الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب القضاء (1)
لغة: إحكام الشيء، والفراغ منه (2) ومنه (فقضاهن سبع سموات في يومين)(3) .
(1) والفتيا قال الشيخ: والواجب اتخاذ ولاية القضاء، دينا وقربة، فإنها من أفضل القربات، وإنما فسد حال الأكثر، لطلب الرياسة والمال بها، والفتيا هي: تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه، وقال أحمد: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا، حتى يكون فيه خمس خصال، وأن يكون له نية، وإلا لم يكن عليه ولا على كلامه نور، وأن يكون له حلم، ووقار وسكينة، وأن يكون قويا على ما هو فيه، وعلى معرفته، والكفاية وإلا مضغه الناس، والخامس معرفة الناس اهـ.
وينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكن، فإنه يتضمن الحكم والدليل، مع البيان التام، وكان الصحابة والتابعون، يتحرون ألفاظ النصوص، وهي حجة وعصمة، بريئة من الخطأ والتناقض والتعقيد والاضطراب.
ويحرم عليه الفتيا بخلاف النص، ولا يجوز له التزويج، وتخيير السائل، والقاؤه في الإشكال والحيرة، بل عليه أن يبين بيانا مزيلا للإشكال، كافيا في حصول المقصود، لا فرق بين القاضي والمفتي، في جواز الإفتاء، بما تجوز الفتيا به، ووجوبها إذا تعينت ومنصب الفتيا داخل في منصب القضاء، عند الجمهور.
(2)
والقضاء: مصدر قضى يقضي، فهو قاض، إذا حكم، وإذا فصل وإذا أمضى، وقضى فلان واستقضى صار قاضيا.
(3)
وبمعنى أوجب قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} وبمعنى إمضاء الحكم ومنه {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} الآية: أي: أمضينا
وأنهينا وسمي الحاكم قاضيا، لأنه يمضي الأحكام ويحكمها، أو لإيجابه الحكم على من يجب عليه.
واصطلاحا تبيين الحكم الشرعي (1) والإلزام به (2) وفصل الحكومات (3)(وهو فرض كفاية)(4) لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه (5) و (يلزم الإمام أن ينصب في كل إقليم) بكسر الهمزة (قاضيا)(6) .
(1) وهذا مشترك بين القاضي والمفتي.
(2)
أي إن كان فيه إلزام، وهذا مختص بالقاضي، وقد يكون إباحة كحكم الحاكم، بأن الموات إذا بطل إحياؤه، صار مباحا لجميع الناس، وقال الشيخ: هو من جهة الإثبات شاهد، ومن جهة الأمر والنهي مفت، ومن جهة الإلزام بذلك ذو سلطان.
(3)
والأصل فيه الكتاب والسنة، وإجماع المسلمين على نصب القضاة للفصل بين الناس.
(4)
وفاقا، كالإمامة العظمة، وقال أحمد: لا بد للناس من حاكم، لئلا تذبه حقوق الناس، وقال الشيخ: قد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع، القليل العارض في السفر، وهو تنبيه على أنواع الاجتماع اهـ ويتعين على المجتهد الدخول فيه، إذا لم يوجد غيره، وفيه فضل عظيم لمن قوي عليه، وخطر عظيم لمن لم يؤد الحق فيه.
(5)
وإذا أجمع أهل بلد على تركه أثموا.
(6)
قال ابن رشد: وتوليته للقاضي، شرط في صحة قضائه، لا خلاف أعرفه فيه، قال الشيخ: والوكالة يصح قبولها على الفور والتراخي، بالقول والفعل، والولاية نوع منها.
لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر الخصومات، في جميع البلدان بنفسه (1) فوجب أن يرتب في كل إقليم، من يتولى فصل الخصومات بينهم لئلا تضيع الحقوق (2)(ويختار) لنصب القضاء (أفضل من يجد علما وورعا)(3) لأن الإمام ناظر للمسلمين، فيجب عليه اختيار الأصلح لهم (4)(ويأمره بتقوى الله)(5) .
(1) قال ابن رشد: ولا خلاف في جواز حكم الإمام الأعظم، اهـ ولأن الإمام الأعظم هو القائم بأمر الرعية، المتكلم بمصلحتهم، المسئول عنهم.
