المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ ‌ ‌كتاب الشهادات (1)   (واحدها شهادة (2) مشتقة من المشاهدة، لأن الشاهد - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الظهار

- ‌التوأمان المنفيان أخوان لأم

-

- ‌كتاب العدد

- ‌من انقضت عدتها قبل موته

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الأقاربوالمماليك من الآدميين والبهائم

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌بابشروط وجوب القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفسمن الأطراف والجراح

- ‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌باب القسامة

-

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

-

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌باب جامع الأيمان المحلوف بها

- ‌باب النذر

-

- ‌باب آداب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب موانع الشهادة وعدد الشهودوغير ذلك

- ‌فصل في عدد الشهود

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

- ‌نبذة مختصرة عن مؤلفي هذا الكتاب، وتاريخ وموضوع كل مجلد، والإشراف على الطبع

الفصل: ‌ ‌ ‌ ‌كتاب الشهادات (1)   (واحدها شهادة (2) مشتقة من المشاهدة، لأن الشاهد

‌كتاب الشهادات

(1)

(واحدها شهادة (2) مشتقة من المشاهدة، لأن الشاهد يخبر عما شاهده (3) وهي الإخبار بما علمه، بلفظ: أشهد أو شهدت (4)

(1) الشهادة حجة شرعية، تظهر الحق المدعى به، ولا توجبه، وظاهر كلام الشيخ وغيره: أنها سبب موجب للحق، وحيث امتنع أداؤها، امتنع كتابتها والأصل في الشهادة، الكتاب والسنة، والإجماع، والاعتبار، لدعاء الحاجة إليها.

(2)

وشهد الشيء إذا رآه وتطلق الشهادة على التحمل والأداء.

(3)

وتسمى بينة لأنها تبين ما التبس، وتكشف الحق في المختلف فيه.

(4)

هذا المشهور في المذهب، وعنه: لا يلزم وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، واختاره الشيخ وتلميذه وغيرهما، قال الشيخ: ولا يشترط في أداء الشهادة لفظ أشهد، وهو مقتضى قول أحمد وغيره، ولا أعلم نصا يخالفه، ولا يعرف عن صحابي ولا تابعي، واشتراط لفظ الشهادة، ولا يعتبر في أدائها، بدليل الأمة السوداء في الرضاع.

وقال ابن القيم: الإخبار شهادة محضة، في أصح الأقوال، وهو قول الجمهور فإنه لا يشترط في صحة الشهادة لفظ أشهد، بل متى قال الشاهد، رأيت كيت وكيت أو سمعت أو نحو ذلك، كانت شهادة منه، وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم موضع واحد يدل على اشتراط لفظ الشهادة، ولا عن رجل واحد من الصحابة، ولا قياس ولا استنباط يقتضيه، بل الأدلة المتظافرة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، ولغة العرب، تنفي ذلك.

ص: 580

تحمل الشهادة في غير حق الله تعالى (1)(فرض كفاية) فإذا قام به من يكفي، سقط عن بقية المسلمين (2)(وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه)(3) وإن كان عبدا، لم يجز لسيده منعه (4) لقوله تعالى:{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (5) .

(1) مالا كان حق الآدمي، كالبيع والقرض والغصب، أو غيره، كحد قذف.

(2)

أي إذا قام بالفرض في التحمل والأداء من يكفي، سقطت الفرضية عن بقية المسلمين، لحصول الغرض، قال الشيخ: يجب على من طلبت منه الشهادة أداؤها، بل إذا امتنع الجماعة من الشهادة، أثموا كلهم، باتفاق العلماء، وقدح ذلك في دينهم وعدالتهم.

(3)

تحمل الشهادة، كسائر فروض الكفايات، قال ابن القيم: التحمل والأداء حق، يأثم بتركه، وقال: قياس المذهب، أن الشاهد إذا كتم الشهادة بالحق ضمنه، لأنه أمكنه تخليص حق صاحبه، فلم يفعل، فلزمه الضمان، كما لو أمكنه تخليصه من هلكة فلم يفعل، وطرد هذا، الحاكم إذا تبين له الحق فلم يحكم لصاحبه، فإنه يضمنه لأنه أتلفه عليه، بترك الحكم الواجب عليه.

(4)

أي من تحمل الشهادة إذا دعي إلى ذلك.

(5)

أي لتحمل الشهادة، فعليهم الإجابة ومذهب الجمهور، أنه فرض كفاية وفي الأداء إذا دعي للأداء، فعليه الإجابة عينا، إذا تعينت عليه، وقال ابن القيم: تعم التحمل والأداء.

ص: 581

قال ابن عباس وغيره: المراد به التحمل للشهادة، وإثباتها عند الحاكم (1) ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، لإثبات الحقوق والعقود، فكان واجبا، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2) .

(وأداؤها) أي أداء الشهادة (فرض عين على من تحملها، متى دعي إليه)(3) لقوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (4)(و) محل وجوبها إن (قدر) على أدائها (بلا ضرر) يلحقه (في بدنه أو عرضه، أو ماله أو أهله)(5) .

