المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب آداب القاضي - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الظهار

- ‌التوأمان المنفيان أخوان لأم

-

- ‌كتاب العدد

- ‌من انقضت عدتها قبل موته

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الأقاربوالمماليك من الآدميين والبهائم

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌بابشروط وجوب القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفسمن الأطراف والجراح

- ‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌باب القسامة

-

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

-

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌باب جامع الأيمان المحلوف بها

- ‌باب النذر

-

- ‌باب آداب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب موانع الشهادة وعدد الشهودوغير ذلك

- ‌فصل في عدد الشهود

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

- ‌نبذة مختصرة عن مؤلفي هذا الكتاب، وتاريخ وموضوع كل مجلد، والإشراف على الطبع

الفصل: ‌باب آداب القاضي

‌باب آداب القاضي

(1)

أي أخلاقه التي ينبغي له التخلق بها (2)(ينبغي) أي يسن (أن يكون قويا من غير عنف)(3) لئلا يطمع فيه الظالم (4) والعنف ضد الرفق (5) .

(1) الأدب: بفتح الهمزة والدال، يقال: أدب الرجل، بكسر الدال وضمها لغة، إذا صار أديبا في خلق، أو علم، وقال آخرون، الظرف، وحسن التناول.

(2)

أي بيان ما يجب على القاضي، أو يسن له أن يأخذ به نفسه، أو أعوانه من الأداب، التي تضبط أمور القضاة وتحفظهم عن الميل، وقال أحمد: حسن الخلق: أن لا تغضب ولا تحقد، وقال ابن القيم: الحاكم محتاج إلى ثلاثة أشياء، لا يصح له الحكم إلا بها، معرفة الأدلة، والأسباب والبينات، فالأدلة تعرفه الحكم الشرعي الكلي، والاسباب تعرفه ثبوته في هذا المحل المعين، أو انتفاءه عنه، والبينات تعرفه طريق الحكم عند التنازع، ومتى أخطأ في واحد من هذه الثلاثة أخطأ في الحكم.

(3)

أي قويا على ما هو فيه، وعلى معرفته، مستظهرا مضطلعا بالعلم، متمكنا منه، وتقدم قول الشيخ، إن الولاية لها ركنان القوة والأمانة.. إلخ.

(4)

قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر، «إني أراك ضعيفا، لا تأمرن على اثنين» .. إلخ فالقوي تعظم هيبته، والضعيف يطمع فيه القوي، وهذا أمر معلوم بالضرورة.

(5)

والرفق مع القوة، هو السبب لإيصال الحق لمستحقه، من أي شخص كان.

ص: 522

(لينا من غير ضعف)(1) لئلا يهابه صاحب الحق (2)(حليما) لئلا يغضب من كلام الخصم (3)(ذا أناءة) أي تؤدة وتأن لئلا تؤدي عجلته إلى ما لا ينبغي (4)«و» ذا (فطنة) لئلا يخدعه بعض الأخصام (5) .

(1) فإذا كان ضعيفا قليل البضاعة، غير مضطلع بالعلم، أحجم عن الحق، في موضع ينبغي فيه الإقدام، لقلة علمه بمواضع الإقدام، والإحجام.

(2)

لشدة عنفه، أو تنكره للخصوم، أو أحدهما، فتضعف حجته، خوفا من شراسته.

(3)

فيمنعه ذلك من الحكم بينهما، قال ابن القيم، فالحلم زينة العلم، وبهاؤه وجماله، وضده الطيش، والعجلة، والحدة والتسرع، وعدم الثبات فالحليم لا يستفزه البذوات، ولا يستخفه الذين لا يعلمون، ولا يقلقه أهل العبث، والخفة والجهل بل هو وقور ثابت.

(4)

يملك نفسه عند أوائل الأمور، ولا تملكه أوائلها، وملاحظته للعواقب تمنعه من أن يستخفه دواعي الغضب والشهوة، يتمكن بالحلم والأناءة من تثبيت نفسه عند الخير، فيؤثره ويصبر عليه، وعند الشر فيصبر عنه، والوقار والسكينة، وثمرتهما ونتيجتهما وليس صاحب العلم إلى شيء أحوج منه إلى الحلم والسكينة والوقار، فإنها كسوة علمه وجماله، وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس.

