المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل الغالب في ذي الحال أن تكون معرفة، وقد ذكر سيبويه - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل الغالب في ذي الحال أن تكون معرفة، وقد ذكر سيبويه

‌فصل

الغالب في ذي الحال أن تكون معرفة، وقد ذكر سيبويه الحال من النكرة كثيرًا قياسًا، وإن لم تكن بمنزلة الإتباع في القوة، والقياس قول يونس والخليل، وقد جاء من ذلك ألفاظ عن العرب.

وفي التسهيل: لا يكون صاحب الحال في الغالب نكرة ما لم يختص يعني بنعت نحو: مررت برجل تميمي راكبًا، وقال سيبويه: هذا غلام لك ذاهبًا، وفيه رد على من زعم أن ذلك لا يجوز إلا أن يكون نكرة موصوفة بوصفين أو تختص بإضافة نحو قوله تعالى:{في أربعة أيام سواء للسائلين} . أو بالعمل نحو: مررت بضارب هندًا قائمًا، والوجه في هذه المسائل الإتباع، أو يسبقه نفي نحو:{وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} أو شبه نفي وهو النهي نحو: لا تعتب على صديق غائبًا، والاستفهام نحو: هل وفاك رجل صاحبًا، أو يتقدم الحال: هذا قائما رجل، وفيها قائما رجل.

ويظهر من كلام سيبويه أن صاحب الحال في هذا هو المبتدأ وذهب قوم إلى أن الحال من الضمير المستكن في فيها، وزم ابن خروف أن الظرف والجار

ص: 1577

والمجرور لا ضمير فيه عند سيبويه، والفراء إلا إذا تأخر، وأما إذا تقدم فلا ضمير فيه، والحال المتقدمة من النكرة قال سيبويه: أكثر ما تكون في الشعر، وأقل ما تكون في الكلام انتهى، ويجوز: فيها قائم رجل على البدل، وحكى الفراء: هذه خراسانية جارية بنصب خراسانية على الحال المتقدمة، وبرفعها على طريق البيان، يعني بدل جارية منها، أو تكون مقرونة بالواو نحو:{أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها} ، أو يكن الوصف به على خلاف الأصل نحو: مررت ببر قفيزًا بدرهم، ومررت بماء قعدة رجل انتهى. ما في التسهيل من مجيء ذي الحال نكرة ممثلاً، وقد ذكرنا اقتباس سيبويه مجيئها من النكرة من غير اعتبار لما اعتبره ابن مالك.

والحال بالنسبة إلى التقديم، والتأخير عن صاحبها أقسام: ما يجب تأخيرها عنه، كإضافة العامل إلى صاحبها نحو: عرفت قيام هند ضاحكة، وما أحسن هندًا

ص: 1578

متجردة، قد ذكرنا في باب التعجب خلافًا في الفصل بين فعل التعجب ومعموله بالحال، والصحيح المنع، وما يجب فيه التقديم كإضافته إلى ضمير ما لابس الحال نحو: جاء زائر هند أخوها، وكاقتران صاحبها بـ (إلا) على رأي نحو: ما جاء مسرعًا إلا زيد، حكمها حكم المفعول المحصور فيه الفاعل، وتقدم ذكر الخلاف فيه.

وذو الحال إن كان مجرورًا بحرف، فإما أن يكون زائدًا، أو غير زائد إن كان زائدًا جاز تقديمها على ذي الحال نحو: ما جاءني من أحد عاقلاً، فيجوز ما جاءني عاقلاً من أحد، وإن كان غير زائد نحو: مررت بهند ضاحكة، فمذهب البصريين أنه لا يجوز تقديمها مطلقًا، كان ذو الحال ظاهرًا، أو مضمرًا لا تقول: مررت ضاحكة بهند، وأجاز ذلك من المتأخرين ابن كيسان، والفارسي وابن برهان، وفصل الكوفيون، فقالوا: إن كان ذو الحال مضمرًا جاز تقديمها عليه نحو: مررت ضاحكة بك، وكذا إن [كان المضمرين أحدهما: مجرور بالحرف نحو: مسرعين مررت بك، ومررت مسرعين بك، وإن] كان مظهرًا، والحال فعل جاز تقديم الحال على المجرور نحو: مررت بهند تضحك، فيجوز: مررت تضحك بهند، وإن كان الحال اسمًا فلا يجوز تقديمها لا يجوز:

ص: 1579

مررت ضاحكة بهند، وحكى ابن الأنباري: أن الاتفاق على منع ذلك، وأن التقديم خطأ.

