المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كان وأخواتها - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب كان وأخواتها

‌باب كان وأخواتها

اتفقوا على نصبها ما بعد المرفوع، فقال الجمهور: انتصابه على أنه خبر مشبه بالمفعول، وقال الفراء: انتصب تشبيهًا بالحال، وعن الكوفيين انتصب على الحال، واختلفوا في المرفوع، فذهب البصريون إلى أنه مرفوع بها، شبهت كان بالفعل الصحيح نحو: ضرب، فعمل عمله، وزعم الفراء أنه ارتفع لشبهه بالفاعل، وقال غيره من الكوفيين: أنه باق على رفعه الذي كان في الابتداء عليه، وكلها أفعال إلا ليس، وذهب ابن السراج، وابن شقير، والفارسي في أحد قوليه، وجماعة من أصحابه إلى أنها حرف، وذهب الجمهور إلى أنها فعل ووزنها فعل بكسر العين، فخففت، ولزم التخفيف، وكان قياسها إذا أسندت

ص: 1146

لتاء المتكلم، أو المخاطب كسرها، وقد نقله الفراء والأكثر فتح اللام، وروى لست بضم اللام، وهو يدل على بنائها على فعل بضم العين كهيؤ، أو بفتحها فخففت شذوذًا وهذه الأفعال: كان، وأضحى، وأصبح، وأمسى، وظل، وبات، وصار، تعمل موجبة، ومنفية، وصلة (لما) الظرفية، وغير صلة وليس موضوعة للنفي، ودام صلة (لما) الظرفية المراد بها، وبصلتها التوقيت نحو: لا أكلمك ما دامت الشمس طالعة؛ أي زمان دوام الشمس طالعة، ولا يستعمل الدوام مكانها فيقال: لا أكلمك دوام الشمس طالعة، وزال وانفك، وبرح، وفتئ، وزاد بعض البغداديين: ونى، وزان ابن مالك «رام» ، قيل وبمعنى صار آض، وعاد، وآل، ورجع، وحار، واستحال، وتحول، وارتد، وجاء في المثل وقعد.

وألحق قوم منهم الزمخشري، والجزولي، وابن عصفور،

ص: 1147

وأبو البقاء: غدا وراح بمعنى صار، والفراء: أسحر، وأفجر، وأظهر، ولم يذكر على ذلك شاهدًا، وقيل يدخل في هذا الباب كل فعل يجيء المنصوب به بعد المرفوع لا يستغنى عنه تقول: قام زيد كريمًا، وذهب زيد متحدثًا، وعاش الفتى مجاهدًا في قومه، وذهب الكوفيون: إلى أن هذا وهذه إذا أريد بهما التقريب، والاسم الواقع بعدهما لا ثاني له في الوجود، نحو كيف أخاف الظلم، وهذا الخليفة قادمًا، وكيف أخاف البرد، وهذه الشمس طالعة، أو كان معه معبرًا به عن جنسه، لا عن واحد بعينه نحو: هذا الصياد أشقى الناس، وما كان من السباع غير مخوف، فهذا الأسد مخوفًا، كان ذلك من هذا الباب فيعربون، هذا تقريب، والمرفوع به اسم التقريب، والمنصوب خبر التقريب، وأجازوا التعريف في الخبر فيقولون: وهذا الخليفة القادم، وهذه الشمس الطالعة، واختلفوا في توسيط خبر التقريب، فأجازه الكسائي ومنعه الفراء، ويأتي الكلام في كل فعل تقدم إن شاء الله تعالى.

وتدخل الأفعال التي تثبت أنها من هذا الباب على المبتدأ الذي لا يلزم تصديره، احتراز من نحو: أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، ولا يلزم حذفه احتراز من نحو: مررت بزيد العالم، وشبهه، مما قطع للرفع من المنعوت، ولا عدم التصرف، احتراز من «أيمن» في القسم، ومثل ابن مالك بقوله تعالى:{طوبى لهم وحسن مئاب} ، وقرئ «وحسن» بالنصب، عطفًا على طوبى،

ص: 1148

أو الابتدائية لنفسه نحو: أقل رجل يقول ذلك، ومثل ابن مالك بقوله:«نؤلك أن تفعل» وليس بتمثيل صحيح، فقد دخل على نولك الناسخ قالوا:«ما كان نؤلك أن تفعل» ، أو مصحوب لفظي، وهو المبتدأ بعد لولا، وبعد «إذا» الفجائية، أو معنوي مثل (ما) التعجبية، وفي نحو: لله درك، وما جرى مثلاً نحو: الكلاب على البقر، ولا أخبر عنه بجملة طلبية، وندر قوله:

وكونى بالمكارم ذكريني

...