(5)

قال ابن القيم: ومعرفة الناس أصل عظيم، يحتاج إليه الحاكم، فإن لم يكن فقيها، فيه، فقيها في الأمر والنهي، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فإنه إذا لم يكن فقيها في الأمر ومعرفة الناس، تصور الظالم بصورة المظلوم، وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه

المكر والخداع، والاحتيال، وتصور الزنديق في صورة الصديق، ولبس عليه لجهله بالناس، وأحوالهم وعوائدهم، فلا يميز بين هذا وهذا ولا بد.

وقال: إذا لم يكن فقيه النفس، في الأمارات ودلائل الحال، ومعرفة شواهده وفي القرائن الحالية والمقالية، كفقهه، في كليات الأحكام أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعلم الناس بطلانه، ولا يشكون فيه اعتمادا منه على نوع ظاهر، لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله.

ص: 523

ويسن أن يكون عفيفا (1) بصيرا بأحكام من قبله (2) ويدخل يوم اثنين أو خميس (3) أو سبت (4) لابسا هو وأصحابه أجمل الثياب (5) .

(1) أي كافا نفسه عن الحرام، لئلا يطمع في ميله بإطماعه.

(2)

من القضاة يخاف الله ويراقبه، لا يؤتي من غفلة، ولا يخدع لغرة، لقول علي: لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا، حتى تكمل فيه خمس خصال، عفيف حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في الله لومة لائم، ويسهل عليه الحكم، وتتضح له طريقته.

(3)

لفضلهما ولأنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة يوم الاثنين، وكذا من غزوة تبوك.

(4)

لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «بورك لأمتي في سبتها وخميسها» وينبغي أن يدخلها ضحى تفاؤلا.

(5)

أي أحسنها، لأنه تعالى يحب الجمال، وقال:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} لأنها مجامع الناس، وهنا قد يجتمع ما لا يجتمع في المساجد، ولأنه أعظم له ولهم في النفوس.

ص: 524

ولا يتطير، وإن تفاءل فحسن (1)(وليكن مجلسه في وسط البلد) إذا أمكن (2) ليستوي أهل البلد في المضي إليه (3) وليكن مجلسه فسيحا، لا يتأذى فيه بشيء (4) ولا يكره القضاء في الجامع (5) ولا يتخذ حاجبا، ولا بوابا بلا عذر (6) .

(1) أي: لا يتشاءم بشيء، وإن تفاءل فحسن، لأنه صلى الله عليه وسلم يحب الفأل، وينهى عن الطيرة.

(2)

أي ليكن مجلس القضاء في دار واسعة، وسط البلد إذا أمكن.

(3)

وإن جعل إليه القضاء في قرى، كان في متوسطها، ليسهل عليهم المضي إليه.

(4)

من حر أو برد، وفي المنتهى: على بساط ونحوه، لكن قال الشارح: لم نعلم أنه نقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه، والاقتداء بهم، أولى، وقال الموفق وغيره: إذا افتات عليه الخصم، فله تأديبه، وله أن ينتهره إذا التوى وإن استحق التعزير عزره بما يرى.

(5)

وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال: بل هو سنة، وذكره من أمر الناس القديم، وجاء عن عمر وعثمان، وعلي: أنهم كانوا يقضون في المسجد، وكان صلى الله عليه وسلم يجلس فيه، مع حاجة الناس إليه في الفتيا والحكم، ويصونه عما يكره فيه، والحائض توكل، أو تأتي القاضي ببينة، والجنب يغتسل أو يتوضأ وتقدم.

(6)

أي: ولا يتخذ حاجبا بلا عذر، فإن كان عذر، فله أن يتخذ حاجبا، ولو في مجلس الحكم، ولا يتخذ بوابا بلا عذر، لحديث ابن عمر: ما من إمام أو وال، يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء

دون حاجته، وخلته ومسكنته، رواه أحمد والترمذي ولأن الحاجب ربما قدم المتأخر، وأخر المتقدم، لغرض له، فإن كان ثم عذر، فله أن يتخذ حاجبا، وبوبا إن شاء، ويعرض القصص، فيبدأ بالأول فالأول، ويكون له من يرتب الناس إذا كثروا، فيكتب الأول فالأول، ويجب تقديم السابق على غيره.

