المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب لا العاملة عمل (إن) - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب لا العاملة عمل (إن)

‌باب لا العاملة عمل (إن)

شرط تحتم عملها عم «إن» ، أن لا تكرر: فإنها إن تكررت جاز إعمالها، وإلغاؤها، وأن يقصد به خلوص النفي العام؛ فإن لم يقصد لم تعمل إلا عمل ليس، أو يرتفع ما بعدها بالابتداء، فتحتمل إذ ذاك النفي العام، ونفي الوحدة، ونفي الوصف، وأن يليها اسمها، فإن فصل بينهما رفع ولم تعمل.

وذهب الرماني: إلى أنه يجوز الفصل، ويرجع إلى النصب، والعمل، ويبطل البناء لحصول الفصل، وجاء في الشعر:

ولا منهما بدا

فصل وبنى (بد)، ولا ينقاس، وزاد بعضهم في الشروط أن لا تقع بين عامل ومعمول نحو قولك: جئت بلا زاد، ولا إن دخلت على معرفة، فسيأتي حكمه إن شاء الله.

وإن دخلت على نكرة، ووجدت الشروط السابقة عملت عمل (إن) واسمها مفرد، ومضاف، ومشبه بالمضاف، ويسمى أيضًا مطولاً، وممطولاً من قولهم: مطلت الحديدة إذا مددتها، فالمضاف والمطول معربان نحو: لا صاحب بر مذموم، ولا راغبًا في الشر محمود، والمفرد هنا، وفي باب النداء قسم للمضاف والمطول، وهو إما مفرد، أو مثنى، أو مجموع، المفرد نحو: لا رجل.

ص: 1295

واختلفوا في هذه الحركة: فذهب أكثر البصريين، إلى أنها حركة بناء، والأخفش والمازني، والمبرد، والفارسي.

وذهب الكوفيون، والجرمي، والزجاج، والسيرافي، والرماني إلى أنها فتحة إعراب، ونسب ذلك على سيبويه، والقائلون إلى أنها حركة بناء جمهورهم على أن «لا» عاملة في الاسم؛ وإن كان مبنيًا فهو في موضع نصب، وذهب قوم إلى أنها لم تعمل فيه شيئًا، بل هو وحده في موضع رفع، وبناؤه لتضمنه معنى «من لا» لتركبه مع «لا»: إذ الأصل: لا من رجل؛ وإن كان مثنى، أو مجموعًا بالواو والنون، فالقائلون بأن حركة «لا رجل» حركة بناء يقول: يبنى على ما ينصب به وهو الياء فتقول: لا ابنين لك، ولا بنين لك، وذهب المبرد إلى أن هذين معربان، فلا يجيز في نعتهما، إلا النصب على اللفظ، والرفع على الموضع، وجمع التكسير، واسم الجمع، واسم الجنس، حكمه في الخلاف في

ص: 1296

حركته كهي في المفرد؛ وإن كان مجموعًا بالألف والتاء نحو: لا مسلمات فذهب قوم من المتقدمين، وابن خروف من المتأخرين إلى كسر التاء، والتنوين، وذهب الأكثرون إلى الكسر بغير تنوين، وذهب المازني، والفارسي، والرماني، والصقلي: إلى بنائه على الفتح.

قال ابن جني: فإن أضيف لفظًا، أو تقديرًا نحو: لا مسلمات زيد، ولا مسلمات لك، كسر على الأصل، لأنه معرب؛ فإن ركبته مع اسم آخر فقلت: لا سرح مسلمات، فقدمت الاسم على الجمع، فعلى من قال: لا مسلمات بالفتح يفتح التاء: لأنها فتحة لبناء التركيب فالحكم له، وعلى قياس الأكثرين تكسر عملاً بالأصل، والصحيح جواز الفتح والكسر من غير تنوين، وبه ورد السماع، ولو ملوا بالسماع ما اختلفوا.

ولا خلاف في (أن) الخبر مرفوع بلا الداخلة على المضاف، والمطول، واختلفوا فيه في غيرها، فذهب الأخفش، والمازني، والمبرد، إلى أنه مرفوع بلا كحاله مع المضاف، والمطول، وذهب المحققون إلى أن (لا) وما ركب معها في موضع المبتدأ والخبر المرفوع خبر عنه، ولم تعمل (لا) فيه، وهو الظاهر من كلام سيبويه، وثمرة الخلاف تظهر في نحو قولك: لا رجل ولا امرأة

ص: 1297

قائمان، فعلى مذهب الأخفش لا يجوز ذلك، وعلى قول الآخرين يجوز وقوله:

فلا لغو ولا تأثيم فيها

...

... ....

