الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب نفقة الأقارب
والمماليك من الآدميين والبهائم
(1)
(تجب) النفقة كاملة، إذا كان المنفق عليه لا يملك شيئا (2) (أو تتمتها) إذا كان لا يملك البعض (3) (لأبويه وإن علوا) (4) لقوله تعالى:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} ومن الإحسان الإنفاق عليهما (5)(و) تجب النفقة أو تتمتها (لولده وإن سفل) ذكرا كان أو
أنثى (6) .
(1) المراد بالأقارب هنا من يرثه بفرض، أو تعصيب، ويدخل فيهم العتيق.
(2)
ولم يكن مع المنفق من يشركه في الإنفاق.
(3)
وهذا أحد شروط الإنفاق: أن يكون المنفق عليهم فقراء لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم.
(4)
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم، أن نفقة الوالدين الفقيرين، الذين لا كسب لهما ولا مال، واجبة في مال الولد.
(5)
بل من أعظم الإحسان بالوالدين، إذا كانا أو أحدهما، لا يملك نفقة أن ينفق عليه؛ قال الشيخ: على الولد الموسر أن ينفق على أبيه المعسر، وزوجة أبيه، وعلى إخوته الصغار، وفي الحديث «وابدأ بمن تعول، أمك وأباك» إلخ، وفي الصحيح، ذكر الأم ثلاثا.
(6)
قال الموفق: الأصل في وجوب نفقة الوالدين، والمولودين، الكتاب والسنة والإجماع، وتقدم حكاية ابن المنذر، الإجماع على وجوبها للوالدين
وقال: أجمع كل من نحفظ عنه، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الإنسان بعضه، وهو بعض والده، كما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله، كذلك على بعضه وأصله.
لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} (1)(حتى ذوي الأرحام منهم) أي من آبائه وأمهاته (2) كأجداده المدلين بإناث (3) وجداته الساقطات (4) ومن أولاده كولد البنت (5) سواء (حجبه) أي الغني (معسر) فمن له أب وجد معسران، وجبت عليه نفقتهما، ولو كان محجوبا من الجد بأبيه المعسر (6) .
(1) أي {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} وهو الأب (رِزْقُهُنَّ) أي طعام الوالدات {وَكِسْوَتُهُنَّ} أي لباسهن {بِالْمَعْرُوفِ} أي بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن، على قدر الميسرة، من غير إسراف، ولا إقتار، وأول الآية:{وَالْوَالِدَاتُ} أي المطلقات (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ) الآية، وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم «خذي من ماله ما يكفيك، وولدك بالمعروف» .
(2)
لعموم الآية، سواء كانوا وارثين أو محجوبين، وفاقا للشافعي، لأن قرابتهم قرابة جزئية، وبعضية، تقتضي رد الشهادة، وتمنع جريان القصاص على الوالد بقتل الولد وإن سفل، فأوجب النفقة، كقرابة الأب الأدنى.
(3)
كأبي الأم، وأبي أم الأم.
(4)
كأم أب الأم.
(5)
وولد بنت الابن.
(6)
وكابن معسر مع ابن ابن موسر، فتجب النفقة في المثالين على الموسر ولا أثر لكونه محجوبا، لأن بينهما قرابة، توجب العتق ورد الشهادة، كما تقدم فأشبه القريب.
(أولا) بأن لم يحجبه أحد، كمن له جد معسر ولا أب له، فعليه نفقة جده، لأنه وارثه (1)(و) تجب النفقة أو إكمالها لـ (كل من يرثه) المنفق (2)(بفرض) كولد لأم (3)(أو تعصيب) كأخ وعم لغير أم (4)(لا) لمن يرثه (برحم) كخال وخالة (5)(سوى عمودي نسبه) كما سبق (6) .
(1) لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وكذا جد مع ابن بنته.
(2)
يعني الغني، للآية والأخبار، ولأن بين المتوارثين قرابة، تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس، فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم، قال الشيخ: والأوجه وجوبها مرتبا، وإن كان الموسر القريب ممتنعا فينبغي أن يكون كالمعسر، كما لو كان للرجال مال، وحيل بينه وبينه، لغصب أو بعد، لكن ينبغي أن يكون الواجب هنا، القرض رجاء الاسترجاع، وعلى هذا متى وجبت عليه النفقة وجب عليه القرض، إذا كان له وفاء.
(3)
وكالأم، والجدة.
(4)
وكابن أخ، وابن عم لغير أم.
(5)
أي فلا تجب نفقته، قالوا: لعدم النص فيهم، ولأن قرابتهم ضعيفة، واختار الشيخ الوجوب، لأنه من صلة الرحم، وهو عام، وفي الاختيارات: وتجب النفقة لكل وأرث، ولو كان مقاطعا من ذوي الأرحام وغيرهم، لأنه من صلة الرحم، وهو عام، كعموم الميراث في ذوي الأرحام، وهو رواية عن أحمد.
(6)
الوارثين منهم بفرض، أو تعصيب أولا، كجد موسر مع أب فقير، فتلزم الجد الموسر، نفقة ابن ابنه المعسر.
(سواء ورثه الآخر كأخ) للمنفق (أولا كعمة وعتيق)(1) وتكون النفقة على من تجب عليه (بمعروف)(2) لقوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ثم قال: {وعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (3) فأوجب على الأب نفقة الرضاع، ثم أوجب مثل ذلك على الوارث (4) وروى أبو داود: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أبر؟ قال: «أمك، وأباك، وأختك وأخاك» (5) .
(1) وكبنت أخيه وبنت عمه، فإن العمة لا ترث ابن أخيها، بفرض ولا تعصيب، وهو يرثها بالتعصيب، وكذا العتيق، لا يرث مولاه، هو يرثه، فتجب النفقة على الوارث.
(2)
عند جمهور أهل العلم.
(3)
أي وعلى وارث الولد الذي لو مات الصبي وله مال ورثه مثل ما على الأب، من الإنفاق على الطفل وكسوته، وعلى والدة الطفل والقيام بحقوقها، وعدم الإضرارا بها، وهو قول جمهور العلماء، واستدلوا بهذه الآية، وقوله {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} وغير ذلك من الأحاديث، على وجوب نفقة الأقارب، بعضهم على بعض، وقالوا: إذا لم يكن للصبي ونحوه، مال ينفق منه عليه، أجبرت ورثته.
(4)
فيدخل وجوب نفقة الطفل وكسوته، ونفقة مرضعته، على كل وارث قريب أو بعيد، كل منهم على قدر ميراثه منه، نساء كانوا أو رجالا.
(5)
وللنسائي، وصححه الحاكم من حديث طارق المحاربي «وابدأ بمن تعول، أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك» ، وهو مفسر لما تقدم، من قوله:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} فيجب الإنفاق بشرطه لهذه الأحاديث وغيرها.
وفي لفظ: «ومولاك الذي هو أدناك، حقا واجبا ورحما موصولا» (1) ويشترط لوجوب نفقة القريب، ثلاثة شروط، الأول: أن يكون المنفق وارثا لمن ينفق عليه، وتقدمت الإشارة إليه (2) الثاني: فقر المنفق عليه، وقد أشار إليه بقوله:(مع فقر من تجب له) النفقة (وعجزه عن تكسب)(3) لأن النفقة إنما تجب على سبيل المواساة، والغني بملكه، أو قدرته على التكسب، مستغن عن المواساة، ولا يعتبر نقصه (4) فتجب لصحيح مكلف لا حرفة له (5) الثالث: غنى المنفق وإليه الإشارة بقوله (إذا فضل) ما ينفقه عليه (عن قوت نفسه، وزوجته ورقيقه يومه وليلته و) عن (كسوة وسكنى) لنفسه وزوجته ورقيقه (من حاصل) في يده (أو متحصل) من صناعة أو تجارة أو أجرة عقار.
(1) فهو أحق من الذي هو أبعد منه.