ص: 525

إلا في غير مجلس الحكم (1)(و) يجب (أن يعدل بين الخصمين في لحظه ولفظه، ومجلسه ودخولهما عليه)(2) إلا مسلما مع كافر، فيقدم دخولا، ويرفع جلوسا (3) وإن سلم أحدهما رد، ولم ينتظر سلام الآخر (4) .

(1) فله أن يحتجب في أوقات الاستراحة، لأنها ليست وقتا للحكومة.

(2)

أي يجب على القاضي، أن يعدل بين الخصمين، إذا ترافعا إليه، لما روى أبو داود وغيره، عن ابن الزبير قال: قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم، فوجب أن يعدل بينهما في مجلسه، وفي ملاحظته لهما، وكلامه لهما قال ابن رشد: أجمعوا على أنه واجب عليه، أن يسوي بين الخصمين في المجلس.

وقال ابن القيم: نهى عن رفع أحد الخصمين عن الآخر، وعن الإقبال عليه، وعن مشاورته، والقيام له دون خصمه، لئلا يكون ذريعة إلى انكسار قلب الآخر، وضعفه عن القيام بحجته، وثقل لسانه بها، ولا يتنكر للخصوم، لما في التنكر لهم من إضعاف نفوسهم، وكسر قلوبهم وإخراس ألسنتهم علن التكلم بحججهم، خشية معرة التنكر، ولا سيما لأحدهما دون الآخر، فإن ذلك الداء العضال.

(3)

أي إلا المسلم مع الكافر إذا ترافعا إليه، فيقدم المسلم دخولا، ويرفعه جلوسا لحرمة الإسلام قال تعالى:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} .

(4)

لوجوب الرد فورا.

ص: 526

ويحرم أن يسار أحدهما، أو يلقنه حجته، أو يضيقه (1) أو يعلمه كيف يدعي، إلا أن يترك ما يلزمه ذكره في الدعوى (2)(وينبغي) أي يسن (أن يحضر مجلسه فقهاء المذاهب (3) وأن يشاوروهم فيما يشكل عليه) إن أمكن (4) فإن اتضح له الحكم حكم، وإلا أخره (5) .

(1) لأنه إعانة له على خصمه، وكسر لقلبه.

(2)

كشرط عقد، وسبب إرث ونحوه، فله أن يسأل عنه ضرورة تحريرا للدعوى، وأكثر الخصوم لا يعلمه، وليتضح للقاضي وجه الحكم، وذهب طائفة من أصحاب أحمد، والشافعي، إلى أن يكره للقاضي أن يفتي في مسائل الأحكام المتعلقة به، واحتجوا بأن فتياه تصير كالحكم منه على الخصم، ولا يمكن نقضه وقت المحاكمة، وقد يتغير اجتهاده وقت الحكومة، أو تظهر له قرائن لم تظهر له وقت الإفتاء، فإن أصر، حكم بغير ما يعتقد صحته، وإن حكم بخلافها، طرق الخصم إلى تهمته.

(3)

إذا كان في محل حكمه منهم، من يتمذهب للأئمة المشهورين، وإلا فقهاء مذهب يرجعون إلى اجتهاد أحد الأئمة.

(4)

وسؤالهم إذا حدثت حادثة، ليذكروا جوابهم، وأدلتهم فيها، فإنه أسرع لا جتهاده وأقرب لصوابه.

(5)

أي، وإلا أخر الحكم حتى يتضح، فلو حكم ولم يجتهد، لم يصح حكمه، ولو أصاب الحقن إن كان من أهل الاجتهاد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يشاور أصحابه، في الأمر، إذا حدث وقال:«المستشار مؤتمن وإذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه» .

ص: 527

لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (1)(ويحرم القضاء وهو غضبان كثيرا)(2) لخبر أبي بكرة مرفوعا (لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان) متفق عليه (3) .

