الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الظهار
(1)
مشتق من الظهر (2) وخص به من بين سائر الأعضاء، لأنه موضوع الركوب (3) ولذلك سمي المركوب ظهرا (4) والمرأة مركوبة إذا غشيت (5)(وهو محرم)(6) .
(1) الأصل في الظهار: الكتاب والسنة والإجماع؛ فالكتاب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الآية؛ والسنة: حديث خولة وسلمة بن صخر، والإجماع، حكاه غير واحد من أهل العلم.
(2)
خلاف البطن، مذكر، وجمعه أظهر وظهور وظهران.
(3)
من البعير وغيره.
(4)
وفي الحديث قالت: ما لنا من ظهر، أي مركوب سوى هذا البعير.
(5)
فسمي بذلك، لتشبيه الزوجة بظهر الأم، فقوله: أنت علي ظهر أمي، أي ركوبك للنكاح حرام علي، كركوب أمي للنكاح، فأقام الظهر مقام المركوب وأقام الركوب مقام النكاح، لأن الناكح راكب.
(6)
بالكتاب والسنة والإجماع، حكاه ابن المنذر وغيره.
لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} (1)(فمن شبه زوجته أو) شبه (بعضها) أي بعض زوجته (ببعض) من تحرم عليه (2)(أو بكل من تحرم عليه أبدا بنسب) كأمه وأخته (3)(أو رضاع) كأخته منه (4) أو بمصاهرة، كحماته (5) أو بمن تحرم عليه إلى أمد (6) كأخت زوجته وعمتها (7)(من ظهر) بيان للبعض (8) .
(1) أي كلاما فاحشا باطلا، لا يعرف في الشرع، بل كذبا بحتا، وحراما محضا، منكر من القول في الإنشاء، وزورا في الخبر أبطله الشارع، وجعله منكرا، لأنه يقتضي تحريم ما لم يحرم الله، وزورا لأنه يقتضي أن زوجته تكون مثل أمه، وهذا باطل، فإن الزوجة ليست كالأم في التحريم.
(2)
كظهر أو بطن أو رأس، أو وجه، أو يد.
(3)
وكجدته وبنت أخيه أو أخت، وكعمته وخالته وكزوجة ابنه.
(4)
أي من الرضاع، وأمه منه، وجدته، وبنته، وغيرها مما يحرم منه.
(5)
أي من الرضاع، وأمه منه، وجدته، وبنته، وغيرها مما يحرم منه.
(6)
أي إلى غاية ينتهي التحريم إليها.
(7)
وخالتها أو أجنبية ممن يحرم عليه تحريما مؤقتا، وهذا قول أصحاب مالك.
(8)
من قوله: ببعض من تحرم عليه.
كأن يقول: أنت علي كظهر أمي (1) أو أختي (2)(أو) أنت علي كـ (بطن) عمتي (3)(أو عضو آخر لا ينفصل) كيدها أو رجلها (4)(بقوله) متعلق بشبه (5)(لها) أي لزوجته (أنت) أو ظهرك أو يدك (6)(علي أو معي أو مني كظهر أمي (7) أو كيد أختي، أو وجه حماتي، ونحوه (8) .
(1) فهو ظهار إجماعا، حكاه الموفق وغيره، كابن المنذر، وقال الوزير وابن رشد، وغيرهما: اتفقوا على أنه إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي؛ فإنه مظاهر، لا يحل له وطؤها، حتى يقدم الكفارة.
(2)
أو قال أنت علي كظهر أختي، أو بنتي، أو خالتي، أو حماتي، أو غيرهن ممن تحرم عليه على التأبيد، فهو ظهار، في قول أكثر أهل العلم، وحكي إجماعا، لأنهن محرمات بالقرابة، أشبهن الأم.
(3)
أو خالتي أو حماتي، أو غيرهن ممن تحرم عليه على التأبيد، فهو مظاهر في قول أكثر أهل العلم، للآية والأخبار.
(4)
أي أو شبه زوجته بعضو آخر لا ينفصل، ممن تحرم عليه على التأبيد، كيدها أو رجلها، وكرأسها أو عينها فهو مظاهر.
(5)
زوجته أو بعضها ببعض، أو كل إلى آخره.
(6)
أو بطنك أو رأسك أو عينك، أو غيره من عضو لا ينفصل
(7)
فهو مظاهر في قول أكثر أهل العلم، وكذا إن قال عندي، لأن قوله معي، أو مني، أو عندي، بمعنى علي.
(8)
من أمثلة ما سبق، وكذا إن شبه عضوا من امرأته، كرأس أو ظهر، أو بطن، أو غير ذلك بظهر أمه فظهار، عند الأكثر، مالك والشافعي.
أو أنت علي حرام) فهو مظاهر (1) ولو نوى طلاقا أو يمينا (2)(أو) قال أنت علي (كالميتة والدم) أو الخنزير (فهو مظاهر) جواب «فمن» (3) كذا لو قال: أنت علي كظهر فلانة الأجنبية (4) أو ظهر أبي أو أخي أو زيد (5) وإن قال: أنت علي أو عندي كأمي، أو مثل أمي، وأطلق فظهار (6) .
(1) صح عن ابن عباس وغيره، وذلك لأن الله جعل التشبيه بمن تحرم عليه ظهارا، فالتصريح منه بالتحريم أولى، يؤيده أن الله لم يجعل التحريم والتحليل إليه، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي؛ أو أنت علي حرام، فقد قال المنكر من الزور، وكذب على الله، وقد أوجب أغلظ الكفارتين عليه، وهي كفارة الظهار.
(2)
وكان الظهار والإيلاء طلاقا في الجاهلية، وذكره جماعة في ظهار المرأة من زوجها، وقال الموفق وغيره: أكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينوبه الظهار فليس بظهار، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي.
(3)
أي فمن شبه زوجته، أو بعضها ببعض، أو كل من تحرم عليه، فهو مظاهر.
(4)
أو كظهر أخت زوجتي، أو عمتها، أو خالتها، ونحو ذلك، فهو مظاهر لأنه شبهها بظهر من تحرم عليه، أشبه ظهر الأم.
(5)
أو كظهر غيرهم، من الرجال الأقارب، أو الأجانب فهو مظاهر.
(6)
لأنه المتبادر من هذه الألفاظ ونحوها.
وإن نوى في الكرامة ونحوها، دين وقبل حكما (1) وإن قال: أنت أمي؛ أو كأمي؛ فليس بظهار، إلا مع نية أو قرينة (2) وإن قال: شعرك أو سمعك، ونحوه، كظهر أمي؛ فليس بظهار (3)(وإن قالته لزوجها) أي قالت له نظير ما يصير به مظاهرا منها (فليس بظهار)(4) لقوله تعالى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} فخصهم بذلك (5)(وعليها) أي على الزوجة، إذا قالت ذلك لزوجها (6) .
(1) أي وإن نوى بقوله: أنت علي، أو عندي كأمي، أو مثل أمي في الكرامة، أو المحبة قبل منه حكما، لاحتماله، وهو أعلم بمراده
(2)
تدل على إرادة الظهار، وإن كان ثم قرينة قدمت عليها النية، لأن النية تعين اللفظ في المنوي، ويتعين حمله على الكرامة، أو المحبة، ونحوهما مع الإطلاق لأنه ليس بصريح في الظهار، وغير اللفظ المستعمل فيه.
(3)
أي وإن قال لزوجته: شعرك أو سمعك ونحوه، كبصرك، وظفرك، وريقك، ولبنك ودمعك وروحك علي كظهر أمي، وكذا نحوه فليس بظهار، لأن المراد به الإدراك لا العضو.
