الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ما لم تكن) المبانة (أمة أو ذمية (1) أو) من (جاءت البينونة منها (2) فـ) تعتد (لطلاق لا) لـ (غيره) لانقطاع أثر النكاح بعدم ميراثها (3) و
من انقضت عدتها قبل موته
، لم تعتد له ولو ورثت (4) لأنها أجنبية تحل للأزواج (5)(وإن طلق بعض نسائه (6) مبهمة) كانت (أو معينة ثم أنسيها
(1) فلا يلزمهما غير عدة الطلاق قولا واحدا.
(2)
بأن سألته الطلاق أو الفسخ، أو فعلت ما يفسخ نكاحها بطلاق، أو خلع، أو لعان، أو رضاع، أو عتاق، أو اختلاف دين أو غيره.
(3)
أشبهت المبانة في الصحة، ولو أسلمت امرأة كافرة، ثم مات قبل انقضاء العدة، انتقلت، ذكره الشيخ قياسا.
(4)
وذلك بأن تكون مسلمة حرة تحت حر، فإن كانت ذمية تحت مسلم، أو أمة تحت عبد، أو حرة تحت عبد، لم ترثه بحال.
(5)
لأنها ليست زوجة، ولا في حكمها، وتحل للأزواج، بخلاف التي مات في عدتها، وعنه: تعتد للوفاة إن ورثت منه اختارها جماعة من الأصحاب وقال الموفق وغيره: الصحيح الأول، لعموم الآيات التي لا يجوز تخصيصها بالرأي.
(6)
طلاقا بائنا، فإن كان رجعيا، اعتدت كل واحدة عدة وفاة.
ثم مات) (1) . المطلق (قبل قرعة (2) اعتد كل منهن) أي من نسائه (سوى حامل الأطول منهما) أي من عدة طلاق ووفاة (3) لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون المخرجة بقرعة (4) والحامل، عدتها وضع الحمل، كما سبق (5) وإن ارتابت متوفى عنها، زمن عدتها أو بعدهن بأمارة حمل كحركة، أو رفع حيض (6) لم يصح نكاحها حتى تزول الريبة (7)(الثالثة) من المعتدات (الحائل ذات الأقراء وهي) جمع قرء بمعنى (الحيض)(8) .
(1) كإحداهن طالق أو فاطمة، وله غيرها، ثم نسي هل هي فاطمة، أو زينب أو دعد.
(2)
بين نسائه، المبهم تعيينها، أو المعينة المنسية.
(3)
كما إذا كانت عادة حيضها، بعد كل شهرين مرة، فتعتد عدة طلاق؛ هذا إذا كان الطلاق بائنا، وإن كان رجعيا، اعتدت كل واحدة عدة وفاة.
(4)
ولأن كل واحد منهن، يحتمل أنها المطلقة، وأنها المتوفى عنها، فلا تخرج عن العهدة بيقين، إلا بالقرعة، وابتداء القرء من حين طلق، وابتداء عدة الوفاة من حين مات.
(5)
في حكم عدة المتوفى عنها موضحا.
(6)
وكانتفاخ بطن، ونزول اللبن في ثديها، وغير ذلك.
(7)
بانقطاع الحركة، أو زوال الانتفاخ، أو عود الحيض، أو مضي زمن لا يمكن أن تكون فيه حاملا، للشك في انقضاء عدتها، وتغليبا لجانب الحظر، وزوال الريبة، ولا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة، في قول عامة الفقهاء.
(8)
أي والأقراء: هي الحيض.
روي عن عمر، وعلي، وابن عباس رضي الله عنهم (1)(المفارقة في الحياة) بطلاق (2) أو خلع أو فسخ (فعدتها إن كانت حرة أو مبعضة، ثلاثة قروء كاملة)(3) لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} (4) .
(1) وأصحاب الرأي وغيرهم، قال القاضي: الصحيح عند أحمد: أن الأقراء الحيض، وإليه ذهب أصحابنا، ولأنه المعهود في لسان الشرع، كحديث إذا أتى قرؤك فلا تصلي.
(2)
فعدتها ثلاثة قروء، بغير خلاف بين أهل العلم.
(3)
هذا المذهب، وجزم به غير واحد، لأن عدة الأمة بالقروء، قرآن فأدنى ما يكون فيها من الحرية يوجب قرءا ثالثا لأنه لا يتبعض.
(4)
أي والمطلقات: ينتظرن بأنفسهن، وتمكث إحداهن بعد طلاق زوجها {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} أي حيض، ثم تزوج إن شاءت، فدلت الآية: على اعتداد المطلقة ثلاثة قروء، وأما اعتداد المفارقة بخلع، أو فسخ، فلم تدخل في حكم الآية ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة قط، أن تعتد بثلاثة حيض، بل روي أهل السنن، من حديث الربيع، أنه أمرها أن تتربص حيضة واحدة، وتلحق بأهلها، ولأبي داود وغيره، من حديث ابن عباس: أمرت أن تعتد بحيضة، وقال الترمذي: الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة، وقال ابن القيم: محال أن يكون الآمر غير النبي صلى الله عليه وسلم في حياتهن والصريح يفسره، وقال النحاس: هو إجماع من الصحابة.
وقال الشيخ: أصح الروايتين دليلا عن أحمد، أنها تعتد بحيضة، وهو مذهب عثمان وابن عباس، وقد حكي إجماع الصحابة، ولم يعلم لهما مخالف ودلت عليه السنة الصحيحة، وعذر من خالفها، أنها لم تبلغه، وهذا القول هو الراجح في الأثر والنظر.
قال ابن القيم: وأما النظر، فإن المختلعة لم تبق لزوجها عليها عدة، فلها أن تتزوج بعد براءة رحمها، كالمسبية، والمهاجرة، وكذا الزانية، والموطوءة بشبهة، اختاره الشيخ، وهو الراجح أثرا ونظرا.
ولا يعتد بحيضة طلقت فيها (1)(وإلا) بأن كانت أمة فعدتها (قرآن)(2) روي عن عمر وابنه وعلي رضي الله عنهم (3)(الرابعة) من المعتدات (من فارقها) زوجها (حيا ولم تحض لصغر أو إياس فتعتد حرة ثلاثة أشهر)(4) .
