المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل إذا توالت مبتدآت، ففي الإخبار عنها طرق: أحدها: أن تخبر عن - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل إذا توالت مبتدآت، ففي الإخبار عنها طرق: أحدها: أن تخبر عن

‌فصل

إذا توالت مبتدآت، ففي الإخبار عنها طرق:

أحدها: أن تخبر عن آخرها مجعولاً هو وخبره خبر متلوه، والمتلو مع ما بعده خبر متلوه إلى أن تخبر عن الأول بتاليه مع ما بعده.

ويضاف غير الأول إلى ضمير متلوه مثال ذلك: زيد هند الأخوان، الزيدون ضاربوهما عندها بإذنه، والمعنى: الزيدون ضاربو الأخوين عند هند بإذن زيد.

الطريق الثاني: أن يجاء بعد خبر الأول بروابط المبتدآت أول لآخر، وتال لمتلو مثال ذلك: زيد أمه أخواها عمها قائم، والمعنى عم أخوي أم زيد قائم.

الطريق الثالث: ما تركب من هذين الطريقين، وهو ضربان أحدهما: أن يتقدم بعض المبتدآت المعراة، ويتأخر بعض عن المعرى، فيحتاج الأول إلى ضمائر آخره كقولك: زيد عمرو هند أبوها أخوه منطلق من أجله عنده، وتلخيصها أخو أبي هند منطلق من أجل عمرو عند زيد.

والضرب الثاني: عكس الضرب الأول تقول: زيد غلامه أبوه عمرو العمران منطلقان من أجله عنده. وتلخيصه: العمران منطلقان من أجل عمرو عند أبي غلام زيد، وقد يتركب تركيبًا آخر ثلاثيًا بأن يتقدم المعرى، ثم تثنيه بالمشتغل، ثم تثلثه

ص: 1139

بالمعرى، وبالعكس، فيكثر المفروض مثل الطريق الأول من الموصولات: الذي التي اللذان التي أبوهما أختها أخواك أخته زيد، فلا تدخل العرب موصولاً على موصول، بل هذه التراكيب كلها من وضع النحويين، ولا يوجد نظائرها في لسان العرب.

واعلم أن الخبر مرتبط بالمبتدأ ارتباط المحكوم به بالمحكوم عليه، فلا يحتاج إلى حرف يربط بينهما، وقد لحظ في بعض الأخبار معنى ما يدخل الفاء فيه، وهو الشرط والجزاء، فيدخل وجوبًا في خبر المبتدأ الذي يكون بعد أما نحو: أما زيد فقائم، وتحذف في الضرورة نحو قوله:

فأما القتال لا قتال لديكم

...

...

أي فلا قتال، وفي مقارنة قول أغنى عنه المقول قال تعالى:{فأما الذين أسودت وجوههم أكفرتم} ، (أي فيقال لهم أكفرتم)، وجوازًا في خبر مبتدأ عام موصول بظرف، أو مجرور تام، أو جملة لا تقبل أداة شرط، أو نكرة موصوفة بأحد ذلك، وخص ذلك ابن الحاج بكل وحدها، وكان الخبر مستحقًا بالصلة، أو الصفة هذا باتفاق نحو: الذي عند السلطان فمعظم، والذي في بيت السلطان فمحفوظ، والذي يأتيني فله درهم، وشرط ابن الحاج أن لا يدخل على المبتدأ ما ينافي الشرط كالنفي، والاستفهام، فلا يجوز: ما الذي يأتيني فله درهم، ولا هل الذي يأتيني فله درهم، وكذلك كل رجل، ولم أجد من نص على هذا. انتهى.

ص: 1140

وكذلك كل رجل عند السلطان فمعظم، وكل الذي في بيت السلطان فمحفوظ، وكل رجل يأتيني فله درهم، ومعنى دخول الفاء في هذا جوازًا أنه يجوز لك أن تراعى أن الخبر مستحق بالصلة أو بالصفة، فتدخل الفاء، ولا بد أولاً أن يراعى هذا المعنى، فيمكن أن يكون مستحقًا له، أو لغيره، فلا يدخل، فهما معنيان يجوز لك أن تراعى هذا، وأن تراعى هذا، ونص ابن الحج: على أنه يجوز أن تكون اسمية نحو: الذي هو يأتيني فله درهم، والذي هو في الدار فكذا قال، ولا مانع من ذلك، فإن كان الموصول، أو الموصوف ليس فيه عموم، وعني به خاص؛ ففي جواز دخول الفاء عليه خلاف، والصحيح المنع.

ولذلك زعم هشام أن الموصول إذا أكد، أو وصف، لا يجوز دخول الفاء على خبره نحو: الذي يأتيني نفسه مكرم، والذي يأتيني الظريف مكرم، لأنه يزول بذلك عن العموم، ولا يحفظ دخول الفاء مع التأكيد، والنعت من كلام العرب. وإن استوفى الشرط غير العموم.

فإن كان الموصول ذا (أل)، وهو عام فمذهب سيبويه أنه لا يجوز دخول الفاء، وذهب المبرد إلى جواز ذلك، قال: نحو قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا} وتأول ذلك سيبويه.

فإن كانت الصلة مصدرة بأداة الشرط نحو: الذي إن يأتيني أكرمه مكرم، فالصحيح أنه لا يجوز دخول الفاء، وهو مذهب ابن السراج، والفارسي،

ص: 1141

وأجاز ذلك بعضهم نحو: الذي إن تطلع الشمس ينظر إليها فهو صحيح النظر، وفي البسيط: الذي إن يأتني أحسن إليه فله درهم، وأي من يأتني أكرمه فله درهم، وهو جائز عند النحويين سيبويه، والمبرد وغيرهم، وكذلك سائر أخواتهما يعني أخوات (إن). انتهى.