(4)
أي إن قالت الزوجة لزوجها، أنت علي كظهر أبي، ونحوه، مما يصير به مظاهر إذا قاله لها، فليس بظهار، رواية واحدة، وقال الموفق: هو قول أكثر أهل العلم، مالك، والشافعي وغيرهما. ،
(5)
فإن معنى الآية، يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، ونحو ذلك، وهو منها قول يوجب تحريما، يملك الزوج رفعه، فاختص به، والحل فيها حق للزوج، فلم تملك إزالته، كسائر حقوقه.
(6)
أي إذا قالت: أنت علي كظهر أبي أو أخي ونحوه
(كفارته) أي كفارة الظهار، قياسا على الزوج (1) وعليها التمكين قبل التكفير (2) ويكره نداء أحد الزوجين الآخر، بما يختص بذي رحم محرم، كأبي وأمي (3)(ويصح) الظهار (من كل زوجة)(4) لا من أمة أو أم ولد (5) .
(1) أوجبوه تغليظا، وعنه: كفارة يمين؛ قال الموفق: هذا أقيس وأشبه بأصول أحمد، وعنه: لا تجب عليها كفارة ظهار، وهي مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي.
(2)
لأنه حق للزوج، فلا تمنعه، كسائر حقوقه، ولأنها لا تثبت لها أحكام الظهار من كل وجه؛ قالوا: وليس لها ابتداء القبلة، والاستمتاع ونحو ذلك.
(3)
لخبر: أن رجلا قال لامرأته يا أختي، فقال صلى الله عليه وسلم «أختك هي؟» رواه أبو داود، فكره ذلك، ونهى عنه، ولأنه لفظ يشبه لفظ الظهار، ولا تحرم به، ولا يثبت به حكم الظهار، لأنه ليس بصريح فيه، ولا نواه فلا يثبت به التحريم، وجاء أن الخليل قال: إنها أختي، ولم يعد ظهارا.
(4)
كبيرة كانت أو صغيرة، مسلمة، أو ذمية، يمكن وطؤها أو لا؛ وهو قول مالك، والشافعي، وحكى الوزير وغيره: الاتفاق على الزوج من الزوجة التي في عصمته، وعلى أنه يصح من العبد، وأنه يكفر بالصوم، وبالإطعام عند مالك، إن ملكه السيد اهـ، وإن قال لأجنبية: أنت علي حرام، يريد في كل حال، فكزوجته، وإن أراد بتلك الحال فلا شيء عليه، لأنه صادق، وكذا إذا أطلق.
(5)
وهو مذهب مالك والشافعي لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} وهما ليستا نساء ولأنه لفظ تعلق به تحريم الزوجة، فلا تحرم به الأمة، كالطلاق.
وعليه كفارة يمين (1) ولا يصح ممن لا يصح طلاقه (2) .
(1) إذا ظاهر من أمته، أو أم ولده، لأن كل حلال حرم، لم يلزمه فيه إلا كفارة يمين، سوى الزوجة لقوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} حين قال: «لن أعود إلى شرب العسل»
وقال الوزير: في الرجل يحرم طعامه، وشرابه وأمته، قال أبو حنيفة وأحمد: هو حالف، وعليه كفارة يمين بالحنث، والحنث يحصل بفعل جزء منه وكذا قال الشافعي: إن حرم أمته فكفارة يمين.
(2)
كالطفل، والمكره والزائل العقل، والمجنون، والمغمى عليه، والنائم، والسكران، لأنهم لا حكم لقولهم.
فصل (1)
(ويصح الظهار معجلا) أي منجزا، كأنت علي كظهر أمي (2)(و) يصح الظهار أيضا (معلقا بشرط) كإن قمت فأنت علي كظهر أمي (3)(فإذا وجد) الشرط (صار مظاهرا) لوجود المعلق عليه (4)(و) يصح الظهار (مطلقا) أي غير مؤقت، كما تقدم (5)(و) يصح (مؤقتا) كأنت علي كظهر أمي شهر رمضان (6)(فإن وطئ فيه كفر) لظهاره (7) .
(1) في حكم تعجيل الظهار، وتعليقه، وتوقيته، وكفارته، وحظر الوطء قبل التكفير، وغير ذلك.
(2)
كما سبق مفصلا.
(3)
أو إن شاء زيد، أو إن دخلت الدار، فأنت علي كظهر أمي.
(4)
من قيام ونحوه، مما علق الظهار عليه.
(5)
من قوله: إن قال أنت علي كظهر أمي؛ ولا يقال: هذا تكرار مع قوله معجلا، لأن مراده: أن يقابل كل بما بعده؛ فالمعجل يقابله المعلق، والمطلق يقابله المؤقت، ولا يضر ذلك، ولو رجع المعجل إلى المعنى المطلق، فإن اللفظ الواحد، قد يكون له جهتان، تراعى كل واحدة منهما على جهة.
(6)
أو شهرا، أو عشرا، ونحو ذلك، لحديث سلمة بن صخر، وكالإيلاء.
(7)
لأمره صخرا بالكفارة، ولأن منع نفسه منها يمين لها كفارة
(وإن فرغ الوقت زال الظهار) بمضيه (1)(ويحرم) على مظاهر ومظاهر منها (2)(قبل أن يكفر) لظهاره (وطء (3) ودواعيه) كالقبلة، والاستمتاع بما دون الفرج (ممن ظاهر منها)(4) لقوله عليه السلام «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به» صححه الترمذي (5)(ولا تثبت الكفارة في الذمة) أي في ذمة المظاهر (إلا بالوطء) اختيارا (6) .
(1) أي: وإن لم يطأ في الشهر الذي عينه حتى انقضى، زال حكم الظهار، لأن الله إنما أوجب الكفارة، على الذين يعودون لما قالوا، ومن ترك الوطء في الوقت الذي ظاهر فيه، لم يعد لما قال، فلا تجب عليه الكفارة.
(2)
أي ويحرم على زوج مظاهر، وزوجة مظاهر منها، بفتح الهاء.
(3)
من ظاهر منها إذا كان التكفير بالعتق، أو الصيام قال الموفق: بلا خلاف لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وأكثر أهل العلم، على أن التكفير بالإطعام مثل ذلك؛ قال الوزير: اتفقوا على أنه لا يجوز المسيس حتى يكفر، وعبارة ابن رشد: يحرم عليه الوطء.
(4)
هذا المذهب، وأحد القولين للشافعي، وقول مالك وأصحاب الرأي.
(5)
وفسر القربان بالوطء، ولأن ما حرم الوطء من القول، حرم دواعيه، كالطلاق، والإحرام، وعن أحمد: لا يحرم، وهو قول أبي حنيفة، وقال ابن رشد: الجمهور لا يحرم ما عدا الوطء، فالله أعلم.
(6)
لا مكرها، فلو وطئ مكرها، لم تجب عليه الكفارة.
(وهو) أي الوطء (العود)(1) فمتى وطئ لزمته الكفارة (2) ولو مجنونا (3) ولا تجب قبل الوطء (4) لأنها شرط لحله، فيؤمر بها من أراده، ليستحله بها (5)(ويلزم إخراجها قبله) أي قبل الوطء (عند العزم عليه)(6) لقوله تعالى في الصيام والعتق {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (7) .
(1) المذكور في قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} قال ابن رشد: الجمهور أنها لا تجب الكفارة دون العود.
(2)
ولا يسقط التكفير، ولا يتضاعف، وللترمذي في المظاهر، يواقع قبل أن يكفر، قال: كفارة واحدة؛ والعمل عليه عند أهل العلم.
(3)
بأن ظاهر ثم جن، وكذا لو بانت منه ثم زنا بها، إلا من مكره، فإنه معذور بالإكراه.