(2)
في قوله وتجب لمن يرثه بفرض، أو تعصيب.. إلخ والمراد غير عمودي. النسب فتجب لهم وعليهم مطلقا، وتقدم.
(3)
يستغنون به عن إنفاق غيرهم عليهم.
(4)
يعني المنفق عليه في خلقة، كزمن أو حكم، كصغر وجنون.
(5)
لأنه فقير سواء كان زمنا أو صحيحا، مكلفا أو غير مكلف، من الوالدين أو غيرهما.
أو ريع وقف ونحوه (1) لحديث جابر مرفوعا «إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان فضل فعلى عياله، فإن كان فضل فعلى قرابته» (2) و (لا) تجب نفقة القريب (من رأس مال) التجارة (3)(و) لا من (ثمن مالك و) لا من (آلة صنعة) لحصول الضرر بوجوب الإنفاق من ذلك (4) ومن قدر أن يكتسب أجبر لنفقة قريبه (5)(ومن له وارث غير أب) واحتاج للنفقة (فنفقته عليهم) أي على وارثيه (على قدر إرثهم) منه (6) .
(1) فإن لم يفضل عنده شيء عمن ذكر فلا شيء عليه.
(2)
ولقوله لمن قال: عندي دينار، قال:«أنفقه على نفسك» قال عندي آخر، قال:«أنفقه على زوجتك» قال: عندي آخر، قال:«أنفقه على ولدك» الحديث
(3)
التي يتجر بها، لنقص الربح بنقص رأس ماله، وربما أعنته النفقة، فيحصل له الضرر وهو ممنوع شرعا.
(4)
وفوات ما يتحصل منه قوته، وقوت زوجته ونحوها، ولما تقدم من الأخبار وثبت قوله صلى الله عليه وسلم «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» .
(5)
أي ومن قدر أن يكتسب بحيث يفضل عن كسبه ما ينفقه على قريبه، أجبر عليه، لنفقة قريبه لأن تركه مع قدرته عليه، تضييع لمن يعول، وهو منهي عنه.
(6)
أي من المنفق عليه.
لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فوجب أن يترتب مقدار النفقة على مقدار الإرث (1)(فـ) من له أم وجد (على الأم) من النفقة (الثلث، والثلثان على الجد) لأنه لو مات لورثاه كذلك (2)(و) من له جدة وأخ لغير أم (على الجدة السدس، والباقي على الأخ) لأنهما يرثانه كذلك (3)(والأب ينفرد بنفقة ولده)(4) لقوله صلى الله عليه وسلم لهند «خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف» (5) .
(1) وذلك: أن الله أوجب على الأب نفقة الرضاع، ثم عطف الوارث عليهن وأوجب على الوارث مثل ما أوجب على الوالد، إلا أن الأب ينفرد، كما يأتي فالصبي إذا لم يكن له والد، فنفقته على وارثيه، على قدر إرثهم.
(2)
وهذا مذهب أبي حنيفة وعنه: على الجد، والمذهب الراجح الأول، للآية ولأن الأم وارثة، فكان عليها بالنص.
(3)
وأم وبنت بينهما أرباعا، كما يرثانه فرضا وردا، وابن وبنت، بينهما أثلاثا، لأنهما يرثانه كذلك للآية فإنه رتب فيها النفقة على الإرث، فيجب أن تترتب في المقدار عليه.
(4)
لا يشركه فيها من يشركه في ميراث، إذا كان موسرا.
(5)
فدل على انفراده بالنفقة وتقدم قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} وقوله: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فأوجب عليه نفقة الرضاع دون أمه، وقال الموفق: لا خلاف في هذا نعلمه، وإن ذهبت به إلى بلد آخر، فقال الشيخ: إذا تزوجت المرأة ولها ولد، فغصبت الولد، وذهبت به إلى بلد آخر، فليس لها أن تطالب الأب بنفقة الولد.
(ومن له ابن فقير، وأخ موسر، فلا نفقة له عليهما) أما ابنه فلفقره، وأما الاخ فلحجبه بالابن (1)(ومن) احتاج لنفقة و (أمه فقيرة، وجدته موسرة، فنفقته على الجدة) ليسارها، ولا يمنع ذلك حجبها بالأم، لعدم اشتراط الميراث، في عمودي النسب، كما تقدم (2)(ومن عليه نفقة زيد) مثلا لكونه ابنه، أو أباه، أو أخاه ونحوه (3)(فعليه نفقة زوجته) لأن ذلك من حاجة الفقير، لدعاء ضرورته إليه (4)(كـ) نفقة (ظئر) من تجب نفقته (5) فيجب الإنفاق عليها (لحولين) كاملين (6) .
(1) وتقدم: أن النفقة لا تجب مع الفقر، وغير الوارث لا تجب عليه للآية.
(2)
أي قوله: في عمودي النسب، سواء حجبه وارث أولا، لقوة قرابتهم.
(3)
ممن تجب نفقته عليه.
(4)
لأنه لا يتمكن من الإعفاف إلا بها، وكذا يجب عليه إعفاف من وجبت له نفقته، إذا احتاج إلى النكاح.
(5)
أي كما تجب نفقة ظئر، أي مرضعة من تجب نفقته، يعني الطفل، قولا واحدا، بإضافة ظئر، إلى من الموصولة.
(6)
أي فيجب الإنفاق على الظئر، لمدة حولين كاملين، قولا واحدا، ولا تجب بعد الحولين، لانقضاء مدة الحاجة إلى الرضاع.
لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ (1) وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إلى قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (2) والوارث إنما يكون بعد موت الأب (3)(ولا نفقة) بقرابة (مع اختلاف دين)(4) ولو من عمودي نسبه لعدم التوارث إذا (5)(إلا بالولاء) فتلزم النفقة المسلم لعتيقه الكافر (6) وعكسه لإرثه منه (7) .
(1) ولا يجوز أن يفطم قبل الحولين، إلا بإذن أبويه، وبعدهما، إن انضر الصغير، فلا ولو رضيا، لخبر:«لا ضرر ولا ضرار» ، قال ابن القيم: يجوز أن تستمر الأم على رضاعه بعد الحولين إلى نصف الثالث أو أكثره.
(2)
ولقوله: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ولأن الولد إنما يتغذى بما يتولد في المرضعة من اللبن، فوجبت النفقة لها، لأنها في الحقيقة له.
(3)
فدلت الآية على وجوبها على الوارث، مع عدم الأب.
(4)
أي إذا كان دين القريبين مختلفا، فلا نفقة لأحدهما على الآخر، لأنه لا توارث بينهما ولا ولاية أشبه ما لو كان أحدهما رقيقا، وفي الإنصاف: لا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين، هذا المذهب مطلقا.
(5)
أي ولو كان من تلزمه نفقته، لو كان على دينه من عمودي نسبه، فلا نفقة له لعدم التوارث بينهما إذا وهو كونهما مختلفي الدين.
(6)
لثبوت إرثه من عتيقه، مع اختلاف الدين.
(7)
فتلزم الكافر لعتيقه المسلم، لإرثه منه، ومن ترك الإنفاق مدة لم يلزمه عوضها قال ابن القيم: وتسقط النفقة بمضي الزمان، عند الأكثر في نفقة الأقارب، واتفقوا عليه في نفقة العبد، والحيوان البهيم.
(و) يجب (على الأب أن يسترضع لولده) إذا عدمت أمه، أو امتنعت (1) (لقوله تعالى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أي فاسترضعوا له أخرى) (2)(ويؤدي الأجرة) لذلك (3) لأنها في الحقيقة نفقة، لتولد اللبن من غذائها (4) (ولا يمنع) الأب (أمه إرضاعه) أي إرضاع ولدها (5) لقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (6) وله منعها من خدمته لأنه يفوت حق الاستمتاع في بعض الأحيان (7) .
