الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
إن اتحد عامل الحال وذو الحال، وتعددت هي نحو: جاء زيد مسرعًا ضاحكًا، ففي كونهما حالين خلاف، ذهب الفارسي، وجماعة إلى أنه لا يجوز أن يقضي العامل الواحد من الأحوال التي لذي حال واحدة أزيد من حال واحدة.
ويجعلون في نحو ذلك المثال أن يكون (ضاحكًا)، صفة (مسرعًا)، أو حالاً من الضمير المستكن في مسرعًا، وذهب أبو الفتح إلى جواز ذلك، فيقتضي أزيد من حال واحدة.
ويجوز أن يتعدد صاحبا الحال، متفقين في الإعراب والحال تجمع نحو: جاء زيد وعمرو مسرعين، أو مختلفين في الإعراب، والحال تجمع نحو: لقى زيد عمرًا ضاحكين، واتفق الكوفيون على إبطال، راكبين لقى زيد عمرًا، ولقى زيد راكبين عمرًا، ولقى راكبين زيد عمرًا.
وقياس مذهب البصريين جواز هذا كله، ولا يجوز عند الكوفيين لقيت مسرعين زيدًا، ولا مسرعين لقيت زيدًا، ويجوز عندهم مسرعين لقيتك، وراكبين لقيتني، ولا يجوز في قولهم: مر زيد مسرعين بسعد، ولا مر مسرعين زيد بسعد، ولا مسرعين مر زيد بسعد، ويجوز عندهم مسرعين مررت بك، ومررت مسرعين بك، ولا يجوز عند البصريين تقديم حال لمخفوض ظاهر، ولا مكني.
وهذه المسائل من فصل تقديم الحال على ذي الحال، وعلى عامله، ولا يجمع الحالان حتى يصلح انفراد كل وصف بالموصوف، فإن اختلفا في هذا المعنى لم يجمعا.
وأجاز الكسائي وهشام أن تجيء الحال مجموعة من مضاف، ومضاف إليه نحو: لقيت صاحب الناقة طليحين على أن (طليحين) حال لصاحب، والناقة، إذ هما معنيان كلاهما، والمختار عندنا أن ثم معطوفًا محذوفًا تقديره: صاحب الناقة والناقة، فطليحان حال من المتعاطفين.
وأجاز سيبويه: هذا رجل معه رجل قائمين على أن الحال للاسمين، وأجاز أيضًا: مررت برج لمع امرأة ملتزمين، وقال من قال: في الدار رجل، وجئتك بآخر عاقلين مسلمين، فالنصب على الثناء والتعظيم لا على الحال.
وإن تعدد ذو الحال، وتفرق الحالان، فيجوز أن يلي كل حال صاحبه، نحو: لقيت مصعدًا زيدًا منحدرًا، ويجوز أن يتأخرا عن صاحبيهما نحو: لقيت زيدًا مصعدًا منحدرًا، فتلى الحال الأولى ذا الحال الثاني، والمتأخرة لذي الحال الأولى، فمصعدا حال من زيد، ومنحدرًا حال من التاء في لقيت.
وفي كتاب التمهيد: تجعل ما تقدم من الحالين للفاعل الذي هو متقدم، وما تأخر للمفعول، وكذا في كتاب البديع عن ابن السراج قال:«وكيف قدرت بعد أن يعلم السامع من المصعد، ومن المنحدر جاز» .
وقال صاحب التمهيد: ولو جعلت الآخر للأول جاز ما لم يلتبس، ولذلك منع بعضهم: أعطيت ضاحكًا زيدًا إذا لم يكن ضاحكًا للتاء، وأجاز أعطيت يضحك زيدًا لارتفاع اللبس مع الفعل. انتهى.
وإذا أمن اللبس جاز جعل الأولى للأول والثانية للثاني نحو قوله:
خرجت بها أمشي تجر وراءنا
…
...
…
...
…
فـ (أمشي) حال من التاء، و (تجر) حال من الهاء في بها، ويروى: خرجت بها تمشي تجر، فتمشي حال من التاء، من ضمير بها، و (تجر) حال من ضمير بها.
وقد تجيء الحال مفردة من أحد ما دل عليه ضمير التثنية والجمع لا من مجموع الضمير نحو: زيد وهند خرجا طائفًا بها، قال يصف حمارًا وأتنا:
صافا يطوف بها على قلل الصوى
…
وشتى كزلق الفرج غير مقهد
«يطوف بها» حال من أحد الضميرين في صافا
ويجب للحال إذا وقعت بعد إما ن تردف إما أخرى كقوله تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورا} أو بأو كقوله:
أودك إما صديقا أو عدوا
…
...