(4)
وإنما لم تجب إذا، لأن هذه الكفارة، لا تجب بالمعدوم.
(5)
كالأمر بالطهارة لمن أراد النافلة، والأمر بالنية لمن أراد الصيام، ولأن الظهار يمين مكفرة، فلا تجب الكفارة إلا بالحنث فيها، وتقديم الكفارة قبل الوجوب، تعجيل لها قبل وجوبها، لوجود سببها.
(6)
فإن وطئ عصى واستقرت عليه الكفارة، ولا تسقط بعد ذلك بموت ولا طلاق.
(7)
والمماسة هنا: الجماع، فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها، ما لم يكفر، سواء كان التكفير بالإعتاق، أو الصيام، وكذا الإطعام، فدلت الآية على أنها تجب كفارة الظهار بالوطء، ويلزم إخراجها قبله، عند العزم عليه، وأن تحريم زوجته باق عليه حتى يكفر، وهو قول أكثر أهل العلم.
وإن مات أحدهما قبل الوطء سقطت (1)(وتلزمه كفارة واحدة بتكريره) أي الظهار (2) ولو كان الظهار بمجالس (قبل التكفير من) زوجة (واحدة)(3) كاليمين بالله تعالى (4)(و) تلزمه كفارة واحدة (لظهاره من نسائه بكلمة واحدة)(5) بأن قال لزوجاته: أنتن علي كظهر أمي، لأنه ظهارا واحدا (6) (وإن ظاهر منهن) أي من زوجاته (بكلمات) بأن قال: لكل منهن: أنت علي كظهر أمي (فـ) عليه (كفارات بعددهن (7)) .
(1) ولو كان قد عزم على الوطء.
(2)
ولو أراد بتكرير استئنافا نص عليه وتقدم الخبر، لأن تكريره لا يؤثر في تحريم الزوجة، لتحريمها بالقول الأول.
(3)
نص عليه وهو قول مالك، والقديم للشافعي.
(4)
فإنها لا تجب بتكريرها قبل التكفير كفارة ثانية، فكذا الظهار، ولأنه قول لم يؤثر تحريما في الزوجة، فلم تجب به كفارة.
(5)
قال الموفق: بغير خلاف في المذهب، وقول مالك، وأحد قولي الشافعي، وهو قول عمر وعلي، وقال: لا نعلم لهما في الصحابة مخالفا، فكان إجماعا.
(6)
ولأن الظهار كلمة تجب بمخالفتها الكفارة، فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين بالله.
(7)
لكل يمين كفارة ترفعها أو تكفر إثمها.
لأنها أيمان متكررة، على أعيان متعددة فكان لكل واحدة كفارة (1) كما لو كفر ثم ظاهر (2) .
(1) قال ابن حامد: رواية واحدة.
(2)
فإنه تلزمه كفارة ثانية للظهار الثاني، قال في المبدع بغير خلاف ولأنها أيمان، لا يحنث في إحداها بالحنث في الأخرى، فلا يكفرها كفارة واحدة، كالأصل ولأن الظهار معنى يوجب الكفارة فتتعدد الكفارة بتعدده في المحال المختلفة كالقتل.
فصل (1)
(وكفارته) أي كفارة الظهار على الترتيب (2)(عتق رقبة (3) فإن لم يجد صام شهرين متتابعين (4) فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا) (5) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا (6) .
(1) في بيان أحكام كفارة الظهار، وغيرها مما هو في معناها، والكفارة الستر؛ من قولهم كفرت الشيء إذا غطيته وسترته، فكأنها تكفر الذنوب، أي تسترها، وكذا الغفر أيضا، معناه: الستر.
(2)
بلاخلاف، حكاه الموفق وغيره، إذا كان المظاهر حرا، وكذا كفارة وطء نهار رمضان، في ظاهر المذهب.
(3)
مؤمنة تجب على من ملكها، وأمكنه ذلك.
(4)
أي فإن لم يجد رقبة يعتقها، على ما سيأتي صام شهرين متتابعين.
(5)
أي فإن لم يستطع الصيام، لمرض أو سفر أو فرط شهوة، أطعم ستين مسكينا، فتجب الكفارة على هذا الترتيب، بلا نزاع، وإن عجز سقطت.
(6)
أي: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} بأن يقول أحدهم لامرأته: أنت علي كظهر أمي، وما أشبه ذلك، {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} قال أحمد ومالك وغيرهما من السلف: هو أن يعود المظاهر إلى الجماع، فيحرم قبل أن يكفر، ولا تحل له حتى يكفر بما ذكر الله في هذه الآية، وقاله غيره واحد من أهل التفسير، هو أن يعود إلى الجماع، الذي قد حرمه على نفسه، فإن وطئ فيه كفر لظهاره إجماعا.
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} الآية (1) والمعتبر في الكفارات وقت وجوب (2) فلو أعسر موسر قبل تكفير لم يجزئه صوم (3) ولو أيسر معسر لم يلزمه عتق (4) ويجزئه (5)(ولا تلزم الرقبة) في الكفارة (إلا لمن ملكها أو أمكنه ذلك) أي ملكها (6)(بثمن مثلها) أو مع زيادة لا تجحف بماله (7) .
(1) وتمامها: (من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) فقدم تعالى تحرير الرقبة، وثنى بصيام شهرين متتابعين على من لم يجد الرقبة، وثلث بإطعام ستين مسكينا، على من لم يستطع الصيام، فدلت الآية الكريمة، على ترتيب الكفارات ولا نزاع في ذلك.
(2)
وهو في المظاهرة، من وقت العود لا وقت المظاهرة، وفي وطء نهار رمضان وقته، وفي القتل وقت زهوق، وفي اليمين من الحنث، لا وقت اليمين.
(3)
لأنه غير ما وجب عليه وتبقى الرقبة في ذمته إلى يساره.
(4)
لأن الاعتبار بوقت الوجوب، قال الوزير: إذا شرع في الصيام ثم وجد الرقبة، فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يلزمه الخروج منه والعتق، بل إن شاء بنى على صومه، وإن شاء أعتق، إلا أن مالكا فرق، إن كان شرع في الصيام اليوم واليومين إلى الثلاث، عاد إلى العتق، وإن كان قد مضى في صومه أتمه.
(5)
أي العتق، لأنه الأصل في الكفارات، فوجب أن يجزئه كسائر الأصول.
(6)
بنقد أو غيره، وقت الوجوب.
(7)
لزمه العتق، قال في المبدع: إجماعا، ولو كثرت، لعدم تكرارها، بخلاف ماء الوضوء.
ولو نسيئة وله مال غائب أو مؤجل (1) لا بهبة (2) ويشترط للزوم شراء الرقبة، أن يكون ثمنها (فاضلا عن كفايته دائما (3) و) عن (كفاية من يمونه) من زوجة ورقيق وقريب (4)(و) فاضلا (عما يحتاجه) هو ومن يمونه (من مسكن وخادم) صالحين لمثله (5) إذا كان مثله يخدم (6)(ومركوب وعرض بذلة) يحتاج إلى استعماله (وثياب تجمل (7) .
(1) لأنه لا ضرر عليه فيهن ويجوز أن يأخذ قرضا لثمن الرقبة، وله ما يفي به، وفي الغاية: ومن له فوق ما يصلح مثله، من خادم ونحوه، وأمكنه بيعه، وشراء صالح لمثله، ورقبة بالفاضل، لزمه فلو تعذر، أو كان له سرية يمكن بيعها وشراء سرية ورقبة بثمنها لم يلزمه.
(2)
بأن وهبت له هي أو ثمنها، للمنة عليه في قبولها، وذلك ضرر في حقه.
