المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل في توابع أسماء هذه الحروف، إذا نصبت التابع، جاز أن - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل في توابع أسماء هذه الحروف، إذا نصبت التابع، جاز أن

‌فصل

في توابع أسماء هذه الحروف، إذا نصبت التابع، جاز أن يكون قبل أخبارها وبعده فتقول: إن زيدًا وعمرًا قائمان، وإن زيدًا قائم وعمرًا، وكذا باقي التوابع، وإن رفعت التابع، فإما أن يكون معطوفًا عطف نسق، أو غيره إن كان غيره من نعت، وعطف بيان، وتوكيد، وبدل، والناسخ إن، ولكن، فمذهب المحققين من البصريين أنه لا يجوز الرفع، ومذهب الكوفيين وبعض البصريين كالجرمي، والزجاج إن أتبعت بعد الخبر جاز الرفع، أو قبله جاز على مذهب الكسائي وبشرط بناء الاسم على مذهب الفراء نحو: إن هذا نفسه ذاهب، أو غير إن فالاتباع ولكن بالنصب، ليس إلا نحو: كأن زيدًا قائم الفاضل، وليت زيدًا قادم نفسه، ولعل بكرًا زائر بطة.

وإن كان معطوفًا عطف النسق والناسخ ليت، وكأن، ولعل، فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز الرفع، لا على الموضع، ولا على الابتداء وأجاز الفراء الرفع على الابتداء، فتقول: كأن زيدًا منطلق وعمرو، وكذا في ليت، ولعل وإن كان الناسخ إن، فاتفقوا على جواز الرفع في المعطوف، إذا كان بعد الخبر نحو: إن زيدًا قائم وعمرو، واختلفوا إذا كان قبل الخبر، فأجازه مطلقًا قبل الخبر الكسائي وأبو الحسن، وهشام، وروى ذلك عن الخليل إذا أفرد الخبر، وأجازه الفراء بشرط

ص: 1288

بناء الاسم، هذا النص عن الفراء، وابن مالك يقول عنه: بشرط خفاء إعراب الاسم، فيندرج فيه المقصور، والمضاف إلى ياء المتكلم، ويحتاج إلى نقل مذهب الفراء في ذلك، وأما على ماذا يرفع، فمن أجاز الرفع قبل الخبر، فعلى موضع اسم (إن)، ومن أجازه بعد الخبر، فمذهب سيبويه، والجرمي، واختاره أصحابنا أنه مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه، ويتعين ذلك فيه، وذهب أبو الحسن، والمبرد، وأبو بكر، والفارسي، إلى أنه معطوف على الموضع، فقيل موضع اسم إن، وقيل على موضع إن واسمها، ونقل النحاس عن الفراء، والطوال إنه إنما يرتفع الثاني بالعطف على المضمر المستتر في فعل الأول، ومن قال بشيء من هذه الأقوال الثلاثة لم يمنع القول بالابتداء.

والعطف (بلا) كالعطف بالواو تقول: إن زيدًا قائم لا عمرًا، ولا عمرو، ودعوى ابن مالك الإجماع على جواز رفع المعطوف على اسم إن، ولكن باطلة، ألا ترى على جهله بمذهب سيبويه، وقول أصحابنا: وإنما الإجماع على جواز الرفع، وشرط العطف على الموضع أن يكون للاسم لفظ وموضع، وأن يكون الموضع بحق الأصالة، وأن يكون ثم محرز للموضع.

وإن كان الناسخ (أن)، فأكثر المحققين على أنه لا يجوز أن تقول: بلغني أن زيدًا قائم وعمرو بالرفع، لا على الابتداء، ولا على الموضع، وقال قوم: يجوز ذلك

ص: 1289

مطلقًا، وفصل قوم فقالوا: إن كان الموضع يصلح للمفرد، والجملة، جاز العطف على موع أن وصلتها نحو أن تقول: أن زيدًا قائم، وعمرو قائم، وإن كان لا يصلح إلا للمفرد، لم يصلح العطف على الموضع، نحو: بلغني أن زيدًا قائم وعمرو، فإن ورد أول على حذف الخبر، وكان من عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية، والخلاف في لكن، كالخلاف في (أن)، فإذا قلت: ما زيد قائمًا لكن عمرًا قاعد وبشرًا أو بشر فرفعت، فمن أجاز العطف على الموضع في (أن)، أجازه في لكن، ومن منعه هناك منعه، وجعله على إضمار خبر المبتدأ.

