الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حد القذف
(1)
وهو الرمي بزنا أو لواط (2)(إذا قذف المكلف) المختار (3) ولو أخرس بإشارة بالزنا (محصنا)(4) ولو مجبوبا، أو ذات محرم، أو رتقاء (5) .
(1) القذف في الأصل: رمي الشيء بقوة، ثم استعمل في الرمي بالزنا ونحوه، من المكروهات، والقذف محرم بالكتاب والسنة والإجماع، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية وقوله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات» وعد منها قذف المحصنات، وأجمع المسلمون على تحريمه، بل عدوه من الكبائر.
(2)
أو شهادة بأحدهما، ولم تكمل البينة، كما تقدم، واللواط عمل قوم لوط، اشتق الناس من اسمه فعلا لمن عمل عمل قومه، واللوطية من عمل عملهم.
(3)
محصنا حد، لا المكره، وإن أذن له في قذفه، فمن قال: هو حق لله حد، ومن قال لآدمي: لم يجب عليه عنده الحد: ويعزر لفعل المحرم.
(4)
أي ولو كان القاذف أخرس، بإشارة مفهومه بالزنا حد، إذا قذف محصنا.
(5)
أي ولو كان قذف مجبوبا، أي مقطوع الذكر بالزنا، أو قذف ذات محرم منه بالزنا، أو قذف رتقاء بالزنا، أو قذف قرناء، وكذا إن قذف مريضا أو
مريضة.
(جلد) قاذف (ثمانين جلدة إن كان) القاذف (حرا)(1) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (2)(وإن كان) القاذف (عبدا) أو أمة ولو عتق عقب قذف، جلد (أربعين) جلدة كما تقدم في الزنا (3)(و) القاذف (المعتق بعضه) يجلد (بحسابه)(4) فمن نصفه حر يجلد ستين جلدة (5) .
(1) قال الموفق غيره: قد أجمع العلماء على وجوب الحد، على من قذف محصنا، وأن حده ثمانون إن كان حرا.
(2)
أي والذين يقذفون بالزنا، المحصنات، الحرائر العفائف، العاقلات، ثم لم يأت القذفة بأربعة شهداء على ما رموهن به، فاجلدوهم ثمانين جلدة، أي فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة، ولا فرق بين الذكر والأنثى، وإنما خصهن لخصوص الواقعة، ولأن قذفهن أغلب وأشنع، ثم قال:{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وقال ابن رشد: اتفقوا على انه يجب على القاذف مع الحد سقوط شهادته، ما لم يتب، واتفقوا على أن التوبة لا ترفع الحد.
(3)
إذا جلد فيه، لقوله تعالى:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} وقال ابن رشد وغيره: اتفقوا على أن حد القذف ثمانون جلدة للقاذف الحر، والعبد على النصف، للآية وغيرها، ولأن الله لم يجعله كالحر من كل وجه، لا قدرا ولا شرعا.
(4)
أي بحساب ما عتق منه، كالحر، وما بقي كالعبد.
(5)
ومن ربعه حر يجلد خمسين، وهكذا، لأنه حد يتبعض، فكان على القن فيه من العذاب، نصف ما على الحر.
(وقذف غير المحصن) ولو قنه (يوجب التعزير) على القاذف (1) ردعا عن أعراض المعصومين (2)(وهو) أي حد القذف (حق للمقذوف)(3) فيسقط بعفوه ولا يقام إلا بطلبه، كما يأتي (4) لكن لا يستوفيه بنفسه، وتقدم (5)(والمحصن هنا) أي في باب القذف (6) هو (الحر المسلم العاقل العفيف) عن الزنا ظاهرا، ولو تائبا منه (7) .
(1) يعني لنحو مشرك وذمي وقن، ولو كان القاذف سيده، وكذا القاذف لمسلم دون تسع سنين، ومن ليس بعفيف.
(2)
وكفا له عن أذاهم، فحيث انتفى الحد وجب التعزير.
(3)
كالقود.
(4)
أي يسقط حق المقذوف، بعفوه عن القاذف، ولو بعد طلبه، ولا يستحلف المنكر فيه، ولا يقبل رجوعه عن القذف، كسائر حقوقه، ولا يقام حد القذف، إلا بطلبه، كما سيأتي قريبا، ولا يجوز أن يعرض له إلا بطلبه، وذكره الشيخ إجماعا.