(1) قال في الإنصاف: بلا نزاع، وإن ادعت انقضاء عدتها بالأقراء، قبل قولها، إذا كان ممكنا إلا أن تدعيه بالحيض في شهر، فلا يقبل إلا ببينة نص عليه، وقال الشيخ: المذهب المنصوص، أنها إذا ادعت ما يخالف الظاهر كلفت البينة، لا سيما إذا أوجبنا عليها البينة، فيما إذا علق طلاقها بحيضها فقالت حضت فإن التهمة في الخلاص من العدة كالتهمة في الخلاص من النكاح فيتوجه أنها إذا ادعت الانقضاء، في أقل من ثلاثة أشهر، كلفت البينة.
(2)
لما روي (قرء الأمة حيضتان) وهو مخصص لعموم الآية، وكان القياس أن تكون عدتها حيضة ونصف حيضة، كحدها إلا أن الحيض لا يتبعض.
(3)
أي أن عدة الأمة حيضتان، ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة، فكان إجماعا، وقال الوزير وغيره: اجمعوا على أن عدة الأمة بالأقراء، قرآن واتفقوا على أن عدتها بالأقراء ممن تحيض.
(4)
قال الموفق وغيره: أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة الآيسة، والصغيرة التي لم تحض ثلاثة أشهر.
لقوله تعالى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ (1) وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي كذلك (2)(و) عدة (أمة) كذلك (شهران)(3) لقول عمر رضي الله عنه: عدة أم الولد حيضتان (4) ولو لم تحض كانت عدتها شهرين، رواه الأثرم، واحتج به أحمد (5) .
(و) عدة (مبعضة بالحساب)(6) فتزيد على الشهرين من الشهر الثالث، بقدر ما فيها من الحرية (7) .
(1){إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي شككتم فلم تدرءوا ما عدة الآيسات {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ}
(2)
أي {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر.
(3)
أي: وعدة أمة، صغيرة أو آيسة، شهران.
(4)
والأمة والمدبرة والمكاتبة، كأم الولد وأولى.
(5)
وهو أحد قولي الشافعي، لأن الأشهر بدل من القروء، وعنه، شهر ونصف وهو قول علي، وأبي حنيفة ومالك لأن عدة الأمة نصف عدة الحرة، وعدة الحرة ثلاثة أشهر.
(6)
من عدة حرة وأمة.
(7)
أي: فتزيد على الشهرين على القول به من الشهر الثالث، بقدر ما فيها من الحرية فمن ثلثها حر، تعتد بشهرين وعشرة أيام، وهكذا، وعلى القول الثاني: تزيد على الشهر والنصف، بقدر ما فيها من الحرية.
يجبر الكسر) فلو كان ربعها حرا، فعدتها شهران وثمانية أيام (1)(والخامسة) من المعتدات (من ارتفع حيضها ولم تدر سببه) أي سبب رفعه (2) فعدتها إن كانت حرة (سنة تسعة أشهر للحمل)(3) لأنها غالب مدته (4) .
(وثلاثة) أشهر (للعدة)(5) قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره منهم منكر علمناه (6) ولا تنقض العدة بعود الحيض بعد المدة (7) .
(وتنقص الأمة) عن ذلك (شهرا)(8) .
(1) وعلى القول الثاني: شهر ونصف، وأحد عشر يوما.
(2)
وقد كانت قبل معتادة.
(3)
قال ابن عباس: لا تطولوا عليها الشقة، كفاها تسعة أشهر.
(4)
أي مدة الحمل، فإذا مضت فقد علم براءة رحمها ظاهرا.
(5)
وهي عدة الآيسات كما تقدم.
(6)
وهو قول مالك، ولأن الغرض بالاعتداء براءة رحمها، وهذا يحصل به براءة رحمها، فاكتفي به، ولما عليها في تطويل العدة من الضرر، وأما العدة بعد التسعة، فلأن عدة الشهور، إنما تجب بعد العلم ببراءة الرحم من الحمل.
(7)
لأن عدتها انقضت، وحكم بصحة نكاحها، فلم تبطل، كما لو اعتدت الصغيرة بثلاثة أشهر، وتزوجت ثم حاضت.
(8)
بناء على أن عدتها شهران، وأما مدة الحمل، فتساوى فيها الحرة والأمة.
فعدتها أحد عشر شهرا (1)(وعدة من بلغت ولم تحض) كآيسة (2) لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} (3)(و) عدة (المستحاضة الناسية) لوقت حيضها كآيسة (4)(و) عدة (المستحاضة المبتدأة) الحرة (ثلاثة أشهر (5) والأمة شهران) (6) لأن غالب النساء يحضن في كل شهر حيضة (7) .
(1) وعلى القول بأن عدتها نصف عدة الحرة، فتكون عدتها عشرة أشهر ونصفا، وإن عتقت الأمة الرجعية بنت على عدتها حرة، وإن كانت بائنا بنت على عدة أمة؛ قال في الإنصاف: بلا نزاع.
وإن عاد الحيض في السنة، لزم الانتقال إلى القرء، لأن الأصل، وبطل حكم البدل، وبعد مضيها فلا، للحكم بصحة انقضاء العدة.
(2)
أي كعدة آيسة ثلاثة أشهر.
(3)
وهذه من اللائي لم يحضن، ولأن الاعتبار بحال عادتها، ولا تمييز لها.
(4)
أي كعدة آيسة، والناسية لوقته، كمن جهلت، هل تأتيها حيضتها في الشهر مرة أو مرتين، فإن كانت عادتها، تأتيها في الشهر مرتين، واستحيضت فعدتها شهر ونصف، وإن كان لها عادة، أو تمييز عملت به، إن صلح حيضا.
(5)
لأمره صلى الله عليه وسلم لحمنة «أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة» ، فجعل لها حيضة من كل شهر.
(6)
وعلى القول الثاني: المرجح شهر ونصف نصف عدة الحرة.
(7)
كما هو معلوم من حالهن، ويؤيده قصة حمنة.