(3)
مرادهم سنة كاملة.
(4)
كأب، أو أم، أو ولد، أو أخ، وغيرهم، ممن تجب نفقتهم عليه، على ما يأتي.
(5)
فلا يأخذ من رأس المال، الذي يقوم كسبه بمؤونته، وقال الموفق وغيره: من ملك رقبة، أو أمكنه تحصيلها، فاضلا عن كفايته، وكفاية من يمونه على الدوام، وغيرها من حوائجه الأصلية، بثمن مثلها، لزمه العتق، أجمع أهل العلم على ذلك، وأنه ليس له الانتقال عنه إلى الصيام، إذا كان حرا مسلما.
(6)
عادة، أو لكبر، أو مرض، أو زمانه، أو عظم خلق، ونحوه مما يعجز عن خدمته، ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته لم يلزمه العتق وهو قول الشافعي.
(7)
أي وأن يكون ثمنها فاضلا عن مركوب يحتاج إلى استعماله وعرض بذلة، كفرشه، وأوانيه وآلة حرفته، وثيابه التي يلبسها دائما، وغير ذلك مما يحتاج إلى استعماله، وفاضلا عن ثياب تجمل كلباسه الذي يتجمل به، ولا يزيد على ملبوس مثله، لم يلزمه العتق بثمنها.
و) فاضلا عن (مال يقوم كسبه بمؤونته) ومؤونة عياله (1)(وكتب علم) يحتاج إليها (ووفاء دين)(2) لأن ما استغرقته حاجة الإنسان، فهو كالمعدوم (3)(ولا يجزئ في الكفارات كلها) ككفارة الظهار، والقتل، والوطء في نهار رمضان، واليمين بالله تعالى (إلا رقبة مؤمنة)(4) .
(1) كعقار يحتاج إلى غلته، أو عرض للتجارة، ولا يستغني عن ربحه، في مؤونته ومؤونة عياله، وحوائجه، الأصلية، لم يلزمه العتق، لأنه غير فاضل عن حاجته.
(2)
أي وفاضلا عن كتب علم يحتاج إليها، ووفاء دين الله، أو لآدمي حال أو مؤجل، لم يلزمه العتق قولا واحدا.
(3)
في جواز الانتقال إلى بدله، وإن استغنى عن شيء من ذلك، مما يمكنه أن يشتري به رقبة لزمه العتق، لقدرته عليه بلا ضرر، فلو كان له خادم يمكن بيعه، ويشتري بثمنه رقبتين يستغني بخدمة أحدهما ويعتق الآخر لزمه، أوله دار فوق ما يحتاجه يمكنه بيعها، أو صنعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه به شراء رقبة، أو له ثياب فاخرة، تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها، وإن كان له مال غائب، أو دين يرجو الوفاء، وأمكنه شراء رقبة نسيئة، لزمه، لأنه قادر بمالا مضرة فيه.
(4)
أي مطلق الإيمان، ذكره شيخ الإسلام، وهو مذهب مالك والشافعي.
لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (1) وألحق بذلك سائر الكفارات (2)(سليمة من عيب يضر بالعمل ضررا بينا)(3) لأن المقصود تمليك الرقيق منافعه، وتمكينه من التصرف لنفسه، ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا (كالعمى (4) والشلل ليد، أو رجل، أو اقطعهما) أو اليد والرجل (5)(أو اقطع الأصبع الوسطى، أو السبابة، أو الإبهام (6) أو الأنملة من الإبهام) أوأنملتين من وسطى، أو سبابة (7) .
(1) وهو في القتل إجماع، حكاه ابن المنذر وغيره، ولقوله صلى الله عليه وسلم «أعتقها فإنها مؤمنة» .
(2)
قياسا عليه، وحملا للمطلق على المفيد، وهو ظاهر المذهب، وقول مالك والشافعي، وغيرهما.
(3)
وهو مذهب الجمهور، مالك والشافعي، وأصحاب الرأي.
(4)
لأن الأعمى لا يمكنه العمل، في أكثر الصنائع.
(5)
لأن اليد آلة البطش، والرجل آلة المشي، فلا يتهيأ له كثير من العمل، مع شلل إحداهما أو قطعها.
(6)
لأن نفع اليد يزول بذلك.
(7)
لا واحدة لبقاء نفع اليد.
(أو اقطع الخنصر والبنصر) معا (من يد واحدة) لأن نفع اليد يزول بذلك (1) وكذا أخرس لا تفهم إشارته (2)(ولا يجزئ مريض ميئوس منه (3) ونحوه) كزمن ومقعد، لأنهما لا يمكنهما العمل في أكثر الصنائع (4) وكذا مغصوب (5)(ولا) تجزئ (أم ولد)(6) لأن عتقها مستحق بسبب آخر (7) .
(1) ويجزئ من قطعت خنصره فقط، أو بنصره فقط، أو قطعت إحداهما من يد واحدة، وقطعت الأخرى من اليد الأخرى، لأن نفع الكفين باق ومفهومه أنه يجزئ من قطعت أصابع قدمه كلها، وجزم به في الإقناع، واختاره الموفق وغيره وهو مذهب الشافعي.
(2)
أي وكذا لا يجزئ عتق أخرس، لا تفهم إشارته لأن منفعته زائلة، أشبه زوال العقل، ولا أصم أخرس، ولو فهمت إشارته لفقد حاستين، فإن كان أخرس فقط، وفهمت إشارته أجزأ، لأن الإشارة تقوم مقام الكلام، ولا يجزئ مجنون مطبق، لأنه معدوم النفع.
(3)
كمرض السل، لعدم تمكنه من العمل، وإن رجي برؤه كحمى وصداع، أجزأ، لأن ذلك لا يمنعه من العمل.
(4)
فلم يجز عتقه في كفارة ظهار، أو غيره.
(5)
أي لا يجزئ عتق عبد مغصوب، وإذا أعتقه مالكه، لعدم تمكنه من منافعه، وكذا عبد غصب منه حال كونه في يد غاصب، وكذا غائب لا يعلم خبره.
(6)
ولا يجزئ عتق رحم محرم.
(7)
وهو إيلاد السيد لها، ولا يجزئ أيضا ولد أم ولده، الذي ولدته بعد كونها أم ولد.
(ويجزئ المدبر)(1) والمكاتب إذا لم يؤد شيئا (2)(وولد الزنا والأحمق (3) والمرهون والجاني) (4) والصغير والأعرج يسيرا (5)(والأمة الحامل ولو استثنى حملها)(6) لأن ما في هؤلاء من النقص لا يضر بالعمل (7) .
(1) صرح به في المنتهى وغيره، لقوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ولأنه عبد كامل المنفعة لم يحصل عن شيء منه عوض، ولأنه يجوز بيعه، وهذا قول الشافعي وقال بعضهم: لا يجزئ عتق المدبر، وهو مذهب مالك، وأصحاب الرأي، لأن عتقه مستحق في غير الكفارة، فلم يجزئه، كالذي استحق عليه الإطعام في النفقة، فدفعه في الكفارة فالله أعلم.
(2)
من كتابته لأنه رقبة كاملة، سالمة، لم يحصل عن شيء منها عوض، وإن أدى منها شيئا لم تجز، لحصول العوض عن بعضه، كما لو أعتق بعض رقبة.
(3)
أي: ويجزئ عتق ولد الزنا، وهو قول الأكثر، وفي الإنصاف: لا اعلم فيه خلافا؛ قال الشيخ: ويحصل له أجره كاملا، فإنه يشفع مع صغره لأمه لا لأبيه اهـ ويجزئ عتق الأحمق، وهو الذي يعمل القبيح والخطأ على بصيرة لقلة مبالاته بما يعقبه من المضار.
