الإعراب، هذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الجملة في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله، وإن كان فيها ضمير يعود عليه، لم يجز أن يبنى للمفعول، وإن كانت الجملة فعلية فيها ضمير غيبة [عائد على فاعل قال نحو: قال زيد يقوم تبنيهما معًا فقلت: قيل يقام، أو غير ضمير غيبة] نحو: قال زيد أقوم، فيجوز أن يبنى (قال) للمفعول وحده فتقول: قيل أقوم، ويجوز تغيرهما معًا فتقول: قيل يقام هذا مذهب الكوفيين، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ذلك فيما أدى إليه تغيير الثاني كان التغيير واجبًا، أو جائزًا، وحيث غير الثاني لبناء الأول قال الكسائي: فيه ضمير مجهول، وقال الفراء: هو فارغ، وقال بعض البصريين فيه ضمير ضمير مجهول، وقال الفراء: هو فارغ، وقال بعض البصريين فيه ضمير المصدر، فإن كان مما لا تكون الجملة في موضعه نحو: ضرب زيد عمرًا فتبنيه قلت: ضرب عمرو، واختلفوا في مسألتين:
إحداهما: اشتكى زيد عينه، فعن البصريين والفراء: لا يجوز بناء اشتكى للمفعول، وأجاز ذلك الكسائي وهشام.
الثانية: مررت برجل كفاك به رجلاً، وأجاز الكسائي: مررت برجل كفيت به رجلاً، وغلطه الفراء.
وإن كان يتعدى إلى أكثر [من واحد من باب أعطى، مما الأول فاعل في المعنى: جاز أن يقام الأول قولاً واحدًا نحو: كسى زيد جبة، وأما الثاني فيجوز
إقامته على مذهب الجمهور إذا لم يلبس فتقول: أعطى درهم زيدًا] لأنهم يقولون: هو مفعول للفعل المبني للمفعول، وذهب الفراء، وابن كيسان إلى أنه منصوب بفعل محذوف تقديره: وقبل درهمًا أو أخذ درهمًا، وذهب بعضهم إلى أنه منصوب بفعل الفاعل لما غير بني للأول، وبقى الثاني منصوبًا على أصله بفعل الفاعل، وذهب بعضهم إلى أنه انتصب على أنه خبر ما لم يسم فاعله، فكما لا يقوم خبر كان مقام الفاعل فكذلك هذا، وهذه المذاهب، وإن كانت ضعيفة مردودة، فهي تقدح في قول ابن مالك: لا خلاف في جواز نيابة ثاني المفعولين في أعطى، وحكى أبو ذر مصعب بن أبي بكر الخشني عن الفارسي: أنه لا يجيز إقامة الثاني مع عدم اللبس، وهو نكرة مع وجود الأول معرفة.
وقال الجرمي في كتاب الفرخ: بعض العرب يقول: كسى ثوب زيدًا، وأعطى درهم عمرًا [وعن الكوفيين أنه إذا كان الثاني نكرة قبح إقامته مقام الفاعل نحو: أعطى درهم زيدًا] وإن كان معرفتين كانا في الحسن سواء، فإن شئت أقمت الأول، وإن شئت الثاني، وعند البصريين إقامة الأول أحسن.
وإن كان من باب ظن أقيم الأول، فتقول: ظن زيد منطلقًا، وأما الثاني، فذهب قوم إلى أنه لا يجوز إقامته، وهو اختيار الجزولي، وابن هشام.
وذهب قوم منهم السيرافي: إلى أنه يجوز إذا أمن اللبس ولم تكن جملة،
ولا شبيهًا بالجملة، لكن إقامة الأول عندهم أولى، وهو اختيار أبي بكر بن طلحة، وابن عصفور، وابن مالك وشرط بعض المجوزين في إقامته أن لا يكون نكرة، فلا يجيز: ظن قائم زيدًا، فإن عدم المفعول الأول، وبقيت الجملة، فمقتضى مذهب الكوفيين جواز ذلك فتقول: علم أيهم أخوك، وقد أجاز ذلك السيرافي، والنحاس في ترجمته سيبويه: هذا باب علم ما الكلم من العربية إذا جعلت (ما) استفهامًا، ونونت العلم، ونويت فيه أنه مبني للمفعول، فكان التقدير: هذا باب أن يعلم ما الكلم من العربية وضع ذلك الفارسي في التعاليق.