(5)
في أول كتاب الحدود، وهو قوله: فيقيمه الإمام أو نائبه مطلقا، لأنه يفتقر إلى اجتهاد، ولا يؤمن من استيفائه الحيف، فإن فعل لم يعتد به، قال ابن رشد: لا خلاف أن الإمام يقيمه في القذف.
(6)
من وصفه، بخلاف الإحصان في باب النكاح.
(7)
أكثر الفقهاء، يشترط للإحصان، خمسة شروط، أحدها: الحرية، ورجحه الموفق وغيره، وكذا الإسلام، وأما العقل فاتفاق، وكذا العفاف ظاهرا، ولو كان تائبا من الزنا، لأن التوبة تمحو الذنب، والخامس من يجامع مثله.
(الملتزم (1) الذي يجامع مثله) وهو ابن عشر، وبنت تسع (ولا يشترط بلوغه)(2) لكن لا يحد قاذف غير بالغ، حتى يبلغ ويطالب (3) ومن قذف غائبا لم يحد، حتى يحضر، ويطالب (4) أو يثبت طلبه في غيبته (5) .
(1) كذا في الرعاية والوجيز، ولم يذكر في الفروع، ولا في الإقناع، ولا في المنتهى، ولا المغني ولا الشرح، لأن المتلزم، يراد به، ما قابل الحربي وغيره، فيدخل فيه الذمي مع أنه خارج بقوله: المسلم، وقيل: إذا قذف ذمية لها ولد مسلم، حد وقال الموفق: ما لا يحد قاذفه إذا لم يكن له ولد، لا يحد وله ولد كالمجنونة.
(2)
أي والمحصن: هو الحر المسلم العاقل، العفيف الذي يجامع مثله، وقال ابن رشد: اتفقوا على أن من شرط المقذوف، أن يجتمع فيه خمسة أوصاف، البلوغ والحرية والعفاف، والإسلام وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف لم يجب الحد والجمهور بالجملة، على اشتراط الحرية في المقذوف اهـ وعن أحمد: أن البلوغ شرط، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وما مشى عليه فقال الموفق: لأنه حر عاقل عفيف، أشبه الكبير، وهو قول مالك، وعليه: ولا بد أن يكون كبيرا يجامع مثله، وأدناه أن يكون للغلام عشر، وللجارية تسع.
(3)
أي بالحد بعد بلوغه، لعدم اعتبار كلامه قبل البلوغ، وليس لوليه المطالبة عنه بالحد، حذرا من فوات التشفي، وكذا لو جن المقذوف، أو أغمي عليه قبل الطلب.
(4)
لأنه حق له أشبه سائر حقوقه.
(5)
فيحد القاذف، لوجود شرطه، وإن كان القاذف مجنونا، أو مبرسما أو نائما، أو صغيرا، فلا حد عليه.
ومن قال لابن عشرين: زنيت من ثلاثين سنة لم يحد (1)(وصريح القذف) قوله (يا زاني يا لوطي (2) ونحوه) كيا عاهر (3) أو قد زنيت أو زنى فرجك (4) ويا منيوك ويا منيوكة، إن لم يفسره بفعل زوج أو سيد (5) .
(1) للعلم بكذبه، وإن قال لمسلمة، زنيت وأنت نصرانية، أو وأنت أمة، ولم تكن كذلك، حد للعلم بكذبه، وأما شرط القاذف، فقال ابن رشد: اتفقوا على أنه البلوغ، والعقل، سواء كان ذكرا أو أنثى، حرا أو عبدا، مسلما، أو غير مسلم.
(2)
ألفاظ القذف، تنقسم إلى صريح وكناية، وصريح القذف هو ما لا يحتمل غيره، كقول القاذف يا زاني، يا لوطي، لأن اللوطي في العرف، من يأتي الذكور، وإن قال: أردت بزاني، زاني العين ونحوه، أو أنك من قوم لوط، أوأنك تعمل عملهم، غير إتيان الذكور لم يقبل.