(4)
سواء كان الراهن معسرا أولا، وسواء كانت الجناية موجبة لقتله، أولا.
(5)
أي ويجزئ الصغير لا الجنين، في قول أكثر أهل العلم، ويجزئ الأعرج عرجا يسيرا، لأنه قليل الضرر بالعمل، فإن كان فاحشا كثيرا لم يجز، وكذا يجزئ مجبوب، وخصي وأجدع أنف، وأذن ومن يخنق في بعض الأحيان والمعلق عتقه بصفة قبل وجودها.
(6)
أي من العتق، لكمالها من دونه وتجزئ الأمة المزوجة.
(7)
ضررا بينا، ومالا يضر بالعمل، لا يمنع تمليك السيد العبد منافعه، وتكميل أحكامه، فأجزأ عتق أحدهم في الكفارة، كالسالم من العيوب.
فصل (1)
(يجب التتابع في الصوم)(2) لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (3) وينقطع بصوم غير رمضان (4) ويقع عما نواه (5)(فإن تخلله رمضان) لم ينقطع التتابع (6) .
(1) في بيان حكم الصوم في الكفارة، والإطعام وما يتعلق بذلك.
(2)
في جميع الشهرين، بأن لا يفرقه إجماعا، ومعناه: الموالاة بين صوم أيامهما ويبيت النية من الليل، لا نية التتابع بل يكفي حصوله بالفعل.
(3)
أي {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} رقبة، كما تقد {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} إذا قدر عليه، حرا كان أو عبدا بلا خلاف، ولا يجوز أن يفطر فيهما، ولا أن يصوم فيهما من غير الكفارة.
(4)
فلو صام أثناء الشهرين تطوعا، أو قضاء، أو عن نذر، أو غير ذلك، غير ما استثني، انقطع التتابع، أو أفطر ناسيا، لوجوب التتابع، أو أفطر لغير عذر، انقطع التتابع، وفي الإنصاف: بلا نزاع، اهـ لأنه فرقه بشيء يمكنه التحرز منه.
(5)
من قضاء، أو كفارة، أو نذر، أو غير ذلك، لأنه زمان لم يتعين لكفارة.
(6)
أي فإن تخلل صومهما صوم شهر رمضان، بأن يبتدئ الصوم من أول شعبان مثلا، فيتخلله رمضان، لم ينقطع التتابع، لتعين رمضان للصوم الواجب فيه.
(أو) تخلله (فطر يجب كعيد وأيام تشريق (1) وحيض) ونفاس (2)(وجنون ومرض مخوف (3) ونحوه) كإغماء جميع اليوم لم ينقطع التتابع (4)(أو أفطر ناسيا أو مكرها (5) أو لعذر يبيح الفطر) كسفر (6)(لم ينقطع) التتابع، لأنه فطر لسبب لا يتعلق باختيارهما (7) .
(1) أي أو تخلل صوم الكفارة فطر يجب، كفطر العيدين وأيام التشريق، بأن يبتدئ مثلا من ذي الحجة، فيتخلل يوم النحر، وأيام التشريق، لم ينقطع التتابع، لتعين الفطر فيه، لأنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة.
(2)
أي: أو تخلله فطر، لحيض أو نفاس، لم ينقطع التتابع، وهو في الحيض إجماع، وقيس عليه النفاس، ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين، من أول شهر ومن أثنائه بغير خلاف.
(3)
أو تخلل فطر لجنون، لم ينقطع التتابع، أو تخلله فطر لمرض مخوف، لم ينقطع التتابع، تبع في ذلك المنتهى وغيره، وفي الإقناع، ولو غير مخوف.
(4)
على الصحيح من المذهب، كالجاهل جزم به غير واحد من الأصحاب لأنه أفطر بسبب لا صنع له فيه.
(5)
أو مخطئا، كآكل يظنه ليلا فبان نهارا، وأما الناسي والمكره فلبقاء صومهما لخبر «عفي لأمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه» لا جاهل بوجوب التتابع وتقدم.
(6)
وكفطر حامل، ومرضع، لضرر ولدها بالصوم أفطرتا خوفا على أنفسهما.
(7)
لأنه أفطر لعذر يبيح الفطر في رمضان، فلم ينقطع التتابع.
ويشترط في المسكين المطعم من الكفارة: أن يكون مسلما حرا، ولو أنثى (1)(ويجزئ التكفير بما يجزئ في فطرة فقط)(2) من بر وشعير، وتمر وزبيب، وأقط (3) ولا يجزئ غيرها ولو قوت بلده (4) .
(1) كالزكاة فيشترط في المساكين، ثلاثة شروط: الإسلام، والحرية، وأن يكون قد أكل الطعام، والمساكين، هم الذين تدفع إليهم الزكاة لحاجتهم، ويدخل فيهم الفقراء، ولا يجوز دفعها إلى كافر، ولو ذميا، عند الجمهور، مالك والشافعي، وغيرهما، ولا يجوز دفعها إلى عبد، بلا خلاف، ولا إلى أم ولد، وهو قول مالك والشافعي، ولا إلى مكاتب، لأنه ليس بمسكين، حيث أنه إن لم يكن له كسب رجع إلى سيده.
(2)
سواء كان قوت بلده، أولا، هذا المذهب.
(3)
فإن عدم الأصناف الخمسة، أجزأ مما يقتات من حب وثمر، كما ذكروه في الفطرة.
(4)
مع وجود أحدها، واختار أبو الخطاب وغيره: إجزاء غير الأصناف الخمسة مطلقا، واختار الشيخ: إنما يخرج في الكفارة، المطلقة غير مقيد بالشرع، بل العرف قدرا أو نوعا، من غير تقدير ولا تمليك، وهو قياس المذهب، في الزوجة والأقارب، والمملوك والضيف، والأجير المستأجر بطعامه، وأن الإدام يجب إن كان يطعم أهله بإدام، وإلا فلا وعادة الناس تختلف في ذلك، في
الرخص والغلاء، واليسار والإعسار، وتختلف بالشتاء والصيف، وفي الإنصاف: إن كان قوت بلده غير ذلك أجزأه لقوله: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وصوبه.
(ولا يجزئ) في إطعام كل مسكين (من البر أقل من مد (1) ولا من غيره) كالتمر والشعير (أقل من مدين (2) لكل واحد ممن يجوز دفع الزكاة إليهم) لحاجتهم، كالفقير، والمسكين وابن السبيل، والغارم لمصلحته (3) ولو صغيرا لم يأكل الطعام (4) والمد: رطل وثلث، بالعراقي، وتقدم في الغسل (5)(وإن غدى المساكين، أو عشاهم لم يجزئه) لعدم تمليكهم ذلك الطعام (6) .
(1) لما روى الإمام أحد: جاءت امرأة من بني بياضة، بنصف وسق شعير، فقال صلى الله عليه وسلم للمظاهر «أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مدبر» وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما، وقال الموفق: لم نعرف لهم في الصحابة خلافا، فكان إجماعا، وقال سليمان بن يسار، أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة.
(2)
لخبر أوس بن الصامت، أن خولة قالت: سأعينه بعرق من تمر، وقد أعطاه صلى الله عليه وسلم عرقا، والعرقان ثلاثون صاعا، فكان لكل مسكين نصف صاع.
(3)
أي لمصلحة نفسه ومفهومه: إن كان لمصلحة غيره، كالغارم لإصلاح ذات البين لم يجزئه، واقتصر ابن القيم، على الفقراء والمساكين، لظاهر القرآن.