(وإن علمت) من ارتفع حيضها (ما رفعه من مرض، أو رضاع، أو غيرهما (1) فلا تزال في عدة، حتى يعود الحيض فتعتد به) وإن طال الزمن، لأنها مطلقة لم تيأس من الدم (2)(أو تبلغ سن الإياس) خمسين سنة (فتعتد عدته) أي عدة ذات الإياس (3) .
(1) كنفاس، قال الشيخ: في المرضعة، تبقى في العدة حتى تحيض ثلاث حيض فإن أحبت أن تسترضع، لولدها، لتحيض هي، أو تشرب دواء، أو نحوه تحيض به، فلها ذلك.
(2)
فلا تزال في عدة، حتى يعود الحيض، فتعتد به هذا المذهب.
(3)
وقالوا: لأنها آيسة، أشبهت سائر الآيسات، وقال الموفق: الصحيح أنها متى بلغت الخمسين فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة، وعنه: تنتظر زواله، ثم إن حاضت اعتدت بهن وإلا اعتدت سنة ذكره المروزي، عن مالك ومن تابعه، منهم الإمام أحمد، وصوبه في الإنصاف وعنه: إذا زال المانع ولم تحض، فتعتد سنة، كالتي ارتفع حيضها، ولم تدر سببه اختاره الشيخ: واختاره أيضا أنها إن علمت عودة فكآيسة، وإلا اعتدت سنة.
وإن آيست ذات الأقراء في عدتها، انتقلت إلى عدة الآيسة، وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة، التي كانت تراه فيها، فهو حيض، لأن دليل الحيض، الوجود في زمن الإمكان، وهذا يمكن وجود الحيض فيه، وإن كان نادرا، قال في الإنصاف: وهذا الصواب الذي لا شك فيه، وتقدم قول الشيخ: لأحد لأكثر سن الحيض.
ويقبل قول زوج: أنه لم يطلق إلا بعد حيض، أو ولادة، أو في وقت كذا (1) .
(السادسة) من المعتدات (امرأة المفقود (2) تتربص) حرة كانت أو أمة (ما تقدم في ميراثه)(3) أي أربع سنين من فقده (4) إن كان ظاهر غيبته الهلاك (5) .
(1) حيث لا بينة لها، لأنه يقبل قوله في أصل الطلاق، وعدده، فكذا في وقته، ولان ذلك يرجع إلى الاختلاف، في بقاء العدة، وهو الأصل.
(2)
حرة كانت أو أمة، وهو من انقطع خبره، فلم تعلم حياته ولاموته أما من عرف خبره ويأتي كتابه، فليس لامرأته أن تتزوج إجماعا، إلا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله، فلها أن تطلب فسخ النكاح، وأما من انقطع خبره، ولم يعلم له موضع، فيأتي.
(3)
أي في حكم ميراثه، في كتاب الفرائض.
(4)
ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر عشرا.
(5)
كمن غرق مركبه، أوفقد من بين أهله، أو في مفازة مهلكة ونحو ذلك، لما روى مالك وغيره، عن عمر في امرأة المفقود، تربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، وهو مذهب الجمهور.
وقال ابن القيم: حكم الخلفاء في امرأة المفقود، كما ثبت عن عمر، وقال أحمد: ما في نفسي شيء منه، خمسة من الصحابة، أمروها أن تتربص، قال ابن القيم وقول عمر: هو أصح الأقوال، وأحراها بالقياس، وقال الشيخ: هو الصواب، ولو مضت المدة تزوجت، واختاره ابن عبدوس، وصوبه في الإنصاف.
وتمام تسعين سنة من ولادته، إن كان ظاهر غيبته السلامة (1)(ثم تعتد للوفاة) أربعة أشهر وعشرة أيام (2)(وأمة) فقد زوجها (كحرة في التربص) أربع سنين، أو تسعين سنة (3) .
(و) أما (في العدة) للوفاة بعد التربص المذكور، فعدتها (نصف عدة الحرة) لما تقدم (4) .
(ولا تفتقر) زوجة المفقود (إلى حكم حاكم بضرب المدة) أي مدة التربص (وعدة الوفاة)(5) كما لو قامت البينة (6) وكمدة الإيلاء (7) ولا تفتقر أيضا إلى طلاق ولي زوجها (8) .
(1) وذلك كسفر التاجر في غير مهلكة، وطلب العلم، والسياحة، وسفر الفرجة، ونحو ذلك، لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها.
(2)
لما تقدم عن الصحابة، وغيرهم، وصوبه الشيخ وغيره.
(3)
لمساواتها الحرة في التربص فقط، لأن تربص المدة المذكورة، ليعلم حاله من حياة وموت، وذلك لا يختلف بحال زوجته.
(4)
أي ن أن عدتها، نصف عدة الحرة.
(5)
قال الشيخ: على الأصح، وصوبه في الإنصاف، لأنها فرقة تعقبها عدة الوفاة، فلا تتوقف على ذلك.
(6)
أي بوفاته، فلا تحتاج زوجته، إلى ضرب مدة التربص، وعدة الوفاة.
(7)
وتقدم أنها لا تفتقر إلى ضرب المدة.
(8)
بعد اعتدادها للوفاة، وصوبه في الإنصاف، وقال، ظاهر كلام الموفق: أنه لا يشترط أن يطلقها ولي زوجها، بعد اعتدادها للوفاة، وصوبه وقال الشيخ: هي زوجة الثاني، باطنا وظاهرا.
(وإن تزوجت) زوجة المفقود، بعد مدة التربص والعدة (1)(فقدم الأول قبل وطء الثاني، فهي للأول)(2) لأنا تبينا بقدومه بطلان نكاح الثاني (3) ولا مانع من الرد (4) .
(و) إن قدم الأول (بعده) أي بعد وطء الثاني فـ (له) أي للأول (أخذها زوجة بالعقد الأول، ولو لم يطلق الثاني (5) ولا يطؤ) ها الأول (قبل فراغ عدة الثاني (6)) .
(1) وتقدم بيانهما، وفرق ما بين الحرة والأمة في العدة دون التربص.
(2)
ترد إليه بلا تخيير، لبقاء نكاحه، ويدفع للثاني ما أعطاها من مهر.