على قول الأخفش لا يكون (فيها) إلا خبرًا عن أحدهما، وخبر الآخر محذوف، وعلى القول الآخر يصلح أن يكون (فيها) خبرًا عنهما، وقياس قول الكوفيين أن يكون الخبر مرفوعًا بخبر الابتداء، ظهر العمل في الاسم، أو لم يظهر، كما تقول ذلك في خبر إن.

والخبر في هذا الباب لا يكون إلا نكرة، فلا يجوز: لا كريم أنت، ولا فاضل زيد، فأما ما حكاه الأخفش من قولهم: لا موضع صدقة أنت، فموضع منصوب على الظرف، وأنت مبتدأ، والظرف خبره، ولم تكرر (لا)، لأنه جرى في الكلام مجرى المثل قاله المازني، وأما قولهم: لا فتى هيجاء أنت، ولا رجل أنت، فعلى إضمار هو: والخبر إن كان غير معلوم فلا بد من ذكره نحو: لا أحد أغير من الله، وقول الشاعر:

ص: 1298

.

...

...

ولا كريم من الولدان مصبوح

مصبوح خبر عند سيبويه، وزعم ابن الطراوة أنه يمكن أن يكون صفة، والخبر محذوف أي في الوجود.

وإن كان معلومًا، فاختلفت النقول، فقال صاحب البديع، وابن مالك: أهل الحجاز يظهرون خبر (لا) فيقولون: لا رجل أفضل منك، ويحذفونه كثيرًا

ص: 1299

فيقولون: لا أهل، ولا مال، ولا بأس أي: لك وعليك، وبنو تميم لا يثبتونه، وقال ابن عصفور: بنو تميم يلتزمون حذفه إذا كان اسمًا يظهر فيه الرفع، وقال أيضًا: إن كان ظرفًا، أو مجرورًا فالحذف، والإثبات، أو غير ذلك: فبنو تميم يلتزمون الحذف، وأهل الحجاز يجيزون الحذف والإثبات، وقال سيبويه: والذي يبنى عليه في زمان، أو مكان، ولكنك تضمره، وإن شئت أظهرته: لا رجل، ولا شيء، تريد لا رجل في مكان، ولا شيء في زمان، والدليل على أن لا رجل في موضع اسم مبتدأ قول العرب من أهل الحجاز: لا رجل أفضل منك، وشرح السيرافي كلام سيبويه؛ بأن بني تميم كثيرًا يحذفون الخبر، وأهل الحجاز يظهرونه.

وقال أصحابنا في قول سيبويه، ولكنك تضمره يعني في جميع اللغات وقوله: وإن شئت أظهرته يعني في لغة الحجاز انتهى.

ومن حذف الخبر قوله تعالى: «قالوا لا ضير» و «فلا فوت» و «لا ضرر ولا ضرار» و «لا طيرة ولا عدوى» . وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع إلا نحو: لا إله إلا الله، ويضمرون: في الدنيا، أو لنا، أو في الوجود، ورفع ما بعد إلا على البدل على الموضع، أو الصفة على الموضع، ويجوز النصب على الاستثناء، وزعم الجرمي في الفرخ: أنه لا يجوز في المرفوع بعد (إلا) إلا الرفع، وقد أجاز سيبويه: لا أحد فيها إلا زيدًا وكذا في قوله:

ص: 1300

.

...

... ولا أمر للمعصي إلا مضيعا

وربما حذف الاسم، وأبقى الخبر نحو قولهم: لا عليك أي لا بأس عليك، ولا يكون في غير (لا عليك)، قال ابن خروف: لا يقال: لا بك، ولا إليك، ولا فيك، وربما دخلت الباء على (لا)، ففتح ما بعدها قالوا: جئت بلا شيء، والغالب: الجر، وفي دخول الباء على الخبر خلاف، جوزه أبو علي في التذكرة، ومنعه بعضهم فلا يجيز: لا رجل بأفضل منك، ويتأول لا خير بخير بعده النار، على أن الباء ظرفية في موضع الخبر، و «بعده النار» صفة للاسم، وقال ابن مالك: ندر تركيب النكرة مع (لا) الزائدة كقول الشاعر:

لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها

إذن للام ذوو أحسابها عمرا

وقد يعامل غير المضاف من أب وأخ، وبنين، وغلام، وما أشبه ذلك معاملة

ص: 1301

المضاف، فينتزع منه التنوين، والنون إذا ما جر ما بعده بلام فتقول: لا أبا لك، ولا أخا لك، ولا يدي لك بالظلم، ولا غلام لك، ولا بني لك، ولا بنات لك، ولا عشرى لك هكذا مثل ابن مالك، والمشهور الوارد على القياس لا أخ لك، ولا أب لك، ولا يدين لك، ولا بنين لك.