وإن كان ذو الحال مجرورًا بالإضافة، فإما أن تكون الإضافة محضة، أو غير محضة، إن كانت غير محضة، فإما أن يكون المضاف إلى ذي الحلال عاملاً في ذي الحال نصبًا، أو لا، إن لم يكن فلا يجوز التقديم نحو: هذا قتيل هند ضاحكة، وإن كن نحو: هذا شارب السويق ملتويًا الآن أو غدًا.

فقال ابن مالك: جاز تقديم الحال على المضاف فتقول: هذا ملتويًا شارب السويق، وإن كانت محضة فإما أن يكون في تأويل رفع، أو نصب أو لا، إن كان فيجوز مجيء الحال منه نحو: يعجبني قيام زيد مسرعًا، وركوب الفرس عريانا، ولا يجوز تقديمها على العامل، وإن لم يكن في تأويل ذلك فلا يجوز مجيء الحال منه حو: ضربت غلام هند ضاحكة. وسواء أكان جزءًا أم كجزء. وقال ابن مالك: إن كان المضاف إليه جزءًا نحو قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا} ، فـ (إخوانًا) حال من ضمير صدورهم، أو كجزء قال: نحو قوله تعالى: {اتبع ملة إبراهيم حنيفًا} فـ (حنيفًا) حال من إبراهيم قال: فلو كان غير جزء. ولا كجزء لم يجز مجيء الحال من المجرور بالإضافة نحو: ضربت غلام هند جالسة، فهذا لا يجوز بلا خلاف. انتهى. وفيه الخلاف: أجاز بعض البصريين مجيء الحال من المضاف إليه الصريح.

وفي البديع: إن لم يكن المضاف إليه فاعلاً، ولا مفعولاً قلت الحال منه

ص: 1580

كقولك: جاءني غلام هند ضاحكة، وإن كن ذو الحال مرفوعًا جاز تقديم الحال عليه نحو: جاء مسرعًا زيد، وسواء أخر عامله عن الحال نحو: مسرعًا جاء زيد، أم قدم نحو ما مثلنا به قبل.

ومنع بعض الكوفيين تقديمها إذا تأخر الفعل، وإن كان منصوبًا نحو: لقيت هندًا ضاحكة، فيجوز تقديمها على صاحبها نحو: لقيت ضاحكة هندًا، وقال الكوفيون: لا يجوز سواء أكانت الحال اسمًا كما مثلنا أم فعلاً نحو: لقيت هندًا تضحك، وبعضهم أجاز إذا كان فعلاً، فأجاز لقيت تضحك هندًا.

والعامل في الحال إن كان فعلا متصرفا، أو صفة تشبهه، ولا يتعلق به مانع تقديم جاز أن يتقدم الحال عليه، نحو: مسرعًا جاء زيد، وسواء أكان الحال اسمًا كقوله تعالى:{خشعًا أبصارهم يخرجون} ، أم مصدرًا كقوله:

فلأيا بلأى ما حملنا وليدنا

...

...

ومؤكدة، أم غير مؤكدة، وفي المؤكدة خلاف، كالخلاف في المصدر المؤكد هذا مذهب البصريين إلا الجرمي، فإنه لا يجيز تقديم الحال على عاملها المتصرف وإلا الأخفش، فإنه منع تقديمها في نحو: راكبًا زيد جاء، ومثال الصفة التي تشبه الفعل المتصرف، فنص سيبويه على جواز تقديمها على الفعل، وعلى الصفة

ص: 1581

نحو: مسرعًا زيد راحل، وزيد مجردًا مضروب، وزيد موسرًا، أو معدمًا سمح، وذهب الكوفيون إلى تفصيل في ذلك فقالوا: إن كانت الحال من مرفوع ظاهر تأخرت، وتوسطت والرافع قبلها، ولا يتقدم على الرافع والمرفوع كليهما فلا يجوز عندهم: راكبًا جاء زيد، ويجوز التوسط نحو: جاء راكبًا زيد، وإن كانت من مرفوع مضمر جاز تقديمها، وتوسيطها، وتأخيرها، ولم يفرقوا بين الفعل وغيره، فيجوز: في الدار أنت قائمًا، وفي الدار قائمًا أنت، وقائمًا في الدار أنت، وجئت راكبًا، وراكبًا جئت.