(3)
وإنما أبيح لها التزوج، لأن الظاهر موته، فإذا بان حيا انخرم ذلك الظاهر، وكان النكاح بحاله، كما لو شهدت البينة بموته فبان حيا، ولأنه أحد المالكين فأشبه مالك المال.
(4)
بالعقد الأول بلا تخيير، وهو المذهب.
(5)
لأن نكاحه كان باطلا في الباطن، قال الشيخ: بعد أن ذكر: أن الصواب في امرأة المفقود، مذهب عمر، وغيره من الصحابة: وهو أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة، ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك، وهي زوجة الثاني ظاهرا، وباطنا، ثم إذا قدم زوجها الأول بعد تزوجها، خير بين امرأته وبين مهرها، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده، وهو ظاهر مذهب أحمد، ثم قال: والتخيير فيه بين المرأة والمهر، هو أعدل الأقوال، وشبهه باللقطة، وأن المجهول في الشرع كالمعدوم، وإذا علم بعد ذلك، كان التصرف في أهله وماله موقوفا، على إذنه، ووقف التصرف في حق الغير على إذنه، يجوز عند الحاجة عندنا، بلا نزاع.
(6)
بلا نزاع.
وله) أي للأول (تركها معه) أي مع الثاني (1)(من غير تجديد عقد) للثاني (2) وقال المنقح: الأصح بعقد اهـ (3) .
قال في الرعاية: وإن قلنا يحتاج الثاني عقدا جديدا، طلقها الأول لذلك، اهـ (4) وعلى هذا فتعتد بعد طلاق الأول (5) ثم يجدد الثاني عقدا (6) لأن زوجة الإنسان، لا تصير زوجة لغيره بمجرد تركه لها، وقد تبينا بطلان عقد الثاني بقدوم الأول (7) .
(ويأخذ) الزوج الأول (قدر الصداق الذي أعطاها من) الزوج (الثاني) إذا تركها له (8) .
(1) لقول عمر وعثمان وعلي، وقضى به ابن الزبير، قال الموفق: ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعًا.
(2)
وهذا المشهور من المذهب، وظاهر كلام الشيخ، لصحة عقده ظاهرا، قال الموفق: ولم يذكروا يعني الصحابة لها عقدا جديدا.
(3)
وفي المغني: الصحيح أنه يجب أن يستأنف لها عقدا، لأنا تبينا بطلان عقده بمجيء الأول، ويحمل قول الصحابة على هذا، لقيام الدليل عليه.
(4)
وقال القاضي: قياس قول أحمد أنه يحتاج إلى طلاق، لأن هذا نكاح مختلف في صحته، فكان مأمورا بالطلاق، ليقطع حكم العقد الثاني، كسائر الأنكحة الفاسدة.
(5)
عدة المطلقة، على ما تقدم.
(6)
واختاره الموفق، وهو القياس.
(7)
قال القاضي: ويحتمله قول الصحابة.
(8)
وهو قول مالك وغيره من السلف.
لقضاء علي وعثمان، أنه يخبر بينها وبين الصداق، الذي ساق إليها هو (1)(ويرجع الثاني عليها بما أخذه) الأول (منه)(2) لأنها غرامة لزمته بسبب وطئه لها، فنرجع بها عليها، كما لو غرته (3) ومتى فرق بين زوجين لموجب (4) ثم بان انتفاؤه فكمفقود (5) .
(1) وقال الموفق وغيره: لإجماع الصحابة، وتقدم: أن عمر خيره بين امرأته ومهرها، وقال ابن القيم: هو أصح الأقوال وأحراها بالقياس، وقال: الصواب أنه يرجع بما مهرها هو، فإنه هو الذي يستحقه، اهـ ولأنه حال بينه وبينها بعقده عليها ودخوله بها، وأتلف عليه المعوض، فرجع عليه بالعوض.
(2)
هذا المذهب عند بعض الأصحاب.
(3)
بأن قالت: مالي زوج مثلا، فأخذها مصدقا لها، فبان خلافه، بطل العقد، ورجع عليها بالصداق، وعنه: لا يرجع، وقال الموفق وغيره: الأظهر لا يرجع لأن الصحابة لم يقضوا بالرجوع عليها، لأنه لا تغرير منها.
(4)
كأخوة من رضاع، وتعذر نفقة من جهة زوج، وكعنة.
(5)
قدم بعد تزوج امرأته فترد إليه قبل وطء ثان، ويخير بعده، كما تقدم قال الشيخ: وكل صورة فرق فيها بين الرجل وامراته، بسبب يوجب الفرقة، ثم تبين انتفاء ذلك السبب، فهو شبيه المفقود، ولو ظنت أن زوجها طلقها فتزوجت، فهو كما لو ظنت موته، ولو اعتقدت أنه عاجز عن حقها، وأنه يجوز لها الفسخ والتزويج بغيره، فتشبه امرأة المفقود، وإن علمت التحريم فزانية لكن المتزوج بها، كالمتزوج بامرأة المفقود.
فصل (1)
(ومن مات زوجها الغائب) اعتدت من موته (2)(أو طلقها) وهو غائب (اعتدت منذ الفرقة (3) وإن لم تحد) أي وإن لم تأت بالإحداد في صورة الموت (4) لأن الإحداد ليس شرطا لانقضاء العدة (5)(وعدة موطوءة بشبهة أو زنا (6))
(1) أي: في بيان حكم العدة من الغائب، والموطئوة بشبهة، أو زنا، أو عقد فاسد، أو في العدة، وما تنقضي به العدة وغير ذلك.
(2)
كما لو كان حاضرا.
(3)
أي احتسبت بما مضى قبل العلم، وكان ابتداء عدتها من حين الفرقة، روي عن ابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، ولأن القصد غير معتبر في العدة بدليل الصغيرة والمجنونة.
(4)
بأن تجتنب ما تجتنبه المعتدة.
(5)
لظاهر النصوص، وإن أقر أنه طلقها من مدة تزيد على العدة ولم يكن عدلا، لم يقبل قوله، صرح به الشيخ وغيره، وإن كان عدلا غير متهم قبل.