(1) بلا خلاف، قالوا: ولا تجبر ولو كانت في حبال الزوج.
(2)
فدلت الآية على وجوب الاسترضاع لولده، وإذا اختلفا فقد تعاسرا.
(3)
أي للظئر، المرضعة لولده.
(4)
بتلك النفقة، فكانت النفقة للطفل، الواجب الإنفاق عليه، بالنص والإجماع.
(5)
إذا طلبت ذلك، وإن طلبت أجرة مثلها، ووجد من يتبرع برضاعه فهي أحق، سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة.
(6)
وهذا خبر يراد به الأمر، وهو عام في كل والدة لقوله {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ولأنها أشفق وأحق بالحضانة، ولبنها أمرأ كما يأتي، وإن طلبت أكثر من أجرة مثلها فلا.
(7)
ويقذرها ولا ينافي ذلك أنها أحق بحضانته، إذ لا يلزمها مباشرة الخدمة بنفسها، بل تخدمه خادمتها ونحوها عندها، فلم يفتها رضاعه ولا حضانته.
(ولا يلزمها) أي لا يلزم الزوجة إرضاع ولدها، دنيئة كانت أو شريفة (1) لقوله تعالى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (2)(إلا لضرورة كخوف تلفه) أي تلف الرضيع، بأن لم يقبل ثدي غيرها ونحوه (3) لأنه إنقاذ من هلكة (4) ويلزم أم ولد إرضاع ولدها مطلقا (5) فإن عتقت فكبائن (6)(ولها) أي للمرضعة (طلب أجرة المثل) لرضاع ولدها (7) .
(1) وقالوا: سواء كانت في حبال الزوج أو لا، إلا أن يضطر كما يأتي.
(2)
فدلت الآية، على أن الأم إذا امتنعت من إرضاع ولدها لم تجبر، فإنهما إذا اختلفا فقد تعاسرا، وقوله:{يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} محمول على حال الإتفاق وعدم التعاسر.
(3)
كأن لا يوجد مرضعة سواها، فيجب عليها إرضاعه.
(4)
وحال ضرورة كما لو لم يكن له أحد غيرها، وإن وجد غيرها وامتنعت وجب عليها أن تسقيه اللبن لتضرره بعدمه، بل يقال: لا يعيش إلا به.
(5)
أي سواء كان ضرورة بأن خيف على الولد، أو لم يخف عليه، وسواء كان الولد من سيدها أو من غيره، لأن نفعها لسيدها.
(6)
أي فكحرة بائن، لا تجبر على إرضاعه، فإن فعلت فلها أجر مثلها.
(7)
وقال الشيخ: لا تستحق شيئا إذا كانت تحته، وقال الشيرازي: لو استأجرها لرضاع ولده لم يجز، لأنه استحق نفعها، وكذا قال القاضي وغيره، ويأتي أيضا كلام الشيخ.
(ولو أرضعه غيرها مجانا)(1) لأنها أشفق من غيرها (2) ولبنها أمرأ (3)(بائنا كانت) أم الرضيع في الأحوال المذكورة (4)(أو فحته) أي زوجة لأبيه (5) لعموم قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (6) .
(1) أي بلا أجرة، بأن تبرعت بإرضاعه.
(2)
كما هو معروف، ومثل به في غير ما حديث، وأحق بالحضانة.
(3)
على الولد من غيرها، فكانت أحق به من غيرها، ولأن في رضاع غيرها تفويتا لحق الأم من الحضانة، إضرارا بالولد، ولا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب، والإضرار بالولد، لغرض إسقاط حق أوجبه الله على الأب.
(4)
فإنها تستحق أجرها بلا ريب، جزم به الشيخ وغيره، للآية، وقال الموفق: لا نعلم في عدم إجبارها إذا كانت مفارقة خلافا، اهـ وإذا كانت قليلة اللبن، فله أن يكتري مرضعة لولده، وإذا فعل ذلك، فلا فرض للمرأة بسبب الولد، ولها حضانته.
(5)
هذا المذهب، عند بعض الأصحاب.
(6)
أي فدلت الآية، على وجوب دفع أجرة رضاع أم الطفل، ولو كانت زوجة أبيه، والصواب أن هذا الأجر هو النفقة والكسوة، وقال الشيخ: إرضاع الطفل واجب على الأم، بشرط أن تكون مع الزوج، وهو قول غير واحد من السلف، ولا تستحق أجرة المثل، زيادة على نفقتها وكسوتها، وهو اختيار القاضي، وقول الحنفية لقوله {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} الآية، ولم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة، وهو الواجب بالزوجية، كما قال في الحامل، فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه، وكذا المرتضع، فتكون النفقة هنا واجبة بشيئين حتى لو سقط الوجوب بأحدهما ثبت الآخر.
(وإن تزوجت) المرضعة (آخر (1) فله) أي للثاني (منعها من إرضاع ولد الأول (2) ما لم) تكن اشترطته في العقد (3) أو (يضطر إليها) بأن لم يقبل ثدي غيرها (4) أو لم يوجد غيرها، لتعينه عليها إذا لما تقدم (5) .
(1) أي غير أبي الطفل المرتضع.
(2)
لأنه يفوت حقه من الاستمتاع بها، في بعض الأحيان.
(3)
بأن شرطت في العقد أن لا يمنعها رضاع ولدها، فلها شرطها.
(4)
فيجب عليه التمكين من إرضاعه، لأنه حال ضرورة وحفظ نفس.
(5)
أي قريبا، وهو قوله إلا لضرورة كخوف تلفه.. إلخ، فيجب عليها إرضاعه.
فصل في نفقة الرقيق (1)
(و) يجب (عليه) أي على السيد (نفقة رقيقه)(2) ولو آبقا أو ناشزا (3)(طعاما) من غالب قوت البلد (4)(وكسوة وسكنى) بالمعروف (5)(وأن لا يكلفه مشقا كثيرًا)(6) .
(1) أي: في بيان أحكام نفقة الرقيق، وتزويجه، وتأديبه وغير ذلك.
(2)
قال الموفق: نفقة المملوكين على ملاكهم، ثابتة بالسنة والإجماع.
(3)
أي ولو كان رقيقه آبقا أو مريضا، أو انقطع كسبه، أو كان أمة ناشزا، أو كان ابن أمته من حر، لأنه تابع لأمه، حيث لا شرط ولا غرور.
(4)
سواء كان قوت سيده، أو دونه أو فوقه، وأدمه مثله، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الواجب إطعام الخادم، من غالب قوت البلد، الذي يأكل منه مثله في تلك البلد؛ ولمسلم «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» أي كفى به عن كل إثم سواه.
(5)
ويلزمه غطاء ووطاء وماعون غنيا، كان المالك، أو فقيرا أو متوسطا، من غالب الكسوة لأمثاله من العبيد، بذلك البلد وحكاه ابن المنذر وغيره إجماعا، وما يأتي مما يأكل ويلبس فلعله للندب، أو أنه خطاب مع من ألبستهم وأطعمتهم غليظة وخشنة، قال الشيخ: ولا يجب التمليك للمملوك إجماعا، وإن قيل إنه يملك بالتمليك.
(6)
وهو ما يشق عليه مشقة كثيرة، بحيث يقرب من العجز عنه.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «للملوك طعامه وكسوته بالمعروف (1) ولا يكلف من العمل ما لا يطيق» (2) رواه الشافعي في مسنده (3)(وإن اتفقا على المخارجة) وهي: جعله على الرقيق كل يوم، أو كل شهر شيئا معلوما له (جاز)(4) .
(1) أي للمملوك، وكذا المملوكة على المالك، طعامه من غالب قوت البلد، وكسوته من غالب كسوة البلد، وكذا سكناه بالمعروف.
(2)
أي لا يكلف عملا مشقا كثيرا، وفي الصحيحين من حديث أبي ذر «إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم» أي ما لا يطيقون الدوام عليه.