(4)
إذا كان من أهلها، لأنه حر مسلم، محتاج أشبه الكبير، ولدخوله في عموم الآية، وكذا الزكاة وأكله في الكفارة ليس بشرط.
(5)
وتقدم أن المد في الماء والطعام سواء.
(6)
لأن الإعطاء هو المنقول عن الصحابة، وعنه: يجزئ إذا أطعمهم القدر الواجب لهم وهو قول أبي حنيفة، واختيار الشيخ وغيره، لقوله {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} وهذا قد أطعمهم.
بخلاف ما لو نذر إطعامهم (1) ولا يجزئ الخبز ولا القيمة (2) وسن إخراج أدم مع مجزئ (3)(وتجب النية في التكفير من صوم وغيره)(4) فلا يجزئ عتق، ولا صوم، ولا إطعام بلا نية (5) لحديث «إنما الأعمال بالنيات» (6) .
(1) فيجزئ إطعامهم بلا خلاف، لأنه وفى بنذرة.
(2)
هذا المذهب عند بعض الأصحاب، وقال غير واحد، يجزئ رطلان بالعراقي، وهو بالدمشقي ستمائة درهم خمس أواق وسبع أوقية، هذا إذا أخرج من البر، ومن الشعير ضعفه لما تقدم من قوله:{فَإِطْعَامُ} وهذا إطعام، وصوبه في الإنصاف، وعنه: يجزئ إذا كان قدر الواجب، واختار الشيخ، قدر الإجزاء، ولم يعتبر القدر الواجب، قال أحمد: أشبعهم، قال: ما أطعمهم؟ قال خبزا ولحما إن قدرت أو من أوسط طعامكم، وأما القيمة، فالمذهب ومذهب مالك والشافعي لا تجزئ، وأجازه أصحاب الرأي، وقال الموفق: الأولى، أولى لظاهر الآية.
(3)
استحبه بعضهم، خروجا من خلاف من أوجبه، إذ هو المعتاد في الأغلب.
(4)
لتميز الكفارة من غيرها.
(5)
ومحل النية في الصوم الليل، وفي العتق والإطعام معه أو قبله.
(6)
ولأن العتق والإطعام والصيام يقع متبرعا به، وعن كفارة أخرى أو نذر فلم ينصرف إلى هذه الكفارة إلا بنية.
ويعتبر تبييت نية الصوم، وتعيينها جهة الكفارة (1) (وإن أصاب المظاهر منها) في أثناء الصوم (ليلا أو نهارا) (2) ولو ناسيا أو مع عذر يبيح الفطر (انقطع التتابع) (3) لقوله تعالى:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (4)(وإن أصاب غيرها) أو غير المظاهر منها (ليلا)(5) .
(1) فيعين بنيته أنه صوم كفارة ظهار، وكذا كفارة يمين، وغير ذلك، فلا تكفي نية التقرب إلى الله فقط دون نية الكفارة، لتنوع التقرب إلى واجب ومندوب.
(2)
انقطع التتابع، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك، قال الوزير: والصحيح أن الوطء في هذه المدة عامدا، سواء كان ليلا أو نهارا، يوجب الاستئناف، لنص القرآن، وعن أحمد، لا ينقطع إن وطئ ليلا، وهو مذهب الشافعي، وارتكاب المحرم لا يمنع صحة التتابع، وإجزاءه فالله أعلم.
(3)
هذا المذهب وعنه لا يفطر، ولا ينقطع إذا وطئها ناسيا، وهو قول الشافعي، وابن المنذر؛ وظاهر اختيار الشيخ؛ لأنه فعل المفطر ناسيا، أشبه ما لو أكل ناسيا.
(4)
فأمر تعالى بالكفارة قبل الوطء، وهو لم يأتبه على ما أمر، فلم يجزئه فأما إن وطئ نهارا في الشهرين عامدا، أو أفطر، انقطع التتابع إجماعا، إذا كان غير معذور.
(5)
لم ينقطع التتابع، قال الموفق وغيره: بغير خلاف نعلمه.
أو ناسيا أو مع عذر يبيح الفطر (لم ينقطع) التتابع بذلك لأنه غير محرم عليه، ولا هو محل للتتابع (1) ولا يضر وطء مظاهر منها، في أثناء إطعام مع تحريمه (2) .
(1) لأنه فعل المفطر ناسيا، أشبه ما لو أكل ناسيا، ومع العذر لا أثر له في قطع التتابع.
(2)
نص عليه، وكذا أثناء عتق، كما لو أعتق نصف عبد، ثم وطء، ثم اشترى باقية وأعتقه، فلا يقطعهما وطؤه، إلا انه محرم للنهي عنه قبل أن يكفر، ويبني على ما قدمه من الإطعام أو العتق ويتمه.
كتاب اللعان (1)
مشتق من اللعن (2) لأن كل واحد من الزوجين، يلعن نفسه في الخامسة، إن كان كاذبا (3) وهو: شهادات، مؤكدات بأيمان، من الجانبين (4) مقرونة بلعن وغضب (5) و (يشترط في صحته: أن يكون بين زوجين) مكلفين (6) .
(1) وما يلحق من النسب؛ حكم اللعان ثابت بالكتاب والسنة، والإجماع، والقياس، وجوزه الجمهور بمجرد القذف، للآية، وجوز الأصحاب وغيرهم: ان يلاعن امرأته، إذا رأى رجلا يعرف بالفجور، يدخل عليها، ويخرج من عندها، نظرا إلى الأمارات والقرائن، وذلك لأنه يلحقه بزناها من العار والمسبة، وفساد الفراش، وإلحاق ولد غيره به ما يحوجه إلى قذفها، وتخلصه من العار، لكونه زوج بغي، ولا يمكنه إقامة البينة على زناها في الغالب، وهي لا تقربه، وقوله عليها غير مقبول، فلم يبق سوى تحالفهما، بأغلظ الأيمان، ثم يفسخ.
(2)
مصدر لاعن يلاعن لعانا، إذا فعل ما ذكر، أو من لعن كل واحد منهما الآخر.
(3)
ذكره الموفق وغيره، فتحصل اللعنة عليه، واللعن: الطرد والإبعاد، يقال لعنه الله، أي: أبعده، ويقع باللفظ، والتعن الرجل إذا لعن نفسه من قبل نفسه.
(4)
وهو قول بالله، في قول: أشهد بالله.
(5)
قائمة مقام حد قذف، أو تعزير في جانبه، أو حد زنا في جانبها.
(6)
ولو قنين، أو فاسقين، أو ذميين، أو أحدهما، والشرط الثاني: سبق قذفها بزنا، والثالث: أن تكذبه ويستمر إلى انقضاء اللعان، وقال الوزير: أجمعوا على أن من شرط صحته، أن يكون بحكم حاكم.
لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (1) فمن قذف أجنبية حد ولا لعان (2)(ومن عرف العربية، لم يصح لعانه بغيرها) لمخالفته للنص (3)(وإن جهلها) أي العربية (فبلغته) أي لا عن بلغته ولم يلزمه تعلمها (4)(فإذا قذف امرأته بالزنا) في قبل أو دبر ولو في طهر وطئ فيه (5)(فله إسقاط الحد) إن كانت محصنة (6) والتعزير إن كانت غير محصنة (باللعان)(7) .
(1) أي يقذفون نساءهم بالزنا، فدلت الآية، على أنه إنما يكون اللعان بين الرجل وزوجته، فكان ذلك شرطا لصحته، مدخولا بها أولا، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه لظاهر الآية.
(2)
أي لا يقع بينهما لعان، وإنما عليه الحد، ويأتي في بابه إن شاء الله تعالى، ولو نكحها بعد قذفه لها، ولا لعان بقذف أمته، ولا تعزير.