(2)
ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وللحاجة إلى ذلك، ولئلا يتوقف الأمر على السفر إلى الإمام، ولما في السفر إليه من المشقة، وكلفة النفقة، وقال الشيخ: تولية قاضيين في بلد واحد، إما أن يكون على سبيل الاجتماع، بحيث ليس لأحدهما الانفراد كالوصيين، والوكيلين، وإما على سبيل الانفراد، أما الأول فلا مانع منه، إذا كان فوقهما من يرد مواضع تنازعهما والثاني يجوز مطلقا.
(3)
لأن القضاء بالشيء فرع عن العلم به، والأفضل أثبت وأمكن، وكذا من ورعه أشد لأن سكون النفس إلى ما يحكم به أعظم.
(4)
وإن لم يعرف الإمام الأفضل، سأل عمن يصلح، فإن ذكر له من لا يعرفه أحضره وسأله، ليكون على بصيرة، ولأن ربما كان للمسئول غرض غير المطلوب، وكانوا يمتحنون العمال بالفرائض، ونحوها من الغوامض، فإن عرف عدالته ولاه، وإلا لم يوله إلا عند الضرورة.
(5)
ليأتمر بأمره وينتهي عما نهى عنه.
لأن التقوى رأس الدين (1) .
(و) يأمره بـ (أن يتحرى العدل) أي إعطاء الحق لمستحقه، من غير ميل (2)(ويجتهد القاضي في إقامته) أي إقامة العدل بين الأخصام (3) ويجب على من يصلح، ولم يوجد غيره، ممن يوثق به، أن يدخل فيه (4) إن لم يشغله عما هو أهم منه (5) ويحرم بذلك مال فيه وأخذه (6) وطلبه وفيه مباشر أهل (7) .
(1) أمر الله بها نبيه، وحث عليها، ووعد من اتقاه أعظم الجزاء.
(2)
ويأمره بالاجتهاد في إقامة الحق، لأن ذلك تذكرة له بما يجب عليه فعله، وإعانة له في إقامة الحق، وتقوية لقلبه، وتنبيه على اعتناء الإمام بأمر الشرع، وأهله.
(3)
والعدل محمود محبوب باتفاق أهل الأرض، وهو من المعروف الذي تعرفه القلوب، كما أن الظلم من المنكر الذي تبغضه القلوب وتذمه، قال الشيخ: ومن فعل ما يمكنه، لم يلزمه ما يعجز عنه.
(4)
لأن القضاء فرض كفاية، ولا قدرة لغيره على القيام به إذا، فتعين عليه، ولئلا تضيع حقوق الناس، فإن لم يطلب له، أو وجد موثوق به غيره، لم يلزمه الدخول فيه، وإلا لزمه.
(5)
أي إن لم يشغله الدخول في القضاء عما هو أهم منه، كأمر دينه فلا يلزمه إذا الدخول فيه، ومع وجود غيره، الأفضل أن لا يجيب، وكره له طلبه إذا.
(6)
بأن يبذله طالب القضاء، وكذا أخذ الوالي لذلك، وهو من أكل المال بالباطل.
(7)
أي ويحرم طلب القضاء، وفيه مباشر أهل، أي صالح له، ولو كان الطالب أهلا، وإلا جاز بلا مال، وظاهر تخصيص الكراهة بالطلب، أنه لا يكره
تولية الحريص، ولا ينفي أن غيره أولى، ووجه في الفروع، يكره، وصوبه في الإنصاف.
ويحرم الدخول في القضاء على من لا يحسنه، ولم تجتمع فيه شروطه، والشفاعة له وإعانته على التولية، ويحرم الدخول فيه، إذا لم يمكنه القيام بالواجب، لظلم السلطان أو غيره، ويتأكد الامتناع، ويصح تولية مفضول مع وجود أفضل منه، لفعل الصحابة رضي الله عنهم.
(فيقول) المولي لمن يوليه (1)(وليتك الحكم، أو قلدتك الحكم (2) ونحوه) كفوضت أو رددت، أو جعلت إليك الحكم (3) أو استنبتك، أو استخلفتك في الحكم (4) والكناية نحو: اعتمدت أو عولت عليك (5) لا ينعقد بها إلا بقرينة نحو: فاحكم (6) .
(1) أي فيقول الإمام أو نائبه، ولو غير عدل، لمن يوليه القضاء.
(2)
أي ألفاظ التولية الصريحة: وليتك الحكم، وقلدتك الحكم.
(3)
أي ونحو وليتك، وقلدتك: فوضت إليك الحكم، أو رددت إليك الحكم، أو جعلت إليك الحكم.