وفي هذه المسألة مذاهب أحدها: مذهب هشام، وابن كيسان، واختاره ابن مالك أن هذه الأسماء مفردة ليست بمضافة، والمجرور باللام في موضع الصفة لها، فيتعلق بمحذوف، وشبه غير المضاف بالمضاف في نزع التنوين من المفرد، والنون من المثنى والمجموع.

والثاني ما ذهب إليه الجمهور من أنها أسماء أضيفت إلى المجرور باللام، واللام مقحمة لا اعتداد بها، ولا تتعلق بشيء البتة. والخبر على هذين المذهبين محذوف.

والثالث: ما ذهب إليه الفارسي في أحد قوليه، وأبو الحجاج بن يسعون وابن الطراوة أن قول العرب لا أبا لك، ولا أخا لك، وشبههما أسماء مفردة، جاءت على لغة من قصر الأب، والأخ، والأحوال كلها والمجرور باللام في موضع الخبر، وما قاله النحويون من جواز: لا يدي لك إنما قالوه بالقياس، وقال العرب: لا أبالي ولا أخالي، ومجيء الباء في قولهم:

ص: 1302

.

... لا أخا بعشوزن

...

....

شاذ، أو جاء على لغة من قصر الأب، ولا يجوز أن تقول: لا أبا لزيد، وأخا لعمرو، فتقحم اللام بين المعطوف على اسم لا، وبين ما أضيف غليه، وقد اطرد إقحام اللام بين المتضايفين، إذا كان المضاف إليه معرفة، ويجوز في نحو: لا غلام لك، ولا جارية لزيد أن يكون من هذا الباب، ويكون الخبر محذوفًا، ويجوز أن يكون غير مضافين، والمجرور في موضع الخبر، وحذف التنوين لأجل بنائه مع (لا)، ولا يجوز حذف اللام، وإبقاء الإضافة لا في الكلام، ولا في الشعر إلا قولهم: لا أباك في ضرورة الشعر خاصة، وتأول ابن مالك: لا أباك الواقع في الشعر، بأن يكون دعاء على المخاطب، وهو فعل ماض دعاء عليه أن لا يأباه الموت.

وذكر النحاة أن اللام المحذوفة مقدرة، وإن كانت إذا أتى بها مقحمة زائدة، ويدل على إرادتها قولهم: لا أباى إذ لو لم تكن مراده لقال: لا أبى، وقالوا: لا أباك، ولا شانيك بحذف الهمزة من لا أباك، واللام، وحذفهما وحذف الألف من «لاب شانيك» يريد لا أبالك، ولا أبا لشانيك.

وإذا كان المجرور الخبر تعين إثبات النون، وحذف الألف فتقول: لا يدين لك

ص: 1303

ولا أب لك، ولا فصل اللام جار آخر، أو ظرف نحو: لا يدي بها لك، ولا يدي اليوم لك، ولا غلامي عندك لزيد، امتنع ذلك في الاختيار خلافًا ليونس، فإنه أجاز ذلك في الاختيار، هكذا أطلق ابن مالك مذهب يونس.

وفي كتاب سيبويه: أن يونس فرق بين الظرف الناقص، فأجاز الفصل في فصيح الكلام، ولم يجزه بالظرف التام، وأجاز سيبويه الفصل بينهما بجملة الاعتراض فقال: لا أبا فاعلم لك، وقال ابن مالك: وقد يحمل على المضاف مشابهة العمل فينزع تنوينه، عني بمشابهه بالعمل المطول نحو: لا خيرًا من زيد عندك، ولا ضاربا بكرًا في الدار، ولا حسنا وجهه لك، ولا عشرى درهمًا عندك، فأجاز في هذه المثل وما أشبهها نزع التنوين، وهي عاملة فيما بعدها، ومذهب الجمهور لزوم التنوين والنون في الاسم، إذا كان عاملاً فيما بعده، وذهب ابن كيسان إلى أنه يجوز فيه التنوين وترك التنوين، وهو عنده أحسن من إثباته، وذهب البغدادين إلى جواز بناء النكرة، وإن كانت عاملة في ظرف بعدها

ص: 1304

أو مجرور، وذهب الكوفيون إلى إجازة بناء المطول فيقولون: لا ضارب ضربًا كثيرًا، ولا قائل قولاً حسنًا، وإذا دخلت (لا) على مركب نحو: لا خمسة عشر لك، فلا يركب مع لا، والحركة في عشر هي التي كانت فيه قبل دخول (لا)، لا حادثة بسبب (لا)، ألا ترى أنك لو قلت: لا عمرويه لك، بقى على كسره، ولم يفتح الآخر بسبب (لا).

ص: 1305