(6)
أي وعدة موطوءة بشبهة، عدة مطلقة، لأن الوطء في ذلك من شغل الرحم، ولحوق النسب، كالوطء في النكاح الصحيح، وكذا المزني بها، لأنه وطء يقتضي شغل الرحم، كوطء الشبهة، ولأنه لو لم تجب العدة لاختلط ماء الواطئ والزوج، فلم يعلم لمن الولد منهما، هذا المذهب.
أو موطوءة (بعقد فاسد كمطلقة)(1) حرة كانت أو أمة مزوجة (2) لأنه وطء يقتضي شغل الرحم، فوجبت العدة منه كالنكاح الصحيح (3) وتستبرأ أمة غير مزوجة بحيضة (4) ولا يحرم على زوج، وطئتا زوجته، بشبهة أو زنا، زمن عدة، غير وطء في فرج (5) .
و (إن وطئت معتدة بشبهة، أو نكاح فاسد، فرق بينهما) أي بين المعتدة الموطوءة والواطئ (6)(وأتمت عدة الأول)(7) .
(1) فتعتد كما تعتد المطلقة على ما تقدم.
(2)
فتعتد الحرة عدتها كحرة، وتعتد الأمة عدة الأمة، سواء كان عن وطء شبهة أو زنا، أو عقد فاسد.
(3)
أي فأوجب العدة كعدة المطلقة، هذا المذهب، وعنه: تستبرأ بحيضة، اختاره الحلواني وابن رزين وغيرهما، وقال ابن القيم: تعتد بحيضة، ولها أن تتزوج بعد براءة رحمها، كالمسية والمهاجرة، والزانية، والموطوءة بشبهة، واختاره الشيخ، وهو الراجح أثرا ونظرا.
(4)
لأن المقصود العلم ببراءة الرحم من الحمل، وذلك حاصل بالحيضة.
(5)
لأن تحريمها لعارض يختص الفرج، فأبيح الاستمتاع منها بما دونه، كالحيض ولا ينفسخ نكاحها بزنا نص عليه.
(6)
لأن العقد الفاسد، وجوده كعدمه.
(7)
لأن سببها سابق على الوطء المذكور.
سواء كانت عدته من نكاح صحيح أو فاسد، أو وطء بشبهة (1) ما لم تحمل من الثاني، فتنقضي عدتها منه بوضع الحمل، ثم تعتد للأول (2) .
(ولا يحتسب منها) أي من عدة الأول (مقامها عند الثاني) بعد وطئه، لانقطاعها بوطئه (3) .
(ثم) بعد اعتدادها للأول (اعتدت للثاني)(4) لأنهما حقان اجتمعا لرجلين، فلم يتداخلا (5) وقدم أسبقهما كما لو تساويا في مباح غير ذلك (6) .
(1) يجب أن تتم عدة الأول، لأن عدته وجبت عن وطء في نكاح صحيح.
(2)
وإنما انقضت عدتها من الثاني، من أجل وضع الحمل، كما لو وضعت من الأول.
(3)
وإنما ابتداؤها من التفريق بينهما.
(4)
لخبر مالك، عن عمر: أنه ضربهما وفرق بينهما، وقال: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوجها، لم يدخل بها، يفرق بينهما ثم تعتد بقية عدتها من زوجها الأول، ثم تعتد من الآخر، ولا ينكحها أبدا ولمالك عن علي أنه قضى في التي تزوج في عدتها، أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول، وتعتد من الآخر، قال الموفق: لم يعرف لهما في الصحابة مخالف.
(5)
كالدينين واليمينين، ولأنه حبس يستحقه الرجال على النساء، فلم يجز أن تكون المرأة في حبس رجلين، كالزوجة.
(6)
أي فإنه يقدم الأسبق، إذ هو الأحق للنصوص في ذلك وتقدم.
(وتحل) الموطوءة في عدتها بشبهة أو نكاح فاسد (له) أي لواطئها بذلك (بعقد بعد انقضاء العدتين)(1) لقول علي رضي الله عنه: إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب (2) .
(وإن تزوجت) المعتدة (في عدتها لم تنقطع) عدتها (حتى يدخل بها) أي يطأها (3) لأن عقده باطل (4) فلا تصير به فراشا (5)(فإذا فارقها) الثاني (بنت على عدتها من الأول (6) ثم استأنفت العدة من الثاني) لما تقدم (7) .
(1) قالوا: هو قياس المذهب.
(2)
أي فتحرم على الواطئ وغيره في العدة، وقال الموفق: الأولى حل نكاحها، لمن هي معتدة منه، إن كان يلحقه نسب ولدها، لأن العدة لحفظ مائة، وصيانة نسبه، ولا يصان ماؤه المحترم عن مائه المحترم، ولا يحفظ نسبه عنه، كالمطلقة البائن وإلا فلا.
(3)
متزوجها، ويحرم إجماعا لقوله تعالى:{وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} ولأن العدة إنما اعتبرت لبراءة الرحم، لئلا يفضي إلى اختلاط المياه، ويجب أن يفرق بينهما.
(4)
لأنها ممنوعة من النكاح، لحق الزوج الأول، فكان نكاحا باطلا.
(5)
والعدة بحالها، لا تنقطع بالعقد الثاني، لأنه باطل لا تصير المرأة به فراشا، ولا يستحق عليه بالعقد شيء، فإذا دخل بها انقطعت العدة، لأنها حينئذ صارت فراشا له، سواء علم بالتحريم أو جهله.
(6)
لأن حقه أسبق، وعدته وجبت عن وطء في نكاح صحيح، كما تقدم.
(7)
ولا تتداخل العدة، كما تقدم، وقال في الإنصاف: لا أعلم فيه خلافا.
(وإن أتت) الموطوءة بشبهة في عدتها (بولد من أحدهما) بعينه (1)(انقضت منه عدتها به) أي بالولد (2) سواء كان من الأول أو من الثاني (3) .
(ثم اعتدت للآخر) بثلاثة قروء (4) ويكون الولد الأول، إذا أتت به لدون ستة أشهر، من وطء الثاني (5) ويكون للثاني، إذا أتت به لأكثر من أربع سنين، منذ بانت من الأول (6) وإن أشكل عرض على القافة (7) .