(4)
أي: أو استنبتك في الحكم، أو استخلفتك في الحكم، فإذا وجد أحد هذه الألفاظ، وقبل المولى الحاضر في المجلس، أو الغائب بعده، أو شرع الحاضر، أو الغائب في العمل، انعقدت الولاية.
(5)
ووكلت إليك، وأسندت الحكم إليك.
(6)
أي: لا تنعقد الولاية بكناية منها إلا بقرينة، نحو: فاحكم، أو فتول ما عولت عليك، وما أشبهه، لأن هذه الألفاظ، تحتمل التولية وغيرها، فلا تنصرف إلى التولية إلا بقرينة تنفي الاحتمال.
(ويكاتبه) بالولاية (في البعد)(1) أي إذا كان غائبا، فيكتب له الإمام عهدا بما ولاه (2) ويشهد عدلين عليها (3)(وتفيد ولاية الحكم العامة، الفصل بين الخصوم، وأخذ الحق لبعضهم من بعض) أي أخذه لربه ممن هو عليه (4)(والنظر في أموال غير الراشدين) كالصغير والمجنون، والسفيه (5) وكذا مال غائب (6)(والحجر على من يستوجبه، لسفه أو فلس (7) .
(1) لأن التولية تحصل بذلك، كالتوكيل.
(2)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم: كتب لعمرو بن حزم، وكتب عمر إلى أهل الكوفة، وجرى على ذلك ولاة المسلمين.
(3)
فيقول: أشهد أني قدوليت فلانا قضاء كذا، فيقيما الشهادة هناك، وقال غير واحد: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشهد ولا خلفاؤه، وإنما يكتبون ويختمون بما يعلم ضرورة أنه كتاب منهم بالتولية، وجرى على ذلك عمل المسلمين.
(4)
لأن المقصود من القضاء ذلك، ولهذا قال أحمد وغيره: لئلا تذهب حقوق الناس.
(5)
لأن ترك ذلك يؤدي إلى ضياع أموالهم.
(6)
أي وتفيد ولاية القاضي النظر في مال غائب، لئلا يضيع.
(7)
أي وتفيد ولايته الحجر، على من يستوجب الحجر عليه، لسفه، أو الحجر لفلس، لأن الحجر يفتقر إلى نظر واجتهاد، فلذلك كان مختصا به.
والنظر في وقوف عمله، ليعمل بشرطها (1) وتنفيذ الوصايا (2) وتزويج من لا ولي لها) من النساء (3)(وإقامة الحدود (4) وإمامة الجمعة والعيد) ما لم يخصا بإمام (5)(والنظر في مصالح عمله، بكف الأذى عن الطرقات وأفنيتها (6) ونحوه) كجباية خراج وزكاة، ما لم يخصا بعامل (7) وتصفح شهوده وأمنائه، ليستبدل بمن يثبت جرحه (8) .
(1) أي والنظر في وقوف عمله، أي ولايته، ليعمل بشرط الأوقاف، التي في محل نفوذ حكمه، لأن الضرورة تدعو إلى إجرائها، على شرط الواقف، سواء كان له ناظر خاص أولا.
(2)
لأن الميت محتاج إلى ذلك، كغيره.
(3)
لقوله صلى الله عليه وسلم «فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» ، والقاضي نائب السلطان.
(4)
لأنه صلى الله عليه وسلم: كان يقيمها والخلفاء من بعده، ونقل أبو طالب: أمير البلد إنما هو مسلط على الأدب، وليس له مواريث، والوصايا والفروج، والحدود والرجم، إنما يكون هذا في القاضي.
(5)
أي وتفيد ولايته إقامة الجمعة، ونصب إمامها، وإقامة العيد، لأن الخلفاء كانوا يقيمونها.
(6)
جمع فناء، ما اتسع أمام دور عمله، لأنه مرصد للمصالح.
(7)
يجيبها من جهة الإمام.
(8)
ويستبقى من يصلح، لأن العادة، في القضاة ذلك، فعند إطلاق الولاية تنصرف إلى ما جرت به العادة.
والاحتساب على الباعة والمشترين، وإلزامهم بالشرع (1)(ويجوز أن يولي القاضي عموم النظر في عموم العمل)(2) بأن يوليه سائر الأحكام في سائر البلدان (3) .
(و) يجوز أن (يولي خاصا فيهما)(4) بأن يوليه الأنكحة بمصر مثلا (5)(أو) يوليه خاصا (في أحدهما)(6) .
