المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل مذهب سيبويه، والأخفش، أن (إن) ترادف نعم، فلا إعمال لها، - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل مذهب سيبويه، والأخفش، أن (إن) ترادف نعم، فلا إعمال لها،

‌فصل

مذهب سيبويه، والأخفش، أن (إن) ترادف نعم، فلا إعمال لها، واختاره ابن مالك، وأنكر ذلك أبو عبيدة، وهو اختيار ابن عصفور، وتأولوا ما ورد مما ظاهره أنها بمعنى نعم، ويجوز أن تخفف إن، فتكون كالمشددة عملاً، وأحكامًا إلا أنها لا تدخل على المضمر، كان ضمير أمر لا مثبتًا، ولا محذوفًا أو غيره، فلا تقول إنك إلا في ضرورة، وذهب الكوفيون إلى أنها لا يجوز تخفيفها ألبتة لا معملة، ولا مهملة؛ لأن الخفيفة عندهم هو حرف ثنائي الوضع ناف، وليس مخففًا من الثقيلة، وعند البصريين هذه المخففة هي التي أصلها إن المشددة، والسماع يشهد لمذهب البصريين في تخفيفها، وإعمالها، ويجوز عندهم أن تهمل، فتليها الجملة الابتدائية، والجملة الفعلية، فالابتدائية إن كان الخبر منفيًا لم تدخل عليه اللام، فهو كحاله قبل أن تدخل إن الخفيفة؛ فإن كان مثبتًا دخلت اللام في المبتدأ إن تأخر نحو: إن في الدار لزيد، أو في الخبر إن تأخر نحو: إن زيد لقائم، فإن كان الخبر فعلاً ماضيًا، فلا يجوز في إن إلا التثقيل فتقول: إن زيدًا ذهب، ولا يجوز إن زيد ذهب، ولا إن زيد لذهب، ومذهب سيبويه، والأخفشين أبوي

ص: 1271

الحسن، وأكثر نحاة بغداد: أن هذه اللام لام الابتداء، التي كانت مع المشددة، لزمت للفرق بين التي هي لتأكيد النسبة، وبين إن النافية، وهو اختيار أبي الحسن بن الأخضر من أئمة بلادنا، وابن عصفور، وابن مالك، ومذهب الفارسي: أنها ليست لام الابتداء، بل لام أخرى اجتلبت للفرق، وهو اختيار أبي عبد الله بن أبي العافية، والأستاذ أبي علي، وأبي الحسين بن أبي الربيع، وقيل: إن دخلت على الجملة الاسمية كانت لام الابتداء، ولزمت للفرق، أو على الفعلية، كانت غيرها فارقة، وثمرة الخلاف بين القولين الأولين، أنها إن كانت لام الابتداء وجب كسر همزة إن في مثل: قد علمنا إن كنت لمؤمنًا، وإن كانت غيرها جاءت للفرق، وجب فتح همزة إن، والجملة الفعلية هي الفعل الناسخ المثبت من باب كان غير ليس، ولا الواقع صلة، فلا تدخل على ليس، ولا على ما أوله حرف نفي، ولا على ما دام، ومن باب ظن غير الذي لا ينصرف، فلا تدخل على (هب) ونحوها.

وتلزم اللام ما وقع في اللفظ ثانيًا من معمولي كان، ومعمولي ظن وأخواتها، ولا تدخل على ما خبره منفي في باب كان، ولا على ما ثانيه منفي في باب ظن وسواء في ذلك الفعل المضارع والماضي قال تعالى:«وإن كانت لكبيرة إلا على الذين» «وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين» ، «وإن نظنك لمن الكاذبين» «وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك» ، ودعوى ابن مالك: أنه

ص: 1272

إذا كان بلفظ المضارع يحفظ، ولا يقاس عليه، ليست بشيء وقد جاءت اللام محذوفة في قول الشاعر:

...

....

وإن مالك كانت كرام المعادن

وفيما روى في الحديث: «إن كان رسول الله (يحب الحلوى والعسل» ، أي لكرام المعاد، وليحب، وذلك لدلالة الكلام على أن الخبر مثبت، لا منفي، وأما قولهم: إن قنعت كاتبك لسوطًا، و:

...

إن قتلت لمسلمًا

... ....

ص: 1273

وإن تشينك لنفسك، وإن تزينك لهية، وقراءة عبد الله:«إن لبثتم إلا قليلا» ؛ فإن عند البصريين هي المخففة من الثقيلة.