(1) ولئلا يؤدي إلى امتناع الناس من تحملها، فيؤدي إلى ضياع الحقوق، فيجب التحمل والأداء، إذا دعي إليها أهل لها، لأن مقصود الشهادة، لا يحصل ممن ليس من أهلها.

(2)

أي فالتحمل فرض كفاية، كالأمر بالمعروف، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإلا تعين على من دعي إليه، أو علم أنه إذا كتم الشهادة ضاع حق صاحبه.

(3)

فيحرم كتمانها، فلو كان بيد إنسان شيء لا يستحقه، ولا يصل إليه مستحقه إلا بشهادتهم، لزم أداؤها وتعين.

(4)

أي إذا دعيتم، إلى إقامة الشهادة، فلا تخفوها، ولا تغلوها (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) فاجر قلبه، وعيد شديد بمسخ القلب، وإنما خصه، لأنه موضع العلم بالشهادة، فدلت الآية على فرضية أدائها عينا، على من تحمل متى دعي إليها.

(5)

أي: وإن قدر بلا ضرر في بدنه، من ضرب أو حبس أو مشقة سير

أو ماله بأخذ شيء منه، أو تلف ونحو ذلك، أو أهله لغيبته عنهم، وفي عرضه لخوف التبذل بالتزكية، فإن حصل له ضرر بشيء من ذلك، لم تجب وليس المراد أن يلوموه عليها، فإنه ليس بمانع.

ص: 582

وكذا لو كان ممن لا يقبل الحاكم شهادته (1) لقوله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} (2)(وكذا في التحمل) يعتبر انتفاء الضرر (3)(ولا يحل كتمانها) أي كتمان الشهادة لما تقدم (4) .

(1) لم يجب عليه الأداء ولا التحمل، لعدم قبولها عنده، لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه.

(2)

بأن يدعيا، وهما على حاجة، فيقال قد أمرتما، فليس له أن يضارهما، أو فلا يقال للشاهد شهدت علي، ولا للكاتب كتبت علي، وقيل غير ذلك، والمراد انتفاء الضرر عنهما، ولحديث:«لا ضرر ولا ضرار» .

(3)

فإن لحقه ضرر بتحمل شهادة أو أدائها، في بدنه أو عرضه، أو ماله أو أهله، لم تلزمه، أو كان الحاكم غير عدل، قال أحمد: كيف أشهد عند رجل ليس عدلا؟ لا أشهد، وفي الإنصاف: يختص الأداء بمجلس الحكم، وفي الإنصاف أيضا: من عنده شهادة لآدمي يعلمها، لم يقمها حتى يسأله، فإن لم يعلمها استحب له إعلامه بها، وقال الشيخ: الطلب الحالي أو العرفي، كاللفظي، علمها أولا، وهو ظاهر الخبر وخبر يشهدون ولا يستشهدون محمول على شهادة الزور، قال في الإنصاف هذا عين الصواب، ويجب عليه إعلامه إذا لم يعلم بها، وهذا مما لا شك فيه، قال الشيخ: إذا أداها قبل طلبه، قام بالواجب وكان أفضل.

(4)

من قوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} وهذا وعيد يوجب عدم الكتمان مع انتفاء الضرر.

ص: 583

فلو أدى شاهد وأبى الآخر، وقال: أحلف بدلي، أثم (1) ومتى وجبت الشهادة لزم كتابتها (2) ويحرم أخذ الأجرة، وجعل عليها، ولو لم تتعين عليه (3) لكن إن عجز عن المشي، أو تأذى به، فله أجرة مركوب (4) ومن عنده شهادة بحد لله، فله إقامتها وتركها (5)(ولا) يحل (أن يشهد) أحد (إلا بما يعلمه)(6) .

(1) قال في الترغيب: اتفاقا، لكتمان شهادته.

(2)

على من وجبت عليه، لئلا ينساها، وقال أحمد، إذا كان رديء الحفظ.

(3)

لأنها فرض كفاية، ومن قام به فقد قام بفرض، ولا يجوز أخذ الأجرة ولا الجعل عليه، وفي الإنصاف، الوجه الثاني: يجوز واختار الشيخ: يجوز لحاجة وقيل يجوز الأخذ مع التحمل.

(4)

وفي الرعاية: أجرة المركوب والنفقة على ربها، قال في الإنصاف: هذا إن تعذر حضور المشهود عليه إلى محل الشاهد، لمرض أو كبر أو حبس أو جاه أو خفر.

(5)

لأن حقوق الله مبنية على المسامحة، ولا ضرر في تركها على أحد والستر مأمور به، وقال الموفق وجماعة، يستحب ترك ذلك للترغيب في الستر، وفي الفروع، ويتوجه فيمن عرف بالشر والفساد، أن لا يستر عليه وصوبه في الإنصاف.

(6)

قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وقال: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي يعلم ما شهد به عن بصيرة وإيقان.