(3)
فإن الشرع ورد بالعربية، فلم يصح بغيرها، كأذكار الصلاة.
(4)
كأركان النكاح.
(5)
بأن قال: زنيت في قبلك، أو دبرك، فكذبته.
(6)
أي فله إسقاط ما لزمه، من الحد، بقذفها، إن كانت محصنة يعني عفيفة، باللعان، بلا خلاف، لقوله صلى الله عليه وسلم، لهلال ابن أمية لما قذف امرأته بشريك بن سحماء البينة أوحد في ظهرك فنزلت الآية.
(7)
أي: وله إسقاط التعزير عنه أيضا، حيث لزمه بقذمها إن كانت غير عفيفة، باللعان، أو كانت ذمية، أو كانت رقيقة، وإن لم يلاعن زوجته حد لقذفها، إن كانت محصنة، وإلا عزر إن كانت غير محصنة، بلا نزاع.
لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} الآيات (1)(فيقول) الزوج (قبلها) أي قبل الزوجة (2)(أربع مرات: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه (3) ويشير إليها) إن كانت حاضرة (4)(ومع غيبتها يسميها وينسبها) بما تتميز به (5) .
(1) أي والذين يقذفون نساءهم (ولم يكن لهم شهداء) يشهدون على صحة ما قالوه {إِلا أَنْفُسُهُمْ} أي غير أنفسهم، إلى آخر الآيات، فلهم إسقاط الحد باللعان، وصفته، كما قال ابن رشد وغيره، متقاربة عند جمهور العلماء، ليس بينهم في ذلك اختلاف، على ظاهرها تقتضيه ألفاظ الآيات الكريمة.
(2)
قدم لأن جانبه أرجح من جانب الزوجة قطعا، فإن إقدامه على إتلاف فراشه، ورميها بالفاحشة على رءوس الأشهاد، وتعريض نفسه لعقوبة الدنيا والآخرة، وفضيحة نفسه وأهله مما تأباه العقلاء، وتنفر عنه نفوسهم، لولا أن الزوجة اضطرته إلى ذلك، والله جعل له فرجا، باللعان، فصار جانبه أقوى.
(3)
لقوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} ولقوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية، قم فاشهد أربع شهادات بالله، فيعيد قوله: أشهد بالله
…
إلخ، مرة بعد أخرى، حتى يكمل ذلك أربع مرات، وذلك في مقابلة أربعة شهداء.
(4)
ولا يحتاج مع حضورها، والإشارة إليها، إلى تسميتها وبيان نسبها، كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود، اكتفاء بالإشارة.
(5)
حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها، وفي المبدع: لا يبعد أن يقوم وصفها بما هي مشهورة به، مقام الرفع في نسبها، ومقتضاه: عدم اشتراط اجتماعهما حال اللعان؛ كما اختار في عيون المسائل، وفي الإنصاف: المذهب لا بد من اجتماعهما، حالة التلاعن.
(و) يزيد (في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين (1)، ثم تقول هي أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا (2)، ثم تقول في الخامسة: وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) (3) .
(1) أي ويزيد في الشهادة الخامسة قوله: {أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي عليها فيما رماها من الزنا، وفي الاختيارات: ولو لم يقل: فيما رميتها به؛ قياس المذهب صحته، وقال الوزير: لا أراه يحتاج إليه.
(2)
وذلك حيث أنه لا شاهد له إلا نفسه، مكنت المرأة أن تعارض أيمانه بأيمان مكررة مثله، تدرأ بها الحد عنها واستحسن بعضهم، قولها: فيما رماني به من الزنا خروجا من خلاف من أوجبه، ولا يجب ولا يشترط، للآية والأخبار، وإذا تم اللعان سقط عنه الحد، وإن نكلت صارت أيمانه مع نكولها، بينة قوية لا معارض لها.
قال ابن القيم: وهو الذي يقوم عليه الدليل، ومذهب مالك والشافعي، وأحمد وغيرهم: فيحكم بحدها إذا نكلت، وهو الصحيح، ويدل عليه القرآن وجزم به الشيخ وغيره.
(3)
فيما رماها به من الزنا، وخصها بالغضب لأن المغضوب عليه، هو الذي يعرف الحق ويحيد عنه، ولعظم الذنب، بالنسبة إليها، واختير في حقه اللعن، لأنه قول، وهو الذي بدأ به.
وسن تلاعنهما قياما (1) بحضرة جماعة أربعة فأكثر (2) بوقت ومكان معظمين (3) وأن يأمر حاكم من يضع يده على فم زوج وزوجة عند الخامسة (4) ويقول: اتق الله فإنها الموجبة (5) وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة (6) .
(1) لقوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية «قم فاشهد أربع شهادات» ولأنه أبلغ في الردع.
(2)
لحضور ابن عباس، وابن عمر، وسهل بن سعد؛ وليس حضور أربعة واجبا بلا خلاف، والصبيان إنما يحضرون تبعا للرجال.
(3)
كبعد العصر يوم الجمعة، وبين الركن والمقام بمكة، وعند الصخرة ببيت المقدس، وعند منبر في سائر المساجد، لأن ذلك أبلغ في الردع، وتقف الحائض عند باب المسجد، للعذر، يبدأ الزوج فيلتعن وهو قائم، فإذا فرغ قامت المرأة فالتعنت.
(4)
فيأمر رجلا يضع يده على فم الزوج، ويأمر امرأة تضع يدها على فم المرأة.
(5)
أي: للعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، أو غضب الله عليها إن كان من الصادقين، لالتزامهما ذلك فيها.
(6)
لما روى الجوزجاني، من حديث ابن عباس: يشهد أربع شهادات بالله، إنه لمن الصادقين، ثم أمر به فأمسك على فيه، فوعظه، وقال: ويحك كل شيء أهون عليك من لعنة الله، ثم أرسله، فقال: عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، ثم أمر بها فأمسك علي فيها، فوعظها، وقال، ويحك: كل شيء أهون عليك من غضب الله؛ وعذاب الدنيا ينقطع وعذاب الآخرة دائم، والسر التخويف، ليتوب الكاذب منهما ويرتدع، وفي حديث أنس وغيره: فلما كانت
عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبة، فتلكأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجع.
(فإن بدأت) الزوجة (باللعان قبله أي قبل الزوج لم يصح (1)(أو نقص أحدهما شيئا من الألفاظ) أي الجمل (الخمسة) لم يصح (2)(أو لم يحضرهما حاكم أو نائبه) عند التلاعن، لم يصح (3)(أو أبدل) أحدهما (لفظه، أشهد، بأقسم، أو أحلف) لم يصح (4)(أو) أبدل الزوج (لفظة اللعنة بالإبعاد) أو الغضب ونحوه، لم يصح (5)(أو) أبدلت لفظة (الغضب بالسخط لم يصح) اللعان، لمخالفته النص (6) وكذا إن علق بشرط (7) أو عدمت موالاة الكلمات (8) .
(1) لأنه خلاف المشروع، ولأن لعانه بينة الإثبات، ولعانها بينة الإنكار، فلم يجز تقديمها، وكذا إن أتى به قبل طلبها لم يصح، إن لم يكن ولد يريد نفيه.
(2)
لأن الله تعالى علق الحكم عليها، ولأن نص القرآن أتى بها على خلاف القياس بعدد، فكان واجبا، كسائر المقدرات بالشرع، ولأنها بينة، فلم يجز النقص من عددها، كالشهادة.
(3)
لأنه يمين في دعوى، فاعتبر فيه أمر الحاكم، كسائر الدعاوي.