(3)
كتاب مشهور له رحمه الله تعالى، المسند في اصطلاحهم هو الذي يأتي فيه بأحاديث الرجل المروية عنه متتابعة، ثم بالآخر بعده، وهذا الخبر رواه مسلم وغيره، من حديث أبي هريرة، وفيه وغيره: دليل على وجوب نفقة الرقيق، ولا نزاع في ذلك وقال تعالى:{وَمَوَالِيكُمْ} فهذا في التسمية عوضا عما فاتهم من النسب وقال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي ما أوجبنا من الأحكام، في ملك اليمين، غير ذلك من الأصول الشرعية، الدالة على وجوب النفقة للمملوك.
(4)
وما فضل للعبد، ذلك لأن لهما به نفع، فالعبد يحرص على الكسب، وربما فضل معه شيء يزيده في النفقة ويتسع به، قال ابن القيم: وللعبد التصرف بما زاد على خراجه.
إن كانت قدر كسبه فأقل بعد نفقته (1) روي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد كل يوم درهم (2)(ويريحه سيده) وقت القائلة، وهي وسط النهار (و) وقت (النوم (3) و) وقت (الصلاة) المفروضة لأن عليهم في ترك ذلك ضررا (4) وقد قال صلى الله عليه وسلم «لا ضرر لا ضرار» (5)(ويركبه السيد)(في السفر عقبة)(6) لحاجة لئلا يكلفه ما لا يطيق (7) .
(1) وإن كانت أكثر من كسبه بعد نفقته لم يجز، وكذا إن كلف من لا كسب له، لأنه إذا كلف ذلك كان قد كلفه ما يغلبه، وفي الخبر «لا تكلفوهم ما يغلبهم» وربما حمله أن يأتي به من غير وجهه.
(2)
وروي أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أجرة، وأمر مواليه أن يخففوا عنه من خراجه، وروي أن كثيرا من الصحابة، يضربون على رقيقهم خراجهم، وجاء أبو لؤلؤة إلى عمر، يسأله أن يسأل المغيرة يخفف عنه من خراجه.
(3)
لأنها العادة.
(4)
وتركا لما أوجب الله عليهم، ولا يحل الإضرار بهم، ولأن العادة جارية بذلك.
(5)
فدل عمومه، على تحريم الإضرار بالمملوك.
(6)
بوزن غرف أي يركبهم تارة ويمشيهم أخرى.
(7)
لما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك، روي عن أحمد أنها ستة أميال، والمعتبر العرف.
(وإن طلب) الرقيق (نكاحا زوجه) السيد (أو باعه (1)) لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (2) .
(وإن طلبته) أي التزويج (أمة وطئها) السيد (أو زوجها، أو باعها)(3) إزالة لضرر الشهوة عنها (4) ويزوج أمة صبي، أو مجنون، من يلي ماله إذا طلبته (5) وإن غاب سيد عن أم ولده، زوجت لحاجة نفقة أو وطء (6) وله تأديب رقيقه، وزوجته، وولده ولو مكلفا مزوجا، بضرب غير مبرح (7) .
(1) وهذا أحد قولي الشافعي.
(2)
والأمر يقتضي الوجوب، ولا يجب إلا عند الطلب، ولأنه مكلف محجور عليه، دعا إلى تزويجه، فلزمت إجابته، والنكاح مما تدعو الحاجة إليه غالبا، ويتضرر بفواته، فأجبر عليه، كالنفقة، لأنه يخاف من ترك إعفافه، الوقوع في المحظور.
(3)
فهو مخير في ذلك بين تزويجها إذا طلبت ذلك، وبين الاستمتاع بها، فيغنيها باستمتاعه عن غيره.
(4)
لأن المقصود قضاء الحاجة وإزالة ضرر الشهوة، وذلك يحصل بأحدهما فلم يتعين الآخر.
(5)
للآية، ولما يخاف من ترك إعفافها من الوقوع في المحظور.
(6)
اختاره أبو الخطاب وجزم به غير واحد.
(7)
أي وللسيد تأديب رقيقه إذا أذنب بالتوبيخ، وله تأديب زوجته وولده، ولو كان مزوجا مكلفا، ويسن العفو أولا مرة أو مرتين، وله تأديبه بضرب غير مبرح وليس له ضربه على غير ذنب، ولا أن يضربه ضربا مبرحا وإن أذنب ولا لطمه في وجهه، وروي أن أبا مسعود ضرب غلاما له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك على هذا الغلام» وقد دلت الأحاديث على جواز الزيادة في الرقيق على الزوجة، ويؤدبه على ترك الفرائض، وعلى ما إذا كلفه ما يطيق، فامتنع من امتثاله.
ويقيده إن خاف إباقه (1) ولا يشتم أبويه ولو كافرين (2) ولا يلزمه بيعه بطلبه مع القيام بحقه (3) وحرم أن تسترضع أمة لغير ولدها إلا بعد ريه (4) ولا يتسرى عبد مطلقًا (5) .
(1) نص عليه، وقال: يباع أحب إلي.
(2)
قال أحمد لا يعود لسانه الخناء، ولا يدخل الجنة سيء الملكة، هو الذي يسيء إلى مماليكه.
(3)
وإلا لزمه، لما رواه أحمد وغيره: عن أبي هريرة مرفوعا: «جاريتك تقول: أطعمني، واستعملني، وإلا فبعني» وروي من حديث أبي ذر «من لاءمكم من مملوككم فأطعموهم مما تأكلون، وأكسوهم مما تكتسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه، ولا تعذبوا خلق الله» .
(4)
أي: وحرم أن تسترضع أمة لها ولد، لغير ولدها، لأن فيه إضرارا بالولد، لنقصه عن كفايته، ومؤونته، إلا بعد ري ولدها، فيجوز بما زاد، لاستغناء ولدها عنه، كالفاضل من كسبها.
(5)
أي سواء قلنا يملك بالتمليك أولا، وسواء أذن له سيده، أولا: وعنه: يجوز بإذن سيده، نقلها جماعة، واختاره أكثر المحققين، وصححه في الإنصاف وجعله المذهب فإذا قال تسرها وأذنت لك في وطئها، أو ما دل عليه أبيح له؛ ولا يملك السيد الرجوع بعد التسري، نص عليه.
فصل في نفقة البهائم (1)
(و) يجب (عليه علف بهائمه، وسقيها وما يصلحها)(2) لقوله عليه السلام: «عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا،
فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض»
متفق عليه (3)(و) يجب عليه (أن لا يحملها ما تعجز عنه) لئلا يعذبها (4) .
(1) أي في بيان وجوب نفقة البهائم، وتحميلها، والانتفاع بها، وحلبها ووسمها، وغير ذلك.
(2)
قال الوزير: للإمام أن يجبره على نفقتها، أو بيعها عند مالك والشافعي وأحمد.
(3)
من حديث ابن عمر وأبي هريرة، فدل على تحريم تعذيبها، بمثل هذا الفعل من دون طعام، ولا شراب لأن ذلك من تعذيب خلق الله، وقد نهى الشارع عنه، ودل على وجوب النفقة على الحيوان المملوك، لأن السبب في دخول تلك المرأة النار، ترك الهرة عن الإنفاق عليها، وحبسها، وإذا كان ثابتا في مثلها، فثبوته في مثل لحيوانات التي تملك أولى، لأنها محبوسة، مشغولة بمصالح المالك، وهذا مذهب جمهور العلماء.
(4)
لأن الشارع منع تكليف العبد ما لا يطيق، والبهيمة في معناه، فاللإمام أن يمنعه من أن يحملها ما لا تطيق وهو مذهب مالك.