(1) أي الزوج أو الواطئ بشبهة، أو الزوج الأول، أو الثاني الذي تزوجته في عدتها.
(2)
يعني بوضعه ممن لحق به الولد.
(3)
لا فرق، فإن التي تزوجت في عدتها، إذا كانت حاملا تنقضي عدتها بوضعه لقوله:{وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
(4)
كمطلقة، وتقدم.
(5)
وتنقضي عدتها به منه، وأربع سنين فما دونها من فراق الأول، وقال الوزير: اتفقوا على أن أقل مدة الحمل، ستة أشهر.
(6)
وتنقضي عدتها به منه، وقال الوزير: في أكثر مدة الحمل، قال الشافعي: أربع سنين، وعن مالك وأحمد كذلك، وهي المشهورة عنه.
(7)
إذا أمكن أن يكون ممن ألحقته به، بأن تأتي به لنصف سنة فأكثر من وطء الثاني، ولأربع سنين فأقل من بينونة الأول، لحقه، وانقضت عدتها به ممن ألحقته القافة به، لأنه حل وضعته فانقضت عدة أبيه به، دون غيره ثم اعتدت للآخر الذي لم يلحق به الولد، لبقاء حقه من العدة، وإن ألحقته بهما لحق بهما، وانقضت عدتها به منهما، لثبوت نسبه منهما.
وإن نفته القافة عنهما فكما لو أشكل أمره، فتعتد بعد وضعه بثلاثة قروء، ولا ينتفي الولد عنهما لقول القافة، لأن عملها ترجيح أحد صاحبي الفراش، لا في النفي عن الفراش كله، وإن ولدت لدون ستة أشهر من وطء الثاني، ولأكثر من أربع سنين من فراق الأول على القول بذلك، لم يلحق بواحد منهما، ولا تنقضي عدتها منه، لأنه من وطء آخر، فتنقضي عدتها من ذلك الوطء، ثم تتم عدة الأول وتستأنف عدة الثاني.
(ومن وطئ معتدتة البائن) في عدتها (بشبهة استأنفت العدة بوطئه (1) ودخلت فيها بقية) العدة (الأولى) لأنهما عدتان من واحد لوطئين، يلحق النسب فيهما لحوقا واحدا، فتداخلا (2) وتبني الرجعية إذا طلقت في عدتها، على عدتها (3) وإن راجعها ثم طلقها استأنفت (4) .
(1) لأن الوطء قطع العدة الأولى، وهو موجب للاعتداد، للاحتياج إلى العلم ببراءة الرحم من الحمل.
(2)
كما لو طلق الرجعية في عدتها.
(3)
كأن يطلقها فتحيض حيضة ثم يطلقها أخرى، فتبني على عدتها بلا نزاع، ويكون الباقي عليها حيضتين، لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء، أشبه الطلقتين في وقت واحد
(4)
عدة الطلاق الثاني، ولو لم يدخل بها، قال في الإنصاف: بلا نزاع، لأن الرجعة أزالت شعث الطلاق الأول، وأعادت المرأة إلى النكاح الذي كانت فيه.
(وإن نكح من أبانها في عدتها، ثم طلقها قبل الدخول) بها (بنت) على ما مضى من عدتها، لأنه طلاق في نكاح ثان، قبل المسيس والخلوة، فلم يوجب عدة (1) بخلاف ما إذا راجعها، ثم طلقها قبل الدخول (2) لأن الرجعة إعادة إلى النكاح الأول (3) .
(1) كما لو لم يتقدمه نكاح لعموم {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} .
(2)
فتستأنف العدة.
(3)
فالطلاق في عدتها طلاق من نكاح واحد، فكان استئناف العدة في ذلك أظهر، لأنها مدخول بها، ولولا الدخول لما كانت رجعية، وفي البائن بعد النكاح طلاق عن نكاح متجدد، لم يتصل به دخول وإن انقضت قبل طلاقه فلا عدة له.
فصل (1)
يحرم إحداد فوق ثلاث، على ميت غير زوج (2) و (يلزم الإحداد مدة العدة (3)
(1) أي في بيان حكم الإحداد، وما يجب عليها تجنبه، وغير ذلك مما يتعلق به.
(2)
أي يحرم إحداد فوق ثلاثة أيام بلياليها، للخبر الآتي وغيره، والإحداد المنع، إذ المرأة تمنع نفسها مما تتهيأ به لزوجها، من تطيب وتزين.
(3)
قال ابن القيم: هذا من تمام محاسن هذه الشريعة، وحكمتها ورعايتها على أكمل الوجوه، فإن الإحداد على الميت، من تعظيم مصيبة الموت، التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة، وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشه لا تمس طيبا، ولا تدهن، ولا تغتسل إلى غير ذلك، مما هو تسخط على الرب وأقداره، فأبطل الله بحكمته سنة الجاهلية، وأبدلنا به الصبر والحمد.
ولما كانت مصيبة الموت، لا بد أن تحدث للمصاب من الجزع، والألم، والحزن، ما تتقاضاه الطباع، سمح لها الحكيم الخبير، في اليسير من ذلك، وهو ثلاثة أيام تجد بها نوع راحة، وتقضي بها وطرا من الحزن، وما زاد فمفسدته راجحة فمنع منه، والمقصود: أنه أباح لهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام، وأما الإحداد على الزوج، فإنه تابع للعدة بالشهور، وأما الحامل فإذا انقضى حملها سقط وجوب الإحداد، وذكر أنه يستمر إلى حين الوضع، فإنه من توابع العدة، ولهذا قيد بمدتها، وهو حكم من أحكام العدة، وواجب من واجباتها، فكان معها وجودا وعدما.
وقال: وهو من مقتضياتها، ومكملاتها، وهي إنما تحتاج إلى التزين، لتحبب إلى زوجها، فإذا مات وهي لم تصل إلى آخر، فاقتضى تمام حق الأول، وتأكيد المنع من الثاني، قبل بلوغ الكتاب أجله أن تمنع مما تصنعه النساء لأزواجهن مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال، وطمعهم فيها بالزينة.