وهذا يحتاج إلى تحرير في النقل، وذكر ابن الحاج: أن سيبويه لم يذكر ما شرطه الفارسي، وابن السراج قال ولا مانع من جواز ذلك. انتهى.

فإن كانت الصلة مصدرة بماضي المعنى، فلا يجوز دخول الفاء، وأجاز ذلك بعضهم فيقول: الذي زارنا أمس فله درهم؛ فإن كان الفعل لا يقبل أداة الشرط لكونه مصدرًا بحرف استقبال كالسين، وسوف، ولن أو بقد، أو بما النافية نحو: الذي ما يؤذيني له درهم، لم تدخل الفاء، وقيل: لا يشترط قبول الفعل الواقع صلة، أو صفة لأداة الشرط، وأجاز: الذي ما يؤذيني فله درهم، ولو كان المبتدأ موصوفًا بالموصول، ففي دخول الفاء خلاف، وصحح بعض أصحابنا المنع، أو مضافًا للموصول نحو قوله:

...

...

...

... فكل الذي حملته فهو حامل

ص: 1142

جاز دخول الفاء؛ فإن كان فاعل الفعل الواقع صلة، أو صفة ليس بعام؛ لكونه عائدًا على غير الموصول، أو الموصوف لمي جز دخول الفاء نحو: الذي أصحبه فمكرم، وأجاز ذلك بعضهم، وليس من شرط النكرة العامة أن يكون بلفظ كل، خلافًا لبعضهم، بل يجوز: رجل عنده حزم فهو سعيد، وعبد لكريم فما يضيع، ونفس تسعى في نجاتها فلا تخيب، وأجاز الفراء ضارب عمرًا فله درهم؛ لأن معناه كل رجل ضارب عمرًا، والصحيح أن ذلك لا يجوز، وقل دخول الفاء في خبر كل مضافًا على غير موصوف، كقول بعض السلف: كل نعمة فمن الله، أو إلى الموصوف بغير ما ذكرته من الثلاثة نحو قوله:

كل أمر مباعد أو مدان

فمنوط بحكمة المتعالي

وأجاز الأخفش: دخول الفاء على خبر المبتدأ، الذي لا يشبه أداة الشرط نحو: زيد فمنطلق، وأجاز الفراء، وجماعة منهم الأعلم دخولها في خبر المبتدأ، الذي لا يشبه أداة الشرط، وخبره أمر، أو نهي نحو: زيد فاضربه، وزيد فلا تضربه، وأجاز أبو إسحاق في قوله تعالى:{هذا فليذوقوه حميم وغساق} إن (هذا) مبتدأ، و {فليذوقوه} خبر، والصحيح المنع، وفي كتاب النقد لابن الحاج: زيد فاضربه، وزيد فليقم جائز عند الأخفش، والفراء،

ص: 1143

وجماعة، ونقل ذلك الفارسي، وابن جني، وحملاً عليه قوله:

يا رب موسى أظلمي وأظلمه

فاصبب عليه ملكا لا يرحمه

وأجاز الفراء أيضًا زيدًا فليقم، على تأويل: مر زيدًا فليقم. انتهى، وذهب أبو الحسن إلى أن المبتدأ الموصول إذا ضمن معنى الشرط لا يعمل فيه ما قبله.

ومذهب الجمهور جواز دخول الناسخ؛ فإن كان إن وأن ولكن فالخلاف في جواز دخول الفاء في خبرهن، والصحيح الجواز، قال تعالى:{إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم} ، {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه} وقال:

...

...

... ولكن ما يقضي فسوف يكون

وخص ابن عصفور، جواز دخول الفاء ف يخبر (إن) وحدها، وفي دخولها

ص: 1144

في خبر لعل خلاف، والصحيح المنع، وأما ليت وكأن، فالنص على أنه لا يدخل في خبرهما بلا خلاف، وأجاز الفراء: دخولهما في خبر (إن) إذا كان اسمها موصوفًا بالموصول نحو: إن الرجل الذي يأتيك فله درهم، والصحيح المنع، ولو أعملت (إن) في اسم آخر، وأخبر عنه بالموصول أو بالموصوف النكرة نحو: إنه الذي يأتيني فله درهم، وإن زيدًا كل رجل يأتيه، فله درهم جاز دخول الفاء؛ وإن كان الناسخ من باب كان بلفظ الماضي فلا يجوز أن تدخل الفاء في خبرها، أو بلفظ المضارع فظاهر قول ابن السراج: جواز دخول الفاء، فتقول: يكون الذي يأتيني فله درهم، ويكون كل رجل يأتيني فله درهم، وإن كان الناسخ (ما) النافية، فلا تدخل الفاء في خبرها؛ وإن كان من باب ظننت والفعل تحقيق نحو: علمت، فظاهر قول ابن السراج الجواز، فتقول: علمت الذي يأتيني فله درهم؛ وإن كان لا تحقيق فيه نحو: ظننت فلا يجوز دخول الفاء لا تقول: ظننت الذي يأتيني فله درهم، والأخفش يجيز ذلك على زيادة الفاء.

وإذا جئت بالفاء في خبر ما فيه معنى الجزاء، لم يجز العطف عليه قبل الفاء عند الكوفيين، وأجاز ابن السراج نحو: الذي جاءني وزيد فلهما درهم.

ص: 1145