المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (ما) النافية - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌فصل (ما) النافية

‌فصل (ما) النافية

إذا دخلت على الجملة الاسمية، ففيها لغتان: إحداهما: رفع الاسم، ونصب الخبر، وهي لغة الحجاز قال الكسائي: وأهل تهامة، وقال الفراء: لا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء. انتهى.

وجاء القرآن كثيرًا بالباء، وجاء بالنصب في قوله تعالى:{ما هذا بشرًا} {ما هن أمهاتهم} ، قالوا: ولا يحفظ النصب في كلامهم في الشعر إلا في قوله:

أبناؤها متكنفون آباهم

حنقوا الصدور وما هم أولادها

بنصب أولادها، واللغة الأخرى برفع الاسمين على الابتداء والخبر، وحكى سيبويه أنها لغة تميم، وحكى الفراء والكسائي أنها لغة نجد، وذكر لنصب الخبر شروطًا في المشهور:

أحدها: تأخر الخبر، فإن تقدم ارتفع نحو: ما قائم زيد، وذهب الفراء

ص: 1197

إلى أنه يجوز نصبه فتقول ما قائمًا زيد، وعنه، وعن الكسائي فيما نقل ابن عصفور: لا يجوز النصب، وقال الجرمي: هي لغة، وحكى:«ما مسيئًا من أعتب» ، ونسبة جواز ذلك إلى سيبويه باطلة، فإن قدمت الخبر منصوبًا، وأدخلت (إلا) على الاسم فقلت: ما قائمًا إلا زيد، أجاز ذلك الأخفش، ومنعه البصريون، وخرج ذلك ابن مالك، على أن إلا زيد، بدل من اسم (ما) محذوفًا، والتقدير: ما أحد قائمًا غلا زيد، حذف أحد، وأغنى البدل عن اسم ما؛ فإن أدخلت الباء على الخبر نحو: ما بقائم زيد أجازه البصريون، وينبغي أن يرجع الحجازي في التقديم تميميًا، ومنع الكوفيون ذلك مطلقًا على اللغتين.

وذكر ابن عصفور عن الفراء: إجازة ما بقائم زيد؛ فإن فصلت بين (ما) والمجرور بالباء، بمجرور متعلق به جاز عند الكسائي، والفراء نحو:«ما إليك بقاصد زيد» ، و «ما فيك براغب عمرو» ، وإذا طرحت الباء رفعت، وهذا النقل مخالف لما قبله؛ فإن كان الخبر ظرفًا، أو مجرورًا نحو: ما عندك زيد، وما في الدار أحد، فذهب الأخفش إلى أنه يجوز، وهو قول أبي بكر العرشاني، وأجاز ذلك الجمهور، وهو اختيار الأعلم، فالظرف والمجرور في موضع نصب على أنه خبر

ص: 1198

ما الحجازية، فإن توسط المعمول الذي للخبر بين (ما) والمرفوع، وهو ظرف أو مجرور جاز نحو: ما اليوم زيد ذاهبًا، وما بسيف زيد ضاربًا أو غيرها نحو: ما طعامك زيد آكلاً لم يجز خلافًا لابن كيسان؛ فإنه يجيز نصبه، نص عليه؛ مد بن منصور اليشكري في أرجوته قال:

وما جوادك الغلام راكب

فليس للجواد يلقى ناصب

إلا ابن كيسان من المذاهب

فإنه أجاز نصب الراكب

فإن رفعت آكلاً، جاز عند الجمهور، وحكى منعه عن الرماني.

