الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حد المسكر
(1)
أي الذي ينشأ عنه السكر، وهو اختلاط العقل (2)(كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام (3) وهو خمر من أي شيء كان) (4) لقوله عليه الصلاة والسلام «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» (5) .
(1) أي هذا باب يذكر فيه حد متناول المسكر، والمسكر: اسم فاعل، من أسكر الشراب، فهو مسكر: إذا جعل صاحبه سكرانا، أو كان فيه قوة تفعل ذلك، والسكران خلاف الصاحي، والخمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
(2)
أي والسكر: هو اختلاط العقل، وقال الشافعي وأحمد: هو أن يخلط في كلامه خلاف عادته، وقال مالك: إذا استوى عنده الحسن والقبيح فهو سكران.
(3)
حده بحد يتناول كل فرد من أفراد المسكر لقوله صلى الله عليه وسلم «ما أسكر كثيره فقليله حرام» رواه أبو داود وغيره.
قال الوزير: اتفقوا على أن كل شراب يسكر قليله فكثيره حرام، ويسمى خمرا، وفيه الحد، وقال: اتفقا على أن الخمر حرام، قليلها وكثيرها، وفيها الحد، وكذلك اتفقوا على أنها نجسة، وأجمعوا على أن من استحلها حكم بكفره.
(4)
وسواء كان ذلك من عصير العنب النيئ، أو مما عمل من التمر والزبيب، والحنطة والشعير، والذرة، والأرز، والعسل والجوز، ونحوها، مطبوخا كان ذلك أو نيئا، إلا أبا حنيفة فيسمى عنده نقيعا ونبيذا.
(5)
وقال عمر: الخمر ما خامر العقل، وقال الراغب وغيره: كل شيء يستر
العقل يسمى خمرا، لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل، وسترها له، وهو قول جمهور أهل اللغة، وحكى ابن عبد البر عن أهل الحجاز، وأهل الحديث، وغيرهم أن كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، بإجماع المسلمين، قال الشيخ: والحشيشة نجسة في الأصح، وهي حرام، سواء سكر منها، أو لم يسكر، والمسكر منها حرام باتفاق المسلمين، وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر، وظهورها في المائة السادسة.
رواه أحمد وأبو داود (1)(ولا يباح شربه) أي شرب ما يسكر كثيره (للذة ولا لتداو (2) ولا عطش ولا غيره (3) إلا لدفع لقمة غص بها، ولم يحضره غيره) أي غير الخمر، وخاف تلفا، لأنه مضطر (4) ويقدم عليه بول (5) .
(1) وهو في الصحيحين من غير وجه، بهذا اللفظ، وبلفظ «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، وكل شراب أسكر فهو حرام» ، فكل مسكر يقال له خمر، ويحكم بتحريمه، قال أحمد: في تحريم المسكر عشرون وجها، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
لقوله صلى الله عليه وسلم «إنه ليس بدواء، ولكنه داء» رواه مسلم، وقال ابن مسعود، إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم.
(3)
أي غير ما ذكر، للذة أو لتداو، أو عطش، فإنه لا يحصل به ري، بل فيه من الحرارة ما يزيد العطش.
(4)
بحيث لم يجد ما يسيغها، فيجوز له تناوله، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} حفظا للنفس.
(5)
أي يقدم على الخمر لدفع لقمة غص بها، بول لوجوب الحد باستعمال المسكر دون البول.
وعليهما ماء نجس (1)(وإذا شربه) أي المسكر (المسلم)(2) أو شرب ما خلط به ولم يستهلك فيه (3) أو أكل عجينا لت به (4)(مختارا عالما أن كثيره يسكر، فعليه الحد (5) ثمانون جلدة مع الحرية) (6) لان عمر استشار الناس في حد الخمر (7) .
(1) أي: ويقدم على المسكر والبول ماء نجس، لأن الماء مطعوم، بخلاف البول، وإنما منع من حل استعماله نجاسته، وإن شرب الخمر لعطش، فقال الموفق: إن كانت ممزوجة بما يروي من العطش أبيحت لدفعه عند الضرورة، وصرفا، لم تبح، وعليه الحد.
(2)
فعليه الحد بشرطه، لقوله صلى الله عليه وسلم «من شرب الخمر فاجلدوه» رواه أبو داود وغيره، ولا نزاع في ذلك.
(3)
حد، فإن استهلك فيه ثم شرب لم يحد لأنه باستهلاكه في الماء لم يسلب اسم الماء عنه.
(4)
أو طبخ به لحما فأكل من مرقة، حد، لأن عين الخمر موجودة في ذلك.
(5)
مختارا لا مكرها، عالما أن كثيره يسكر، سواء كان من عصير العنب، أو غيره من المسكرات، ولو لم يسكر حد لما سبق.
(6)
لإجماع الصحابة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.
(7)
وذلك أن غالب الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقروا العقوبة، وكان عنده المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم، فلم ينكره منهم أحد، وقال السائب: حتى إذا عتوا في شرب الخمر وفسقوا، جلد عمر ثمانين.
فقال عبد الرحمن: اجعله كأخف الحدود ثمانين (1) فضرب عمر ثمانين (2) وكتب به إلى خالد، وأبي عبيدة في الشام، رواه الدارقطني وغيره (3) فإن لم يعلم أن كثيره يسكر فلا حد عليه، ويصدق في جهل ذلك (4)(و) عليه (أربعون مع الرق) عبدا كان، أو أمة (5) .