وإذا أقيم أحدهما، وبقى الآخر منصوبًا، فمذهب سيبويه والحذاق: أنه منصوب بتعدي فعل المفعول إليه.
وذهب بعضهم إلى أنه منصوب النصب الذي كان له قبل أن يبنى الفعل للمفعول.
وإذا سدت أن ومعموها مسد مفعولي ظن، واشتملت الصلة على ضمير غيبة يعود على فاعل ظن نحو: ظن زيد أنه قائم، أو ظن زيد أن القائم هو، أو أن القائم أخوه، لم يجز بناؤه للمفعول، أو لم يشتمل جاز نحو: ظن أني عالم، أو أنك عالم، أو أن زيدًا عالم، وأن وما بعدها مقدرة بالمصدر، فهو القائم مقام الفاعل، وإذا سدت أن الخفيفة مسدهما، وفي الصلة ضمير غيبة يعود على فاعل نحو: ظن زيد أن يقوم، فلا يجوز إلا بناؤهما معًا نحو: ظن أن يقام، أو ضمير غيره نحو: ظننت أن أقوم، وظننت أن تقوم، فتقول: ظن أن أقوم وظن أن تقوم.
ومذهب الكوفيين أنه يجوز: ظن أن يقام فيهما، وخلاف الكسائي، والفراء، وبعض البصريين في (يقام) كهو في قال، والبصريون على مذهبهم، في أنه لا يجوز تغيير بناء الثاني لتغير بناء الأول، لا جوازًا ولا وجوبًا.
وإن كان من باب أعلم، فتقيم الأول فتقول: أعلم زيد كبشك سمينًا.
وأما الثاني: إذا لم يلبس، فذهب قوم إلى المنع، وهو اختيار ابن هشام، وابن عصفور، وشيخنا أبي الحسن الأبذي.
وأما الثالث: فذكر ابن هشام الاتفاق: على أنه لا يجوز إقامته، وليس كما ذكر، بل ذكر صاحب المخترع: جواز ذلك عن بعضهم، ولا تجوز إقامة الثاني، والثالث عند من أجاز ذلك إلا بشرط أن لا يلبس نحو: أعلم زيدًا كبشك سمينًا وأعلم زيدًا كبشك سمين، وجواز ذلك هو ظاهر من كلام ابن مالك إذا لم يلبس، ولم تكن جملة، ولا شبيهًا بها.
وإن كان من باب اختار مما حذف حرف الجر من الثاني فنص أصحابنا على أنه لا يجوز إلا إقامة الأول فتقول: اختير زيد الرجال، وأمر زيد الخير، تريد من الرجال وبالخير، وبهذا ورد السماع عن العرب، وهو مذهب الجمهور ومنهم الفارسي.
وأجاز السيرافي، والفراء واختاره ابن مالك: أنه تجوز إقامة الثاني مع وجود الأول فتقول: اختير الرجال زيدًا وقال ابن السراج: لا يجوز: أمر الخير زيدًا إلا على القلب.
الثاني: من الأشياء التي تقوم مقام الفاعل، وهو المصدر، والمصدر إن كان للتوكيد فلا يقام، وإن كان لغير التوكيد، وكان لا يتصرف نحو: معاذ الله، وعمرك الله فلا يقام، أو متصرفًا مختصًا بنوع من الاختصاص كتحديد العدد، أو الوصف، أو الإضافة، أو (أل)، أو كان اسم نوع أقيم، كان ملفوظًا به نحو: سير سير شديد، أو مضمرًا مدلولاً عليه بغير عامله نحو قولك: بل سير لمن قال: ما سير سير شديد، فما أضمر في سير عائد على قوله: سير شديد؛ فإن كان مدلولاً عليه بالعامل كقولك: جلس، أو ضرب، تريد هو أي جلوس أو ضرب لم يجز، وتقدم ما نسب إلى سيبويه من جواز إضمار المصدر في نحو: جلس ومذهب الفراء، والكسائي وهشام في ذلك، وقال ابن أبي الربيع: إذا كان المصدر مؤكدًا لم يبن له الفعل إلا أن يعلق به ظرف غير متصرف نحو: جلس دونك قال تعالى: «وحيل بينهم» النائب مضمرًا يعود على المصدر المفهوم من حيل انتهى.