ويجوز الانتفاع بها في غير ما خلقت له، كبقر لحمل وركوب (1) وإبل وحمر لحرث ونحوه (2) ويحرم لعنها (3) وضرب وجه ووسم فيه (4)(ولا يحلب من لبنها ما يضر ولدها) لقوله عليه السلام «لا ضرر ولا ضرار» (5)(فإن عجز) مالك البهيمة (عن نفقتها أجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن أكلت) لأن بقاءها في يده مع ترك الإنفاق عليها ظلم، والظلم تجب إزالته (6) .
(1) وإن لم يكن المقصود منها ذلك، ولما في الصحيحين «بينما رجل يسوق بقرة، أراد أن يركبها، إذ قالت: إني لم أخلق لذلك، إنما خلقت للحرث» أي هو معظم النفع، ولا يلزم منه منع غيره.
(2)
لأن مقتضى الملك، جواز الانتفاع بها فيما يمكن، وهذا منه، كالذي خلقت له، وبه جرت عادة بعض الناس.
(3)
لقصة المرأة التي لعنت ناقة فقال صلى الله عليه وسلم «خذوا ما عليها، ودعوها مكانها، ملعونة» وحديث أبي برزة «لا تصحبنا ناقة عليها لعنة» رواهما مسلم وغيره.
(4)
أي في وجه للعنه صلى الله عليه وسلم من وسم أو ضرب الوجه ويجوز في غير الوجه، لغرض صحيح كالمداوة.
(5)
فدل الحديث بعمومه: على النهي عن الإضرار بولد البهيمة، ولأن لبنه مخلوق له أشبه ولد الأمة.
(6)
لأن ذلك واجب عليه، فيجبر عليه، كما يجبر على سائر الواجبات، وعن سهل بن الحنظلية، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ولما تقدم من النهي عن تعذيبها، ولا يجوز قتلها، ولا ذبحها للإراحة كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة، وإن كانت مما لا يؤكل أجبر على الإنفاق عليها كالعبد الزمن.
فإن أبى فعل حاكم الأصلح (1) ويكره جز معرفة وناصية وذنب (2) وتعليق جرس أو وتر (3) ونزو حمار على فرس (4) وتستحب نفقته على ماله غير الحيوان (5) .
(1) من بيعها، أو ذبحها أو إجاراتها، أو اقترض عليه، وأنفق عليها.
(2)
لأنه تشويه بالدابة، وإذهاب لمنفعتها به.
(3)
أي ويكره تعليق جرس على دابة، أو وتر، للنهي عنه، وظاهره التحريم للوعيد الشديد على ذلك.
(4)
لأنه لانسل فيهما.
(5)
أي وتستحب نفقته على ماله، كالنخل والبيوت، وقيل تجب للنهي عن إضاعة المال، وأما الحيوان فتجب، وتقدم.
باب الحضانة (1)
من الحضن، وهو: الجنب، لأن المربي يضم الطفل، إلى حضنه (2) وهي: حفظ صغير ونحوه عما يضره، وتربيته بعمل مصالحه (3)(تجب) الحضانة (لحفظ صغير (4) ومعتوه) أي مختل العقل (ومجنون) لأنهم يهلكون بتركها ويضيعون فلذلك وجبت إنجاء من الهلكة (5)(والأحق بها أم)(6) .
(1) أي بيان أحكام حضانة الطفل ونحوه، ومن تجب له، وذكر الأولى بها، وعكسه وغير ذلك.
(2)
والحاضنة: هي التي تربي الطفل، سميت به لأنها تضم الطفل إلى حضنها، والحضانة، مصدر حضنت الصغير حضانة، أي: تحملت مؤونته وتربيته.
(3)
أي والحضانة حفظ صغير ونحوه، كمجنون ومعتوه عما يضرهم، وتربيتهم بعمل مصالحهم، كغسل أبدانهم وثيابهم، ودهنهم، وتكحيلهم وربط طفل بمهد وتحريكه، لينام، ونحو ذلك مما يتعلق بمصالحه.
(4)
لأنه يهلك بتركه، فيجب حفظه عن الهلاك، كما يجب الإنفاق عليه، وإنجاؤه من المهالك، ويتعلق بها حق لقرابته، لأن فيها ولاية على الطفل، واستحقاقا له فيتعلق بها الحق ككفالة اللقيط.
(5)
ذكره الموفق وغيره، قولا واحدا.
(6)
قال الموفق: إذا افترق الزوجان، ولهما ولد طفل، أو معتوه، فأمه أولى الناس بكفالته، إذا كملت الشرائط فيها، وذكرا كان أو أنثى، وهو قول
مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم أحدا خالفهم وفي المبدع: لانعلم فيه خلافا، وقال الوزير: اتفقوا على أن الحضانة للأم، ما لم تتزوج واتفقوا على أنها إذا تزوجت دخل بها الزوج، سقطت حضانتها، وأنها إذا طلقت بائنا، تعود حضانتها إلا في إحدى الروايتين عن مالك، وقال الشيخ: تقدم الأم على الأب في حق الصغير متفق عليه
لقوله عليه السلام: «أنت أحق به ما لم تنكحي» رواه أبو داود (1) ولأنها أشفق عليه (2)(ثم أمهاتها القربى فالقربى) لأنهن في معنى الأم، لتحقق ولادتهن (3) .
(1) وذلك أنها قالت يا رسول الله: إن ابني هذا، كان بطني له وعاء وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينزعه مني، فقال:«أنت أحق به، ما لم تنكحي» ورواه أحمد، والحاكم وصححه، فدل على أن الأم أحق بحضانة ولدها، إذا أراد الأب انتزاعه منها، وأنها إذا نكحت سقط حقها من الحضانة، وذلك مع طلب من تنتقل إليه الحضانة ومنازعته، وإلا فللأم المزوجة أن تقوم بولدها بالاتفاق، فإن خالة بنت حمزة مزوجة، وولد أم سلمة في كفالتها، وأنس وغيرهم، وقضى به أبو بكر وعمر.
(2)
وأقرب إليه، ولا يشاركها في القرب إلا أبوه، وليس له مثل شفقتها ولا يتولى الحضانة بنفسه، وإنما يدفعه إلى امرأته، وأمه أولى به من امرأة أبيه، وقال ابن عباس: ريحها وفراشها وحجرها خير له منك، حتى يشب ويختار لنفسه وقال الشيخ: الأم أصلح من الأب، لأنها أوثق بالصغير، وأخبر بتغذيته وحمله وتنويمه وتنويله، وأصبر وأرحم به، فهي أقدر وأخبر وأرحم وأصبر في هذا الموضع، فتعينت في حق الطفل غير المميز بالشرع.
(3)
فقد من حيث أشبهن الأم، والأقرب أكمل شفقة من الأبعد.
(ثم أب) لأنه أصل النسب (1) .
(ثم أمهاته كذلك) أي القربى فالقربى، لأنهن يدلين بعصبة قريبة (2) .
(ثم جد) كذلك الأقرب فالأقرب، لأنه في معنى أبي المحضون (3) .
(ثم أمهاته كذلك) القربى فالقربى (4) .
(ثم أخت لأبوين) لتقدمها في الميراث (5) .
(1) وأقرب من غيره، أحق بولاية المال، وليس لغيره كمال شفقته فرجح بها.
(2)
وقدمن على الجد لأن الأنوثة مع التساوي، توجب الرجحان، كما قدمت الأم مع الأب، وقدمن على الخالة، لأنهن وارثات، فقدمن على الخالة كأم الأم، لأن لهن ولادة ووراثة، فأشبهن أم الأم.
(3)
بل هو أب وبمنزلته.
(4)
لأنهن يدلين بمن هو أحق، وقدمن على الأخوات مع إدلائهن بالأب، لما فيهن من وصف الولادة، وكون الطفل بعضا منهن، وذلك مفقود في الأخوات، ثم جد الأب، ثم أمهاته كذلك، ثم جد الجد، ثم أمهاته كذلك وهلم جرا، ومتى وجد جدة وارثة، فهي أولى ممن هو من غير عمودي النسب بكل حال، وإن علت درجتها لفضيلة الولادة والوراثة، حتى لو اجتمع أم أم، وأم أب فعن أحمد أم الأب، أحق وإن علت درجتها، لأنها تدلي بعصبة مع مساواتها للأخرى في الولادة، فوجب تقديمها، كتقديم الأخت من الأب، على الأخت من الأم.