…
....
وكذلك تكرر لا نحو: جئتك لا راغبًا ولا راهبًا. وقد أفردت (لا) في الشعر نحو:
قهرت العدا لا مستعينًا بعصبة
…
...
…
...
…
ويجوز إضمار عامل الحال لحضور معناه، أو تقدم ذكره في استفهام أو غيره مثال حضور معناه قولك للراحل: راشدًا مهيدًا؛ أي تذهب، وللقادم: مبرورًا مأجورًا؛ أي رجعت، وللمحدث: صادقًا؛ أي تقول: ومصاحبًا معانا اذهب، وللرجل واقع أمرا أو تعرض له:«متعرضًا لعنن لم يعنه» أي دنا من هذا الأمر متعرضًا.
وذكر سيبويه الرفع في هذا أيضًا على إضمار مبتدأ أي أنت، ومثاله في استفهام راكبًا في جواب من قال: كيف جئت، وفي غير الاستفهام مسرعًا لمن قال: لم تنطلق.
ويجب إضماره إن جرت مثلاً نحو: «حظيين بنات صلفين كنات» ، أي عرفتهم، أو بينت ازدياد ثمن نحو: أخذته بدرهم فصاعدًا، وأخذته بدرهم فزائدًا، قدره سيبويه فزاد الثمن صاعدًا، أو فذهب صاعدًا، يقال: جوابًا لمن قال: بكم اشتريت هذا المتاع، فأخبر أن أدناه اشتراه بدرهم.
والثمن حاله الزيادة بعد ذلك كذا نقل سيبوه أنه يقال في هذا المعنى، والعطف هنا إنما هو بالفاء، أو بثم والفاء أكثر من ثم، وقال بعض المتأخرين لا ضرورة إلى ما قال سيبويه من إضمار الناصب بعد الفاء، أو ثم بل (بدرهم) في موضع نصب على الحال، والتقدير كائنًا بدرهم و (فصاعدًا) معطوفًا عليه.
وفي البسيط: قيل فصاعدًا انتصب نصب المصدر أي فصعد صعودًا ولا يجوز الجر في (فصاعدًا) ولا ثم صاعدًا، وقال سيبويه: لو قلت: أخذته بصاعد كان قبيحًا، ويعني بقوله قبيحًا: ممتنعًا، وقال ابن خروف: وقد يجوز الجر بالفاء وثم على إقامة الصفة مقام الموصوف، وقال ابن مالك بعد قوله: ازدياد ثمن أو غيره، ومثل غير ازدياد الثمن بمثل تصدق زيد بدينار فسافلاً.
فإن لم ينقل مثل هذا عن العرب فهو ممنوع لا يجوز، أو نائب عن خبر نحو: ضربي زيدًا قائمًا، أو كانت بدلاً من اللفظ بالفعل في توبيخ، أو غيره، تقدم الكلام في ذلك في باب المبتدأ، وفي باب المصدر، وإذا كان العامل في الحال معنويًا كالظرف، والمجرور، واسم الإشارة لم يجز حذفه فهم ذلك، أو لم يفهم عند الأكثرين، وأجاز ذلك المبرد في قوله:
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... وإذا ما مثلهم بشر
جعل (مثلهم) حالاً، والعامل فيه الجار والمجرور تقديره: وإذ ما في الدنيا بشر مثلهم.
فأما الحال في قولهم: ضربي زيدًا قائمًا، فعلى تقدير بعضهم إذا كان أو إذ كان، فحذف العامل وهو معنوي وانتصب الحال به.
فإذا توقف المعنى على ذكر الحال لم يجز حذفها كقوله تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} أو سدت مسد الخبر، فكذلك لا يجوز حذفها.
ومذهب الأكثرين أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها وهو الذي نختاره خلافًا لمن أجاز ألا يكون عاملاً في ذي الحال.
وتقدم ذكر الخلاف في عمل حرف التنبيه، واسم الإشارة في الحال في مثل هذا زيد منطلقًا، والحال إن دلت على معنى لا يفهم مما قبلها فهي المبنية، وإن دلت فهي المؤكدة، وأثبتها الجمهور، وذهب الفراء، والمبرد والسهيلي إلى إنكارها.
وقال الفراء: الحال لا بد من تجدد فائدة عند ذكرها: كقيلهم: عبد الله عندك قائمًا، لأنه ليس من عندك ما يدل على قيام، فإن كان ما قبله يدل عليه نحو: زيد على الفرس راكبًا، فهو منصوب على القطع، وكذا لو قلت: جاء زيد الظريف، إذا كان زيد لا يعرف إلا بالظريف، ثم سقطت منه (أل) قيل: قام زيد ظريفًا، فينتصب على القطع، وإذا كان يعرف دون الظريف وسقطت أل انتصب على الحال، وإذا قلت: الظريف وهو لا يعرف به، فلا ضمير في الظريف من الأول، وهو مكرر عليه، وتقديره: قام زيد قام الظريف، كقول القائل: نظرت إلى شيء بغل أو حمار انتهى.
والتفريع في الحال المؤكدة على مذهب الجمهور، وهي تارة تكون من لفظ العامل كقول الشاعر:
قم قائمًا قم قائمًا
…
صادفت عبدًا نائمًا
وتارة تكون من غير لفظه كقوله تعالى: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} ، وقيل لا تكون إلا غير منتقلة كقوله تعالى:{وأن هذا صراطي مستقيما} . فالاستقامة لازمة لصراطه تعالى، ويؤكد بالحال أيضًا واجبة التأخير في بيان تعين نحو: هو زيد معلومًا، وفي فخر: أنا زيد كريمًا، وفي تعظيم: هو عمرو جليلاً، وفي تصاغر: أنا عبدك فقيرًا إلى عفوك، وفي تحقير: هو فلان مأخوذًا، وفي وعيد: أنا فلان متمكنًا منك فاتق غضبي.
والمبتدأ يكون ضميرًا معرفة والخبر كذلك، وهما جامدان لتدل النسبة على معنى الحال التي جاءت تأكيدًا لتلك النسبة، والعامل في هذه الحال قدره سيبويه، في قولك: هو زيد معروفًا أثبته، أو ألزمه معروفًا، وقدره غيره إن كان المخبر عنه غير (أنا) تقول: أحقه أو أعرفه، وإن كان أنا قدر أحق أو أعرف أو أعرفني، وقال الزجاج: الخبر مؤول بمسمى فيعمل في الحال.
وقال ابن خروف ضمن المبتدأ تنبيها فهو العامل.
والجملة الواقعة حالاً شرطها أن تكون خبرية، وجوز الفراء وقوع الأمر ونحوه حالاً تقول: تركت عبد الله قم إليه، وتركت عبد الله غفر الله له على تقدير الحال، وغير الفراء يتأول ما ورد من ذلك، ويدخل تحت الخبرية جملة الشرط، فتقع حالاً فقيل تلزم الواو.
ومذهب ابن جني أنها لا تلزم، وذكر صاحب المصباح وهو ناصر بن أبي المكارم المطرزي: أن الشرطية لا تكاد تقع بتمامها حالاً فلا يقال: جاء زيد إن يسأل يعط على الحال، بل إذا أريد ذلك، جعلت الجملة الشرطية خبرًا عن ضمير ما أريد الحال عنه نحو: جاء زيد وهو: إن يسأل يعط، فيكون الواقع حالا الجملة الاسمية لا الشرطية، لكن تقع بعد ما تخرج عن حقيقة الشرط نحو: آتيك إن تأتني، وإن لم تأتني إذ لا يخفى أن النقيضين من الشرطين في مثل هذا لا يبقيان على معنى الشرط، بل يتحولان إلى معنى التسوية كالاستفهامين المتناقضين نحو قوله تعالى:{آنذرتهم أم لم تنذرهم} وأما الثاني فلا بد فيه من الواو نحو: آتيك ون لم تأتني، ولو تركت الواو لا لتبس بالشرط حقيقة، وقد ذكر الخبري في مسائله العشرين أن الواو هنا للعطف دون الحال، والمعطوف عليه محذوف التقدير: إن أتيتني وإن لم تأتني محتجًا بأن (إن) للمستقبل، والمستقبل لا يقع حالاً. انتهى. وفيه بعض تلخيص، وشرطها أيضًا ن تكون غير مفتتحة بدليل استقبال نحو: سيقوم ولن يقوم، ومن قال: إن جملة التعجب خبرية لا يجيز أن تقع حالاً فلا تقول: مررت برجل ما أحسنه ولا أحسن به.
وموارد الجملة الحالية الابتداء نحو: {اهبطوا بعضكم لبعض عدو} وتصديرها بأن، {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون} وبـ (كأن) {كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون} وبـ (لا) للتبرئة:{والله يحكم لا معقب لحكمه} و (بما) قال عنترة:
فرأيتنا ما بيننا من حاجز
…
...
…
...
…
وبمضارع مثبت: {في طغيانهم يعمهون} ، أو مقرون (بقد):{لم تؤذونني وقد تعلمون} ، أو منفي (بلا):{وما لنا لا نؤمن بالله} ، أو (بلم){بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} ، أو بماض تال لـ (إلا):{وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون} أو متلو بأو:
كن للخليل نصيرا جار أو عدلا
…
...
…
...
أو مخالف لذلك: {أو جاءكم حصرت صدورهم} .
وتتضمن الجملة الواقعة حالاً ضميرًا يعود على ذي الحال، ويغني عنه (واو) إلا إن كانت الجملة مؤكدة أو مصدرة بمضارع مثبت عار من (قد)، أو منفي (بلا)، أو (ما) أو ماضي اللفظ تال لـ (إلا)، أو متلو (بأو) نحو: الخليفة أبو بكر قد علمه الناس، وجاء زيد يضحك عمرو، وجاء زيد لا يضحك عمرو، وجاء زيد ما يضحك عمرو، وما جاء زيد إلا ضحك عمرو، واضرب زيدا ذهب عمرو أو مكث، فهذه الصور لا تغني فيها واو الحال عن الضمير، وهذه الواو تسمى واو الحال، وقدرها سيبويه (بإذ) وليست عاطفة، ولا أن أصلها العطف خلافًا لمن زعم من المتأخرين أنها عاطفة، وقد تجامع الضمير في الجملة الابتدائية نحو:{خرجوا من ديارهم وهم ألوف} ، وفي المصدرة بأن نحو قوله
ما أعطياني ولا سألتهما
…
إلا وإني لحاجزي كرمي
وبكأن: جاء وكأنه أسد، و (بلا) التبرئة
نصبت له وجهي ولا كن دونه
…
...
…
....
وبـ (لي): {منه تنفقون ولست بآخذيه} والماضي غير المتلو بإلا: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا} واجتماع الواو والضمير في الاسمية، والمصدرة بليس أكثر من انفراد الضمير مثال اجتماعهما في الاسمية:{فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .
ومثال اجتماعهما في المصدرة بليس: {ولستم بآخذيه} ، ومثال انفراد الواو في الجملة الاسمية:{لئن أكله الذئب ونحن عصبة} وقوله:
بعثت إليها والنجوم طوالع
…
...
…
...
وذهب ابن جني إلى أنه لا بد من تقدير الضمير الرابط مع الواو، فإذا قلت: جاء زيد والشمس طالعة، فتقديره: وقت مجيئه، وحذف الضمير، ودلت الواو على ذلك، والجمهور على أن الجملة خالية من الضمير، ولا يقدر محذوف قيل، وإنما وقعت مثل هذه الجملة حالاً، وليست هيئة لزيد على تقدير جاء زيد موافقًا طلوع الشمس، ومثال الانفراد في ليس:
دهم الشتاء ولست أملك عدة
…
... ....
ومثال انفراد الجملة الاسمية بالضمير: جاء زيد يده على رأسه، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب:
أحدها: جواز ذلك مطلقًا، وهو كثير فصيح وهو مذهب الجمهور.
والثاني: مذهب الفراء وتبعه الزمخشري في أحد قوليه إنه نادر شاذ.
والثالث: مذهب الأخفش: وهو أنه إذا كان خبر المبتدأ اسمًا مشتقًا، وقد تقدم وجب عروه من الواو، فتقول: جاء زيد حسن وجهه، ولا يجوز: وحسن وجهه، وإن تأخر النفي بالضمير نحو: جاء زيد وجهه حسن، ويجوز الواو، ومثال انفراد الضمير في المصدرة بليس قول الشاعر:
إذا جرى في كفه الرشاء
…
جرى القليب ليس فيه ماء
وقد ينوب الظاهر مناب الضمير كما قال:
قتلت أباك بنو فقيم عنوة
…
إذ جر ليس على أبيك إزار
أي ليس عليه، وقد يجب انفراد الضمير، ولا يجوز الواو، وذلك في الجملة الابتدائية الواقعة حالاً إذا عطفت على حال نحو:{فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون} ، وقد تخلو الجملة الاسمية من الواو، ويكون الضمير محذوفًا نحو: مررت بالبر قفيز بدرهم؛ أي قفيز منه بدرهم، وفي البديع: وقد جاء بلا واو
ولا ضمير يريد، ولا ضمير مثبت، بل يكون محذوفًا، والمضارع إن كان مثبتًا، أو منفيًا بلا فسمع دخول الواو فيهما نحو: قمت وأصك عينه.
وقرأ ابن ذكوان: «فاستقيما ولا تتبعان» بتخفيف النون، ويؤول على إضمار مبتدأ، أي: وأنا أصك، وأنتما لا تتبعان.
وفي البسيط: إن كان منفيًا بلا حسن ترك الواو، انتهى. وإن كان منفيًا بغير لا، وحرف النفي لم، والجملة لا ضمير فيها، وجبت الواو نحو: جاء زيد ولم تطلع الشمس، أو كان فيها جاز أن يكتفي به، وجاز أن يجتمع هو والواو، وزعم ابن خروف أنه لا بد من الواو، وزعم ابن عصفور أن النفي (بلم) نحو: قام زيد ولم يضحك قليل، وهما زعمان مخالفان للسماع من القرآن وكلام العرب.
وإن كان حرف النفي (لما) فقال ابن مالك: هو كالنفي بلم في القياس إلا أني لم أجده مستعملاً إلا بالواو كقوله تعالى: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} وكقول الشاعر في
بانت قطام ولم يحظ ذو مقة
…
...
…
... ....
ونسى ابن مالك أنه أنشد للما ما فيه دليل على مجيء النفي بلما حالا دون الواو، وذلك في أول شرحه لكتاب التسهيل وهو:
فقالت له العينان سمعا وطاعة
…
وحدرتا كالدر لما يثقب
ووجدت أنا ذلك بغير واو في شعر من احتج بعض النحاة بشعره، ولا أدري هل يحتج بشعره، أو لا يحتج، وهو عبد الله بن محمد بن أبي عيينة قال:
ابعد بلائي إذ وجدته
…
طريحا كنصل السيف لما يركب
وقال أيضًا:
وفللت منه حده وتركته
…
كهدبة ثوب الخز لما يهدب
فإن كان حرف النفي (ما) فتقول: جاء زيد وما يضحك، وجاء زيد ما يضحك، وجاء زيد وما تطلع الشمس، وجاء زيد ما تطلع الشمس، وزعم ابن عصفور أن نفي المضارع (بما) قليل جدًا، والقياس يقتضي ألا يكون قليلا جدًا.
وإن كان حرف النفي (إن) نحو: جاء زيد إن يدري كيف الطريق فلا أحفظه من لسان العرب، والقياس يقتضي جوازه كما وقع خبرًا لـ (ظل) في قوله:«حتى يظل إن يدري كيف صلى» .
وأما إن كان الفعل ماضيًا، ونفيته والجملة عارية من الضمير، فلا بد من الواو نحو: جاء زيد وما طلعت الشمس، أو لم يعر منه جازت الواو نحو: جاء زيد
ما درى كيف جاء، أو جاء زيد وما درى كيف جاء، وإن كان الماضي بنفسه أداة نفي فلا تدخل عليه قد، وذلك ليس، وإن كان أصله الشرط نحو: لأضربن زيدًا ذهب أو مكث، فلا تدخل عليه قد، ولا الواو، ولا يكون بصورة المضارع فلا تقول: لأضربنه يذهب أو يمكث، ولا تقع (إن) موقع (أو)، ولا تدخل الهمزة على ذهب فلا يقال: لأضربنه أذهب أو مكث، وقال أبو علي: يجوز ظهور حرف الشرط: لأضربنه إن ذهب أو مكث.
وإن كان تاليًا لـ (إلا) فلا تدخل عليه قد، وقالت العرب: ما تأتيني إلا قلت حقًا، وما أتيتني إلا تكلمت بالجميل، وما تكلم إلا ضحك، وما جاء إلا أكرمته، جميعها أحوال بلفظ الماضي مؤولا باسم الفاعل، وندر دخول (قد) عليه في قول الشاعر:
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة
…
لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
وإن كان ماضيًا غير ما ذكر، ولا ضمير فلا بد من (الواو، وقد) نحو: قول امرئ القيس:
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها
…
...
…
... ....
وإن كن ثم ضمير جاز اجتماع الواو وقد، كقوله تعالى:{وقد فصل لكم ما حرم عليكم} ، وقد تنفرد الواو كقوله تعالى:{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم} وقد تنفرد (قد) نحو قوله:
أتيناكم قد عمكم حذر العدى
…
...
…
...
وقد يخلو الماضي منهما كقوله تعالى: {هذه بضاعتنا ردت إلينا} ، والصحيح جواز ذلك بغير (واو)، ولا (قد) وهو قول الجمهور والكوفيين والأخفش لكثرة ما ورد من ذلك.
ولا تقدر قبله (قد) خلافًا للفراء، والمبرد، وأبي علي، ومتأخري أصحابنا الجزولي، وابن عصفور، وشيخنا أبو الحسن الأبذي، وجاء من الحال ألفاظ مركبة تركيب خمسة عشر فمنها ما أصله العطف، وذلك قولهم «تفروا شغر بغر» ومعناه منتشرين يقال: شغر البلد إذا خلا من الناس وكأنهم حين فارقوا أماكنهم إلى جهات شتى خلت منهم، ويقال: أشغر في الفلاة أبعد فيها، وبغر النجم يبغر بغورًا إذا سقط، وهاج بالمطر، والنجم للثريا، وكأنه بغر منه؛ لأنهم إذا تفرقوا إلى نواح سقطوا فيها، و (شذر مذر) يقال: بفتح الشين والميم وكسرهما، ومذر إتباع لشذر، والشذر: قطع الذهب، والشذر اللؤلؤ.
والشذرة القطعة كأنهم بتوجههم في كل وجه، تقطعوا في نواحي الأرض ومذرت البيضة: فسدت، ومذرت معدته بكسر الذال فسدت، وكأنهم بخروجهم إلى غير موطنهم فسدت أحوالهم، وقيل الميم في مذر بدل من الباء.
و (خذع مذع) أي منقطعين: وأخول أخول معناه شيئًا بعد شيء، ومنه تفرقوا أخول أخول، وتركت البلاد (حيث بيث) اتبع الأول الثاني، و (حوث بوث) اتبع الأول، وفي (حاث باث) بناه على فعل وأعله، وحاث باث، وحيث بيث بكسر الحاء والباء، وقلب الواو ياء لكسرة ما قبلها، وقالوا: حوثا بوثا بالتنوين اتبعوا الأول الثاني، وأصل حاث الياء، وأصل باث الواو، إذا فرق أهلها وبددهم، فيكون تفسير ابن مالك ذلك بمبحوثه أنه بحث أهلها واستخرجوا منها يقال: استحاث واستباث: استخرج، ويقال: استحاث الشيء تطلبه، وقد ضاع في التراب، وباث عن الشيء يبوث بوثًا بحث عليه، وابتاث مثل باث، وهو جاري بيت بيت أي ملاصقًا، وبيت بيت بالإضافة، ولقيته كفة كفة، وبالإضافة كفة كفة، ومفكوكًا بعن: كفة عن كفة قال الأحمر مثل لقيته مواجهة، وأخبرته صحرة بحرة أي منكشفًا.
ويقال: أتيته صحرة بحرة إذا رأيته، وليس بينك وبينه ساتر، والمصاحر الذي يقاتل قرنه في الصحراء ولا يخاتله، ووقع في كلام بعض اللغويين صحرة بحرة، غير مجراة فاحتمل أن يريد غير منونين، واحتمل أن يريد أنهما ممنوعان الصرف للتأنيث والعلمية والجنسية، واستعمل أيضًا بالإضافة قالوا: صحرة بحرة ومنها ما أصله الإضافة يقال: افعل هذا بادئ بدء، وبادى بدئ أي مبدوءًا به، وذلك بلا همز، وأصلهما الهمز، وبادئ اسم فاعل، وبدء يجوز أن يكون مصدرًا لـ (بدا) بمعنى بدأ، وبادى اسم فاعل من بدى كشج من شجى، والياء من بادى ساكنة كياء معد يكرب، ويقال بالإضافة بادئ بدء مهموزان، وبادئ بداء أو بدء بلا همز بادى، وبدء، ذي بدء أو ذي بداءة، أو ذي بدءة بالهمز.