الثاني: بقاء نفيه؛ فإن كان موجبًا بغير جاز النصب عند الفراء، ووجب عند البصريين نحو: ما زيد غير عاقل، أو بإلا نحو: ما زيد إلا أخوك، فقال النحاس: لا يجوز إلا الرفع بلا خلاف، وذلك فيما كان الثاني فيه هو الأول، ولم يكن صفة، ولا منزلاً منزلته؛ فإن كان صفة فالرفع نحو: ما زيد إلا قائم، وأجاز الفراء النصب نحو: ما أنت إلا راكبًا، فأما ماشيًا فلست بشيء تضمر أنك جميل في حال ركوبك: وإنك شيء إذا ركبت، وإذا مشيت فلست بشيء، وإن كان منزلاً منزلته نحو: ما زيد إلا زهير، فلا يجوز فيه عند الجمهور إلا الرفع، وأجاز الكوفيون فيه النصب، فإن قلت: ما زيد إلا لحيته، وما زيد غلا عيناه، فالرفع عند البصريين، وأجاز الكوفيون في هذا النصب، ولا يجوز النصب عند البصريين في غير المصادر، إلا أن تعرف المعنى، فتضمر ناصبًا نحو: ما زيد غلا لحيته مرة، وعينه أخرى، وما زيد إلا عمامته تحسينًا، ورداءه تزيينًا أي تتعهد، وحكى ابن مالك

ص: 1199

جواز النصب في الخبر بعد إلا من غير تفصيل عن يونس، ونقل ابن عصفور عن الكسائي والفراء أنه إذا دخلت إلا على الخبر، لم يجز نصبه، ولا جره بالباء، وتقدم ذكر ذلك.

[وإذا كان الخبر مصحوبًا بحرف التنفيس أو بقد أو بلم جاز دخول إلا عليه نحو: ما زيد إلا سوف يقوم أو قد يقوم أو لم يخرج ومنع من جواز ذلك الفراء]؛ فإن توسط معمول الخبر بينه وبين إلا لم يجز النصب عند البصريين نحو: ما زيد إلا عمرا ضارب، وأجازه الكسائي والفراء، هذا نقل ابن أصبغ، وقال النحاس: لا يجيز الفراء «ما عبد الله إلا بالجارية كفيل» ، وما بالجارية إلا عبد الله كفيل، وذلك جائز عند الكسائي والبصريين.

الثالث: فقد إن بعد (ما) ذكر ابن مالك أنه يبطل العمل بلا خلاف، فتقول: ما إن زيد قائم، وليس كما ذكر؛ بل وجوب الرفع مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى جواز النصب، وحكي ذلك يعقوب، و (إن) زائدة كافة لا نافية خلافًا للكوفيين، ونقل ابن عصفور عن الكسائي والفراء أنه إذا جيء (بإن) بعد (ما)، لا يجوز النصب، ولا الجر بالباء.

الرابع: ألا تؤكد (ما) بما فيجب الرفع نحو: ماما زيد ذاهب عند عامة النحويين، وأجاز جماعة من الكوفيين النصب.

ص: 1200

الخامس: ألا يبدل من الخبر بدل مصحوب بإلا نحو: ما زيد شيء أو بشيء إلا شيء لا يعبأ به، فهنا يستوي اللغتان الحجازية، والتميمية ذكر ذلك سيبويه.

وفي كتاب القاسم البطليوس: جواز نصب الخبر، ورفع ما بعد (إلا) على البدل من الموضع، وهو وهم فاحش، ولا يجوز تقدم معمول الخبر على ما لا يرفع الخبر، ولا ينصبه نحو: طعامك ما زيد آكلاً، أو آكل عند البصريين؛ لأن (ما) لها صدر الكلام، وأجاز ذلك الكوفيون.

وفي كتاب الإنصاف قال ثعلب: إ ن كانت ردًا للخبر لمن قال: زيد آكل طعامك، فرد عليه نافيًا، وما زيد أكلاً طعامك جاز التقديم فتقول: طعامك ما زيد آكلاً، وإن كان جوبًا للقسم إذا قال: والله ما زيد بآكل طعامك، كانت بمنزلة اللام في جواب الكلام فلا يجوز التقديم.

فإن أدخلت الباء على الخبر فقوم لا يجيزون ذلك فيقولون: ما طعامك زيد بآكل، وما فيك زيد براغب، إلا أنهم يرفعون الخبر إذا لم تدخل الباء، ولا يجيزون النصب، ولا يجيزون طعامك ما زيد آكلاً أبوه، وأجازه بعض الكوفيين، ونصب الخبر عند البصريين (بما)، وعند الكوفيين بإسقاط الخافض.

ص: 1201