(3)
وأصل العهر، إتيان الرجل المرأة ليلا، للفجور بها، ثم غلب على الزنا، سواء جاءها أو جاءته، ليلا أو نهارا.
(4)
أو رأيتك تزنين، أو أنت أزنى الناس، ونحو ذلك، مما لا يحتمل غيره.
(5)
أي وصريح القذف، إن قال: يا منيوك، ويا منيوكة حد إن لم يفسره بفعل زوج أو سيد، فإن فسره بذلك، فليس قذفا، وذلك إذا قاله لها بعد عتقها. وفسره بفعل السيد قبل عتقها، وفسره بفعل الزوج قبل فراقها، إذ لا بد من تقييده بذلك.
(وكنايته) أي كناية القذف (يا قحبة) و (يا فاجرة) و (يا خبيثة)(1) و (فضحت زوجك، أو نكست رأسه (2) أو جعلت له قرونا (3) ونحوه) كعلقت عليه أولادا من غيره، أو أفسدت فراشه (4) ولعربي: يا نبطي ونحوه (5) وزنت يدك، أو رجلك ونحوه (6) .
(1) أي وكناية القذف والتعريض به، ما يحتمل غير الزنا، فإذا فسره بغيره لم يحد، قال أحمد: لا أرى الحد إلا على من صرح بالقذف والشتيمة، فإذا قال القاذف: يا قحبة، إذا فسره بأنها تصنع للفجور قبل، قال السعدي: قحب البعير والكلب سعل، وهي في زماننا المعد للزنا، أو قال: يا فاجرة أي مخالفة لزوجها فيما يجب طاعتها فيه، أو قال يا خبيثة من خبث الشيء، فهو خبيث، إن فسر بغير القذف، قبل اختاره الموفق وغيره.
(2)
إن فسره بغير القذف، قبل، لأنه يحتمل أن يكون فضحته بشكواك، وأن يكون نكست رأسه حياء من الناس، وكذا غطيت رأسه.
(3)
إن فسره بغير القذف، قبل، لأنه يحتمل أنه مسخر منقاد لك، كالثور.
(4)
إن فسره أيضا بغير القذف قبل، لأنه يحتمل أولادا من زوج آخر، أو وطء بشبهة، وكذا إن فسر إفساد فراشه بالنشوز، أو الشقاق، او التخريق، قبل.
(5)
كيا زنجي، أو يا فارسي، أو يا رومي، إن فسره بمحتمل غير القذف قبل بأن قال: أردت بالنبطي نبطي اللسان، ونحوه وبالرومي رومي الخلقة، وعزر لارتكابه معصية لا حد فيها، ولا كفارة.
(6)
كزنت عيناك لأن زنا هذه لا يوجب الحد، لحديث «العينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان، وزناهما البطش، والرجلان تزنيان، وزناهما المشي» .
(وإن فسره بغير القذف قبل) وعزر (1) كقوله: يا كافر، يا فاسق، يا فاجر، يا حمار، ونحوه (2)(وإن قذف أهل بلد (3) أو) قذف (جماعة لا يتصور منهم الزنا عادة عزر) لأنه لا عار عليهم به، للقطع بكذبه (4) كذا لو اختلفنا في أمر، فقال أحدهما الكاذب ابن الزانية، عزر ولا حد (5) .
(1) أي قبل مع يمينه، لأنه يحتمل غير الزنا، وعزر، لارتكابه المعصية، وإن فسر ما تقدم من الكناية بالزنا، فهو قذف، لأنه أقر على نفسه بما هو الأغلظ عليه، وإن كان نوى الزنا بالكناية، لزمه الحد باطنا، ويلزمه إظهار نيته.
(2)
أي كما أنه يعزر بقوله يا كافر يعزر بنحوه كياتيس، يا خنزير يا كلب يا رافضي يا عدو الله، يا كذاب يا خائن، يا شارب يا مخنثة يا قواد يا ديوث، ونحوها.
(3)
لا يتصور الزنا منهم عادة عزر، ولا حد، لأنه لا عار عليهم به، للقطع بكذبه.