كل) امرأة (متوفى عنها زوجها، في نكاح صحيح)(1) لقوله عليه الصلاة والسلام «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال (2) إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» متفق عليه (3) .
وإن كان النكاح فاسدا، لم يلزمها الإحداد، لأنها ليست زوجة (4) .
(1) بلا نزاع بين أهل العلم، إلا عن الحسن شذبه عن أهل العلم، وخالف فيه السنة، وقال ابن رشد: أجمع المسلمون على أن الإحداد واجب، على النساء الحرائر المسلمات، في عدة الوفاة، إلا الحسن وحده.
(2)
أي تمنع نفسها الزينة، وبدنها الطيب، على ميت من قريب ونحوه، فوق ثلاث فما دونها، وذلك أنه أبيح لأجل حفظ النفس، ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية.
(3)
ولمسلم إلا المرأة فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا، وفي رواية «كل امرأة متوفى عنها زوجها» فدل الحديث: على جواز إحداد المرأة على قريب ونحوه، ثلاث ليال فما دونها، ووجوبه على المتوفى عنها زوجها، أربعة أشهر وعشرا، بلا نزاع.
(4)
شرعا، فلم يجب عليها الإحداد، وهو مذهب مالك، وقال الشافعي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل لامرأة تؤمن بالله» الحديث، وهذه عدة الوفاة، فدل على أن الإحداد إنما يجب في عدة الوفاة.
ولا يعتبر للزوم الإحداد كونها وارثة أو مكلفة فيلزمها (ولو ذمية أو أمة أو غير مكلفة)(1) فيجنبها وليها الطيب ونحوه (2) وسواء كان الزوج مكلفا أولا، لعموم الأحاديث (3) ولتساويهن في لزوم اجتناب المحرمات (4) .
(ويباح) الإحداد (لبائن من حي)(5) ولا يسن لها، قاله في الرعاية (6)(ولا يجب) الإحداد (على) مطلقة (رجعية (7) و) لا على (موطوءة بشبهة أو زنا)(8) .
(1) وهو مذهب الجمهور، مالك والشافعي، لعموم الأحاديث، واستثنى أصحاب الرأي الذمية والصغيرة، لأنهما غير مكلفتين، ولا مخصص.
(2)
أي فيجنب ولي غير المكلفة، الطيب والزينة وغيرهما، مما تجنبه الحرة المسلمة.
(3)
الآتية فيما يجب على الزوجة من الإحداد.
(4)
فاستوين فيما يجب من الإحداد.
(5)
بالإجماع كمطلقة ثلاثا، والمختلعة ولا يجب، لأنها معتدة من غير وفاة، فلا يجب عليها الإحداد لظاهر الأحاديث، كالرجعية والموطوءة بشبهة، ولأن الإحداد في عدة الوفاة، لإظهار الأسف على فراق زجها وموتها.
(6)
ونص أحمد: أنه لا إحداد عليها، وهو مذهب مالك.
(7)
أي لا يجب على المطلقة الرجعية، أن تحد على زوجها الحي، بلا خلاف، بل ولا يسن، لأنها في حكم الزوجات، لها أن تتزين لزوجها، وتستشرف له ليرغب فيها.
(8)
لأن العدة في حقهما لحفظ النسب، كما تقدم.
أو في نكاح فاسد (1) أو نكاح (باطل (2) أو ملك يمين) لأنها ليست زوجة متوفى عنها (3) .
(والإحداد: اجتناب ما يدعو إلى جماعها، ويرغب في النظر إليها (4) من الزينة والطيب (5) والتحسين) باسفيذاج ونحوه (6)(والحنا (7)
(1) لأنها ليست زوجة على الحقيقة ولا لها من كانت تحل له، وتحزن على فقده.
(2)
وإنما العدة لحفظ النسب.
(3)
لمفهوم إلا على زوج، قال ابن رشد: وأما الأمة فلا إحداد عليها وبه قال فقهاء الأمصار.
(4)
ويحسنها ويحرك الشهوة، ويدعو إلى المباشرة.
(5)
مما يتزين ويتطيب به، من سائر أنواع الطيب، لقوله صلى الله عليه وسلم «ولا تمس طيبا» متفق عليه، ولمسلم «ولا تتطيب» فدل على تحريم الطيب للمعتدة، وهو كل ما يسمى طيبا، ولا نزاع في ذلك.
(6)
مما يشبه الوجه ويزينه أو يحمره، كالكلكون، والإسفيذاج، شيء يعمل من الرصاص، إذا دهن به الوجه، يربو ويبرق ويبيض، وإنما منعت منه في الوجه، لأنه يصفره ويبيضه فيشبه، كالخضاب، ولا تجعل عليه صبرا يصفره، وأن تنقش وجهها أو بدنها، وأن تحفف وجهها، وما أشبهه مما يحسنها.
(7)
لقوله صلى الله عليه وسلم «ولا تختضب» رواه أبو داود، وفي السنن ولا تمتشطي بالطيب، ولا بالحنا، فإنه خضاب، لأنه يدعو إلى الجماع، يشبه الحلي وأولى.
وما صبغ للزينة) قبل نسج أو بعده، كأحمر وأصفر (1) وأخضر وأزرق صافيين (2) .
(و) ترك (حلي (3) وكحل أسود) بلا حاجة (4)(لا توتيا ونحوها (5) ولا) ترك (نقاب (6) و) لا ترك (أبيض ولو كان حسنا) كإبريسم (7) .
(1) وكذا المطرز، لقوله صلى الله عليه وسلم «ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب» متفق عليه، ولأبي داود، «ولا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة» أي المصبوغة بالمغرة، قال ابن المنذر: أجمع العلماء، على أنه لا يجوز للمحادة لبس الثياب المعصفرة، ولا المصبغة، ورخص بعضهم فيهما صبغ بسواد، لأنه لم يتخذ للزينة.
(2)
بخلاف الأحمر والأصفر، ولو غير صافين.
(3)
ولأبي داود «ولا الحلي» فيحرم كله، حتى الخاتم والحلقة، سواء كان من ذهب أو فضة، لعموم النهي.