وقال الأخفش: يقاس على ذلك، فيجوز: إن قعد لأنا، وإن ضرب زيدًا لعمرو، كما جاز إن كان صالحًا لزيد، وإن ظننت عمرًا لصالحًا، وعند غيره من البصريين هو من القلة بحيث لا يقاس عليه، وأما الكوفيون فنقل عنهم ابن مالك أن (إن) الداخلة على الجملة الاسمية، وعلى الجملة الفعلية من ناسخ، أو غيره هي (إن) النافية، واللام في جميع هذه الصور للإيجاب بمعنى (إلا)، ونقل غيره أن الكسائي قال: إن دخلت على الأسماء كانت المخففة من الثقيلة، كما قاله البصريون، وعلى الأفعال كان (إن) بمعنى (ما)، واللام بمعنى إلا، وأن الفراء قال: إن بمنزلة (قد) إلا أن (قد) تختص بالأفعال، و (إن) تدخل على الأسماء والأفعال.

وتخفف لكن، فيبطل إعمالها، وتليها الجملة الاسمية والفعلية، ونقل أبو القاسم بن الرماك، وابن مالك، عن يونس جواز إعمالها مخففة، ونقله ابن مالك أيضًا عن الأخفش، وحكى بعضهم عن يونس أنه حكى فيها العمل.

ص: 1274

وتخفف (أن) فلا تعمل عند الكوفيين، لا في ظاهر، ولا مضمر، لا ضمير أمر محذوف، ولا غيره، وعن الفراء قال: لم تسمع العرب تخفيف (أن)، وتعمل إلا مع المكني نحو:

فلو أنك في يوم الرخاء سألتني

...

وأما مع الظاهر فلا. انتهى.

وأما البصريون فزعم بعض أصحابنا أنه يجوز أن تعمل في الاسم الظاهر من غير اضطرار، ولا ضعف، ونقله صاحب رءوس المسائل عن البصريين، وينبغي أن يخص بمضمر محذوف، ولا يلزم أن يكون ضمير الشأن، كما زعم بعض أصحابنا؛ بل إذا أمكن تقديره بغير قدر، قال سيبويه في «وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» بأنك قد صدقت، وفي قولهم:«أرسل إليه أن ما أنت، وذا» (أي بأنك ما أنت وذا).

وقال بعض أصحابنا: لا يبرز الضمير اسمها إلا في اضطرار نحو:

بأنك ربيع وغيث مريع

... ....

ص: 1275

وأجاز سيبويه: أن تلغي لفظًا وتقديرًا، كما ألغيت إن إذا خففت، وتكون حرفًا مصدريًا لا تعمل شيئًا، وإذا خففت وليتها الجملة الاسمية، والفعلية، فالاسمية مجردة نحو: علمت أن زيد قائم، وأن ما زيد قائم، وقال سيبويه: ولا يكادون يتكلمون به بغير الهاء، فعلى قوله: يكون «أن زيد قائم» قليلاً، والكثير: أنه زيد قائم، ومصدرة (بلا) نحو: أن لا إله إلا هو، أو بأداة شرط نحو:

فعلمت أن من تثقفوه فإنه

...

....

أو برب نحو:

تيقنت أن رب امرئ خيل خائنا

....

ص: 1276

والفعلية إن كانت مصدرة بفعل جامد، أو دعاء، لم يفصل بينهما نحو قوله تعالى:«وأن ليس للإنسان إلا ما سعى» ، وقوله:«والخامسة أن غضب الله عليها» ، أو غيرهما فعلاً ماضيًا مثبتًا فيفصل بقد نحو علمت أن قد قام زيد، أو منفيًا قلت: قد علمت أن لم يقم زيد أو ما قام زيد، أو حالاً مثبتًا، لم يتغير حكمه نحو: علمت أن يقوم زيد، أو منفيًا: علمت أن ما يقوم زيد، أو مستقبلاً موجبًا، فبالسين، أو سوف، أو منفيًا فبلا، وبلن نحو: علمت أن سيقوم زيد، وعلمت أن لا يقوم زيد، «أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه» ، أو الفصل بقد، أو بحرف التنفيس قيل: هو على سبيل الوجوب، وتركهما ضرورة، وقيل: الفصل بينهما هو على الأكثر والأفصح، وقال سيبويه: واعلم أنه يضعف في الكلام أن تقول: قد علمت أن تفعل ذلك، أو علمت أن فعل ذلك حتى تقول سيفعل وقد فعل. انتهى.