(4)
وعزر على ما أتى به من المعصية، ولو لم يطلب أحد منهم، وقال ابن رشد فيما إذا قذف جماعة، قالت طائفة ليس عليه إلا حد واحد، جمعهم في القذف، أو فرقهم وبه قال مالك وأبو حنيفة، والثوري وأحمد وجماعة، وقال قوم: بل عليه لكل واحد حد، وبه قال الشافعي، وحجة الجمهور، قصة هلال بن أمية، لاعن بينهما، ولم يحد لشريك، وذلك إجماع.
(5)
ولو شتم شخصا فقال: أنت ملعون ولد زنا، وجب عليه التعزير، على مثل هذا الكلام، يجب عليه حد القذف، وإن لم يقصد بهذه الكلمة ما يقصده كثير من الناس، أن المشتوم فعله خبيث كفعل ولد الزنا.
(ويسقط حد القذف بالعفو) أي عفو المقذوف عن القاذف (1) .
(ولا يستوفى) حد القذف (بدون الطلب) أي طلب المقذوف لأنه حقه، كما تقدم (2) ولذلك لو قال المكلف: اقذفني فقذفه لم يحد، وعزر (3) وإن مات المقذوف، ولم يطالب به سقط (4) وإلا فلجميع الورثة (5) ولو عفا بعضهم حد للباقي كاملا (6) ومن قذف ميتا حد بطلب وارث محصن (7) .
(1) ويبقى ما كان لله، فيعزر بما يردعه عن التمادي في القذف المحرم، المتوعد عليه باللعن، والعذاب الأليم.
(2)
وقال الشيخ: لا يحد القاذف إلا بالطلب إجماعا وإن قذف شخصا مرارا، فحد واحد، إذا لم يحد لواحد منها، حكاه ابن رشد وغيره اتفاقا، وأنه إن قذفه فحد، ثم قذفه ثانيا حد حدا ثانيا.
(3)
أي لفعله المعصية، ولم يحد، لأن الحد حق للمقذوف وقد أسقطه بالإذن فيه.
(4)
كالشفيع إذا مات، قبل الطلب بالشفعة.
(5)
أي وإلا فإن طالب مقذوف قبل موته لم يسقط، للعلم بقيامه على حقه. فلجميع الورثة بصفة ما كان للموروث لأنه تعيير له، وطعن في نسبه.
(6)
للحوق العار بكل واحد منهم على انفراده، ولا يرث الولد حد القذف على أبويه لأنه لا يملك إقامته عليهما، كما لو وجب عليهما قود أيضا ولا يلزم الوالد الحد إذا قذف ولده.
(7)
خاصة لما فيه من التعيير، ولو كان الميت غير محصن فالإحصان
هنا معتبر للوارث فقط، وإن كان الوارث غير محصن، بأن كان عبدا أو كافرا ونحوه فلا حد كما لو قذفه ابتداء.
ومن قذف نبيا كفر (1) وقتل ولو تاب (2) أو كان كافرا فأسلم (3) .
(1) أو قذف أمه كفر، لأنه ردة عن الإسلام، وخروج عن الملة، وكذلك السب بغير القذف، يسقط الإسلام، قال الشيخ: وقذف نساء النبي صلى الله عليه وسلم كقذفه، لقدحه في دينه، وإنما لم يقتلهم، لأنهم تكلموا قبل علمه ببراءتها.
(2)
لأنه حد قذف، فلا يسقط بالتوبة، لأن قذف غيره لا يسقط بالتوبة، فقذفه أولى بعدم السقوط، وقال الشيخ: في القاذف إذا تاب قبل علم المقذوف، هل تصح توبته، الأشبه أنه يختلف باختلاف الناس، وقال: قال أكثر العلماء إن علم به المقذوف، لم تصح توبته، وإلا صحت، ودعا له، واستغفر وعلى الصحيح من الروايتين: لا يجب له الاعتراف لو سأله فعرض، ولو مع استحلافه، لأنه مظلوم وتصح توبته، وفي تجويز التصريح بالكذب المباح هنا نظر، ومع عدم توبته وإحسانه تعريضه كذب، ويمينه غموس، واختيار أصحابنا: لا يعلمه، بل يدعو له في مقابلة مظلمته.
(3)
أي كافرا ملتزما، لا إن سبه بغير القذف ثم أسلم، كما تقدم، قال في الإنصاف ويسقط سبه بالإسلام، كسب الله تعالى.