ص: 584

لقول ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، فقال:«ترى الشمس؟» ، قال: نعم، فقال:«على مثلها فاشهد أو دع» ، رواه الخلال في جامعه (1) .

والعلم إما (برؤية أو سماع) من مشهود عليه (2) كعتق وطلاق، وعقد (3) فيلزمه أن يشهد بما سمع (4) ولو كان مستخفيا حين تحمل (5)(أو) سماع (باستفاضة فيما يتعذر علمه) غالبا (بدونها (6)

(1) وأخرجه بن عدي بإسناد ضعيف، وقال البيهقي: لم يرد من طريق يعتمد عليه، وقال ابن حجر: ولكن معنى الحديث صحيح.

(2)

لأن مدرك الشهادة: الرؤية والسماع.

(3)

أي عقد بيع أو إجارة أو صلح أو نكاح، وغير ذلك، والمراد العلم في أصل المدرك لا في دوامه.

(4)

أي من معتق أو مطلق، أو بائع ونحو ذلك.

(5)

أي تحمله الشهادة، أو غير مستخف فيلزمه الشهادة بما سمع، على ما تقدم.

وقال مالك: إن كان المشهود عليه ضعيفا ينخدع، لم يقبلا عليه وإلا قبلت.

(6)

ولا تسمع شهادة باستفاضة، إلا فيما يتعذر علمه بدونها، وذلك بأن يشتهر المشهود به بين الناس، فيتسامعون به بإخبار بعضهم بعضا، والموت قد لا يباشره إلا الواحد.

ص: 585

كنسب وموت (1) وملك مطلق (2) ونكاح) عقده ودوامه (3)

(1) أما النسب فقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه، وقال الشيخ: يتوجه أن الشهادة بالدين، لا تقبل إلا مفسرة للسبب، ولو شهد شاهدان،: أن زيدا استحق من ميراث مورثه، قدرا معينا، أو من وقف كذا وكذا، جزءا معينا، أو أنه يستحق منه نصيب فلان، ونحو ذلك.

فكل هذا لا تقبل فيه الشهادة، إلا مع بيان السبب، لأن الانتقال في الميراث والوقف حكم شرعي، يدرك باليقين تارة، وبالاجتهاد أخرى، فلا تقبل حتى يتبين سبب الانتقال، بأن يشهد بشرط الواقف، وبمن بقي من المستحقين، أو يشهدا بموت المورث وبمن خلف من الورثة.

وحينئذ فإن رأى الحاكم أن ذلك السبب يفيد الانتقال حكم به، وإلا ردت الشهادة، وقبول مثل هذه الشهادة، يوجب أن تشهد الشهود، بكل حكم مجتهد فيه، مما اختلف فيه، أو اتفق عليه، وأنه يجب على الحكام الحكم بذلك، فتكون مذاهب الفقهاء مشهودا بها، حتى يقول الشاهد في مسألة الحمارية: أشهد أن هذا يستحق فيحكم به وهو يعتقد عدمه، فيتعين أن ترد مثل هذه الشهادة المطلقة.

(2)

كقوله: أشهد أن هذا ملك فلان، لاستفاضته عند الشاهد، وخرج بالمطلق ما لو استفاض أنه ملكه اشتراه من فلان، أو ورثه منه، أو وهب له، فهذا ملك مقيد بالشراء، أو الإرث، أو الهبة فلا تكفي فيه الاستفاضة، لأنه لا يتعذر بدونها، فيقول: أشهد أنه ملك فلان اشتراه من فلان.

(3)

قيل لأحمد: تشهد أن فلانة امرأة فلان؟ قال: نعم، إذا كان مستفيضا، فأشهد، أقول: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة وعائشة زوجتاه.

ص: 586

(ووقف ونحوها) كعتق وخلع، وطلاق (1) ولا يشهد باستفاضة إلا عن عدد يقع بهم العلم (2)(ومن شهد بـ) عقد (نكاح أو غيره من العقود فلابد) في صحة شهادته به (من ذكر شروطه)(3) لاختلاف الناس في بعض الشروط (4) وربما اعتقد الشاهد ما ليس بصحيح صحيحا (5) .

(وإن شهد برضاع) ذكر عدد الرضعات، وأنه شرب من ثديها، أو لبن حلب منه (6) .

(1) ذكره في المقنع، وقال الشارح: لم يذكره في المغني، ولا في الكافي، ولا رأيته في كتاب غيره، ولعله قاسه على النكاح، والأولى أنه لا يثبت، لأنه يشتهر، بخلاف الخلع والوقف، كأنه يشهد أن هذا وقف زيد، لا أنه أوقفه.

(2)

وقيلك عدلان، واختار المجد والشيخ: أو واحد يسكن إليه، والمشهور أنه لو قال: أشهد بالاستفاضة لم يلتفت إليه، فلا بد أن يجزم، واعتماده على الاستفاضة.

(3)

كوقوعه بولي وشاهدي عدل، حال خلوهما من الموانع، وبرضاها إن لم تكن مجبرة.

(4)

فيجب ذكرها، ليعلم صحة العقد.