وإذا اختص المصدر بوصف مقدر جاز أن يبنى الفعل لذلك المصدر فتقول: سير بزيد سير، تريد نوعًا من السير قال ابن عصفور: هذا مما انفرد
سيبويه بإجازته. وقال المبرد: هذا فيه بعد إذا كنت تريد ضربًا من السير، وإذا حذف المصدر، ففي إقامة صفته غير المضافة خلاف، ذهب سيبويه إلى أنه لا يجوز: لا تقول سير عليه سريع، ولا حثيث، تريد: سير سريع وسير حثيث، بل تنصب الوصف على الحال.
ووهم ابن عصفور في قوله: إن سيبويه انفرد بإقامة صفة المصدر، وقد نص سيبويه على أن ذلك لا يقام، وذهب الكوفيون إلى جواز إقامة الوصف فتقول: سير عليه حسن، أي سير حسن، وسير به سريع، أي سير سريع، إلا في شديد، وبين، فإنهم لا يجيزون فيها إلا النصب يقولون: سير عليه شديدًا وبينًا، وكذلك يقولون في أفعل منهما مضافًا إلى المصدر ينصبونهما فقط يقولون: ضرب أبين الضرب، وأشد الضرب، وأولع أشد الإيلاع، ولا يجيزون الرفع.
وأجاز البصريون الرفع في مثل هذا الوصف المضاف إذا لم يضمر في الفعل ما يقوم مقام الفاعل فتقول: ضرب أبين الضرب، وأشد الضرب، فإن كان المصدر قد اتسع فيه، وناب عن الظرف نحو: مقدم الحاج، وخلافة فلان، وخفوق النجم، جاز أن يقام نحو: سير عليه مقدم الحاج وخفوق النجم، وخلافة عمر.
الثالث: مما يقوم مقام الفاعل وهو الظرف. والظرف إن كان غير مختص فلا يقام، كان ظرف زمان نحو وقت وحين أو ظرف مكان نحو: مكان، وإن كان مختصًا، وكان غير متصرف وهو ظرف زمان كسحر، وضحيا، وعتمة، وضحوة من يوم بعينه فلا يجوز أن يقام، فإن كنت نكرات جاز فيها الرفع على سبيل المجاز، والنصب على الأصل، وأجاز الكوفيون الرفع في تلك المعينات؛ وإن كان متصرفًا جاز أن يقام تقول: سير عليه يوم الخميس، وحينئذ.
وسواء أكان نكرة أم معرفة، وذهب الكسائي، والفراء إلى أنك ترفع مع النكرة لا غير نحو: سير بزيد يوم أو ساعة، بناءً منهم على وجوب الرفع في قولك: موعدك يوم، ويومان وساعة، وأجاز البصريون ذلك النصب، فإن وقته فقلت موعدك يوم العيد، جاز الرفع والنصب، وسواء عند البصريين أكان العمل في الظرف كله، أو بعضه يجيزون أن يقام مقام الفاعل، وقال الكوفيون: إن استغرق الوقت، فالرفع [أو كان في بعضه فالنصب بناءً منهم على أن المستغرق ينتصب على أنه مفعول به].
وإن كان غير المتصرف ظرف مكان نحو: ثم، وهنا، وعند، فلا يجوز أن يقام، وأجاز الأخفش فيما نقل ابن مالك أن يقام غير المتصرف نحو: أن تقول: جلس عندك، فإن كان الظرف المختص المتصرف منونًا لا ملفوظًا به، فأجاز ابن السراج نيابته عن الفاعل، وإذا حذف الظرف وبقيت صفته، فالخلاف فيه كالخلاف في صفة المصدر لا يجيز سيبويه إلا النصب، وأجاز الكوفيون الرفع، وأجاز سيبويه، وعامة البصريين: سير عليه فرسخان يومين، وفرسخين يومان، وفرسخين يومين، ومنع كل ذلك بعض المتأخرين وذهب هشام، وجميع الكوفيين إلى أنه لا يجوز إلا الرفع في نحو: سير بزيد فرسخان أو ميلان، ولا يجوز نصب فرسخين، ولا ميلين على الظرف، وأجاز البصريون فيهما الرفع والنصب، وأجاز سيبويه: سير عليه خلف دارك بالرفع، ومنعه بعض المتأخرين، وفي الواضح:
أجاز البصريون: سير عليه خلفك، وأبطل هذا أحمد بن حييى وتقول: ضرب زيد ظهره، وبطنه، أو الظهر والبطن، فقال الفراء: لا يجوز فيهما إلا الرفع.