وفي البسيط: منع التقديم عن الكسائي، والفراء مطلقًا سواء أكان ظاهرًا أم مضمرًا، وإن كانت من منصوب ظاهر، جاز تأخيرها، ولا يجوز تقديمها لا يقال: ضاحكة لقيت هندًا، ولا متوسطة لا تقول: لقيت ضاحكة هندًا، وإن كانت من منصوب مضمر جاز تقديمها نحو: ضاحكًا لقيتني هند، وإن كانت من مخفوض ظاهر فيجب التأخير، ولا يجوز التقديم، ولا التوسط لا يجوز: ضاحكة مررت بهند، ولا مررت ضاحكة بهند وإن كانت من مضمر جاز تقديمها أول الكلام، وتأخيرها نحو: ضاحكة مرت بي هند، ومرت بي هند ضاحكة، ولا يجوز توسيطها نحو: مرت ضاحكة بي هند.

ويجب تأخير الحال عن العامل إذا كانت في صلة (أل) نحو: الجائي مسرعًا زيد، أو في صلة حرف مصدري عامل نحو: يعجبني أن يقوم زيد مسرعًا أو كان مقرونًا بلام ابتداء متصلاً بها نحو: لأصبر محتسبًا أو بلام قسم متصلاً بها نحو لأقومن طائعًا، أو كان مصدرًا ينسبك بحرف مصدري، والفعل نحو: يعجبني

ص: 1582

ركوب الفرس مسرجًا، فإن كان العامل في صلة غير (أل) نحو: جاءني الذي مسرعًا قام، أو في صلة حرف مصدري عامل نحول: عجبت مما مسرعًا نذهب، أو لا يتصل بلام الابتداء نحو: لمحتسبًا أصبر، ولا بلام القسم نحو: لـ «إلى زيد راغبًا أذهب» جاز تقديم الحال على عاملها، فإن كانت لام الابتداء في خبر (إن)، وبعده الحال جاز تقديمها عليه نحو: إن زيدًا مسرعًا لذاهب، وإن كانت الحال دخلت عليها الواو نحو: جاء زيد والشمس طالعة، فذكر أصحابنا أنه لا يجوز تقديمها على العامل، وإن كان متصرفًا فلا تقول: والشمس طالعة جاء زيد، وأجاز الكسائي، والفراء، وهشام: وأنت راكب تحسن، وأنت راكب حسنت؛ تريد: تحسن وأنت راكب، وحسنت، وأنت راكب، ونص ابن أصبغ على أنه لا يمتنع عند الجمهور تقديم الجملة الحالية التي معها الواو على العامل إذا كان فعلاً، ومنعه الفراء.

وذكر ابن مالك أنه إذا كان العامل نعتًا لا يجوز تقديم الحال عليه، ومثل بقوله: مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورًا سرجها، وأطلق فقال: لو كان العامل القوي نعتًا، لم يجر تقديمه يعني تقديم الحال فعلى هذا الإطلاق لا يجوز: مررت برجل ضاحكًا مسرع، وأنت تريد مسرعًا ضاحكًا، ولا نعلم خلافًا في جوازه، وجواز مثله نحو: مررت برجل مسرجًا يركب الفرس يريد: يركب الفرس مسرجًا. و «يركب» هو نعت لرجل، وإنما امتنع ذلك في تمثيله من جهة عود الضمير متقدمًا على ما يفسره، إذ يصير التركيب: مررت برجل مكسورًا سرجها ذاهبة فرسه لا من جهة كون العامل نعتًا.

ص: 1583

ومما يجب فيه تأخير الحال عن العامل، إذا كان العامل جامدًا ضمن معنى مشتق، ومثل ذلك ابن مالك بأما، وحرف التنبيه، واسم الإشارة، والترجي والتمني، والاستفهام المقصود به التعظيم، واسم الجنس المقصود به الكمال، والمشبه به. انتهى.