(5)

أو يرى الشاهد صحة ذلك العقد بدونه دون الحاكم.

(6)

لأن الناس يختلفون في عدد الرضعات، وفي الرضاع المحرم، ولا بد من ذكر أنه في الحولين، فلا يكفي أن يشهد أنه ابنها من الرضاع، لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها.

ص: 587

(أو) شهد بـ (سرقة) ذكر المسروق منه، والنصاب، والحرز، وصفتها (1) (أو) شهد بـ (شرب) خمر وصفه (2) (أو) شهد بـ (قذف فإنه يصفه) (3) بأن يقول: أشهد أنه قال: يا زاني أو يا لوطي، ونحوه (4)(ويصف الزنا) إذا شهد به (بذكر الزمان والمكان) الذي وقع فيه الزنا (5) .

(و) ذكر (المزني بها)(6) وكيف كان (7) وأنه رأى ذكره في فرجها (8)(ويذكر) الشاهد ما يعتبر للحكم (9) .

(1) أي صفة السرقة، بأن يقول مثلا: خلع الباب ليلا وأخذ، أو أزال رأسه عن ردائه، وهو نائم، وأخذه لتتميز السرقة الموجبة للقطع، من غيرها.

(2)

أي وصف الخمر، وهو ما يؤخذ من عصير العنب، وغيره يترك حتى يغلي.

(3)

أي القذف ويذكر المقذوف، ليعلم هل يوجب قذفه الحد أو التعزير.

(4)

كيا عاهر، ليعلم هل الصيغة صريح فيه، أو كناية.

(5)

أي شهد بذكر الزمان، الذي زنا بها فيه، والمكان لتكون الشهادة منهم على فعل واحد، لجواز أن يكون ما شهد به أحدهما، غير ما شهد به الآخر.

(6)

لئلا تكون ممن تحل له، أوله في وطئها شبهة.

(7)

أي وكيف زنا بها، من كونهما نائمين، أو جالسين أو قائمين.

(8)

لأن اسم الزنا، يطلق على ما لا يوجب الحد، وقد يعتقد الشاهد، ما ليس بزنا زننا، فاعتبر ذكر صفته.

(9)

في كل ما يشهد فيه، ليتسنى للحاكم الحكم بشهادته.

ص: 588

ويختلف الحكم (به في الكل) أي في كل ما يشهد فيه (1) ولو شهد اثنان في محفل، على واحد منهم، أنه طلق أو أعتق (2) أو على خطيب، أنه قال، أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا، لم يشهد به غيرهما، مع المشاركة، في سمع وبصر قبلا (3) .

(1) كالشاهد على القتل، الموجب للقصاص، يشهد أنه قتله عمدا عدوانا محضا، وإن لم يقل القاتل قتلته عمدا، فإن العمدية صفة قائمة بالقلب، فجاز له ان يشهد بذلك اكتفاء بالقرينة الظاهرة.

(2)

قبلا لكمال النصاب.

(3)

ولم يكن عدم شهادة الباقين، مانعا لقبول شهادتهما، ولا يعارض هذا قول الأصحاب، إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله، مع مشاركة كثيرين، رد لأنه لم يتم النصاب، ومفهومه، أن الواحد لا يلتفت إليه، للفرق بين شهادة الواحد، وشهادة الاثنين، وبين تقييدهم بكون ذلك الشيء مما توفر الدواعي على نقله، وبين عدم ذلك القيد.

ص: 589

فصل (1)

(وشروط من تقبل شهادتهم: ستة)(2) أحدها: (البلوغ (3) فلا تقبل شهادة الصبيان) مطلقا، ولو شهد بعضهم على بعض (4) .

(1) في ذكر موانع الشهادة، التي تحول بين الشهادة، والمقصود منها، والحكمة في اعتبارها، حفظ الأموال والأعراض والأنفس، أن تنال بغير حق فاعتبرت أحوال الشهود، بخلوهم عما يوجب التهمة فيهم، ووجود ما يوجب تيقظهم وتحرزهم.

(2)

وعدها بعضهم: سبعة وتعلم بالاستقراء.

(3)

قال ابن رشد: اتفقوا على أن البلوغ يشترط حيث تشترط العدالة.

(4)

قالوا: ولو شهدوا قبل الافتراق عن الحال، التي تجارحوا عليها وعنه: تقبل ممن هو في حال أهل العدالة، وعنه: لا تقبل إلا في الجراح، إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحالة التي تجارحوا عليها، وذكر القاضي: أنها لا تقبل بالمال.

وقال الشيخ: هذا عجب من القاضي، فإن الصبيان لا قود بينهم، وإنما الشهادة بما يوجب المال، اهـ وقد ندب الشرع إلى تعليمهم الرمي والصراع، وسائر ما يدربهم، ويعلمهم البطش، ومعلوم أنهم في غالب أحوالهم، يجني بعضهم على بعض، ولو لم يقبل قول بعضهم على بعض، لأهدرت دماؤهم، وقد احتاط الشارع بحقن الدماء، حتى قبل فيها اللوث واليمين.