(1) ولأبي داود، فأجمعوا أن يضرب ثمانين.
(2)
قال ابن القيم: ألحق عمر حد الخمر بحد القذف، وأقره الصحابة، وقال الشيخ: حد الشرب ثابت بالسنة، وإجماع المسلمين، أربعين والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة، إذا أدمن الناس الخمر، وكانوا لا يرتدعون بدونها ونحو ذلك.
(3)
ولأبي داود عن ابن أزهر، ثم أثبته معاوية رضي الله عنه، ولم ينكر عليه، وهذا والله أعلم لتهالك أكثر الناس في شربها، ولم يرتدعوا قال الشيخ: الصحيح أن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين، ليست واجبة على الإطلاق، ولا محرمة على الإطلاق، بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام، كما جوزنا له الاجتهاد في صفة الضرب فيه، بالجريد والنعال وأطراف الثياب، بخلاف بقية الحدود، ومع قلة الشاربين، وقرب أمر الشارب، قال الشيخ: تكفي الأربعون، وهذا أثبت القولين اهـ، ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم فالزيادة تعزير إذا رآها الإمام.
(4)
فيشترط لوجوب الحد، علمه بالتحريم، قال الموفق: في قول عامة أهل العلم، وقال عمر وعثمان، لا حد إلا على من علمه.
(5)
وأجمعوا على أنهم على النصف من حد الأحرار على أصل كل من أهل العلم، الأئمة الأربعة، وغيرهم، للآية وغيرها.
ويعزر من وجد منه رائحتها (1) أو حضر شربها (2) لا من جهل التحريم (3) لكن لا يقبل ممن نشأ بين المسلمين (4) ويثبت بإقراره مرة، كقذف (5) أو بشهادة عدلين (6) .
(1) وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وعن أحمد: أنه يحد بوجود الرائحة إذا لم يدع شبهة، وهو قول مالك، واختيار الشيخ، وقال: من قامت عليه شواهد الحال بالجناية، كرائحة الخمر، أولى بالعقوبة ممن قامت عليه شهادة به أو إخباره عن نفسه، التي تحتمل الصدق والكذب، وهذا متفق عليه بين الصحابة وقال ابن القيم: حكم عمر وابن مسعود بوجوب الحد برائحة الخمر في الرجل أو غيره، ولم يعلم لهما مخالف، ومن وجد سكران، أو تقيأه حد لأنه لم يسكر ولم يتقيأ إلا وقد شربها.
(2)
عزر، نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم «لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه» رواه أبو داود.
(3)
قال الشيخ: إذا شك في المطعوم والمشروب، هل يسكر أم لا، لم يحرم بمجرد الشك، ولم يقم الحد على شاربه، ولا ينبغي إباحته للناس، إذا كان يجوز أن يكون مسكرا، لأن إباحة الحرام، مثل تحريم الحلال.
(4)
لأنه لا يكاد يخفى على مثله، فلا تقبل دعواه فيه.
(5)
لأن كل منهما لا يتضمن إتلافا، بخلاف السرقة، ومتى رجع قبل منه لانه حق الله تعالى.
(6)
أي: أو يثبت حد المسكر، بشهادة رجلين عدلين يشهدان أنه شرب مسكرا، ولا يحتاج إلى بيان نوعه، ولا أنه شربه مختارا عالما أنه مسكر، عملا بالظاهر.
ويحرم عصير غلا (1) أو أتي عليه ثلاثة أيام بلياليها (2) ويكره الخليطان كنبيذ تمر مع زبيب (3) لا وضع تمر أو نحوه وحده في ماء لتحليته (4) ما لم يشتد (5) أو تتم له ثلاثة أيام (6) .
(1) أي يحرم عصير عنب أو قصب أو رمان أو غيره، غلا كغليان القدر، بأن قذف بزبده، ولو لم يسكر، لأن علة التحريم: الشدة الحادثة، وهي توجد بوجود الغليان، قال الموفق: لا خلاف في تحريمه، وهو ظاهر حديث أبي هريرة: تحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته به، فإذا هو ينش فقال:«اضرب بهذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر» رواه أبو داود.
(2)
حرم ولو لم يوجد منه غليان، لما روي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشربه إلى مساء ثالثة، ثم يأمر به فيسقى الخادم، أو يهراق.
(3)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وقال أخمد: الخليطان حرام، وفي الصحيحين نهى أن يجمع بين التمر والزهو، والتمر والزبيب، ولينبذ كل واحد منهما على حدة وقال القاضي: قول أحمد هو حرام، إذا اشتد وأسكر، وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لعلة إسراعه إلى السكر المحرم.
(4)
أي لا يكره وضع تمر وحده في ماء لتحليته، أو وضع نحو التمر، كزبيب أو مشمش أو عناب، كل منها وحده، في ماء لم يكره، لما تقدم، ولما رواه مسلم وغيره: نهانا أن نخلط بسرا بتمر، أو زبيبا بتمر، وقال: من شربه منكم فليشربه زبيبا فردا، أو تمرا فردا، أو بسرا فردا.
(5)
أي: يغل، كما تقدم.
(6)
أي ولو لم يغل، لأن الشدة تحصل في الثلاث، غالبا، وهي خفية تحتاج إلى ضابط، فجعلت الثلاث ضابطا لها، ولا يكره فقاع حيث لم يشتد، ولم يغل، لأنه نبيذ يتخذ لهضم الطعام، ولا انتباذ في دباء، ونحوه.