ويقال تفرقوا أيادي سبا، وأيدي سبًا، بسكون الياء، وترك همزة سبأ، وقد يقال: سبا بالتنوين وبلا همز.
وذهب الزمخشري: أن بادئ بدء، وأيادي سبا من المركب تركيب ما لا ينصرف.
واختلف النحاة في هذه المركبات التي وقعت أحوالاً مما تقدم، فذهب بعضهم إلى أنها مبنية مركبة تركيب خمسة عشر، وذهب بعضهم إلى أنها مركبة تركيب الإضافة فقال في البسيط: حذف التنوين يكون من الثاني للإتباع، فيشبه بخمسة عشر، وليس مبينا بمنزلته، وحركة الإتباع ليست حركة إعراب، فهو مخفوض، في التقدير والظروف والأحوال غير متمكنة فكان ترك التنوين أنسب
كما فعلوا ذلك في النداء، فقالوا: يا ابن أم، ويا ابن عم؛ لأن النداء باب لا تتمكن فيه الأسماء، فساغ لهم في ذلك ترك التنوين، فهو محذوف لا للبناء، وذلك نحو: هو جاري بيت بيت، وأتيتك صباح مساء، ولقيته كفة كفة، وبين بين، وكلا هذين المذهبين معزوان إلى سيبويه، ومستقرآن من كلامه.
وجرت عادة بعض النحاة أن يذكر هنا ما يشبه جملة الحال وهي جملة الاعتراض، وجملة التفسير، أما جملة الاعتراض فهي جملة المناسبة للمقصود بحيث يكون كالتوكيد له، أو على التنبيه على حال من أحواله، ولا يكون الفصل بها إلا بين الأجزاء المنفصل بعضها من بعض المقتضى كل للآخر، فيقع بين جزء صلة نحو: جاءني الذي جوده والكرم زين مبذول، وبين موصول وصلته، نحو قوله:
ذاك الذي وأبيك يعرف مالكا
…
...
…
... ....
وبين موصول ومعموله، نحو قوله:
وتركى بلادي والحوادث جمة
…
...
…
...
وبين الفعل ومرفوعه نحو قوله:
وقد أدركتني والحوادث جمة
…
أسنة قوم
وبين الشرط وجزائه نحو قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار} ، وبين نعت ومنعوت نحو قوله تعالى:{وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} ، وبين القسم وجوابه
لعمري وما عمري على بهين
…
لقد نطقت
وبين (إن) وخبرها:
إني وأسطار سطرن سطرا
…
لقائل
…
....
وبين الفعل ومفعوله،
وبدلت والدهر ذو تبدل
…
هيفاء
…
...
…
وبين كأن واسمها نحو:
كأن وقد أتى حول كميل
…
أثافيها
…
...
…
وبين المبتدأ وخبره:
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى
…
نوادب
…
... ....
وبين لعل وخبرها:
لعلك والموعود صدق لقاؤه
…
بدا لك
…
...
…
وبين المضاف والمضاف إليه إذا كان ظاهر الانفصال بحسب اللفظ، وهي مسألة الكتاب «لا أخا فاعلم لك» ، وأجاز أبو علي أن يكون لا أخا مقصورا و (لك) خبر (لا) كقولك: لا عصى لك، وقد تقع جملة الاعتراض في غير ما ذكر، وتمييزها من جملة الحال دخول الفاء عليها، ولن، وحرف التنفيس، ولا يقوم مفرد مقامها، وتقع جملة طلبية نحو قوله:
إن سليمى والله يكلؤها
…
ضنت
…
... ....
ولا موضع لجملة الاعتراض من الإعراب، وأما جملة التفسير فهي الكاشفة لحقيقة ما تليه مما يفتقر إلى الكشف، وتفسير الجملة بمثلها، وقد تفسر المفرد
كقوله تعالى: {كمثل آدم خلقه من تراب} .
وقوله: {هل أدلكم على تجارة} ، ثم قال: تؤمنون وهذه أيضًا لا موضع لها من الإعراب على المشهور، وقال الأستاذ أبو علي: التحقيق على أنها على حسب ما تفسر، فإن كان له موضع من الإعراب كان لها موضع من الإعراب، وإلا فلا، فمثل: زيدًا ضربته لا موضع لها من الإعراب ومثل: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} له موضع من الإعراب، لأن المفسر في موضع خبر إن، فالمفسر في موضع رفع، وعلى هذا مسألة أبي علي: زيد الخبز آكله، فآكله مفسر للعامل في الخبر، وله موضع لكونه خبرًا عن زيد، فكذلك مفسره، وبيان ذلك ظهور الرفع في المفسر، وكذلك مسألة الكتاب «إن زيدًا تكرمه يكرمك» فتكرمه فتسير للعامل في (زيد) وقد ظهر الجزم، ومذهب أبي علي أنه لا يكون الاعتراض إلا بجملة واحدة، وليس بصحيح، وقد سمع الاعتراض بجملتين.