قال ابن القيم: وعلى قبول شهادتهم، تواطأت مذاهب السلف، وقال أبو الزناد، هو السنة، وشرط قبولها، كونهم يعقلون الشهادة، وأن يكونوا ذكورا أحرارا، محكوم لهم بحكم الإسلام، اثنين فصاعدا متفقين غير مختلفين ويكون ذلك قبل تفرقهم، لبعضهم على بعض.

وقال: عمل الصحابة وفقهاء المدينة، بشهادة الصبيان، على تجارح بعضهم بعضا، فإن الرجال لا يحضرون معهم، ولو لم تقبل شهادتهم لضاعت الحقوق، وتعطلت وأهملت مع غلبة الظن، أو القطع بصدقهم، ولا سيما إذا جاءوا مجتمعين، قبل تفرقهم إلى بيوتهم، وتواطئهم، على خبر واحد، وفرقوا وقت الأداء، واتفقت كلمتهم فإن الظن الحاصل حينئذ بشهادتهم، أقوى بكثير من الظن الحاصل من شهادة رجلين وهذا مما لا يمكن دفعه وججده.

ص: 590

(الثاني: العقل، فلا تقبل شهادة مجنون، ولا معتوه (1) وتقبل) الشهادة (ممن يخنق أحيانا) إذا تحمل وأدى (في حال إفاقته) لأنها شهادة من عاقل (2) .

(الثالث: الكلام فلا تقبل شهادة الأخرس، ولو فهمت إشارته) لأن الشهادة يعتبر فيها اليقين (3)(إلا إذا أداها) الأخرس (بخطه) فتقبل (4) .

(1) قال أحمد: العقل غريزة، يعني ليس مكتسبا، وهو ما يحصل به الميز بين المعلومات، والمجنون مسلوب العقل، والمعتوه المختل العقل، دون الجنون.

(2)

أشبه من لم يجن.

(3)

وإنما اكتفي بإشارة الأخرس في أحكامه، كنكاحه وطلاقه للضرورة.

(4)

لدلالة الخط على الألفاظ، وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات وفيما

رآه قبل عماه، إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه، وقال الشيخ: إذا سمع صوته صحت الشهادة عليه أداء، كما تصح تحملا فإنا لا نشترط رؤية المشهود عليه، حين التحمل ولو كان شاهدا بصيرا، فكذلك لا يشترط عند الأداء.

ص: 591

(الرابع: الإسلام)(1) لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2) فلا تقبل من كافر، ولو على مثله (3) إلا في سفر، على وصية مسلم أو كافر (4) فتقبل من رجلين كتابيين، عند عدم غيرهما (5) .

(1) قال ابن رشد: اتفقوا على أنه شرط في القبول، وأنه لا تجوز شهادة الكافر، واستثنى الوصية للآية.

(2)

قال الشيخ أي صاحبي عدل في المقال، وهو الصدق والبيان، الذي هو ضد الكذب والكتمان، كما بينه في قوله:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} .

(3)

أي ولو على كافر مثله وعنه: تقبل شهادة بعضهم على بعض، واختاره الشيخ وغيره ونصره، وقال الشيخ: إذا فسر الفاسق في الشهادة بالفاجر، وبالمتهم فينبغي أن يفرق بين حال الضرورة وعدمها، كما قلنا في الكفار، وقوله تعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} يقتضي أنه يقبل في الشهادة على حقوق الآدميين، من رضوه شهيدا بينهم، ولا ينظر إلى عدالته، كما يكون مقبولا عليهم، فيما ائتمنوه عليه.

(4)

لقوله تعالى {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} .

(5)

وعنه: تقبل من الكافر مطلقا، فلا يختص القبول بالكتابيين، وقال الشيخ: يعم الكتابيين وغيرهم، وقال: قول أحمد: أقبل أهل الذمة، إذا كانوا في سفر،

ليس فيه غيرهم، هذه ضرورة، يقتضي هذا التعليل، قبولها في كل ضرورة

حضرا وسفرا، وصية أو غيرها، كما قبل شهادة النساء في الحدود، إذا اجتمعن في العرس والحمام، ونص عليه.

وقال: عموم كلام الأصحاب، يقتضي أنها لا تعتبر عدالة الكافرين، في الشهادة في الوصية، في دينهما، وإن كنا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض، اعتبرنا عدالتهم في دينهم.

ص: 592

(الخامس: الحفظ) فلا تقبل من مغفل، ومعروف بكثرة سهو وغلط (1) لأنه لا تحصل الثقة بقوله (2) .

(السادس: العدالة)(3) وهي لغة: الاستقامة، من العدل ضد الجور (4) وشرعًا: استواء أحواله في دينه، واعتدال أقوال

وأفعاله (5) .

(1) وكثرة نسيان.

(2)

ولا يغلب على الظن صدقه، لاحتمال أن يكون من غلطه، وتقبل ممن يقل منه السهو والغلط، والنسيان، لأنه لا يسلم منه أحد.