(5)
أي ثم الأخوات، لأنهن يشاركن في النسب وقدمن في الميراث، وتقدم منهن أخت لأبوين، لقوة قرابتها، ولتقدمها في الميراث.
(ثم) أخت (لأم) كالجدات (1)(ثم) أخت (لأب (2) ثم خالة لأبوين ثم) خالة (لأم ثم) خالة (لأب) لأن الخالات يدلين بالأم (3)(ثم عمات كذلك) أي تقدم العمة لأبوين ثم لأم ثم لأب لأنهن يدلين بالأب (4) .
(1) أي ثم الحضانة مع عدم الأخت لأبوين، تكون للأخت للأم، مقدمة على الأخت لأب، لأنها مدلية بالأمومة، والأم مقدمة على الأب، كالجدات أي كما أن أم الأم تقدم على أم الأب، فكذلك الأخت لأم، تقدم على الأخت لأب ويأتي كلام الشيخ.
(2)
والأولى تقديمها على الأخت لأم، لأن الولاية للأب، وأقوى في الميراث ولا يخفى قوتها، فإنها أقيمت مقام الأخت لأبوين، عند عدمها وتكون عصبة مع البنات.
(3)
لما في الصحيحين «الخالة بمنزلة الأم» ، وابنة حمزة لم يكن لها أم ولا جدة، وأبوها قتل، فدل على ثبوت الحضانة للخالة، وأنها كالأم، وأن المرأة المزوجة، أولى من الرجال، فإن عصبة ابنة حمزة طالبون للحضانة، وقضى بها للخالة زوجة جعفر، وإنما سقطت حضانة الأم وحدها، حيث كان المنازع لها الأب، ويؤيده أنها قد يشتد بغضها، للمطلق ومن يتعلق به.
(4)
وعللوا بتأخيره عن الأم، وإنما أخر عنها، لأنه لا يقوم مقامها، قال الشيخ: العمة أحق من الخالة، وكذا نساء الأب أحق، يقدمن على نساء الأم، لأن الولاية للأب، وكذا أقاربه، وإنما قدمت الأم على الأب، لأنه لا يقوم مقامها هنا في مصلحة الطفل.
وإنما قدم الشارع خالة بنت حمزة على عمتها صفية لأن صفية لم تطلب
وجعفر طلب نائبا، عن خالتها فقضي لها بها في غيبتها، وقال مجموع أصول الشريعة تقديم أقارب الأب على أقارب الأم، فمن قدمهن في الحضانة فقد خالف الأصول والشريعة.
(ثم خالات أمه) كذلك (ثم خالات أبيه) كذلك (1)(ثم عمات أبيه) كذلك (2) .
(ولا حضانة لعمات الأم مع عمات الأب، لأنهن يدلين بأبي الأم، وهو من ذوي الأرحام، وعمات الأب يدلين بالأب، وهو من أقرب العصبات (3)) (ثم بنات إخوته) تقدم بنت أخ شقيق ثم بنت أخ لأم، ثم بنت أخ لأب (4)(و) مثلهن بنات (أخواته (5) ثم بنات أعمامه) لأبوين، ثم لأم، ثم لأب (و) بنات (عماته) كذلك (6) .
(1) وقالوا لإدلائهن بالأم، فقدموهن على عمات الأب.
(2)
أي لأبوين: ثم لأم، ثم لأب، قالوا: لإدلائهن بالأب، وهو مؤخر في الحضانة عن الأم، وتقدم أن نساء الأب يقدمن على نساء الأم.
(3)
قال الشيخ: ولا حضانة إلا لرجل من العصبة، أو لامرأة وارثة، أو مدلية بعصبة، أو بوارث.
(4)
على ما قرروه من قاعدة، تقديم المدلي بأم، على المدلي بأب.
(5)
تقدم من لأبوين، ثم لأم، ثم لأب.
(6)
تقدم من لأبوين، ثم لأم، ثم لأب على ما رتبوه.
(ثم بنات أعمام أبيه) كذلك (وبنات عمات أبيه) كذلك على التفصيل المتقدم (1)(ثم) تنتقل (لباقي العصبة الأقرب فالأقرب)(2) فتقدم الأخوة، ثم (3) ثم الأعمام، ثم بنوهم (4) ثم أعمام أب، ثم بنوهم وهكذا (5)(فإن كانت) المحضونة (أنثى فـ) يعتبر أن يكون العصبة (من محارمها) ولو برضاع أو مصاهرة إن تم لها سبع سنين (6) .
(1) تقدم من لأبوين، ثم لأم، ثم لأب، فتقدم أخت من أم على أخت من أب، وخالة على عمة، وخالة أم على خالة أب، وخالات أبيه على عماته، ومن يدلي بعمات وخالات بأم فقط، على من يدلي بأب وحده لأن المدلي بالأم عندهم مقدم على المدلي بالأب وأما من يدلي بالأبوين منهما فمقدم على من يدلي أحدهما.
(2)
لأن لهم ولاية وتعصيبا بالقرابة، فتثبت لهم الحضانة كالأب، قال الشيخ: وجنس النساء مقدم في الحضانة على جنس الرجال، كما قدمت الأم على الأب، قال: وتقديم أخواته على إخوته، وعماته على أعمامه، وخالاته على أخواله هو القياس الصحيح، وأما تقديم جنس نساء الأم على نساء الأب، فمخالف للأصول والمعقول.
(3)
أي: فتقدم الإخوة لأبوين، ثم لأب، ثم بنوا الإخوة لأبوين، ثم بنوا الإخوة لأب وهكذا.
(4)
أي ثم الأعمام الأشقاء، ثم لأب، ثم بنوا الأعمام الأشقاء، ثم بنوا الأعمام لأب، وهكذا.
(5)
أي ثم أعمام جد، ثم بنوهم وهكذا.
(6)
وقبل السبع له الحضانة عليها، وإن لم يكن محرما، لأنه لا حكم لعورتها وليست محلا للشهوة جزم به غير واحد.
فإن لم يكن لها إلا عصبة غير محرم سلمها لثقة يختارها أو إلى محرمه (1) وكذا لو تزوجت أم وليس لولدها غيرها (2)(ثم) تنتقل الحضانة (لذوي أرحامه) من الذكور والإناث غير من تقدم (3) وأولاهم أبو أم ثم أمهاته (4) فأخ لأم فخال (5)(ثم) تتنقل (للحاكم) لعموم ولايته (6) .
(1) أي وإن لم يكن لبنت سبع فأكثر عصبة، كابن عمها ونحوه، غير محرم، سلمها ابن عمها ونحوه غير المحرم، لثقة يختارها هو أو العصبة، أو سلمها إلى محرمه، لأنه أولى من أجنبي وحاكم.
(2)
أي فتسلم ولدها إلى ثقة تختاره، أو محرمها، وإن اجتمع أخ وأخت، أو عم وعمة، أو ابن أخ وبنت أخ، أو ابن اخت وبنت أخت، قدمت الأنثى على من في درجتها من الذكور.
(3)
لأن لهم رحما وقرابة، يرثون بها عند عدم من هو أولى منهم، أشبهوا البعيد من العصبة، اختاره الموفق وغيره.
(4)
لأن أبا الأم يدلي إليها بالأبوة، والأخ يدلي بالبنوة، والأب يقدم على الابن في الولاية، فيقدم في الحضانة، لأنها ولاية.
(5)
أي لأم، لأن الأخ من الأم يرث بالفرض، ويسقط ذوي الأرحام فخال ويقدمون على الحاكم، لأنهم أولى منه.