وخرج الزمخشري في الكشاف الاعتراض بأكثر من جملتين على زعمه: ونحن نتكلم في الجمل فنقول أصل الجملة ألا يكون لها موضع من الإعراب، لأن ما له منها موضع من الإعراب، إنما هو لوقوعه موقع المفرد، والأصل في الجملة أن تكون مستقلة لا تقدر بمفرد، فتكون جزاءً لما قبلها، والجمل التي لا موضع لها من الإعراب اثنتا عشرة، وقوعها ابتداء كلام لفظًا ونية نحو: زيد قائم، أو نية لا لفظًا نحو: راكبًا جاء زيد، وبعد أدوات الابتداء، ويشمل الحروف المكفوفة، وإذا الفجائية، وهل، وبل، ولكن، وإلا، و (ما) غير الحجازية، وبينما، وبينا، ووقوعها بعد أدوات التحضيض، وبعد أدوات التعليق غير العاملة نحو لولا، ولو، ولما على
مذهب سيبويه، ووقوعها جوابًا لهذه الحروف، ووقوعها صلة لاسم، أو لحرف، ووقوعها اعتراضية، ووقوعها تفسيرية على المشهور، ووقوعها جوابًا للقسم، ووقوعها توكيدًا لما لا موضوع له، وعطفها على ما لا موضوع له وكونها شرطية حذف جوابها لتقديم الدليل عليه نفسه، أو تقدم طالب الدليل عليه، والجملة التي لها موضع من الإعراب، وتنقسم بأقسام نوع الإعراب، ففي موضع رفع باتفاق الواقعة خبرًا للمبتدأ، أو (للا) التي لنفي الجنس المعرب اسمها، ولأن وأخواتها وصفة لموصوف مرفوع، ومعطوفة على مرفوع وبدلاً من مرفوع، وباختلاف الواقعة في موضع فاعله وفي موضع النائب، وفي موضع نصب باتفاق الواقعة خبرًا لكان وأخواتها، وثانيًا لظننت، وثالثًا لأعلمت، وخبرًا (لما) الحجازية، و (للا) أختها، ولإن النافية ومحكية بالقول، ومعلقًا عنها العامل، ومعطوفة على منصوب، وصفة لمنصوب وحالاً، وباختلاف الواقعة في مذ، ومنذ، وذهب السيرافي إلى أنها في موضع نصب على الحال، وذهب الجمهور إلى أنه لا موضع لها من الإعراب، وفي الواقعة في الاستثناء بالفعل، فقيل لا موضع لها من الإعراب، وقيل: في موضع نصب على الحال.
وفي الجملة الواقعة استفهامًا بعد ما يتعدى إلى واحد بعد ما أخذ مفعوله، فاتفقوا على أنها في موضع نصب، واختلفوا في التقدير على ما حكيناه في باب ظننت، وفي موضع جر، فباتفاق أن يكون مضافًا إليها أسماء الزمان غير الشرطية التي لا تجزم، أو تقع صفة مجرور، أو معطوفة على مجرور، أما ما في موضع جر، وباختلاف في الواقعة بعد (ذو) في قول العرب:«اذهب بذي تسلم» فقيل (ذو) موصولة، فالجملة لا موضع لها من الإعراب، وقيل (ذو) بمعنى صاحب فهي في موضع جر، وفي الواقعة بعد (آية) بمعنى علامة، فقيل: في موضع جر
بالإضافة وقيل (ما) مصدرية محذوفة، وفي الواقعة ابتداء بعد (حتى)، فالجمهور على أنه لا موضع لها من الإعراب، وذهب الزجاج، وابن درستويه إلى أنها في موضع جر بحتى، وموضع جزم في الواقعة غير مجزومة جوابًا للشرط العامل، أو عطفت على مجزوم، أو على ما موضعه جزم.
[انتهى السفر الثالث بتقسيم محققه ويليه إن شاء الله تعالى السفر الرابع ويبدأ بباب التمييز].