أما (أما) فنسبة العمل إلهيا مجاز، وذلك نحو: أما علما فعالم، وأما صديقًا فصديق، وتقدم الكلام في ذلك، وما العامل في المصدر وفي الصفة، وزعم بعض النحاة أن (لولا) بمنزلة (أما) في تضمين الفعل، إذ يتضمن معنى يمتنع فتقول: لولا زيد قائمًا لكان كذا، وقالوا: لولا رأيتك مذهوبًا لكان كذا وهذا مبني على أن المرفوع بعد لولا فاعل، وهو رأي بعض الكوفيين، وأما على مذهب البصريين فهو مبتدأ وخبره محذوف، فإن صح مجيء الحال بعد (لولا) فالعامل فيها هو الخبر المحذوف.

وقد نقل أبو الحسن أن العرب لم تلفظ بحال المرفوع بعد لولا، وأما حرف التنبيه فنحو: هذا زيد قائمًا، فمذهب الجمهور أنه يجوز أن ينتصب قائمًا على الحال، والعامل فيه حرف التنبيه، وقال (ابن أبي العافية)، والسهيلي: لا يجوز أن يعمل حرف التنبيه في الحال، وأما اسم الإشارة فذهب الجمهور إلى أنه

ص: 1584

يجوز أن ينتصب قائمًا باسم الإشارة، ووافقهم ابن أبي العافية، وقال السهيلي: لا يعمل اسم الإشارة، والناصب في مثل هذه المسألة فعل مضمر تدل عليه الجملة تقديره: انظر إليه قائمًا، وهذا كله على قول البصريين أن قائمًا حال، وتقدم قول الكوفيين في باب كان أن قائمًا يسمونه خبر التقريب.

وأجاز الكسائي أيضًا في نحو: هذا زيد قائمًا ما أجاز البصريون من أن (قائمًا) حال إما من اسم الإشارة، وإما من زيد، ولو وسطت قائمًا فقلت: هذا قائمًا زيد، فقال الكوفيون: انتصب على الحال إما من اسم الإشارة، وإما من زيد، وأجاز الكسائي نصبه على أنه خبر التقريب، واتفق الكوفيون، والبصريون على إحالة قائمًا هذا زيد، وقد جاء السماع بنظير هذا قائمًا زيد، وها قائمًا ذا زيد.

وأما حرف التمني والترجي، وهما (ليت ولعل) فنص الزمخشري على أنهما (وكأن) ينصبن الحال، والصحيح أن (ليت ولعل) لا يعملان في الحال، وفي (كأن) خلاف والصحيح أنها تعمل في الحال.

وأما الاستفهام المقصود به التعظيم، فقال ابن مالك هو نحو:

يا جارتي ما أنت جاره

...

...

ص: 1585

فـ (جارة) عنده منصوب على الحال، والعامل فيها (ما) الاستفهامية بما تضمنت من معنى التعظيم فكأنه قال: ما أعظمك جارة، وهذا تفسير معنى، وتفسير الإعراب أي عظيمة أنت في حال كونها جارة، وهذا الذي قاله ابن مالك قاله الفارسي في البيت، وأجاز أن يكون تمييزًا وبدأ به، ويدل على تعيين التمييز جواز دخول (من) عليه.

وأجازوا في البيت أن تكون (ما) نافية، وأنت اسمها، أو مبتدأ على ما تقدم من لغة الحجاز، وتميم في (ما)، ولم يأت بعد (ما) هذه التي تقتضي التعظيم ما يقطع بمجيء الحال، فلا ينبغي إثبات قاعدة كلية بمحتمل ظاهر فيه غير الحال.

وأما قول العرب: مالك قائمًا فـ (قائمًا) حال، والعامل فيه هو العامل في الجار والمجرور، وذهب الفراء إلى أنه ينتصب على معنى كان، وجوز كونه معرفة نحو: مالك الناظر في أمرنا، فينصب النكرة والمعرفة، و (ما) هذه استفهامية لا يراد بها التعظيم، وأما اسم الجنس المقصود به الكمال فنحو: أنت الرجل علما فتقدم الكلام عليه، وأن ثعلبًا ينصبه على المصدر، واختيارنا فيه أن يكون تمييزًا لا حالاً، وأما المشبه به، فتقدم الكلام فيه وجواز أن يكون تمييزًا لا حالاً.