(6)
والحضانة ولاية، وهو له الولاية على من لا أب له، ولا وصي، فيسلمه الحاكم إلى من يحضنه من المسلمين ممن فيه أهلية وشفقة ويتوجه عند العدم أن تكون لمن سبقت إليه اليد، كاللقيط، فإن كفال اليتامى لم يكونوا يستأذنون الحاكم، كما في الاختيارات وغيرها.
(وإن امتنع من له الحضانة) منها (1)(أو كان) من له الحضانة (غير أهل) للحضانة (2)(انتقلت إلى من بعده) يعني إلى من يليه كولاية النكاح (3) لأن وجود غير المستحق كعدمه (4)(ولا حضانة لمن فيه رق) ولو قل (5) لأنها ولاية وليس هو من أهلها (6)(ولا) حضانة (لفاسق) لأنه لا يوثق به فيها (7) ولا حظ للمحضون في حضانته (8)(ولا) حضانة (لكافر) على مسلم (9) .
(1) أي من حضانة الطفل، ونحوه.
(2)
لرق أو فسق، أو غيرهما مما يشترط في الحاضن.
(3)
أي كما تنتقل ولاية النكاح، ممن ليس بأهل إلى من يليه.
(4)
فتعين انتقال الولاية، إلى من يليه الاستحقاق.
(5)
أي ولا حضانة لطفل ونحوه، لرقيق لعجزه عنها بخدمة سيده، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، ولا لمن فيه رق ولو قل، هذا المذهب.
(6)
ولا يملك منافعه التي تحصل الكفالة بها، فلم يكن له حضانة، وقال ابن القيم: لا دليل على اشتراط الحرية.
(7)
أي في أداء الواجب من الحضانة.
(8)
لأنه ينشأ على طريقته.
(9)
كولاية النكاح، والمال، وهو قول مالك والشافعي.
لأنه أولى بعدم الاستحقاق من الفاسق (1)(ولا) حضانة (لمزوجة بأجنبي من محضون من حين عقد)(2) للحديث السابق، ولو رضي زوج (3)(فإن زال المانع) بأن عتق الرقيق، وتاب الفاسق، وأسلم الكافر، وطلقت المزوجة ولو رجعيا (رجع إلى حقه)(4) لوجود السبب، وانتفاء المانع (5) .
(1) فإن ضرره أكثر، فإنه يفتنه عن دينه، ويخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر، وتزيينه وتربيته عليه، وهذا أعظم الضرر، والحضانة إنما تثبت لحظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه، وهلاك دينه.
(2)
لأن الزوج يملك منافعها بمجرد العقد، يستحق منعها من الحضانة، أشبه ما لو دخل بها، والأجنبي هنا: هو من لم يكن من عصبات المحضون، فإن كانت تزوجت بقريب محضونها، ولو كان غير محرم له، لم تسقط حضانتها.
(3)
فلا يعتبر رضاه، لئلا يكون الطفل في حضانة أجنبي، والحديث هو قوله «أنت أحق به مالم تنكحي» وتقدم أنه مع طلب من تنتقل إليه الحضانة، وإلا فيجوز لها بالاتفاق، لقصة خالة بنت حمزة، وأم سلمة وغيرهما، ولا حضانة لمجنون، ولا معتوه، ولا طفل، ولا عاجز عنها، كأعمى ونحوه، قال الشيخ: ضعف البصر، يمنع من كمال ما يحتاج إليه المحضون من المصالح.
(4)
أي الكل ممن زال المانع منه.
(5)
فإنه إذا زال المانع، عاد الحق بالسبب السابق الملازم، وكذا رجوع ممتنع من حضانة يعود الحق له في الحضانة لقيام سببها مع زوال المانع.
(وإن أراد أحد أبويه) أي أبوي المحضون (سفرًا طويلاً) لغير الضرار، قاله الشيخ تقي الدين وابن القيم (إلى بلد، بعيد) مسافة قصر فأكثر، (ليسكنه (1) وهو) أي البلد (وطريقه آمنان فحضانته) أي المحضون (لأبيه)(2) .
(1) قال ابن القيم: لو أراد الإضرار والاحتيال على إسقاط حضانة الأم فسافر ليتبعه الولد فهذه حيلة مناقضة لما قصده الشارع، فإنه جعل الأم أحق بالولد من الأب، مع قرب الدار وإمكان اللقاء كل وقت لو قضي به للأب، وقضى أن لا توله والدة على ولدها، وأخبر أن من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، ومنع أن تباع الأم دون ولدها، والولد دونها، وإن كانا في بلد واحد، فكيف يجوز مع هذا التحيل، على التفريق بينها وبين ولدها، تفريقا تعز معه رؤيته ولقاؤه، ويعز عليها الصبر عنه وفقده، وهذا من أمحل المحال، بل قضاء الله ورسوله أحق أن الولد للأم سافر الأب أو أقام.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنت أحق به ما لم تنكحي» فكيف يقال أنت أحق به، ما لم يسافر الأب، وأين هذا في كتاب الله؟ أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو فتاوى أصحابه؟ أو القياس الصحيح؟ فلا نص ولا قياس، ولا مصلحة، قال في المبدع: هو مراد الأصحاب، وفي الإنصاف، صورة المضارة لا شك فيه، وأنه لا يوافق على ذلك.
(2)
سواء كان المقيم هو الأب، أو المتنقل وإن كان البلد والطريق مخوفان، أو أحدهما، فمقيم أولى، لأن في المسافرة بالطفل إضرارا به، مع عدم الحاجة إليه، ولو اختار الولد السفر في تلك الحال لم يجب، لأن فيه تغريرا به وهو قول مالك والشافعي.
لأنه الذي يقوم بتأديبه وتخريجه وحفظ نسبه (1) فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع (2)(وإن بعد السفر) وكان (لحاجة) لا لسكنى فمقيم منهما أولى (3)(أو قرب) السفر (لها) أي لحاجة ويعود، فالمقيم منهما أولى، لأن في السفر إضرارا به (4)(أو) قرب السفر وكان (للسكنى فـ) الحضانة (لأمه) لأنها أتم شفقة (5) وإنما أخرجت كلام المصنف عن ظاهره ليوافق ما في المنتهى وغيره (6) .
(1) وقد تكون الحال بالعكس.
(2)
لأن الأب أولى لمراعاة حال ولده، وهذا فيما إذا لم يقصد المسافر به مضارة الآخر، وإلا فالأم أحق، كما ذكره ابن القيم وغيره.
(3)
إزالة لضرر السفر عن الطفل ونحوه.
(4)
وفي الخبر «لا ضرر ولا ضرار» .
(5)
وإن قال الأب: سفري للإقامة وقالت الأم: بل لحاجة وتعود، فقوله مع يمينه، وإن انتقلا جميعا إلى بلد واحد، فالأم باقية على حضانتها.
(6)
أخرج كلامه في المسألتين، جعل صورة السفر للحاجة، قرب أو بعد، لمقيم منهما أولى، مع أن ظاهر المتن، أن الأم أولى به والحالة هذه، وعبارة المنتهى، ومتى أراد أحد أبوين، نقلة إلى بلد آمن، وطريقه مسافة قصر فأكثر، ليسكنه، فأب أحق وقريب لسكنى فأم، ولحاجة بعد أو لا فمقيم.
فصل (1)
(وإذا بلغ الغلام سبع سنين) كاملة (عاقلا (2) خير بين أبويه (3) فكان مع من اختار منهما) (4) قضى بذلك عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما (5) وروى سعيد والشافعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه (6) .
(1) في تخيير الغلام بعد سبع السنين، بين أبويه، واختصاص الأب بالجارية إذا كان أصلح لها، وما يتعلق بذلك.
(2)
فإن اتفق أبواه على أن يكون عند أحدهما جاز، لأن الحق في حضانته لا يعدوهما وإن تنازعا في حضانته فقد وضحه بقوله: خير.. إلخ.