وعن البغداديين «أردت أن يقوم زيد» بلا عوض، وتدخل (أن) هذه على الجملة المصدرة بإذا كقوله تعالى:«وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم» ، وبلو كقوله تعالى:«أن لو نشاء أصبناهم» ، «أن لو كانوا يعلمون الغيب» ، ومما جاءت فيه أن، وإن مخففة قول العرب: أما إن جزاك الله خيرًا، فالكسر على أنها لا تعمل جاءت بعدها جملة الدعاء والأصل

ص: 1277

إنه، وقيل:(إن) زائدة، والفتح على أن الأصل أنه فلما خففت كان اسمها ضمير الشأن محذوفًا، والخبر قول محذوف، وجملة الدعاء محكية به، ولا يكون الخبر؛ لأنها جملة لا تحتمل الصدق، والكذب، وزعم ابن الطراوة أن (أن) زائدة لا غير، وجوزه ابن مالك، وأما مع المكسورة حرف تنبيه (كألا)، ومع المفتوحة بمعنى (حقا)، كحالها مع المشددة على ما قررنا.

وتخفف كأن فلا يجوز إعمالها عند الكوفيين، وأجازه البصريون فخصه بعضهم بضمير الشأن مقدرًا فيها، وأجاز بعضهم عملها في المظهر، وهو ظاهر كلام سيبويه، وخصه بعضهم بالشعر كقوله:

...

...

كأن ثدياه حقان

وإذا أضمر فيها غير ضمير الأمر كان خبرها مفردًا نحو قوله:

...

... كأن ظبية

...

ص: 1278

قدره سيبويه كأنها ظبية، كما كان في المشددة، أو ضمير الأمر، فالخبر جملة اسمية من مبتدأ وخبر نحو:

كأن وريديه رشاء خلب

ويروى بنصب «وريديه» ، أو فعلية مبدوءة بلم نحو قوله تعالى:«كأن لم تغن بالأمس» ، أو بلما نحو قول عمار الكلبي:

ص: 1279

.

...

فكأن لما يكونوا قبل ثما

وقد رأيت في كلام بعض النحاة الاستشهاد بشعره، أو بقد نحو قوله:

... ....

فمحذورها كأن قد ألما

وقال النابغة:

...

...

.... وكأن قد

ولا تخفف لعل، ويضمر فيها ضمير الشأن، خلافًا للفارسي؛ إذ زعم

ص: 1280

ذلك في قوله:

...

...

... لعل أبي المغوار منك قريب

ولعل عندي بسيطة لا مركبة، ولامها الأولى أصلية عند الكوفيين، وأكثر النحاة، وقيل: زائدة للتكثير، وقيل هي لام الابتداء، وفيها لغات: عل حكاها سيبويه، وحكاها الكسائي عن بني تيم الله من ربيعة، ولعن حكاها الفراء، وعن حكاها الكسائي، ولأن في شعر امرئ القيس، وأن حكاها الخليل وهشام، والأخفش، ورعن الراء بدل من اللام ولانون بدل من اللام، ورغن ولغن فقيل: الغين بدل من العين، وقيل: هما لغتان، ورعل

ص: 1281

وغن، ولعلت والجر بلعل لغة حكاها أبو عبيدة، والأخفش، والفراء، وأبو زيد وقال: إنها لغة عقيل، ومن أنكر الجر بها محجوج بنقل هؤلاء، وتجر محذوفة اللام الأولى، وثانيته، ومكسورة اللام الأخيرة ومفتوحتها، وقيل: موضعها رفع، كما أن رب رجل جاءني: رب وما عملت فيه في موضع رفع، فحكمها حكم الزائد، وفي النهاية:(لعا) في معنى لعل أنشد ابن الأنباري في الإنصاف في (لعا) بمعنى لعل.

أرى شبه القفول ولست أدري

لعاء الله بجعلها قفولا

انتهى.

ومن غريب المنقول: أن الفراء ذهب إلى جواز الجر بها، وإجازة نصب الخبر ورفعه، قال: والأصل لعا لعبد الله، قال: فمن نصب قال: لا يكون الاسم مخفوضًا، وفعله مرفوع، ونصبه عنده على التفسير كقولك: ما أظرفك رجلاً، ومن رفعه رفعه باللام، قال الفراء: فمن قال: لعا لعبد الله قائمًا، أو قائم ثم كني عن عبد الله قال: لعله، فنصب لامه، وهذا عند البصريين خطأ.

ص: 1282

وانفردت لعل بجواز دخول (أن) الناصبة على المضارع الواقع خبرًا لها، وكثر ذلك في الشعر حتى لو قيس ذلك لجاز نحو: لعل زيدًا أن يقوم، وقال الشاعر:

لعلك يوما أن تلم ملمة

...

....

فتأوله بعضهم على حذف مضاف تقديره لعلك صاحب الإلمام، وقيل: جعل الجثة الحدث على سبيل الاتساع، وقيل: الخبر محذوف وتقديره لعلك تهلك لأن تلم، وأن مفعول له، وهذه التأويلات كانت تمكن لو كان لم يرد من ذلك إلا هذا البيت.

ص: 1283