... ....

ومن المبتدأ الذي لا يدخل عليه النواسخ قولهم: خطيئة يوم لا ألقاك فيه، وخطيئة يوم لا أصيد فيه.

ص: 1149

قال في النهاية: لأنه يتقدر بما يدخل عليه الناسخ؛ إذ المعنى: ما يوم لا أصيد فيه إلا خطأ، وما يوم لا ألقاك فيه إلا خطأ، ولم أر هذا النظم في شعر عربي، ولا شعر مولد، إلا في شعر البحتري قال:

خطيئة ليلة تمضي ولما

يورقني خيال من سعاد

أراد ما ليله لا يؤرقني فيها خيال سعاد إلا خطأ، وهذا شيء ذكره أبو علي في كتاب الشعر انتهى.

ومن ذلك المبتدأ الذي دخلت عليه لام المبتدأ نحو: لزيد قائم، وحسبك من قولهم:«حسبك ينم الناس» ويسمى المرفوع بعد هذه الأفعال اسمًا، وفاعلاً، والمنصوب خبرًا، ومفعولاً، والظاهر من كلام سيبويه أنه لا يكون لها إلا خبر واحد؛ وهو نص ابن درستويه، وقيل يجوز تعدده، وهو مبني على جواز تعدد خبر المبتدأ، والمنع أقوى؛ لأنها شبهت بضرب.

وتختص (دام)، والمنفي (بما) بعدم دخولها على مبتدأ ذي خبر مفرد طلبي نحو: أين، وكيف، ومتى، لا تقول: لا أصحبك أين ما دام زيد، ولا أين ما كان زيد، ولا متى ما صار القتال، ولا أين ما زال زيد، ولا كيف ما أصبح زيد، ويجوز: أين لم يكن زيد، وأين كان زيد، ومتى لم يصر القتال، وأين لم يزل زيد، ولا يجوز أين ليس زيد، خلافًا للأستاذ أبي علي، وفي النهاية: لا يجوز أين ما زال زيد عند البصريين؛ لأن خبر ما زال لا يتقدم عليها، وأجازه

ص: 1150

الكوفيون، وذكر الحسين بن موسى الدينوري، وهو صاحب كتاب ثمار الصناعة أن قومًا أجازوا: كان زيد ما أحسنه، وكذلك إن وظننت. قال: هو باطل.

وسميت هذه الأفعال نواقص؛ لكونها لا تكتفي بمرفوعها، وقيل سميت بذلك؛ لأنها لا تدل على الحدث، وكونها لا تدل على الحدث فلا تعمل في ظرف، ولا مجرور، وهو مذهب المبرد، وابن السراج، والفارسي، وابن جني، والجرجاني، وابن برهان، والأستاذ أبو علي، وهو ظاهر مذهب سيبويه.

والمشهور، والمتصور؛ أنها تدل على الحدث والزمان، وأن الحدث مسند إلى الجملة، وهل تنصبه فتقول: كان زيد قائمًا كونًا أجازه بعضهم، وبه قال

ص: 1151

السيرافي، ومنعه الجمهور، وذهب ابن خروف إلى أنها مشتقة من مصادر لم يلفظ بها، والصحيح أن لها مصادر، وقد أعملتها العرب إعمال أفعالها قالوا: كونك مطيعًا مع الفقر خير من كونك عاصيًا مع الغني، وقال الشاعر:

...

... وكونك إياه عليك يسير

وحكى أبو زيد مصدر فتئ مستعملاً، وحكى غيره: ظللت أفعل كذا ظلولاً، وبت أفعل كذا بيتوتة، واختلفوا هل تعمل في الظرف، والمجرور والحال، فقيل لا تعمل، وقيل تعمل، وينبغي أن يكون هذا الخلاف مرتبًا على دلالتها على الحدث أو لا تدل عليه.

ص: 1152