(أو) وهو (حاقن (4) أو في شدة جوع أو) في شدة «عطش (5) أو» في شدة «هم أو ملل (6) أو كسل أو نعاس (7) أو برد مؤلم، أو حر مزعج» (8) لأن ذلك كله يشغل الفكر، الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب (9) .

(1) فدل عمومها على مشاورة القاضي للفقهاء.

(2)

لا يسيرا لا يمنع فهم الحكم، لأن الكثير يشغل الفكر.

(3)

فدل على تحريم القضاء، مع الغضب المقلق، لأن الغضب يشوش عليه، قلبه وذهنه، ويمنعه من كمال الفهم، ويحول بينه وبين استيفاء النظر، ويعمي عليه طريق العلم والقصد، بل الغضب غول العقل، فهو نوع من القلب والإغلاق، إذ أنه يغلق على صاحبه باب حسن التصور والقصد ويغتاله كما يغتاله الخمر.

(4)

أي ويحرم القضاء وهو حاقن، لأن ذلك يشغل الفكر.

(5)

أي ويحرم أن يقضي في شدة جوع يمنعه الفهم، أو في شدة عطش كذلك.

(6)

أي: ويحرم القضاء في شدة هم مزعج، أو شدة ملل مفرط، أو شدة خوف مقلق أو شغل قلب مانع من الفهم.

(7)

أي: ويحرم أيضا القضاء في شدة كسل، أو شدة نعاس مانع للفهم.

(8)

يمنع أحدهما تصور ما يورد عليه، وفهم ما يحكم به.

(9)

أي لأن ما مثل به كل واحد منه، يشغل فكر القاضي عن إصابة الحق، في غالب أحوال القضاة فيحرم القضاء معه.

ص: 528

فهو في معنى الغضب (1)(وإن خالف) وحكم في حال من هذه الأحوال (2)(فأصاب الحق نفذ) حكمه لموافقته الصواب (3)(ويحرم) على الحاكم (قبول رشوة)(4) لحديث ابن عمر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح (5)(وكذا) يحرم على القاضي قبول (هدية)(6) .

(1) ولا يستريب عاقل، أن من قصر النهي، على الغضب وحده، دون الهم المزعج، والخوف المقلق، والجوع والظمإ الشديد، وشغل القلب، المانع من الفهم، فقد قل فقهه وفهمه.

(2)

يعني الغضب، وما بعده مما يشغل الفكر، ويمنع الفهم.

(3)

وإلا لم ينفذ، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم القضاء مع ذلك الغضب، ونحوه فلأنه لا يجوز عليه غلط، لا قول ولا فعلا، في حكم بخلاف غيره.

(4)

الرشوة هي: ما يعطي بعد طلبه، والهدية: الدفع إليه ابتداء، والرشوة نوعان، أن يأخذ من أحد الخصمين، ليحكم له بباطل، أو يمتنع من الحكم بالحق للمحق، حتى يعطيه وهو من أعظم الظلم.

(5)

وصححه ابن حبان وغيره، وهو في السنن وزاد أحمد: والرائش، وهو الذي يمشي بينهما فدل الحديث على تحريم الرشوة، وهو إجماع.

(6)

فقبول القاضي: وكذا الوالي والشافع للهدية، أصل فساد العالم، وقال ابن القيم: لأن قبول الهدية، ممن لم تجرد عادته بمهاداته ذريعة إلى قضاء حاجته، فيقوم عنده شهوة لقضاء حاجته.

ص: 529

لقوله عليه الصلاة والسلام: «هدايا العمال غلول» رواه أحمد (1)(إلا) إذا كانت الهدية (ممن كان يهاديه قبل ولايته إذا لم تكن له حكومة) فله أخذها كمفت (2) قال القاضي: ويسن له التنزه عنها (3) فإن أحس أنه يقدمها بين يدي خصومة، أو فعلها حال الحكومة، حرم أخذها في هذه الحالة، لأنها كالرشوة (4) ويكره بيعه أو شراؤه (5) إلا بوكيل لا يعرف به (6) .

(1) ونقل في البدائع عن ابن عقيل: الهداية، إذا كان للمهدي حكومة محرمة، وإن لم يتبين له حكومة فمكروهة، وجاء الهدية تفقأ عين الحاكم، أي المحبة الحاصلة للمهدي إليه، وفرحته بالظفر بها، وميله إلى المهدي، يمنعه من تحديق النظر، إلى معرفة باطل المهدى، وأفعاله الدالة على أنه مبطل، فلا ينظر في أفعاله، بعين ينظر بها، إلى من لم يهد إليه، لحديث:«حبك الشيء يعمي ويصم» ، فالهدية إذا أوجبت له محبة المهدي، فقات عين الحق، وأصمت أذنه.

(2)

أي: فله أخذ هدية، والحال ما ذكر، لانتفاء التهمة، كما يجوز أخذ هدية للمفتي مطلقا.

(3)

أي ويستحب للحاكم: التنزه عن أخذ الهدية.

(4)

فإن خالف الحاكم، فأخذ الرشوة، أو الهدية، حيث حرمت ردتا لمعط، لأنه كأنه أخذهما بغير حق، كالمأخوذ بعقد فاسد.

(5)

أي القاضي، خشية المحاباة، والمحاباة كالهدية.

(6)

أي: لا يعرف أنه وكيل للقاضي، وكذا قال مالك والشافعي، يكره أن يتولى البيع، والشراء، لكن يوكل وكيلا، لا يعرف أنه وكيل القاضي، وليس له، ولا لوال أن يتجر إلا إن احتاج، وليس له ما يكفيه، فإن الصديق قصد السوق حتى فرضوا له ما يكفيه، وهو كل يوم درهمان.

ص: 530

(ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود)(1) ليستوفي بهم الحق (2) ويحرم تعيينه قوما بالقبول (3)(ولا ينفذ حكمه لنفسه (4) ولا لمن لا تقبل شهادته له) كوالده وولده وزوجته (5) ولا على عدوه كالشهادة (6) ومتى عرضت له، أو لأحد ممن ذكر حكومة، تحاكما إلى بعض خلفائه، أو رعيته (7) كما حاكم عمر أبيا إلى زيد بن ثابت (8) .

(1) ويفرقهم إذا ارتاب فيما شهدوا.

(2)

وتثبت بهم الحجج، والمحاضر.

(3)

أي قبول الشهادة، بحيث لا يقبل غيرهم، لوجوب قبول من ثبتت عدالته.

(4)

بل يتحاكم هو وخصمه، عند قاض آخر، أو من يختارونه، كما يأتي.

(5)

كالشهادة ولو كانت الخصومة، بين والديه، أو بين والده وولده لعدم قبول شهادته لأحدهما على الآخر.

(6)

أي: ولا ينفذ حكمه على عدوه، كما لا تقبل الشهادة عليه للتهمة، وقال ابن رشد: اتفقوا على أنه يقضي لمن ليس يتهم عليه، اهـ وعدوه هو الذي يفرح بمساءته ويغتم لفرحه.

(7)

أي عرضت لوال، أوقاض.

(8)

وحاكم علي رجلا عراقيا إلى شريح، وحاكم يهوديا أيضا إلى شريح، وحاكم عثمان طلحة إلى جبير بن مطعم، وله استخلافهم، في الحكم، مع صلاحيتهم كغيرهم.

ص: 531

ويسن أن يبدأ بالمحبوسين (1) وينظر فيم حبسوا (2) فمن استحق الإبقاء أبقاه (3) .

ومن استحق الإطلاق أطلقه (4) ثم في أمر أيتام ومجانين، ووقوف ووصايا، لا ولي لهم ولا ناظر (5) ولو نفذ الأول وصية موص إليه، أمضاها الثاني وجوبا (6) ومن كان من أمناء الحاكم للأطفال والوصايا، التي لا وصي لها بحاله، أقره (7) .

(1) أي الذين حسبهم القاضي الذي قبله، وأما سنية البداءة بهم، فلا دليل عليه، ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجب أن تتبع سنته ولا عن خلفائه الراشدين.

(2)

لأن الحبس عذاب، وربما كان فيهم من لا يستحقه، فينبغي أن ينفذ ثقة، يكتب أسماءهم، ومن حبسهم وفيهم حبسوا.

