الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
الخبر المنفي حقيقة إذا قصد إيجابه، اقترن بإلا، سواء أكان الخبر لمبتدأ، أم لكان أم ثانيًا لظن، أم ثالثًا لأعلم نحو: ما زيد إلا عالم، وما كان زيد إلا عالمًا، وما ظننت زيدًا إلا عالمًا، وما أعلمت زيدًا عمرًا إلا فاضلاً، وسواء أكان النفي بحرف كما مثلنا، أو بفعل النفي نحو: ليس زيد غلا عالمًا بالنصب، وهذه لغة أهل الحجاز في خبر ليس، إذا أوجب بإلا، كخبر كان إذا أوجب بها، ولغة تميم الرفع أجروا ليس مجرى (ما) إذا أوجب خبرها بإلا، حكى سيبويه، «ليس الطيب إلا المسك» بالرفع، وقد جهل الفارسي هذه اللغة، فتأول ما حكى سيبويه بتأويلات مصادمة للنص، وكذلك تأوله أبو نزار ملك النحاة، ورد عليه ذلك ابن الجليس المصري، فلو دخل على حرف النفي، أو فعله همزة التقرير لم تدخل إلا، وإذا كان الخبر مشتقًا من زال وأخواتها فقلت: ما كان زيد زائلاً ضاحكًا جاز، فلو أدخلت عليه (إلا) نحو: ما كان زيد إلا زائلاً ضاحكًا، أو جعلت زائلاً صفة لاسم قبله فقلت: ما كان زيد رجلاً زائلاً ضاحكًا لم يجز، ولو كان الخبر لا يستعمل (إلا) في النفي نحو: ما كان مثلك أحدًا لم يجز دخول إلا عليه، وما امتنع دخول (إلا) عليه، لم تدخل الباء عليه، فلا يجوز: ما زال زيد بقائم ولا يكون له جواب بالفاء فينصب.
وقال في البسيط: ولا يكون اسمها نكرة، وأجاز الكسائي وهشام:«ما يزال أحد يذكرك» ، ونحوها من المستقبل، وانفرد هشام بإجازتها مع الماضي نحو: ما زال أحد يذكرك، ومنعها الفراء فيهما، ويكثر مجيء اسم ليس، وكان بعد نفي، ولو نكرة محضة نحو قوله:
كم قد رأيت وليس شيء باقيًا
…
...
…
...
وقوله:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى
…
...
…
....
وقوله:
فلو كان حي ناجيًا لوجدته
…
... ....
وقال ابن مالك: ويجوز اقتران خبر ليس، وكان بعد نفي بالواو قال الفراء: يجوز أن تقول: ليس أحد غلا وهو هكذا، وقال:
…
...
…
لم يكن
…
سراج لنا إلا ووجهك أنور
وقال ابن مالك أيضًا: وربما شبهت الجملة الخبرية في هذا الباب بالحالية، فوليت الواو مطلقًا، وما ذهب إليه اتبع فيه الأخفش، ولا يجوز ذلك عندنا، وما استدلوا به لا حجة فيه.
وقال ابن مالك أيضًا: ويجوز الاقتصار على اسم ليس دون قرينة وأنشد:
…
...
…
... فأما الجود منك فليس جود
وقال آخر:
يئستم وخلتم أنه ليس ناصر
…
...
…
...
…
وهذا يتخرج على حذف الخبر، ولا يكون عند أصحابنا إلا في الضرورة، وذلك أنه لا يجوز عندهم حذف الاسم، ولا حذف الخبر لا اقتصارًا، ولا اختصارًا، إلا أنه قد يرد حذف الخبر في الشعر، وليس يختص حذفه بليس، بل قد سمع في غيرها نحو:
فإن قصدوا لمر الحق فاقصد
…
وإن جازوا فجر حتى يصيروا
أي تبعًا لك، ومن النحويين من أجاز حذف الخبر اختصارًا، تقول في جواب من قال: أكنت غنيًا؟ كنت، وتقول أكاد زيد يقوم؟ فتقول: قد كاد.
وكثر النحاة ذهبوا: إلى أن «كان» تقتضي الانقطاع كسائر الأفعال الماضية، وذهب بعضهم إلى أنها لا تقتضيه، وجعل من ذلك مثل قوله تعالى:{وكان الله غفورًا رحيمًا} ؛ «أي لم يزل» والذي تلقفناه من أفواه الشيوخ: أن كان تدل على الزمان الماضي المنقطع كغيرها من الفعل الماضي.
وينقاس زيادة كان بين (ما)، وفعل التعجب نحو: ما كان أحسن
زيدًا، وسمعت زيادتها في قولهم: فلم يوجد كان أفضل منهم، وأونبى كان آدم؟ وبين النعت والمنعوت، وبين المتعاطفين، وبين نعم ومرفوعها، وحكى سيبويه «إن من أفضلهم كان زيدًا» على زيادة كان، وزعم المبرد، والرماني أن (زيدًا) اسم إن، واسم كان مضمر فيها، (ومن أفضلهم) خبر كان، وكان واسمها وخبرها في موضع خبر إن، وهذا خطأ محض لجعل خبر (إن) جملة مفصولاً بها بينها، وبين اسمها، وهذا لا يجيزه أحد.