(1) ذكره في التبصرة، وفي المنتهى، لا يستفيد ذلك، لأن العادة لم تثبت بتولي القضاة لذلك اهـ وتسمى ولاية الحسبة، وهو: جعل من ينظر في الأسواق بين الباعة، والمشترين من المعاملات المحرمة، وإلزامهم بالشرع، بسبب توفية الكيل والوزن، والذرع والسعر، وتقدم حكم التسعير، أما إن تخاصموا في صحة البيع وفساده، وقبض الثمن والمثمن، فله النظر في ذلك.
وقال الشيخ: ما يستفيده بالولاية لا حد له شرعا، بل يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، لأن كل ما لم يحد شرعا، يحمل على العرف، كالحرز، والقبض
(2)
وخاصا فيهما أو في أحدهما، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يستنيب أصحابه كلا في شيء، وقال ابن رشد: اتفقوا أن القاضي يحكم في كل شيء من الحقوق، سواء كان حقا لله أو حقا للآدميين، وأنه نائب عن الإمام الأعظم في هذا المعنى.
(3)
وهذا عام في النظر، عام في العمل.
(4)
أي القضاء والعمل.
(5)
وهذا خاص في النظر، خاص في العمل.
(6)
أي القضاء والعمل، قال الشيخ: ولاية الأحكام يجوز تبعيضها ولا يجب أن يكون عالما في غير ولايته، فإن منصب الاجتهاد ينقسم حتى لو ولاه في المواريث
لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والوصايا، وما يتعلق بذلك، وإن ولاه عقود الانكحة وفسخها، لم يجب أن يعرف إلا ذلك، وعلى هذا إذا قال: اقض فيما تعلم، كما يقول أفت فيما تعلم، جاز، ويسمى ما لا يعلم خارجا عن ولايته، كما نقول في الحاكم الذي ينزل على حكمه الكفار، وفي الحكمين في جزاء الصيد.
بأن يوليه سائر الأحكام ببلد معين (1) أو يوليه الأنكحة بسائر البلدان (2) وإذا ولاه ببلد معين، نفذ حكمه في مقيم به، وطارئ إليه فقط (3) وإن ولاه بمحل معين، لم ينفذ حكمه في غيره (4) .
(1) وهذا عام في النظر، خاص في العمل.
(2)
وهذا خاص في النظر، عام في العمل.
(3)
لأن الطارئ يصير من أهلها، في كثير من الأحكام، وأما من ليس مقيما بها ولا طارئا إليها، فلم يدخل تحت ولايته، قال القاضي: إذا استأذنت امرأة في غير عمله، فزوجها في عمله لم يصح العقد، لأن إذنها لم يتعلق بالحكم، وحكمه في غير عمله لا ينفذ، فإذا قالت، إذا حصلت في عملك فقد أذنت لك، فزوجها في عمله صح.
قال الشيخ: لا فرق بين أن تقول زوجني إذا صرت في عملك، أو إذا صرت في عملك فزوجني لأن تقييد الوكالة، أحسن حالا من تعليقها، نعم لو قالت زوجني الآن، أو فهم ذلك من إذنها، فهنا أذنت لغير قاض، وهذا هو مقصود القاضي.
(4)
فلا ينفذ حكمه، إذا سافر لبلد آخر، ولا ينفذ حكمه إذا ولاه القضاء بمجلس أو مسجد معين.
ولا يسمع بينة إلا فيه، كتعديلها (1) وللقاضي طلب رزق من بيت المال، لنفسه وخلفائه (2) فإن لم يجعل له فيه شيء وليس له ما يكفيه، وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بجعل جاز (3) ومن يأخذ من بيت المال، لم يأخذ أجرة لفتياه، ولا لحكمه (4)(ويشترط في القاضي عشر صفات (5)
(1) أي: ولا يسمع بينة إلا في محل عمله، وهو محل حكمه، وكذا تعديلها، فتجب إعادة الشهادة إذا سمعها في غير عمله، وإعادة تعديل البينة، إذا سمعها في غير عمله، لأن سماع ذلك في غير محل عمله، كسماعه قبل التولية.
(2)
لأن الصديق لما ولي الخلافة، فرضوا له كل يوم درهمين، وعمر رزق شريحا كل شهر مائة درهم، ورزق ابن مسعود نصف شاة كل يوم وخلفاؤه، هم أمناؤه ونوابه، ولهم الأخذ مع الحاجة وعدمها، لما تقدم وعمر أمر بالفرض لمن ولي القضاء، وقال: ارزقوهم واكفوهم من مال الله تعالى، ولأنه لو لم يجز فرض الرزق تعطلت وضاعت الحقوق.