(3)

قال ابن رشد: اتفق المسلمون على اشتراطها، في قبول شهادة الشاهد، لقوله تعالى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وقوله {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وقال: قال الجمهور: هي صفة زائدة على الإسلام، وهو أن يكون ملتزما لواجبات الشرع، ومستحباته، ومجتنبا للمحرمات والمكروهات.

(4)

والعدل: مصدر عدل بضم الدال، والجور هو الميل، فالعدل، الاستواء في الأحوال كلها.

(5)

قال الشيخ: ورد شهادة من عرف بالكذب، متفق عليه بين الفقهاء، وقال: والعدل في كل زمان ومكان، وطائفة، بحسبها، فيكون الشهيد في كل قوم، من كان ذا عدل منهم، وإن كان لو كان في غيرهم، لكان عدله على وجه

آخر، وبهذا يمكن الحكم بين الناس، وإلا لو اعتبر في شهود كل طائفة، أن لا يشهد عليهم، إلا من يكون قائما بأداء الواجبات، وترك المحرمات، كما كان الصحابة، لبطلت الشهادات كلها، أو غالبها.

وقال: يتوجه أن تقبل شهادة المعروفين بالصدق، وإن لم يكونوا ملتزمين للحدود، عند الضرورة، مثل الحبس، وحوادث البدو، وأهل القرية الذين لا يوجد فيهم عدل، وله أصول، منها: شهادة أهل الذمة، وشهادة الصبيان والنساء، فيما لا يطلع عليه الرجال، والشروط في القرآن في التحمل لا الأداء.

ص: 593

(ويعتبر لها) أي: للعدالة (شيئان) أحدهما (الصلاح في الدين وهو) نوعان، أحدهما (أداء الفرائض) أي الصلوات الخمس، والجمعة (بسننها الراتبة فلا تقبل ممن داوم على تركها (1) لأن تهاونه بالسنن، يدل على عدم محافظته على أسباب دينه (2) وكذا ما وجب، من صوم وزكاة وحج (3)(و) الثاني (اجتناب المحارم (4))

(1) أي ترك الرواتب، قال أحمد فيمن يواظب على ترك سنة الصلاة رجل سوء لأنه بالمداومة يكون راغبا عن السنة، وتلحقه التهمة، لأنه غير معتقد لكونها سنة، وعنه: من ترك الوتر، ليس عدلا، قال الشيخ: وكذا من ترك الجماعة، على القول بأنها سنة، لأنه ناقص الإيمان قال: ولا يستريب أحد فيمن صلى محدثا، أو إلى غير القبلة، أو بعد الوقت، أو بلا قراءة أنه كبيرة.

(2)

فترد شهادته لذلك.

(3)

أي وكأداء الفرائض، أداء ما وجب من صوم، وزكاة وحج، وغيرها.

(4)

لأن من أدى الفرائض، واجتنب المحارم، عد صالحا عرفا، وكذا شرعا.

ص: 594

بأن لا يأتي كبيرة (1) ولا يدمن على صغيرة (2) والكبيرة: ما فيه حد في الدنيا (3) أو وعيد في الآخرة (4) كأكل الربا (5) ومال اليتيم (6) وشهادة الزور (7) .

(1) وقد نهى الله عن قبول شهادة القاذف، وقيس عليه كل مرتكب كبيرة.

(2)

وفي الترغيب بأن لا يكثر منها، ولا يصر على واحدة منها، اهـ فإن كل مدمن على صغيرة لا يعد مجتنبا المحارم، وتقدم قريبا قول الشيخ: إن العدل في كل زمان ومكان، وطائفة بحسبها، إلخ، لئلا تضيع الحقوق.

(3)

فإن المسلمين عدول بعضهم على بعض، كما قال عمر، إلا مجلودا في حد من حدود الله، لأن الله نهى عن قبول شهادته فقال:{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} والمراد القاذف إذا حد للقذف، لم تقبل شهادته بعد ذلك، بالاتفاق قبل التوبة، وقال {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} قال أبو عبيد: وهذا عندي هو القول المعمول به، لأن من قال به أكثر، وهو أصح في النظر، وليس يختلف المسلمون في الزاني المجلود، أن شهادته مقبولة إذا تاب.

(4)

قال الشيخ: أو غضب أو نفي إيمان، أو لعنة.

(5)

وتقدم تفصيله، وأنه كبيرة، فيمنع من قبول شهادة آكله.

(6)

أي وكأكمل مال اليتيم، وأنه كبيرة مانع من قبول الشهادة.

(7)

قال عمر: المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجربا عليه شهادة زور، أي إلا من قام به مانع الشهادة، وهو أن يكون قد جرب عليه شهادة الزور، فلا يوثق بعد ذلك بشهادته، والمرة الواحدة من شهادة الزور، تستقل برد الشهادة، وقد قرن الله تعالى في كتابه، بين الإشراك وقول الزور.

