الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المفعول المطلق
وهو المصدر، وتسميته مطلقًا هو قول النحويين: إلا خلافًا شاذًا في تخصيص المطلق بمصدر ما كان فعله عامًا كصنعت وفعلت.
والمصدر اسم دال بالأصالة على معنى قائم بفاعل نحو: فهم فهمًا، أو صادر عن فاعل حقيقة نحو: خط خطا، أو مجازًا نحو: مات موتًا.
وقد يجيء بعد الفعل المبني للمفعول نحو: ضرب زيد ضربا، وإذا فرعنا على القول بالاشتقاق، وهو مذهب الجمهور من البصريين والكوفيين فنقول: المصدر هو الأصل، والفعل، واسم الفاعل، واسم المفعول، وسائر الأسماء التي فيها مادة المصدر، فروع اشتقت من المصدر خلافًا للكوفيين؛ إذ زعموا أن الفعل هو الأصل، والمصدر مشتق منه. ولبعض أصحابنا في زعمه أن الصفات مشتقة من الفعل ولأبي بكر بن طلحة في زعمه مع قوله بالاشتقاق إن كلاً من المصدر، والفعل أصل بنفسه ليس أحدهما مشتق من الآخر، والمصدر إن لم يفد زيادة على معنى عامله، فهو لمجرد التوكيد وهو المبهم، وإن أفاد فهو المختص، والمعدود من قسم المختص فلا يكون قسيمًا له.
وينتصب المصدر بمصدر، وباسم فاعل، وباسم مفعول، وبفعل نحو: عجبت من ضرب زيد عمرًا ضربًا، وزيد ضارب عمرًا ضربا، وأنت مطلوب طلبًا، وقوله تعالى:«وما بدلوا تبديلا» .
ونقول المصدر إما أن يكون من لفظ الفعل، أو من غير لفظه: إن كان من لفظه جاريًا عليه انتصب بالفعل مبهمًا كان أو مختصًا نحو: قعد قعودًا، وزعم ابن الطراوة أنه مفعول به، والتقدير: قعد فعل قعودًا فهو منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره، وقال تلميذه أبو زيد السهيلي: هو منصوب بقعد أخرى لا يجوز إظهارها، وهذان مذهبان ركيكان مخالفان لما عليه الجمهور من غير حاجة لذلك.
وإن كان غير جار نحو: «والله أنبئكم من الأرض نباتا» فمذهب المازني أنه منصوب بهذا الفعل الظاهر، ومذهب المبرد وتبعه ابن خروف، وزعم أنه مذهب سيبويه أنه منصوب بفعل ذلك المصدر مضمرًا الجاري عليه، والفعل الظاهر دليل على ذلك المضمر التقدير: نبتم من الأرض نباتًا، وأجاز أبو الحسن هذين المذهبين، وقيل: إن غاير معناه معنى الفعل، فنصبه بفعله المضمر نحو: نباتًا، وإن لم يغاير فنصبه بالفعل الظاهر نحو قوله:
…
...
…
...
…
رباب تحفر الترب احتفارا
وإن كان من غير لفظه نحو: قعد جلوسًا، فمذهب الجمهور أنه منصوب بمضمر أي: جلس جلوسا، وقيل بالفعل الظاهر، ومذهب أبي الفتح التفصيل، وهو ظاهر كلام الفارسي؛ فإن كان للتوكيد عمل فيه الفعل المضمر، الذي هو من لفظه؛ وإن كان مختصًا، فإما أن يكون له فعل، أو (لا)، فإن كان له فعل عمل فيه الفعل المضمر؛ وإن لم يكن له فعل، عمل فيه الفعل الظاهر نحو: قعد القرفصاء، وهذا عند المبرد على حذف موصوف أي القعدة القرفصاء.
والاختصاص يكون بأل للعهد نحو: ضربت الضرب إذا كان لك ضرب معهود، وللجنس نحو: جلست الجلوس، تريد الجنس منه، وتعني به التكثير، وجلس لا يفهم منه الكثرة، وفي الواضح: ولا يجوز أن تدخل الألف واللام على المصدر، فخطأ أن تقول: قام زيد القيام، وقعد القعود فإن نعت جاز الكلام واستقام، فقيل: قام زيد القيام الحسن. انتهى.