قال ابن مالك: وأجاز الكسائي رفع المعطوف على أول مفعولي ظن؛ إن خفى إعراب الثاني ومثله بقوله: ظننت زيدًا صديقي وعمرو انتهى.

والذي حكاه الفراء عن الكسائي أنه أجاز: أظن عبد الله وزيد قاما، وأظن عبد الله وزيد يقومان، وأظن عبد الله وزيد مالهما كثير، فترفع زيدًا في كل ما كان خبره، وخبر المنصوب مستويين، وكان لا يجيز: أظن عبد الله، وزيد قائمين، ولا قائمًا؛ لأن الرفع والنصب بستين في قائمين، وما أجازه الكسائي لا يجوز عند البصريين، ولا الفراء، واتضح من هذه المسألة: أن الذي صوره ابن مالك، وتمثيله خطأ، وتصحيحهما أن تقول: وأجاز الكسائي رفع المعطوف على أول مفعولي ظن، إذا كان المسند إليهما لا يستبين فيه الإعراب؛ لكونه فعلاً ماضيًا، أو مضارعًا، أو جملة اسمية فلو كان مثل قائمين، أو قائمًا مما يظهر فيه الرفع، والنصب لم يجز، وإذا عطفت الجملة على هذه الحروف، وما عملت فيه فلا خلاف في الجواز نحو: إن زيدًا قائم وعمرو منطلق، وكذا في ليت، وكأن، ولعل، لكن لا تكون الجملة داخلة تحت التمني والترجي، والتشبيه، فإذا قلت: ليت زيدًا منطلق، وبكر قائم، لم يكن قيام بكر منفيًا، لكنه يضعف من جهة العطف على غير المناسب.

ص: 1290

وهذه مسائل من أبواب إن، أجاز الكسائي، وهشام: عبد الله وإن زيدًا قائمان وعبد الله ولعل زيدًا قائمان: إن كانت لعل شكا، لا استفهامًا، وأبطل ذلك الفراء، وأبطلوا: عبد الله وليت زيدًا قائمان، وعبد الله وكأن زيدًا قائمان، وأجاز الكسائي: ليت عبد الله، أو زيدًا قائمان منطلقًا، وكذا لعل وكأن، وأجاز: إن زيدًا أو عمرًا قائمان، وأجاز الأخفش: إن فيها جالسين أخويك، تنصب «جالسين» على الحال، وقال أبو العباس هذا خطأ، وأجاز ذلك الكوفيون، على أن يكون «جالسين» اسم إن، وأخويك بدل، وأجاز ذلك الكوفيون على أن يكون أخويك ترجمة.

وحكى الكسائي: إن ههنا يلعبون صبيانًا، تجعل «يلعبون» في موضع الحال، وهو حجة للأخفش، وأجاز ابن كيسان: إن فيها قائمًا، ويقعد أخويك، ومنع ذلك الكوفيون، وإذا قدمت الظرف والمجرور فقلت: إن فيها زيدًا قائمًا، وإن أمامك عمرًا جالسًا، اختار سيبويه، والكوفيون النصب في قائم وجالس، فإن بدأت بالاسم نحو: إن زيدًا فيها قائم، اختاروا الرفع، وزعم أبو العباس: أن التقديم والتخير في هذا سواء.

وإذا تكرر الظرف نحو: إن زيدًا في الدار واقفًا فيها، جاز الرفع والنصب عند البصريين، ولم يجز عند الكوفيين إلا النصب، ولو اختلف الظرف، فكذلك نحو: إن زيدًا في الدار جالسًا في صدرها، والفراء لا يجيز إلا النصب، وقال ابن كيسان: والرفع عندي جائز، وإذا عطفت على اسم إن وأخواتها، فالخبر على

ص: 1291

حسب المتعاطفين تقول: إن زيدًا وعمرًا قائمان، ولا يجوز قائم إلا حيث سمع، وقاسه الكوفيون على أن (الواو) بمعنى (مع)؛ فإن كانت للعطف لزمت المطابقة، وخرج أكثر النحويين ما سمع من ذلك على الحذف، حذف الخبر من الأول، لدلالة الثاني عليه، وخرجه الفارسي على أنه لتلازمهما أخبر عنهما إخبار الواحد جعله من باب:

...