(3)
قال الموفق: في الأصح، ولعل المراد قدر كفايته، واستظهره في شرح المنتهى ولا يختص بواحد منهما.
وقال الموفق أيضا وغيره: يحتمل أن لا يجوز، وصوبه في الإنصاف.
(4)
ولا لخطه اكتفاء بما يأخذ من بيت المال.
(5)
قال الشيخ: فيمن يولى، لا فيمن يحكمه الخصمان، وقال ابن القيم: أقل ما يشترط في القاضي صفات الشاهد، باتفاق العلماء قال الشيخ: لأنه لا بد أن يحكم بعدل.
كونه بالغا عاقلا) لأن غير المكلف تحت ولاية غيره، فلا يكون واليا على غيره (1) (ذكرا) لقوله عليه الصلاة والسلام «ما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة» (2) (حرا) لأن الرقيق مشغول بحقوق سيده (3) (مسلما) لأن الإسلام شرط للعدالة (4) (عدلا) ولو تائبا من قذف (5) فلا يجوز تولية الفاسق (6) لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية (7)(سميعا) لأن الأصم لا يسمع كلام الخصمين (8) .
(1) وهما يستحقان الحجر عليهما، والقاضي يستحقه على غيره، وبين الحالتين منافاة.
(2)
ولأن المرأة ناقصة العقل، قليلة الرأي، ليست أهلا لمحل حضور الرجال.
(3)
قال ابن رشد: أما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه، وقال الشيخ: لا تشترط الحرية في الحاكم، واختاره أبو طالب، وابن عقيل، وصرح في الإقناع وغيره، أنها تصح ولاية عبد إمارة سرية، وقسم صدقة وفيء، وإمامة صلاة، واستثنى إمامة جمعة وعيد.
(4)
ولأن الكفر يقتضي إذلال صاحبه، والقضاء يقتضي إحترامه، وبينهما منافاة، ولأنه لا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله، للآية الآتية.
(5)
لقوله تعالى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} بعد قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية.
(6)
نص عليه، فلا يجوز تولية من فيه نقص، يمنع قبول شهادته.
(7)
فدلت على عدم قبول قوله، فعدم قبول حكمه من باب أولى.
(8)
فلا تجوز توليته.
(بصيرا) لأن الأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه (1)(متكلما) لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم، ولا يفهم جميع الناس إشارته (2)(مجتهدا) إجماعًا ذكره ابن حزم، قاله في
الفروع (3) .
(1) ولا المقر من المقر له، وقال الشيخ: وقياس المذهب تجوز كما تجوز شهادته، إذ لا يعوزه إلا عين الخصم، ولا يحتاج إلى ذلك، بل يقضي على موصوف كما قضى داود بين الملكين، ويتوجه أن يصح مطلقا، ويعرف بأعيان الشهود والخصوم، كما يعرف بمعاني كلامهم في الترجمة، إذ معرفة كلامه وعينه سواء.
قال: وهو في الحاكم أوسع منه في الشاهد: بدليل الترجمة والتعريف بالحكم دون الشهادة، وما به يحكم أوسع مما به يشهد.
(2)
فلا تجوز توليته.
(3)
مجتهدا هذا المذهب المشهور، وقدمه في الفروع، قال ابن حزم: يشترط كونه مجتهدا إجماعا، وقال الوزير: اتفقوا على أنه لا يجوز أن يولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة، فقال: يجوز وما في الصحيحين إذا اجتهد الحاكم.. الحديث يدل على اشتراط الاجتهاد، ودرجة الاجتهاد لمن فهم مقاصد الشريعة، وتمكن من الاستنباط.
وقال ابن القيم: لا يشترط في المجتهد علمه بجميع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فيما يتعلق بالأحكام، ولكن أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه.
وقال الشيخ: الشارع نصوصه كلمات جوامع، وقضايا كلية، وقواعد عامة، يمتنع أن ينص على كل فرد من جزئيات العالم، إلى يوم القيامة، فلا بد من الاجتهاد في جزئيات، هل تدخل في كلمات الجامعة أولا.
ولو) كان مجتهدًا (في مذهبه) المقلد فيه لإمام من الأئمة (1) فيراعي ألفاظ إمامه، ومتأخرها، ويقلد كبار مذهبه، في ذلك، ويحكم به (2) ولو اعتقد خلافه (3) .