وبالصفة نحو: قمت قيامًا طويلاً، وبالإضافة نحو: ضربت ضرب شرطي، ولا تقع (أن والفعل) مقامه لا يجوز: ضربت أن يضرب شرطي تريد: ضرب شرطي، وفي البديع: أجاز الأخفش مسألة لا يجيزها غيره ضربت زيدًا أن ضربت، ويقول هو في تقدير المصدر، وقال الزجاج: قول الناس: لعنه الله أن تلعنه ليس من كلام العرب، ورد على الأخفش. انتهى.
ويقوم مقام المصدر، ويعرب مصدرًا المضاف إلى المصدر نحو:«فلا تميلوا كل الميل» ، وضربت زيدًا بعض الضرب وضربت أي ضرب، ويسير ضرب، وضمير المصدر نحو:
هذا سراقة للقرآن يدرسه
…
...
…
...
…
...
أي يدرس الدرس، واسم نوع الفعل نحو: رجع القهقري، واسم الهيئة نحو: يموت الكافر ميتة سوء، واسم العدد نحو: ضربت عشرين ضربة، واسم الإشارة نحو: ضربت هندًا ذاك؛ تريد ذاك الضرب.
وزعم ابن مالك: أن اسم الإشارة إذا أشير به إلى المصدر لا بد له من وصفه بالمصدر، وهو مخالف لما ذهب إليه سيبويه والجمهور، واسم وقت نحو قوله:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
…
...
…
....
أي اغتماض ليلة أرمد، ووصف المصدر نحو:«واذكر ربك كثيرا» أي ذكرًا كثيرًا.
ومذهب سيبويه: انتصاب مثل كثيرًا على الحال، و (ما) الاستفهامية نحو: ما تضرب زيدًا (أي ضرب)، وما الشرطية نحو: ما تضرب هندًا أي: اضرب مثله أي (أي) ضرب تضرب هندًا، واسم آلة نحو: ضربت هندًا سوطًا، ورشقته سهمًا، وما لم يعهد كونه آلة لا يجوز ذلك لو قلت ضربته خشبة، أو رشقته حجرًا لم يجز وأجاز المازني، والسيرافي إنما أنت إياه؛ لأنهم يقولون: إنما أنت سيرًا أي إنما أنت تسير سيرًا، أو وقع المضمر موقع الظاهر، وإياه منصوب بفعل مضمر، ومنع ذلك ابن السراج، وقال: لا يقوم مقام اللفظ بالفعل إلا المصدر المشتق منه الفعل. انتهى.
ومن المصادر ما استعملته العرب علمًا نحو: برة، وفجار، وحماد، وقد استعمل مصدرًا ما ليس بمصدر في الأصل نحو: عطاء، وثواب، وكلام في معنى إعطاء، وإثابة، وتكليم، ولا ينقاس ذلك، وصفات نحو: عائذًا بالله وبعض أعيان
نحو: تربًا، وجندلاً، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، وقال الشاعر:
حتى إذا اصطفوا له جدارا
و:
ولم يضع ما بيننا لحم وضم
أي اصطفاف جدار، وضياع لحم الوضم
والمصدر المعدود، لا خلاف في جواز تثنيته وجمعه تقول: ضربت ضربتين وضربات، وغيره مما ليس بمبهم فيه خلاف منهم من أجاز ذلك قياسًا على ما سمع، ومنهم من قال: لا يثنى ولا يجمع لاختلاف أنواعه كما لا يثنى، ولا يجمع اسم الجنس؛ لاختلاف آحاده، وهو ظاهر مذهب سيبويه، وإليه كان الأستاذ أبو علي يذهب. ولا يثنى المبهم ولا يجمع.
وإذا كان للفعل مصدران مؤكد، ومبين فمذهب الأكثرين الأخفش، والمبرد، وابن السراج: أن الفعل لا ينصبهما معًا، وذهب السيرافي، وتبعه ابن طاهر، وأبو القاسم بن القاسم إلى أنه يجوز أن ينصبهما، وأنه يجوز أن ينصب ثلاثة مصادر إذا اختلف معناها، وفي البديع: إذا قلت: ضربت زيدًا ضربًا شديدًا ضربتين، كان (ضربتين) بدلاً من الأول، ولا يكونان مصدرين، لأن الفعل الواحد لا ينصب مصدرين فأما قول الشاعر:
ووطئتنا وطأ على حنق
…
وطء المقيد نابت الهرم
فلا يكون الثاني فيه بدلاً؛ لأنه غيره، ولكنه بمعنى مثل وطء المقيد، أو على إضمار فعل. انتهى.