وأقوى الأسباب في رد الشهادة: الكذب لأنه فساد في نفس آلة الشهادة

فإن اللسان الكذوب، بمنزلة العضو الذي قد تعطل نفعه، بل هو شر منه فشر ما في المرء لسان كذوب، قال الشيخ: وترد الشهادة بالكذبة الواحدة، وإن لم نقل هي كبيرة، نص عليه.

ص: 595

وعقوق الوالدين (1) والصغيرة: ما دون ذلك من المحرمات (2) كسب الناس بما دون القذف (3) واستماع كلام النساء الأجانب على وجه التلذذ به، والنظر المحرم (4)(فلا تقبل شهادة فاسق) بفعل (5) كزان وديوث (6) .

(1) وهو كبيرة بنص الشرع، وغير ذلك من الكبائر، المتوعد عليها بحد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، وغير ذلك مما تقدم، وغيره.

(2)

أي ما دون الكبائر، المنصوص عليها.

(3)

والنبز باللقب، ونحو ذلك.

(4)

أي فهو صغيرة، إذا أدمن على ذلك، ردت شهادته، وقال الشيخ: من شهد على إقرار كذب مع علمه بالحال، أو كرر النظر إلى الأجنبيات، والقعود في مجالس تنتهك فيها الحرمات الشرعية، قدح ذلك في عدالته.

(5)

مما يأتي وغيره، وقال الشيخ: وخبر الفاسق ليس بمردود، بل هو موجب للتبين والتثبت كما قال تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} أي تثبتوا {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} وفي القراءة الأخرى: فتثبتوا فعلينا التبين والتثبت إذا جاءنا فاسق، وإنما أمرنا بالتبين، عند خبر الفاسق الواحد، ولم نؤمر عند خبر الفاسقين، وذلك أن خبر الاثنين، يوجب من الاعتقاد، ما لا يوجبه خبر الواحد، أما إذا علمنا أنهما لم يتواطآ فهذا قد يحصل العلم.

(6)

وقاتل، ونحوه.

ص: 596

أو اعتقاد كالرافضة، والقدرية، والجهمية (1)

(1) الرافضة فرقة من الشيعة، ومن الزيدية، رفضوا زيدا، والقدرية في عرف المتكلمين، تعلق علم الله وإرادته أزلا، بالكائنات قبل وجودها، فلا حادث إلا وقد قدره الله، أزلا أي سبق علمه به، وتعلقت به إرادته، وفي الحديث القدرية مجوس هذه الأمة، لأنها شاركوهم، في إثبات فاعل غير الله، ولقبوا بالقدرية لقولهم، قدرة العبد مؤثرة، وطائفة سلبت قدرته، والجهمية: هم المنتسبون إلى جهم به صفوان، الذي أظهر مقالة التعطيل.

قال ابن القيم: الفاسق باعتقاده، إذا كان متحفظا في دينه، فإن شهادته مقبولة، وإن حكمنا بفسقه، كأهل البدع، والأهواء، الذين لا نكفرهم كالرافضة، والخوارج، والمعتزلة ونحوهم، هذا منصوص الأئمة، قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء، بعضهم على بعض، إلا الخطابية، فإنهم يتدينون بالشهادة لموافقيهم على مخالفيهم.

ولا ريب أن من يكفر بالذنب، ولا يتعمد الكذب أولى بالقبول، ممن ليس كذلك، ولم يزل السلف والخلف، على قبول شهادة هؤلاء، وروايتهم وإنما منع الأئمة أحمد وغيره، قبول رواية الداعي المعلن ببدعته ورد شهادته هجرا له، وزجرا، لينكف ضرر بدعته عن المسلمين.

قال: وهم أقسام، الجاهل المقلد، الذي لا بصيرة له، فلا يفسق، ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرا على التعلم، الثاني المتمكن من طلب الحق، ولكن تركه اشتغالا، بدنياه، فحكمه كتارك بعض الواجبات، والثالث من تركه تعصبا، أو معاداة فأقل أحواله: أن يكون فاسقا، فإن كان معلنا ردت إلا عند الضرورة.

وإذا كان الناس فساقا كلهم، إلا القليل، قبلت شهادة بعضهم على بعض، ويحكم بشهادة الأمثل، فالأمثل، هذا هو الصواب، الذي عليه العمل، وإن أنكره كثير من الفقهاء، بألسنتهم وإذا غلب على الظن صدقه، قبلت وحكم بها.

ص: 597

ويكفر مجتهدهم الداعية (1) ومن أخذ بالرخص فسق (2) .

(الثاني) مما يعتبر للعدالة (استعمال المروءة) أي الإنسانية (وهو) أي استعمال المروءة (فعل ما يجمله ويزينه) عادة كالسخاء، وحسن الخلق (3) وحسن المجاورة (4)(واجتناب ما يدنسه ويشينه) عادة من الأمور الدنيئة، المزرية به (5) فلا شهادة لمصافع، ومتمسخر ورقاص (6) .