ص: 1586

ومما يجب فيه أيضًا تأخير الحال عن العامل أن يكون أفعل تفضيل نحو: هو أكفؤهم ناصرًا، أو مفهم تشبيه نحو: زيد مثلك شجاعا، وأجاز الكسائي: عبد الله طالعة الشمس، ومحمد منيرًا القمر وأبطل ذلك الفراء.

وتقول: أخوك معك معنا أخونا؛ التقدير: أخوك معك كأخينا معنا، فإذا أظهرت الكاف لم يجز الفراء، والكسائي، والبصريون تقديم الظرف عليها، لا يجيزون: أخوك معك معنا كأخينا ومثل ذلك درهمك درهم زيد موزونًا أي كدرهم زيد؛ فإن قدمت موزونًا جاز، فإن أظهرت الكاف لم يجز تقديم الحال عليها، إلا إن جعلته حالاً (لدرهمك)، فيجوز درهمك موزونًا كدرهم زيد. انتهى.

واغتفر توسيط ذي التفضيل بين حالين، وكان القياس أن يتأخرا، ولا ينتصب الحالان مع أفعل التفضيل إلا لمختلفي الذات مختلفي الحال نحو: زيد مفردًا أنفع من عمرو معانا، أو متفقي الحال نحو: زيد مفردًا أنفع من عمرو مفردًا، أو متحدي الاذت مختلفي الحالين نحو: زيد قائمًا أخطب منه قاعدًا.

واختلف في العامل في هذين الحالين، فذهب المبرد، والزجاج، وابن السراج، والسيرافي، والفارسي في حلبياته إلى أنهما منصوبان على إضمار كان التامة صلة لـ (إذا) إن كانت الحالان على تقدير الحال، وصلة لـ (إذا) إن كانا مما تقدم.

ص: 1587

وأجاز بعض أصحابنا تقدير كان الناقصة صلة لـ (إذا) أو لـ (إذ)، فإن تقدم الحال الأولى اسم إشارة نحو: هذا بسرًا أطيب منه رطبًا، فقيل: العامل في (بسرًا) اسم الإشارة، وقيل حرف التنبيه، وذهب المازني، والفارسي في تذكرته، وابن كيسان، وابن جني، وابن خروف إلى أن أفعل التفضيل هو العامل في الحالين.

فـ (بسرًا) حال من الضمير المستكن في أطيب، و (رطبًا) حال من الضمير في منه، ونسب هذا إلى سيبويه، وهو الذي نختاره.

وتقول: مررت برجل أخبث ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون، ومررت بزيد أخبث ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون، ولا يجوز تأخير المنصوبين على الحال عن أفعل التفضيل.

ولا يجوز: تمر هذه النخلة أطيب منه بسرًا رطبًا، ولا تقديمهما على أفعل التفضيل، فلا يجوز تمر هذه النخلة بسرًا رطبًا أطيب منه، ولم يسمع ذلك من كلام العرب، وأجاز بعض أصحابنا تأخير الحالين عن أفعل التفضيل على شرط أن تلي أفعل التفضيل الحال الأولى مفضولاً بها، وبين المفضل عليه، وتلي الثانية المفضل عليه، فتقول: هذا أطيب بسرًا منه رطبًا، وزيد أشجع أعزل من بكر ذا سلاح، ويحتاج جواز هذا التركيب إلى سماع من العرب.

ولو اشترك المختلفان في وصف هو لأحدهما أكثر على كل حال، ارتفع الاسمان اللذان كانا انتصبا حالين فتقول: هذا بسر أطيب منه عنب،

ص: 1588

فـ «بسر» خبر المبتدأ، وأطيب وما بعده جملة من مبتدأ وخبر في موضع الصفة لـ (بسر) و (أطيب) هو المبتدأ، و (عنب) خبره، وهو الاختيار لوقوع المبتدأ في محله، ويجوز أن يكون أطيب خبرًا مقدمًا، و (عنب) المبتدأ، وأجاز ابن مالك أن تجرى أداة التشبيه مجرى أفعل التفضيل، فتتوسط بين حالين فتعمل في أحدهما متأخرة، وفي الأخرى متقدمة وأنشد:

أنا فذاكهم جميعًا

...