(3)

أي في الحبس، بقدر ما يراه، لأن التعزير مفوض إليه.

(4)

أي المحبوس، فإطلاقه وإذنه، وأمره وقرعته، حكم يرفع الخلاف إن كان ثم خلاف.

(5)

لأن هذه أموال يتعلق به حفظها، وصرفها في وجوهها، فلا يجوز إهمالها، ولا نظر له مع الولي، أو الناظر الخاص، لكن له الاعتراض إن فعل ما لا يسوغ.

(6)

لأن الظاهر أن الأول، لم ينفذها إلا بعد معرفة أهليته، فإن تغيرت حاله، بفسق أو ضعف، ضم إليه قويا أمينا يعينه، وإن لم ينفذ الأول وصيته نظر الثاني، فإن كان قويا أمينا أقره، وإن كان ضعيفا ضم إليه قويا أمينا.

(7)

أي على ما هو عليه، لأن القاضي قبله ولاه، وعلم منه: أنهم لا ينعزلون

بعزل القاضي، ولا بموته، بخلاف خلفائه في الحكم، وذكر الشيخ: أن القاضي لو أذن أو حكم لأحد، باستحقاق عقد أو فسخ، فعقد أو فسخ، لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته، بلا نزاع.

ص: 532

ومن فسق عزله (1) ولا ينقض من حكم صالح للقضاء، إلا ما خالف نص كتاب الله أو سنة رسوله (2) كقتل مسلم بكافر (3) وجعل من وجد عين ماله عند مفلس، أسوة الغرماء (4) .

(1) لعدم أهليته وأقام مكانه أمينا، ويضم إلى ضعيف قويا أمينا، ليعينه وله إبداله، وله النظر في حال قاض قبله، ولا يجب لأن الظاهر صحة أحكامه.

(2)

صلى الله عليه وسلم لئلا يؤدي إلى نقض الحكم بمثله، وإلى أن لا يثبت حكم أصلا، ومفهومه أنه إذا لم يكن صالحا ينقض حكمه، وإن كان صوابا، وقال الشيخ: القضاة ثلاثة، من يصلح، ومن لا يصلح، والمجهول فلا يرد من أحكام الصالح إلا ما علم أنه باطل، ولا ينفذ من أحكام من لا يصلح إلا ما علم أنه حق، واختاره الموفق وغيره، وإن كان لا يجوز توليته ابتداء.

وأما المجهول: فينظر فيمن ولاه، فإن كان لا يولي إلا الصالح، جعل صالحا وإن كان يولي هذا تارة وهذا تارة، نفذ ما كان حقا، ورد الباطل، والباقي موقوف، ومن لا يصلح إذا ولي للضرورة ففيه مسألتان، إحداهما على القول: بأن من لا يصلح تنقض جميع أحكامه، هل ترد أحكامه كلها؟ أم يرد ما لم يكن صوابا؟ والثاني: المختار لأنها ولاية شرعية، والثاني: هل تنفذ المجتهدات من أحكامه؟ أم يتعقبها الحاكم العادل؟ وهذا فيه نظر.

(3)

أي لا ينقص من قضايا من قبله، إلا كحكمه بقتل مسلم بكافر، لمخالفته النص.

(4)

فينقض لأنه لم يصادف شرطه، إذ شرط الاجتهاد عدم النص، ولتفريطه بترك الكتاب والسنة.

ص: 533

أو إجماعًا قطعيًّا (1) أو ما يعتقده، فيلزم نقضه (2) والناقض له حاكمه إن كان (3)(ومن ادعى على غيره برزة) أي طلب من الحاكم أن يحضرها للدعوى عليها (4) .

(1) أي: ولا ينقض إلا ما خالف إجماعا قطعيا، لأن المجمع عليه ليس محلا للاجتهاد.

(2)

لاعتقاده بطلانه، فإن اعتقده صحيحا وقت الحكم، ثم تغير اجتهاده ولا نص ولا إجماع ولم ينقض، ولئلا يفضي إلى نقض الاجتهاد بمثله.