(4)
لأن اللعان يقصد فيه التغليظ، ولفظ الشهادة أبلغ فيه.
(5)
أو قدم اللعنة فيما قبل الخامسة لم يصح، لمخالفة النص.
(6)
أو أتى به أحدهما قبل إلقائه عليه من الإمام أو نائبه لم يصح، كما لو حلف قبل أن يحلفه الحاكم.
(7)
أي وكذا الحكم إن علق أحدهما اللعان بشرط، كأن يقول: لقد زنت زوجتي هذه، إن صدقني فلان، لم يصح.
(8)
أي في اللعان عرفا، لم يصح اللعان، لأنه ورد في القرآن على هذا الترتيب فوجب أن يتقيد بلفظه، فمذهب جماهير العلماء، على ما يقتضيه لفظ القرآن.
فصل (1)
(وإن قذف زوجته الصغيرة (2) أو المجنونة بالزنا عزر ولا لعان) (3) لأنه يمين فلا يصح من غير مكلف (4)(ومن شرطه قذفها) أي الزوجة (بالزنا لفظا) قبله (5)(كـ) قوله (زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر)(6) لأن كلا منهما قذف يجب به الحد (7) ولا فرق بين الأعمى والبصير (8) .
(1) في بيان شروط اللعان، وما يثبت به من الأحكام.
(2)
أي التي لا يوطأ مثلها بالزنا، عزر ولا لعان.
(3)
أي: أو قذف زوجته المجنونة، حال جنونها بالزنا، عزر ولا لعان بينهما.
(4)
أي: لأن اللعان يمين، لقوله صلى الله عليه وسلم «لولا الإيمان لكان لي ولها شأن» فلا يصح اللعان من غير مكلف، إذ لا عبرة بقوله: فلا يوجب حدا واللعان إنما وجب لإسقاط الحد.
(5)
أي ومن شرط صحة اللعان: قذف زوجته بالزنا، قبل اللعان.
(6)
وكذا قال مالك، والشافعي، يكون قاذفا بقوله ذلك.
(7)
فجاز اللعان درءا للحد عنه، فإن لم يقذفها فلا لعان.
(8)
نص عليه.
لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية (1)(فإن قال) لزوجته (وطئت بشبهة أو) وطئت (مكرهة أو نائمة (2) أو قال لم تزن، ولكن ليس هذا الولد مني (3) فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه) (4) لقوله صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش» (5)(ولا لعان) بينهما (6) لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد (7) .
(1) فدلت الآية بعمومها، على جواز اللعان من الأعمى كالبصير، إذ لا فرق بينهما في ذلك، وعموم اللفظ يقدم على خصوص السبب.
(2)
أو قال: وطئت مع إغماء، أو جنون، فلا لعان بينهما لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد، ولحقه الولد للخبر الآتي، وإن قال: وطئك فلان بشبهة، وكنت عالمة، فقال الموفق وغيره: له اللعان ونفي الولد، وصوبه في الإنصاف، وقال القاضي: لا يلاعن فالله أعلم.
(3)
أو قال: لم أقذفك، ولكن ليس هذا الولد مني.
(4)
أي فشهدت ببينة وتكفي امرأة ثقة، أنه ولد على فراشه، وهي فراشه، أي في عصمته، لحقه نسبه، إذ الولد للفراش.
(5)
فدل الحديث على لحوق النسب، إذا ثبت الفراش.
(6)
أي في قوله، وإن قال لزوجته، وطئت بشبهة، وما عطف عليه، وإذا قذفها ثم مات قبل لعانها، أو قبل إتمام لعانه، سقط اللعان، ولحقه الولد، وورثه إجماعا.
(7)
ولو كان بينهما ولد، فلا يلاعن لنفيه، ويلحقه نسبه للخبر.
ومن شرطه أن تكذبه الزوجة (1)(وإذا تم) اللعان (سقط عنه) أي عن الزوج (الحد) إن كانت محصنة (والتعزير) إن كانت غير محصنة (2)(وثبتت الفرقة بينهما) أي بين الزوجين بتمام اللعان (بتحريم مؤبد)(3) ولم لم يفرق الحاكم بينهما (4) أو أكذب نفسه بعد (5) وينتفي الولد إن ذكر في اللعان صريحا (6) .
(1) ويستمر ذلك إلى انقضاء اللعان، وإن صدقته أو ثبت زناها، أو قذف خرساء ونحوها، لحقه النسب، ولا حد ولا لعان.
(2)
أي حرة عفيفة بلعانه، لقوله صلى الله عليه وسلم لهلال «البينة أو حد في ظهرك» ، فنزلت الآية، وشهد كما في الآية، ولأن شهادته أقيمت مقام بينة وهي تسقط الحد، فكذا لعانه، وإن نكل عن اللعان، أو تمامه، فعليه الحد، وإن قذفها برجل بعينه، ولم يلاعن، فلكل منهما المطالبة بالحد.
(3)
ولم يحتج إلى طلاق، أو فسخ، لما في الصحيحين «ذلكم التفريق بين كل متلاعنين» ، ولأبي داود وغيره؛ ثم لا يجتمعان أبدا، وقال ابن مسعود وغيره، مضت السنة بذلك وهو مقضتى حكم اللعان، ومذهب جماهير العلماء.
(4)
وهو مذهب الجمهور أن الفرقة تقع بنفس اللعان، لما في صحيح مسلم ذلك التفريق بين كل متلاعنين، وقوله «لا سبيل لك عليها» وغير ذلك، مما هو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما، بنفس اللعان.
(5)
أي بعد اللعان، ثبتت الفرقة بينهما بتحريم مؤبد.
(6)
كقوله: أشهد بالله لقد زنت، وما هذا ولدي، وتقول هي: أشهد بالله لقد كذب، وهذا الولد ولده.
أو تضمنا (1) بشرط أن لا يتقدمه إقرار به، أو بما يدل عليه (2) كما لو هنئ به فسكت (3) أو أمن على الدعاء (4) أو أخر نفيه مع إمكانه (5) ومتى أكذب نفسه بعد ذلك لحقه نسبه (6) وحد لمحصنة، وعزر لغيرها (7) .
(1) كأن يقول: أشهد بالله، لقد زنت في طهر لم أصبها فيه، واعتزلتها حتى ولدت.
(2)
أي وينتفي بشرط أن لا يتقدم اللعان إقرار بالمنفي، أو إقرار بما يدل على الإقرار به، كما لو نفاه وسكت عن توأمه.
(3)
لم ينتفت لأن السكوت صلح، دال على الرضى.
(4)
كأن يقول: بارك الله عليك، أو رزقك الله مثله، ونحوه، لم ينتف وهو قول أبي حنيفة، لأنه جواب الراضي في العادة.
(5)
أي إمكان النفي بلا عذر، أو أخره رجاء موته، لأنه خيار لدفع ضرر، فكان على الفور، كخيار الشفعة، وإن قال: لم أعلم به، أو لم أعلم أن لي نفيه، أو أنه على الفور، وأمكن صدقه قبل، ولعذر كحبس ومرض، ونحو ذلك لم يسقط نفيه.
(6)
أي نسب الولد الذي أقر به، لتكذيبه لنفسه بعد نفيه، إذا كان حيا، غنيا كان أو فقيرا، قال الموفق: بغير خلاف بين أهل العلم، وكذا إن كان ميتا.
(7)
كذمية أو رقيقة، سواء كان لاعن أولا، لأن اللعان يمين أو بينه درأت عنه الحد، أو التعزير، فإذا أقر بما يخالفه بعده سقط حكمه، قال الموفق، يلزمه الحد إذا أكذب نفسه، قبل لعانها أو بعده، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفا.