الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب طريق الحكم وصفته
(1)
طريق كل شيء ما يتوصل به إليه (2) والحكم فصل الخصومات (3)(إذا حضر إليه الخصمان) يسن أن يجلسهما بين يديه (4) و (قال أيكما المدعي) لأن سؤاله عن المدعي منهما لا تخصيص فيه لواحد منهما (5)(فإن سكت) القاضي (حتى يبدأ) بالبناء للمفعول، أي: حتى تكون البداءة بالكلام من جهتهما (جاز) له ذلك (6) .
(1) طريق الحكم، الأسباب الموصلة إليه، والحكم لغة: المنع، ومنه سمي القاضي حاكما، لأنه يمنع الظالم من ظلمه، وشرعا: فصل الخصومات، كما ذكره وإنشاء الإلزام لحكمه، بلزوم المنفعة ونحوها، فالإلزام هنا، هو: الحكم، لا الإلزام الحسي، الذي هو الحبس والترسيم، وإن كان بأمره فحكم، وصفة الحكم كيفيته.
(2)
أي الشيء حكما كان أو غيره.
(3)
أي والحكم شرعا، فصل الخصومات.
(4)
لما رواه أبو داود مرفوعا: «قضي أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم» . ولأنه أمكن للحاكم في العدل بينهما.
(5)
قال في الفروع وهو الأشهر.
(6)
ولا يقول القاضي لأحدهما تكلم، لأنه تخصيص، له وتفضيل.
(فمن سبق بالدعوى قدمه) الحاكم على خصمه (1) وإن ادعيا معا أقرع بينهما (2) فإذا انتهت حكومته، ادعى الآخر إن أراد (3) ولا تسمع دعوى مقلوبة (4) .
(1) لترجحه بالسبق، فإذا قال خصمه، أنا المدعي لم يلتفت الحاكم إليه، ويقول له أجب خصمك عن دعواه، ثم ادع ما شئت.
(2)
وقدم من خرجت له القرعة، لأنها تعين المستحق.
(3)
وإن ارتاب من المدعي عليه، ومن القول قوله، وجب عليه أن يستكشف الحال، ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال، وحكى ابن رشد وغيره: الإجماع أن لا يسمع من أحدهما دون الآخر.
(4)
بأن يدعي من عليه الحق، على المستحق بأخذ حقه، كأن يقول: أدعي على هذا، أنه يدعي علي بدينار فأحلفني له أنه لا حق له علي، ويشترط في الدعوى انفكاكها عما يكذبها، كأن يدعي على الخليفة، أنه اشترى منه حزمة بقل، قال في القواعد: لا تسمع بغير خلاف.
وقال ابن القيم: لم يزل حذاق الولاة يستخرجون الحقوق، بالفراسة والأمارات، قال: وكذلك إذا ارتاب بالدعوى، سأل المدعي عن سبب الحق، وأين كان، ونظر في الحال، هل تقتضي صحة ذلك، قال: وقل من اعتنى بذلك وصار له فيه ملكة، إلا عرف المحق من المبطل، وأوصل الحقوق إلى أهلها، وذكر قصة سليمان، وسماح الكبرى بشق الولد، وقول الصغرى لا تفعل، وهو ابنها، فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة.
وقال: الرجوع إلى القرائن في الأحكام متفق عليه بين الفقهاء، بل بين المسلمين كلهم.
ولا حسبة بحق الله تعالى، كعبادة وحد وكفارة (1) وتسمع بينة بذلك (2) وبعتق وطلاق من غير دعوى (3) لا بينة بحق معين قبل دعواه (4) فإذا حرر المدعي دعواه، فللحاكم سؤال الخصم عنها، وإن لم يسأله سؤاله (5) .
(فإن أقر له) بدعواه (حكم له عليه) بسؤاله الحكم (6) لأن الحق للمدعي في الحكم، فلا يستوفيه إلا بسؤاله (7) .
(1) أي: ولا تسمع دعوى حسبة، كعبادة، من صلاة وزكاة وحج، ولا دعوى حد زنا، أو شرب ولا دعوى كفارة ونذر ونحوه، وتسمع بينة بلا دعوى بوكالة، وإسناد وصية، قال الشيخ: وتسمع الدعوى في الوكالة، من غير حضور خصم مدعى عليه، نص عليه، ولو كان الخصم في البلد.
(2)
أي بحق لله، وحد، وكفارة ونحوه.
(3)
فإذا أحضرت بينة سمعت، فلا يحتاج لدعوى العتيق العتق، أو الزوجة الطلاق.
(4)
أي ولا تسمع بينة بحق آدمي معين، قبل دعواه بحقه وتحريرها.
(5)
أي فللحاكم سؤال الخصم المدعى عليه، وإن لم يقل للقاضي: أسأل المدعى عليه عن ذلك، لأن شاهد الحال يدل على ذلك.
(6)
أي بسؤاله الحاكم الحكم، على المدعى عليه.
(7)
أي إذا سأله الحكم عليه، فإن سأله قال الحاكم للمدعى عليه، قضيت عليك له، أو ألزمتك بحقه، أو حكمت عليك بالخروج منه، ونحوه قال الشيخ: والقضاء نوعان، إخبار هو إظهار وإبداء، وأمر هو إنشاء وابتداء
فالخبر: ثبت عندي، ويدخل فيه خبره عن حكمه، وعن عدالة الشهود، وعن الإقرار والشهادة، والآخر وهو: حقيقة الحكم، أمر ونهي، وإباحة ويحصل بقوله: أعطه ولا تكلمه، أو ألزمه وبقوله: حكمت وألزمت.
وقال ابن القيم: الحكم بالإقرار، يلزمه قبوله بلا خلاف، وقال ابن رشد: لا خلاف في وجوب الحكم به، وإنما النظر فيمن يجوز إقراره ممن لا يجوز، وإذا كان الإقرارا محتملا، وقع الخلاف، ولا خلاف بينهم في أن الإقرار مرة واحدة، عامل في المال.
(وإن أنكر) بأن قال للمدعي قرضا أو ثمنا، ما أقرضني أو ما باعني (1) أو لا يستحق علي ما ادعاه، ولا شيئا منه (2) أو لا حق له علي، صح الجواب (3) ما لم يعترف بسبب الحق (4) .
و (قال) الحاكم (للمدعي إن كان لك بينة فأحضرها إن شئت)(5) .
(1) أي وإن أنكر مدعى عليه الدعوى، بأن قال للمدعي قرضا، أو ثمنا، ما أقرضني، أو ما باعني صح جوابه، لنفسه عين ما ادعى به عليه.
(2)
أي: أو قال مدعى عليه: لا يستحق علي ما ادعاه، ولا يستحق علي شيئا منه، صح جوابه.
(3)
أي أو قال مدعي عليه: لا حق له علي، صح الجواب، لأن قوله: لا حق له علي نكرة في سياق النفي فتعم كل حق.
(4)
وهو أن يقول: أقرضتني أو بعتني ونحوه، ولكن مالك علي شيء لم يصح الجواب، ولزمه ما ادعي به عليه.
(5)
وأجمعوا على أنه يبدأ بالمدعي، فيسأله البينة إن أنكر المدعى عليه فإن
على المدعي ما يصحح دعواه، ليحكم له، والبينة والدلالة، والحجة والبرهان والآية والتبصرة، والعلامة والأمارة متقاربة المعنى، فإن البينة: اسم لكل ما يبين الحق ويظهره.
قال ابن القيم: هي في كلام الله، وكلام رسول صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة اسم لما يبين الحق، فهي أعم من البينة في اصطلاح الفقهاء، حيث خصوها بالشاهد، أو الشاهد واليمين، ولا حجر في الاصطلاح ما لم يتضمن حجر كلام الله ورسوله عليه، فيقع في ذلك الغلط في فهم النصوص، وحملها على غير مراد المتكلم منها.
وقد حصل بذلك للمتأخرين أغلاط شديدة في فهم النصوص، كلفظ البينة، وقوله:«هل مسحتما سيفيكما» ، من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع، فالدم في النصل شاهد عجيب، ولم تأت في القرآن، مرادا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادا بها: الحجة، والدليل والبرهان، مفردة ومجموعة.
فإن أحضرها أي البينة، لم يسألها الحاكم، ولم يلقنها (1) فإذا شهدت (سمعها) وحرم ترديدها، وانتهارها وتعنتها (2) .
(1) أي: لا يجوز للحاكم أن يلقن الشهود، ولا يجوز له أن يسأل الشهود عما عندهم، حتى يسأله المدعي ذلك، لأن الحق له، فإذا سأله أن يسأل البينة قال: من كان عنده شهادة، فليذكرها إن شاء، ولا يقول لهما اشهدا، لأنه أمر، وكان شريح، يقول للشاهد: ما أنا دعوتك، ولا أنهاك أن ترجع، ولا يقضي على هذا المتكلم غيرك، وإنما بك أقضي، وبك أتقي يوم القيامة، وإن كانا اثنين قال: بكما.. إلخ.
(2)
أي فإذا شهدت عنده البينة سمعها، وحرم عليه ترديدها، وتعنتها، أي: طلب زلتها وانتهارها، أي زجرها، لئلا يكون وسيلة إلى الكتمان وللحاكم
أن يقول للمدعى عليه، ألك فيها دافع أو مطعن، ألك فيها قادح فبينه لي، ولعله إذا ارتاب فيهما، وقال الشيخ: للخصم طلب تسمية البينة، ليتمكن من القدح بالاتفاق.