(3)

فيثبت السبب المقتضي للنقض، وينقضه هو، دون غيره، وقال الغزي، إذا قضى بخلاف النص والإجماع، هذا باطل، لكل من القضاة نقضه إذا رفع إليه اهـ قال في الإقناع وشرحه، وما ذكروه من أن الناقض له حاكمه، إن كان لا يتصوره فيما إذا حكم بقتل مسلم بكافر، أو يجعل من وجد عين ماله عند مفلس أسوة الغرماء، إذا كان الحاكم يراه، فإنما ينقضه من لا يراه، فقد قالوا: يثبت السبب وينقضه اهـ وذكر الأصحاب، أن حكمه بالشيء حكم يلازمه، وإذا تغيرت صفة الواقعة، فتغير القضاء بها، لم يكن نقضا للقضاء الأول، وقالوا: ثبوت الشيء عند الحاكم ليس حكما به.

وقال الشيخ: تصرف الإنسان فيما بيده، بالبيع والوقف، ونحو ذلك، صحيح وإن لم يشهد له الشهود بالملك واليد، إذا لم يكن له معارض، وإنما الغرض بالصحة رفع الخلاف لئلا ينقضه من يرى فساده، فإن ظهر له خصم يدعي العين، لم يكن هذا الحكم دافعا للخصم، بل هو بمنزلة ذي اليد، إذا ادعى عليه مدع.

قال بعض أهل العلم: وعمل الناس هذه الأزمنة وعلى كلام الشيخ، وإن كان في كلام ابن نصر الله، أنه لا يحكم بالصحة بل بالموجب.

(4)

وهي المخدرة، التي لا تبزر لقضاء حوائجها.

ص: 534

(لم تحضر) أي لم يأمر الحاكم بإحضارها (وأمرت بالتوكيل) للعذر (1) فإن كانت برزة، وهي: التي تبرز لقضاء حوائجها، أحضرت (2) ولا يعتبر محرم تحضر معه (3) .

(وإن لزمها) أي غير البرزة إذا وكلت (يمين أرسل) الحاكم (من يحلفها) فيبعث شاهدين (4) لتستحلف بحضرتهما (5) .

(وكذا) لا يلزم إحضار (المريض)(6) ويؤمر أن يوكل فإن وجبت عليه يمين، بعث إليه من يحلفه (7) ويقبل قول قاض معزول عدل لا يتهم (8) كنت حكمت لفلان على فلان بكذا (9) ولو لم يذكر مستنده (10) .

(1) كمريض ونحوه، ممن له عذر.

(2)

عند القاضي، للدعوى عليها.

(3)

لأنه لا سفر هنا يعتبر له المحرم، لكن لا يخلو بها سوى محرمها.

(4)

أي فإن توجهت اليمين عليها بعث الحاكم أمينا معه شاهدان.

(5)

لان إحضارها غير مشروع، واليمين لا بد منها وهذا طريقه.

(6)

ونحوه من ذوي الأعذار.

(7)

كغير البرزة للحرج والمشقة.

(8)

بأن لم يكن من عمودي نسب القاضي، ونحوه.

(9)

قبل قوله، نص عليه.

(10)

فلا يلزمه أن يقول: حكمت عليه بإقراره أو ببينة، وقال ابن القيم

إذا قال الحاكم، حكمت بكذا، قبل عند الجمهور، وقال مالك: لا يقبل، لأن هذا مظنة التهمة فوجب رده، كما يرد حكمه لنفسه، وبعلمه، وهذا فقه ظاهر ومأخذ حسن.

ص: 535

أو لم يكن بسجله (1) .

(1) ولو أن العادة تسجيل أحكامه، وضبطها بشهود، لأن عزله لا يمنع قبوله قوله، وتلك ليست عادة في كل قطر، وهل ينعزل قبل العلم؟ قال الشيخ: الأصوب أنه لا ينعزل هنا، وإن قلنا ينعزل الوكيل، لأن الحق في الولاية لله، وإن قلنا هو وكيل، والنسخ في حقوق الله لا يثبت قبل العلم، كما قلنا على المشهور، أن نسخ الحكم، لا يثبت في حق من لم يبلغه، وذكره المنصوص عن أحمد، ونص على أن له أن يستخلف بغير إذن الإمام، بخلاف الوكيل.

ص: 536