(3)
أي خيره الحاكم بين أبويه، قال الشيخ: تخيير شهوة، حيث كل من الأبوين نظير الآخر، ولا يمكن أن يعتبر أحدهما، فإنه قد يكون أحدهما أصلح له من الآخر، اهـ فيقدم من هو أشفق فإنه إذا بلغ الغلام حدا، يعرب عن نفسه ويميز بين الإكرام وضده، فمال إلى أحد الأبوين، دل على أنه أرفق به، وأشفق عليه، فقدم لذلك، ولا يخير إلا بشرطين، أن يكونا جميعا من أهل الحضانة، وأن لا يكون معتوها، فلو زال عقله رد إلى الأم، لأنها أشفق عليه، وأقوم بمصالحه، كما يأتي.
(4)
أي من أبويه، وهذا مذهب الشافعي.
(5)
فخير عمر غلاما بين أبيه وأمه، وكذا علي، وأبو هريرة، وقال الموفق: هذه قصص في مظنة الشهرة، ولم تنكر فكانت إجماعا.
(6)
وللترمذي وغيره: وصححه من حديث أبي هريرة جاءت امرأة
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن زوجي يريد أن يذهب بابني فقال: «يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» فأخذ بيد أمه فانطلقت به، فدل الحديث على أنه بعد استغنائه بنفسه، يخير بين أبويه، وقال ابن القيم: تخيير الولد بين أبويه بالسنة، الصحيحة الصريحة المحكمة، والأصول الصحيحة.
فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا (1) ولا يمنع زيارة أمه (2) وإن اختارها كان عندها ليلا، وعند أبيه نهارا (3) ليعلمه ويؤدبه (4) وإن عاد فاختار الآخر نقل إليه ثم إن اختار الأول نقل إليه وهكذا (5) فإن لم يختر أو اختارهما أقرع (6)(ولا يقر) محضون (بيد من لا يصونه ويصلحه) لفوات المقصود من الحضانة (7) .
(1) ليحفظه ويعلمه ويؤدبه.
(2)
لأن فيه إغراء له بالعقوق، وقطيعة الرحم، فيزورها على العادة.
(3)
أي كان الغلام عند أمه ليلا، لأنه وقت السكن، وانحياز الرجال إلى المساكن وكان عند الأب نهارا، لأنه وقت التصرف في الحوائج، وعمل الصنائع.
(4)
لأن ذلك هو القصد في حفظ الولد.
(5)
لأن هذا اختيار تشه، وقد يشتهي أحدهما في وقت دون آخر، فاتبع فيما يشتهيه.
(6)
لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، ثم إن اختار غير من قدم بالقرعة رد إليه، كما لو اختاره ابتداء، ولا يخير إذا كان أحد أبويه ليس من أهل الحضانة وتعين أن يكون عند الآخر، لأن من ليس من أهل الحضانة وجوده كعدمه.
(7)
أي يصونه عما يفسد أخلاقه، ويصلح تربيته بعمل مصالحه، قال:
الشيخ وابن القيم، وغيرهما التخيير والقرعة، لا يكونان إلا إذا حصلت به مصلحة الولد، وكون كل من الوالدين نظير الآخر، فلو كانت الأم أصون من الأب وأغير منه، قدمت عليه، ولا التفات إلى قرعة، ولا اختيار الصبي في هذه الحالة، فإن الصبي ضعيف العقل، يؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك، فلا التفات إلى اختياره، وكان عند من هو أنفع له، ولا تحتمل الشريعة غير هذا.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» والله يقول: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} فإذا كانت الأم تتركه في المكتب، أو تعلمه القرآن والصبي يؤثر اللعب، ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك فإنها أحق به، ولا تخيير ولا قرعة، وكذلك العكس.
(وأبو الأنثى أحق بها بعد) أن تستكمل (السبع (1) ويكون الذكر بعد) بلوغه، و (رشدة حيث شاء)(2) لأنه لم يبق عليه ولاية لأحد (3) ويستحب له أن لا ينفرد عن أبويه (4) .
(1) ولو تبرعت الأم بحضانتها، لأن الغرض من الحضانة الحفظ، والأب أحفظ لها.
(2)
سواء كان عند أبيه، أو عند أمه، أو منفردا بنفسه.
(3)
ولقدرته على إصلاح أموره، إلا أن يكون أمرد يخاف عليه الفتنة، فيمنع من مفارقتهما.
(4)
لأنه أبلغ في برهما وصلتها.
(والأنثى) منذ يتم لها سبع سنين (عند أبيها) وجوبًا (حتى يستلمها زوجها)(1) لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره (2) ولا تمنع الأم من زيارتها إن لم يخف منها (3) ولو كان الأب عاجزا عن حفظها أو يعملها لاشتغاله عنها، أو قلة دينه، والأم قائمة بحفظها قدمت، قاله الشيخ تقي الدين (4) .
(1) هذا المذهب، قال الموفق: لأن الغرض بالحضانة الحظ، والحظ للجارية بعد السبع في الكون عند أبيها.
(2)
أي: لأن الأب أحفظ لها من الأم، والأم تحتاج إلى من يحفظها ويصونها، ولأنها إذا بلغت السبع، قاربت الصلاحية للتزويج، والأب وليها، والمالك لتزويجها، وأعلم بالكفاءة، وأقدر على البحث، والجمهور عند الأم، وهو مذهب أبي حنيفة، وبه قال مالك، وقال ابن القيم: هي الأشهر عند أحمد، وأصح دليلا.
(3)
إفسادها، وأولى من ذلك الخلوة بها، إن خيف منها الفتنة بينها، وبين زوجها والإضرار به، وإن لم يخف لم تمنع، لما فيه من الحمل على قطيعة الرحم، والغلام كذلك، وكذا الأب، إن كانت عند الأم أو الغلام.
(4)
رحمه الله، وقال: رجح أن المميزة عند الأب، ومن عين الأم وهم الجمهور، لا بد أن يراعوا مع ذلك صيانتها لها، فإذا لم تكن في موضع حرز وتحصين، أو كانت غير مرضية فللأب أخذها منها بلا ريب، لأنه أقدر على حفظها وصيانتها من الأم، وهي مميزة لا تحتاج في بدنها إلى أحد، الأب له من الهيبة والحرمة ما ليس للأم.
قال: وأحمد وأصحابه إنما يقدمون الأب، إذا لم يكن عليها في ذلك ضرر
فلو قدر أنه عاجز عن حفظها وصيانتها، ويهملها لاشتغاله عنها، والأم قائمة بحفظها وصيانتها، فإنها تقدم في هذه الحال، فمع وجود فساد أمرها مع أحدهما فالآخر أولى بها بلا ريب.
وقال: إذا قدر أن الأب تزوج بضرة، وهو يتركها عند ضرة أمها لا تعمل مصلحتها، بل تؤذيها، وتقصر في مصلحتها (1) وأمها تعمل مصلحتها، ولا تؤذيها (2) فالحضانة هنا للأم قطعا (3) ولأبيها وباقي عصبتها منعها من الانفراد (4) والمعتوه ولو أنثى عند أمه مطلقا (5) .
(1) وهو الغالب في الأكثر.
(2)
وشفقة الأم معلومة.
(3)
نظرا لصالح المحضون، إذ هو المقصود من الحضانة.
(4)
خشية الفساد، ولحوق العار بهم، ومنعها من المحرمات، فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد قيدوها، وما ينبغي للمولود أن يضرب أمه ولا يجز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن من السوء، بل يلاحظونها بحسب قدرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة كسوها، وليس لهم إقامة الحد عليها.
(5)
صغيرا كان أو كبيرا ذكرا أو أنثى، لحاجته إلى من يخدمه، ويقوم بأمره، والنساء أعرف بذلك.