وقال سيبويه: يجوز الرفع على البدل، والنصب بمعنى (على) قال المبرد: نصب لأنه يشبه الظرف، واختلف النقل عن هشام، فحكى النحاس عنه، كمذهب سيبويه: يجيز الرفع والنصب.
وحكى ابن أصبغ عنه: أنه أجاز النصب مع الألف واللام، ومنعه من الإضافة، ونقل عن المبرد منع النصب، كمذهب الفراء.
وفي كتاب الترشيح: وأما الأيام المعروفة بأعيانها كيوم السبت ويوم الأحد، والأزمنة المحدودة كالشتاء والصيف، والربيع، وأوقات الليل والنهار مثل بكرة وعشية، وسحر إذا أردت واحدًا من الأسحار، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، فإنك تقيمها مقام الفاعل جمع. وكان دريود لا يرى ذلك، ويقول: كل وقت محدود حسن فيه ائتني فانصبه أبدًا كقولك: سير به يوم الجمعة، وبكرة، وغدوة، وعشية بالنصب لا غير؛ لأنك تقول: ائتني يوم الجمعة، وهذا غلط منه لأنك تقول: ائتني شهر رمضان، وائتني أيام التشريق ثم تقيم ذلك مقام الفاعل فتقول: سير عليه شهر رمضان، وأيام التشريق، وهذا مما لا اختلاف فيه، لأنه موقوت محدود محصور العدد.
وقد أجاز سيبويه رحمه الله: سير عليه غدوة، وبكرة، ويوم الخميس، ويوم السبت بالرفع على أن تقيمها مقام الفاعل وكذلك ما أشبهه إلا أنك تنون غدوة وبكرة إذا أردت النكرة، ولا تنونها إذا أردت المعرفة من يومك الذي أنت فيه.
وأما غدية، وبكيرة؛ فإنها إذا كانت معرفة لا تنصرف، وإن صغرت؛ لأن علامة التأنيث المانعة لها من الانصراف باقية فيها غير مفارقة لها.
وكان دريود يجيز صرفها، وهي معرفة إذا صغرت قياسًا على سحر، وذلك غلط منه، وإنما صرفته في تصغيره وهو معرفة؛ لأنه قد تغير لفظ البناء الذي كان فيه معدولاً كما كان ذلك في عمر وزفر، وقثم إذا صغرتها. انتهى.
الرابع: مما ينوب عن الفاعل، وهو المجرور بحرف جر زائد نحو: ما ضرب زيد من أحد فتقول: ما ضرب من أحد فأحد في موضع رفع.
واتفق البصريون، والكوفيون على أن المقام هو المجرور، ويجوز أن يتبع على اللفظ وعلى الموضع فتقول ما ضرب من رجل عاقل بالجر، وعاقل بالرفع.
المختلف في إقامته مقام الفاعل ثلاثة:
أحدها: المجرور بحرف جر غير زائد نحو: مر زيد بعمرو، فمذهب البصريين أن المجرور في موضع نصب، فإذا بني الفعل للمفعول أقيم مقامه، فهو في موضع رفع كالمجرور بمن الزائدة سواء إلا أنه لا يتبع على الموضع، كما لا يتبع إذا كان في محل نصب.
وفي البديع، وفي النهاية وتقول: مر بزيد وعمرو، وذهب إلى خالد، وبكر، فترفع يعني على الموضع.
وذهب الكسائي وهشام: إلى أن المقام هو ضمير مبهم مستتر في الفعل محتمل أن يراد به ما يدل على الفعل من ضمير مصدر، أو ظرف زمان، أو ظرف مكان، وذهب الفراء إلى أن حرف الجر هو الذي في موضع رفع في نحو: مر بزيد، بناء منه على مذهبه أنه في موضع نصب في قولك: مر بكر بزيد، وذهب ابن درستويه إلى أن المقام هو ضمير المصدر المفهوم من الفعل في نحو: سير بزيد
التقدير: سير هو (أي السير) وتبعه السهيلي، وتلميذه أبو علي الرندي قالا: لأنه لا يؤنث له الفعل، ولا يتبع بالرفع، ولا يخبر عنه، وقول ابن مالك: إن الجار والمجرور هو المقام مقام الفاعل، لم يذهب إليه أحد أعني أن يكون الذي يقام هو الجار والمجرور معًا.
وذكر النحاس: الاتفاق على أن هذا الجار والمجرور لا يجوز أن يتقدم على الفعل لا يجوز: بزيد سير، وعلى زيد غضب، ولا زيد منه تعجب.