وإذا زيدت كان، فهي فارغة من الفاعل قاله الفارسي، وقال
السيرافي فاعلها ضمير المصدر الدال عليه الفعل، كأن قيل كان هو «أي الكون» ، ولا يزاد غيرها من أفعال هذا الباب، خلافًا للكوفيين، فإنهم أجازوا زيادة أمسى وأصبح في التعجب، وحكوا «ما أصبح أبردها وما أمسى أدفأها» يعنون الدنيا؛ فإن ثبت، فهو عند البصريين من القلة، بحيث لا يقاس عليه، وخلافًا لمن أجاز زيادة أفعال هذا الباب، إذا لم ينقض [المعنى، وهو الفراء، وخلافًا لمن أجاز زيادة كل فعل لازم من غير هذا الباب إذا لم ينقضه]، فأجاز «ما أضحى أحسن زيدًا، وزيد اضحى قائم، وفلان قعد يتهكم بعرض فلان، وجاءت زيادة يكون في قوله:
أنت تكون ماجد نبيل
وأجاز زيادتها الفراء بين ما وفعل التعجب نحو: ما يكون أطول هذا الغلام وسمعت زيادة «كان» بين علي ومجرورها في قوله:
.
…
...
…
... على كان المسومة العراب
شذوذًا وتختص «كان» بعد (إن)، و (لو) بجواز حذفها مع اسمها، إن كان ضمير ما علم من غائب نحو:
قد قيل ما قيل إن حقا وإن كذبا
…
...
…
...
أي إن كان حقًا
…
وقوله:
لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكًا
…
...
…
...
أي ولو كان ملكًا، أو ضمير ما علم من حاضر مخاطب نحو قوله:
لا تقربن الدهر آل مطرف
…
إن ظالمًا أبدًا وإن مظلوما
أي إن كنت ظالمًا، أو متكلم نحو:
حديث علي بطون ضبة كلها
…
إن ظالمًا فيهم، وإن مظلوما
أي إن كنت ظالمًا، ومثاله في «لو» قوله:
علمتك منانًا فلست بآمل
…
نداك، ولو غرثان ظمآن عاريا
أي ولو كنت عرثان، ويتعين النصب في هذه المثل، لأنها خبر كان، ويجوز إظهارها نص عليه سيبويه، ويجرى مجرى (لو) غيرها من الحروف الدالة على الفعل، إذا تقدم ما يدل عليه نحو:(هلا)، و (ألا)، لكنه ليس بكثير الاستعمال، وتقول: ألا طعام ولو تمرًا، وائتني بدابة، ولو حمارًا، يجوز
النصب؛ أي ولو يكون تمرًا، والرفع أي: ولو يكون عندكم تمر، وعلى الفعل التام أي ولو سقط تمر، أو حضر تمر، والأحسن ما كان عند الظهور أحسن، والأحسن منها ما نصب، ويقبح غير النصب إذا كان بعد لو صفة لا تستعمل وحدها نحو: ألا ماء ولو باردًا يقبح الرفع، وقد جروا بدون الجار، ويقبح في بارد، وقالوا: ادفع الشر ولو إصبعًا؛ «أي ولو كان قدره إصبعا» ، وعلى الفعل التام أي: ولو دفعته إصبعًا، والرفع على معنى، ولو كان في قدره إصبع «أي ولو وقع إصبع» أي قدر إصبع.
وإذا حسن تقدير فيه، أو معه مع كان المحذوفة بعد (إن) جاز رفع ما وليها نحو:«الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر» و «المرء مقتول بما قتل به إن سيفًا فسيف، وإن خنجرًا فخنجر» فالنصب على أن يكون التقدير: إن كان العمل خيرًا، وإن كان المقتول به سيفًا، والرفع على أن يكون التقدير: إن كان في أعمالهم خير وإن كان معه سيف وإن لم يصلح تقدير في أو معه تعين النصب على أنه خبر كان قال سيبويه: مررت برجل إن طويلاً وإن قصيرًا، وامرر بأيهم أفضل إن زيدًا وإن عمرًا، ومررت برجل إلا صالحًا فطالح، ومن العرب من يقول: إن لا صالحًا فطالحًا، نصبه سيبويه على الحال «أي فقد لقيته طالحًا» وربما جر مقرونًا (بألا) أو (بأن) وحدها إن عاد اسم كان
إلى مجرور بحرف «أي إذا نصب» وحكى يونس: إن لا صالح فطالح «أي إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح» ، كذا قدره ابن مالك، وأجاز امرر بأيهم أفضل إن زيد وإن عمرو أي إن مررت بزيد، وإن مررت بعمرو، وقدره سيبويه أي: لا أكن مررت بصالح فبطالح، وهذا قبيح ضعيف، وهذا الذي أجازه يونس ليس مذهبًا إنما قاسه يونس على إن لا صالح فطالح، وليس موضع قياس وبدأ سيبويه بنصب الأول، ورفع الثاني؛ «أي إن كان خيرًا فالذي يجزى به خير» ، ومن العرب من يقول: إن خيرًا فخيرًا، ثم ذكر: أن رفعهما عربي حسن إن خير فخير، وذكر النحاة هذه الوجوه، وزادوا إن خير فخيرًا برفع الأول، ونصب الثاني قالوا: وأحسن الوجوه إن خيرًا فخير، ثم إن خير فخير، ثم إن خيرًا فخيرًا، ثم إن خير فخيرًا، وهذا الوجه أردأ الوجوه، وهو الذي لم يذكره سيبويه، ورفعهما، ونصبهما عند الأستاذ أبي علي متكافئان، وعند ابن عصفور ليسا متكافئين.
وتضمر (كان) في الشرط الصريح المحض تقول: أنا أفعل كذا، إن لا معينًا لي فلا مفسدًا علي «أي إن لا تكن معينًا لي فلا تكن مفسدًا علي» ، ويجوز الرفع إذا صحى المعنى، ومنه (إن لا حظية فلا ألية)، أي إن لا تكون لك في النساء حظية فهي غير ألية، أي غير مقصرة في خدمتك من ألوت أي قصرت، ولو نصبت لجاز، لكن قصد في الرفع العموم، لا نفس القائلة خصوصًا.