(1) قال المجد: الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية، فإنا نفسق المقلد فيه، ممن يقول بخلق القرآن، أو بأن ألفاظنا به مخلوقة، أو أن علم الله به مخلوق، أو أن أسماء الله مخلوقة، أو أنه لا يرى في الآخرة، أو يسب الصحابة تدينا، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد، وما أشبه ذلك فمن كان عالما في شيء من هذه البدع، يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره.

(2)

نص عليه، وذكره ابن عبد البر إجماعا، والفاسق، ليس بعدل، وذلك بأن يتتبعها من المذاهب، وكذا من مذاهب واحد، وتقدم كلام الشيخ، وقال ابن القيم أمر تعالى بالتبين والتثبت، في خبر الفاسق، ولم يأمر برده جملة، فإن الكافر والفاسق، قد يقوم على خبره شواهد الصدق فيجب قبوله والعمل به.

(3)

وبذل الجاه.

(4)

والمعاملة ونحو ذلك وقال الفتوحي: المروءة كيفية نفسانية، تحمل المرء على ملازمة التقوى، وترك الرذائل.

(5)

مما مثل ونحوه.

(6)

أي: فلا شهادة مقبولة لمصافع، قال السعدي: صفعه صفعا، ضرب قفاه بجميع كفه، وقال الجوهري: المصافع، من يصفع غيره، ويمكنه من قفاه

فيصفعه والصفح: كلمة مولدة، والمتسخر: هو الذي يأتي بما يضحك الناس، من قول أو فعل، قال الشيخ: وتحرم محاكاة الناس للضحك، ويعزر هو، ومن يأمره، لأنه أذى، ورقاص، وهو: كثير الرقص، والرقص: خلاعة معروفة.

ص: 598

ومغن وطفيلي (1) ومتزي بزي يسخر منه (2) ولا لمن يأكل بالسوق، إلا شيئا يسيرا كلقمة وتفاحة (3) ولا لمن يمد رجله بمجمع الناس (4)

(1) المغني: هو الذي يتخذ الغناء صناعة، يؤتى له، لأنه سفه ودناءة يسقط المروءة، وأما الدف في العرس، بلا غناء، فلا يكره، ولا تقبل شهادة شاعر، مفرط بالمدح، بإعطاء أو بالذم بعدمه، ولا مشب بمدح خمر، أو بمرد أو بامرأة محرمة، ويفسق بذلك.

قال الشيخ: ويحرم اللعب بالشطرنج، نص عليه هو وغيره من العلماء، كما لو كان بعوض، أو تضمن ترك واجب أو فعل محرم، إجماعا، وهو شر من النرد، ويحرم النرد بلا خلاف في المذهب.

قال ابن القيم: ويدخل في الميسر، كل أكل مال بالباطل، وكل عمل محرم يوقع في العداة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله، وعن الصلاة.

والطفيلي: نسبة إلى رجل، يقال له الطفيل، من غطفان، أكثر من الإتيان إلى الولائم من غير دعوى فسمي طفيلي العرائس.

(2)

من كل مافيه سخف ودناءة، لأن من رضيه لنفسه ليس له مروءة، ولا تحصل الثقة بقوله.

(3)

ونحوهما من اليسير.

(4)

أو يكشف من بدنه ما العادة تغطيته كصدره وظهره، وغير ذلك، مما فيه سخف ودناءة.

ص: 599

أو ينام بين جالسين ونحوه (1)(ومتى زالت الموانع) من الشهادة (2)(فبلغ الصبي، وعقل المجنون، وأسلم الكافر، وتاب الفاسق، قبلت شهادتهم) بمجرد ذلك، لعدم المانع لقبولها (3) ولا تعتبر الحرية فتقبل شهادة عبد وأمة، في كل ما يقبل فيه حر وحرة (4) وتقبل شهادة ذي صنعة دنيئة كحجام وحداد وزبال (5) .

(1) كأن يخرج عن مستوى الجلوس بلا عذر، أو يحكي المضحكات وغير ذلك، مما فيه دناءة، لأن من رضيه لنفسه، فليس له مروءة، ولا تحصل الثقة بقوله، ولأن المروءة تمنع الكذب، وتزجر عنه، ولهذا يمتنع منه ذو المروءة.

(2)

وحصل شرط قبول الشهادة، فيمن لم يكن متصفا به قبل.

(3)

أي لعدم المانع لقبول الشهادة، ووجود شرط قبولها، وإذا أدى الفاسق شهادته حال فسقه، ثم ردت، ثم زال المانع، لم تقبل، وإن لم يؤدها حتى تاب قبلت.

(4)

هذا الصحيح من المذهب، وحكاه أحمد إجماعا قديما، عن أنس، أنه قال: ما علمت أحدا رد شهادة العبد، قال ابن القيم: وقبول شهادة العبد، هو موجب الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، وأصول الشرع.

(5)

وقمام وكباش وقراد، ونخال وصباغ، ودباغ وجزار، ونحوهم قال الشيخ: وتقبل شهادة البدوي على القروي، على الوصية في السفر، وقال: إذا كان البدوي قاطنا مع المدعيين في القرية، قبلت شهادته.

ص: 600