وقال ابن أصبغ: هي جائزة في القياس، ولما كان اختيار السهيلي أن المقام ضمير المصدر كان المجرور عنده في موضع نصب، فأجاز أن يتقدم على الفعل مستدلاً بقوله:«كل أولئك كان عنه مسئولا» تقديره عنده مسئولاً عنه وهو مخالف لما حكى النحاس من الاتفاق على منع تقديمه على الفعل.
الثاني: المفعول من أجله: ذهب الفارسي، وابن جني، والجمهور إلى أنه لا يجوز: أن يقام مقام الفاعل سواء أكان منصوبًا أم بحرف الجر، وذهب بعضهم إلى أنه يجوز إذا كان بحرف الجر لا إذا كان منصوبًا، ومنه قوله:
يغضى حياء ويغضى من مهابته
…
...
…
...
الثالث: التمييز: ذهب الجمهور إلى أنه لا يقوم مقام الفاعل فلا يقال: في طاب زيد نفسًا: طيب نفس، ولا في ضاق به ذرعًا: ضيق به ذرع.
وأجاز ذلك الكسائي وهشام، وحكى الكسائي: خذه مطوبة به نفس، ولم يجز الكسائي مع ذلك تقديمه، ولا إضماره وحكى الكسائي أيضًا: من الموجوع رأسه، والمسفوه رأيه والموقوف أمره، وأجاز أيضًا في امتلأت الدار رجالاً: امتلئ رجال.
وقال ابن عصفور: وقد ذكر أن التمييز لا يقام مقام الفاعل فأما قوله تعالى: «بطرت معيشتها» و «سفه نفسه» ، وأمثالهما، فالفراء يقول: ينتصب لتحويل الفعل عنه في الأصل، والأصل: بطرت معيشتها، وسفهت نفسه، والناصب له الحديث، والمحدث عنه، ولم يجز إقامتها مقام الفاعل.
وذهب الكسائي إلى أنه ينتصب على التشبيه بالمفعول به، وأجاز أن يقام مقام الفاعل، ولم يجز تقديمه فلم يجز: نفسه سفه زيد.
وقال الصفار: لا يجوز عند البصريين، والفراء: وجع رأسه، ولا ألم بطنه، وأجازه الكسائي، وأجاز فيه التقديم والإضمار. انتهى.
فتعارض النقل عن الكسائي في جواز التقديم والإضمار، وفي أن الموجوع رأسه: هل كان أصله تمييزًا، أو مشبهًا بالمفعول فهذه سبعة أشياء: ذكر أنها تقوم مقام الفاعل بالمتفق عليه والمختلف فيه.
وإذا اجتمع مفعول به، ومصدر، وظرف زمان، وظرف مكان، ومجرور تعين إقامة المفعول به عند جمهور البصريين، وأجاز الأخفش، وأبو عبيد،
والكوفيون إقامة غيره مع وجوده، قال الأخفش: ضرب الضرب الشديد زيدًا، أو ضرب اليومان زيدًا، وضرب مكانك زيدًا، ووضع موضعك المتاع، وأعطى إعطاء حسن أخاك درهمًا مضروبًا عنده زيدًا، وقرأ عاصم «ننجي المؤمنين» وأبو جعفر «ليجزى قوما بما كانوا يكسبون» وشرط الأخفش في جواز إقامة المصدر، وظرف الزمان مع وجود المفعول به، أن يتقدما على المفعول به؛ فإن تأخر لم يجز، فتقول: ضرب الضرب الشديد زيدًا، وضرب يوم الجمعة زيدًا، وعليه تمثيل الأخفش المثل المتقدمة، وذكره ابن برهان عن الأخفش، وفي النهاية ما يخالف هذا قال: زعم أبو الحسن أنه يجوز: ضرب أخاك الضرب الشديد، وقال لو قلت: ضرب الضرب الشديد أخاك لم يجز. انتهى.
وقال النحاس: منع النحويون: ضرب زيدًا سوط، وحكى المهاباذي: الاتفاق على ذلك، وذكر المهاباذي: الاتفاق على منع «حمل زيدًا فرسخ» والذي يقتضيه مذهب الأخفش، والكوفيين جوازه، وإذا لم يوجد مفعول به، فالخيار في إقامة ما شئت من المصدر، وظرف الزمان، وظرف المكان والمجرور، واختار ابن عصفور إقامة المصدر، وابن معط تابعًا للأخفش: إقامة المجرور، واخترت إقامة ظرف المكان.