(1) واختار في الترغيب، ومجتهد في مذهب إمامه للضرورة، واختار في الإفصاح والرعاية: مقلدا، قال في الإنصاف: وعليه العمل من مدة طويلة، وإلا تعطلت أحكام الناس، وذكر ابن القيم: أن المجتهد هو العالم بالكتاب والسنة، ولا ينافي اجتهاده تقليد غيره أحيانا، فلا تجد أحدا من الأئمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه، في بعض الأحكام.
(2)
هذا إنما يتوجه على لزوم التمذهب، والأخذ برخص ذلك المذهب وعزائمه، قال في الفروع: وعدمه أشهر، وقال في أصوله: عدم اللزوم قول جمهور العلماء، فيتخير قال ابن القيم: وهو الصواب المقطوع به، وقال الوزير: عمله بقول الأكثر أولى.
قال الشيخ: ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل، ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل، لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم أو اتقى فقد أحسن، ولم يقدح في عدالته، وقال: في الأخذ برخصه وعزائمه، طاعة غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه، خلاف الإجماع، وتوقف في جوازه.
(3)
هذا قول ابن حزم، بل إذا لم يعتقد خلافه لقوله تعالى:{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} وقال الشيخ: أجمع العلماء على تحريم الحكم، والفتيا بالهوى، وبقول أو وجه، من غير نظر في الترجيح، ويجب العمل بموجب اعتقاده، فيما له وعليه، إجماعا؛ وقال: ليس الإنسان أن يعتقد أحد القولين، في مسائل النزاع فيما له، والقول الآخر فيما عليه باتفاق المسلمين، وقال: لا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقا.
قال الشيخ تقي الدين: وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، وتجب ولاية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولى لعدم، الأنفع من الفاسقين (1) وأقلهما شرا، وأعدل المقلدين، وأعرفهما بالتقليد.
قال في الفروع: وهو كما قال (2) ولا يشترط أن يكون القاضي كاتبا (3) أو ورعا أو زاهدا (4) أو يقظا (5) أو مثبتا للقياس (6) أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك (7) .
(1) قال ابن القيم: وإن كان غيره أفضل منه؛ وقال: وإن كان أحدهما أعمل، والآخر أورع، قدم فيما قد يظهر حكمه، ويخاف فيه الهوى، الأورع، وفيما ندر حكمه، ويخاف فيه الاشتباه، الأعلم.
(2)
فما أحسن كلام الشيخ رحمه الله، وإلا لتعطلت بعض أمور الناس، إذا قلت العدالة.
(3)
لأنه صلى الله عليه وسلم: كان أميا وهو سيد الحكام، وليس من ضرورة الحكم الكتابة.
(4)
وقال الخرقي، والشيخ وغيرهما، يشترط كونه ورعا، وهو الصواب، وقال: الولاية لها ركنان القوة والأمانة، فالقوة في الحكم، ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله.
(5)
وقال ابن عقيل: لا مغفلا، وجزم به غير واحد، واستظهر في الفروع، أنه مراد الأصحاب، وحكى عن القاضي لا يليه، وصوبه.
(6)
وحدوده وشروطه، وكيفية استنباطه.
(7)
أي: أن يكون كاتبا ورعا، زاهدا يقظا، مثبتا للقياس، حسن الخلق
وحسن الخلق: اختيار الفضائل، وترك الرذائل، ورجح في الإنصاف: أنه لا ينعزل قبل علمه، وفي التلخيص: بغير خلاف، ورجحه الشيخ، وقال: هو المنصوص عن أحمد، وذكر أن ولاية القاضي، العقود والفسوخ، فتعظم البلوى بإبطالها قبل العلم، وصوبه في الإنصاف.
(وإذا حكم) بتشديد الكاف (اثنان) فأكثر (بينهما رجلا يصلح للقضاء)(1) فحكم بينهما (نفذ حكمه في المال، والحدود واللعان، وغيرها) من كل ما ينفذ فيه، حكم من ولاه إمام أو نائبه، لأن عمر وأبيا: تحاكما إلى زيد ابن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد ممن ذكرنا قاضيا (2) .
(1) بأن اتصف بما تقدم، من شروط القاضي، وقال: الشيخ: العشر صفات، التي ذكرها في المحرر في القاضي، لا تشترط فيمن يحكم الخصمان.
(2)
ولحديث أبي شريح: إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا وغير ذلك وعلله في المال فقط، وحكي الوزير: أما النكاح واللعان، والقصاص والحدود، والقذف، فلا يجوز ذلك إجماعا.