...

... ....

... ....

ونحن صعاليك أنتم ملوكا

يريد، ونحن في حال صعلكتنا مثلكم في حال ملككم فحذف مثلاً، وأقام المضاف إليه مقامه مضمنًا معناه، وأعمله بما فيه من معنى التشبيه، والصحيح أن نصب (فذا)، والصعاليك والحالان بعدهما هو على تقدير: إذا كنت فذًا، وإذا كنا صعاليك.

وإذا كان الجامد ظرفًا، أو مجرورًا، والحال اسم، أو ظرف، أو مجرور، والخبر إذ ذاك ظرف أو مجرور، فإن تقدمت الحال على الجملة بأسرها نحو: قائمًا زيد في الدار، أو قائمًا زيد عندك، أو في الدار زيد عندك، على أن يكون قائمًا حالاً،

ص: 1589

وعندك الخبر فقال ابن طاهر: لم يختلفوا في امتناع قائمًا زيد في الدار، وليس بصحيح، فإن الأخفش أجاز في قولهم: فداء لك أن يكون (فداء) منصوبًا على الحال، والعامل فيه لك، وهو نظير قائمًا في الدار زيد، وأجاز ابن برهان: إذا كانت الحال ظرفًا، أو مجرورًا، والعامل فيها ظرف، أو مجرور التقدم قال في قوله تعالى:{هنالك الولاية لله الحق} (هنالك) ظرف في موضع حال، والولاية مبتدأ، والخبر لله، وهو عامل في هنالك التي هي الحال.

وإن توسطت الحال، فتارة تتوسط بين المبتدأ المتقدم، وخبره الظرف، أو الجار والمجرور المتوسط، وتارة تتوسط بين الخبر الذي هو ظرف أو مجرور وهو متقدم، والمبتدأ متأخر فمثال الثانية: في الدار عندك زيد، وعندك حال، وفي الدار قائمًا زيد، فلا خلاف في جواز ذلك.

ومثال الأولى: زيد قائمًا في الدار، وزيد عندك في الدار، على أن عندك هو الحال، فذهب جمهور البصريين إلى منع ذلك مطلقًا، وأجازه الفراء، والأخفش في أحد قوليه.

وسواء أكانت الحال ظرفًا، أو مجرورًا، أم اسمًا صريحًا، أو حالاً بالواو، نحو: زيد وماله كثير بالبصرة، وتجويز ابن برهان في {هنالك الولاية لله الحق} يقتضي بجهة الأولى جواز ذلك في التوسط إذا كانت الحال ظرفًا أو مجرورًا.

ص: 1590

وأجاز الكوفيون التوسط إذا كانت من مضمر مرفوع، كما أجازوا التقدم، فيجيزون في «أنت في الدار قائمًا» أن تقول: في الدار قائمًا أنت، وأنت قائمًا في الدار، وقائمًا في الدار أنت، وقائمًا أنت في الدار، واختيار ابن مالك أنه إن كانت اسمًا صريحًا ضعف التوسط بقوة، [وإن كانت ظرفًا أو مجرورًا جاز التوسط بقوة].

ونقل الإجماع عن البصريين في منع: قائمًا زيد في الدار، وقائمًا في الدار زيد، وتحصل في هذه المسألة أقوال: الجواز مطلقًا، والمنع مطلقًا، وتفصيل الكوفيين، وتفصيل ابن برهان، وتفصيل ابن مالك، وقيل ما أجازه ابن برهان في قوله: إن هنالك ظرف في موضع الحال، هو خلاف ما أجمع على منعه البصريون والكوفيون، وفي كتاب النقد لابن الحاج: زيد قائمًا في الدار أجازها أبو الحسن والكسائي، وأجازه الفراء في الشعر انتهى.

وإذا اجتمع في الجملة ظرف، أو مجرور واسم كل يصلح أن يكون خبرًا، فإما أن يتقدم الظرف والمجرور على الاسم أو يتأخر، إن تقدم نحو: في الدار زيد قائم، وأمامك بشر جالس، فاختار سيبويه، والكوفيون النصب في قائم وجالس على الحال، وإن لم يتقدم نحو: زيد في الدار قائم وعمرو أمامك جالس، فاختاروا الرفع، وقال المبرد: التقديم والتأخير في هذا واحد، وحكى ابن سلام: أن عيسى كان يلحن النابغة في قوله:

ص: 1591

.