...

بها العينان تنهل

وإذا جمعت بين ظرفين تامين متلاصقين لإن نحو: إن في الدار عندك زيدًا، فأولهما خبر (إن) والثاني صلة للأول، ويجوز العكس، واتفق الكوفيون على أن المحل إذا كان موضع اسم، لا يفصل بينه وبين صلته بالاسم فخطأ، يقال: إن في الدار زيدًا عندك، على أن «عندك» صلة «في الدار» وقال الفراء: من قال: إن بينك وبين زيد المال، لا يقول: إن بينك المال وبين زيد قال الفراء: ولو أسقطت (إن)، لجاز أن يقال: بينك المال وبين زيد، وقال ابن الأنباري: وليس عند البصريين في هذا رواية. انتهى.

وإذا جمعت بين ظرفين تام وناقص نحو: إن في الدار عبد الله بك واثقًا، وإن زيدًا في الدار بك واثقًا، جاز الرفع والنصب، وزعم محمد بن سعدان: أن هذا

ص: 1292

لا يجوز، وقال ابن كيسان: الرفع الاختيار: فإن قدمت الناقص فقلت: إن فيك زيدًا في الدار راغب، وإن فيك في الدار زيدًا راغب، أو إن زيدًا فيك في الدار راغب، جاز الرفع والنصب، والكوفيون لا يجيزون النصب.

وتقول: إن زيدًا في الدار طعامك آكل، أجاز أكثر النحويين الرفع والنصب، وقال ابن كيسان: لا يجوز عندي النصب وتقول: إن من خير الناس، أو خيرهم زيدًا، ذهب الكسائي، وشيبة بين الوليد إلى أنه برفع (خيرهم) وبنصب (زيدًا)، فزيد اسم إن، و «من خير الناس» في موضع الخبر، و «خيرهم» مبتدأ محذوف الخبر، التقدير: إن من خير الناس زيدًا، أو خيرهم هو، وأجازا ارتفاع «خيرهم» على أنه مبتدأ محذوف الخبر التقدير: أو هو خيرهم، وذهب أبو أحمد البلخي إلى رفع (خيرهم) ورفع (زيد)، فرفع (زيد) على الابتداء، ومن خير الناس في موضع البخر، أو «خيرهم» معطوف على الخبر، واسم (إن) محذوف ضمير الأمر، وذهب أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي إلى نصب «خيرهم» ، ورفع (زيد)، فاسم (إن) محذوف، أو «خيرهم» منصوب بإضمار «إن» لدلالة «إن» ، تقديره: إن من خير الناس زيد، وإن خيرهم زيد، وأجاز الجمهور: إن زيدًا فيها قائمان، ومنع ذلك ابن الطراوة.

وإذا كررت (إن) في المعطوف، وأخبرت عن المتعاطفين خبرًا واحدًا نحو: إن زيدًا، وإن عمرًا منطلقان لم يجز، والحروف كلها لا تعمل في حال، ولا ظرف ولا يتعلق لها حرف جر يدل على ذلك أنك لو قلت: ليت زيدًا اليوم ذاهب غدًا، لم يجز، وذكر بعض أصحابنا الإجماع على ذلك، وليس بصحيح، فقد أجاز بعضهم أن تعمل (ها) التنبيه في الحال.

وقد نص الزمخشري في مفصله، على أن «ليت ولعل وكأن» ينصبن

ص: 1293

الحال بخلاف أخواتها، وكأن تعمل في الحال باتفاق، مثل ليس من الحروف ما يعمل في ظرف، وحال إلا (كأن)، وكاف التشبيه، وقد فارقت أخواتها في وقوعها نعتًا للنكرة، وحالاً من المعرفة، وخبرًا لكأن وأخواتها.

ص: 1294