....

في أنيابها السم ناقع

ويقول: لا يجوز إلغاء الظرف متقدمًا، والعربي الباقي على سليقته، لا ينبغي ن يلحن، وإذا انتصب الاسم، فعلى الحال، والظرف والمجرور هو الخبر، وإذا ارتفع فعلى الخبر، والظرف والمجرور هو معمول للخبر، وأجاز بعضهم أن يكونا خبرين، ومنع ذلك بعضهم، فإن تكرر الظرف، أو الجار والمجرور فإما أن يختلفا، نحو: زيد في الدار جالس في صدرها، فقال الفراء: لا يجوز في جالس إلا النصب، وقال ابن كيسان: الرفع جائز، وهو مقتضى مذهب الكوفيين، وقال البصريون: الرفع والنصب جائز، وإن لم يختلفا فإما أن يكون التكرار بالضمير، أو بالظاهر، فإن كان بالضمير نحو: في الدار زيد قائم فيها، جاز الرفع والنصب عند البصريين، ولزم النصب عند الكوفيين، ووافقهم ابن الطراوة، وإن كان [بالظاهر فقياس مذهب الكوفيين أنه لا يجوز فيه إلا النصب كالتكرار بالضمير، وأجاز البصريون فيه الرفع والنصب، ووافقهم ابن الطراوة، فإن كان] الظروف والمجرور

ص: 1592

ناقصين، ولا يصلحان للخبرية وجب جعل الاسم الخبر مع التكرار، ودونه نحو: فيك زيد راغب، وفيك زيد راغب فيك، وأجاز الكوفيون نصب راغب على الحال.

ولو اجتمع ظرفان تام وناقص، فبدأت بالتام، نحو: عبد الله في الدار بك واثقًا، وإن في الدار زيدًا بك واثقًا، جاز الرفع والنصب، وزعم ابن سعدان أن هذا لا يجوز، لأن (بك) في صلة واثق، قال: ولا يجوز إن فيك زيدًا راغب، وقال ابن كيسان الرفع الاختيار، وإن بدأت بالناقص أول الكلام فقلت: إن فيك زيدًا في الدار راغب، وإن فيك في الدار زيدًا راغب، أو بعد الاسم نحو: إن زيدًا فيك في الدار راغب جاز الرفع والنصب، ولا يجيز الكوفيون النصب، وإذا اجتمعا بعد المبتدأ، وتوسط بينهما اسم صالح للخبرية، وقدمت التام، وكان مع الناقص ذكر يعود على التام، فالجمهور يختارون نصب الاسم المتوسط، والفراء يوجب النصب، مثاله: زيد في الدار مفتتن بها، فالنصب على الحال والرفع على أنه خبر ثان، أو يكون في الدار متعلقًا بمفتتن، ومفتتن هو الخبر، فإن قدمت التام على المبتدأ، وأخرت الناقص نحو: في الدار زيد مفتتن بها. جاز الرفع والنصب عند البصريين كالتي قبلها عندهم، وأوجب الكوفيون جميعًا النصب.

فإن قدمت الناقص على العامل فيه وعلى التام وأخرت التام عن المبتدأ نحو: زيد فيك راغب في الدار، فكالتي قبلها عند البصريين، وأوجب الكوفيون الرفع، فإن قدمت الظرفين معًا على المبتدأ وبدأت بالناقص، فالبصريون على ما تقدم وذلك

ص: 1593

نحو: فيك راغبًا في الدار زيد، وقياس قول الكوفيين إيجاب النصب، وحكى النحاس عنهم إيجاب الرفع، فإن كان بدل الناقص مفعول للخبر، فقدمت المبتدأ، ثم الظرف التام ثم المفعول نحو: زيد في الدار طعامك آكل، وجب الرفع عند البصريين، وحكى ابن أصبغ عن الكسائي جواز النصب، وقال النحاس: أكثر النحويين يجيز الرفع والنصب، وقال ابن كيسان لا يجوز النصب.

ص: 1594