(4)
إليه تكتحل به ليلا وتمسحه نهارا، لأن الكحل من أبلغ الزينة، والزينة تدعو إليها، وتحرك الشهوة فهي كالطيب وأبلغ منه، فإن كان بها حاجة إليه جاز قال ابن رشد: تمنع عند الفقهاء بالجملة، من الزينة الداعية الرجال إلى النساء وذلك كالحلي والكحل، لثبوته بالسنة، إلا ما لم تكن فيه زينة، ولباس الثياب المصبوغة إلا السواد، ورخصوا في الكحل عند الضرورة.
(5)
كعنزروت فلا بأس بهما لأنهما لا زينة فيهما.
(6)
أو برقع لأنهما ليسا منصوصا عليهما، ولا في معنى المنصوص عليهما والمحرمة منعت منهما، لمنعها من تغطية وجهها.
(7)
نوع من الحرير أبيض، وسواء كان الأبيض من قطن، أو كتان أو صوف.
لأن حسنه من أصل خلقته، فلا يلزم تغييره (1) ولا تمنع من لبس ملون لدفع وسخ ككحلي (2) ولا من أخذ ظفر ونحوه (3) ولا من تنظيف وغسل (4) .
(1) وظاهره: ولو كان معدا للزينة، كما أن المرأة إذا كانت حسنة الخلقة، لا يلزمه أن تغير لونها وتشوه نفسها، وقيل: يحرم الأبيض المعدة للزينة، قال في الإنصاف: وما هو ببعيد فإن بعضها أعظم مما منعت منه من غيره.
(2)
كأخضر صاف، لأنه في معنى ثوب العصب، وهو مستثنى في الخبر، وثياب العصب يمنية فيها بياض وسواد، يصبغ غزلها ثم ينسج، وصحح في الشرح: أنه نبت يصبغ به، ولأنه لا يراد للزينة.
(3)
كأخذ عانة، ونتف أبط، وحلق الشعر المندوب إلى حلقه.
(4)
بسدر ونحوه، والامتشاط به، لأنه لا يراد للزينة، ولا طيب فيهن ولها تزيين في نحو فرش، لأن الإحداد في البدن فقط.
فصل (1)
(وتجب عدة الوفاة في المنزل) الذي مات زوجها وهي به (حيث وجبت)(2) فلا يجوز أن تتحول منه بلا عذر (3) روي عن عمر وعثمان وابن عمر، وابن مسعود، وأم سلمة (4) .
(1) أي في بيان سكنى المتوفى عنها، والرجعية والبائن، وما يتعلق به.
(2)
العدة فيه، وفي الإنصاف: تجب إلى أن تدعو ضرورة إلى خرجها بلا نزاع، وهي من الموت، سواء كان المسكن لزوجها، أو بإجارة أو عارية لقوله لفريعة «امكثي في بيتك» ، ولم تكن في بيت يملكه زوجها، وفي لفظ «اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك» وفي لفظ «حيث أتاك الخبر» وإن أتاها في غير مسكنها، رجعت إلى مسكنها.
وإن أذن لها في النقلة، فمات قبل مفارقة البنيان، لزمها العود إلى منزلهن قال في الإنصاف بغير خلاف أعلمه، وبعده، لها الخيار بين البلدين، قال: ويتجه الأقرب، وكذا من دار إلى دار.
(3)
بأن تخشى على نفسها ونحوه.
(4)
وجماعة من الصحابة، بمحضر من المهاجرين والأنصار، وقال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار، وفي السنن عن فريعة أن زوجها قتل، وهي في دار شاسعة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى أهلها، فإنه لم يترك لها سكنى، ولا نفقة، فقال:«امكثي في بيتك الذي أتاك نعيه فيه حتى يبلغ الكتاب أجله» قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، وهو مذهب جماهير العلماء إلا لضرورة.
(فإن تحولت خوفا) على نفسها أو مالها (1) .
(أو) حولت (قهرا (2) أو) حولت (بحق) يجب عليها الخروج من أجله (3) أو بتحويل مالكه لها (4) أو طلبه فوق أجرته (5) أو لا تجد ما تكتري به إلا من مالها (6)(انتقلت حيث شاءت) للضرورة (7) ويلزم منتقلة بلا حاجة العود (8) .
(1) من نحو هدم، أو غرق، أو عدو، أو غير ذلك.
(2)
كأن حولها سلطان أو ظالم، أو منعها صاحب المسكن من السكنى فيه، تعديا عليها بغير حق.
(3)
كلحق عليها، أو تحول لأذاها، لا تحول من حولها دفعا لأذاها، ومنه يؤخذ تحويل الجار السوء، ومن يؤذي غيره.
(4)
أي مالك المنزل للمعتدة، للوفاة، قيل: ويتجه لا يحرم عليه، كما دل عليه قولهم، أوتبرع ورثته، أو أجنبي.
(5)
المعتادة، تحولت حيث شاءت.
(6)
وقالوا: لأن الواجب السكنى، لا تحصيل المسكن، وفيه نظر، لأنه يفضي إلى إسقاط العدة في المنزل رأسا، وظاهر الحديث يخالفه، فإنه صلى الله عليه وسلم قال لها «أمكثي في بيتك» مع قولها، إنه لم يتركها في منزل يملكه، ولا نفقة وعامة الأصحاب يقولون: لا تخرج من منزلها إلا لضرورة، فيجب عليها بذل الأجرة من مالها إن قدرت، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
(7)
لسقوط الواجب، ولم يرد الشرع بالاعتداد في معين غيره، لكن في بلدها، على الصحيح من المذهب.
(8)
لتتم عدتها فيه تداركا للواجب.
وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت (1)(ولها) أي للمتوفى عنها زمن العدة (الخروج لحاجتها نهارا (2) لا ليلا) لأنه مظنة الفساد (3)(وإن تركت الإحداد) عمدا (أثمت (4) وتمت عدتها بمضي زمانها) أي زمان العدة، لأن الإحداد ليس شرطا في انقضاء العدة (5) ورجعية في لزم مسكن كمتوفى عنها (6) .
(1) لأن المكان ليس شرطا للاعتداد.
(2)
لنحو بيع وشراء، ونحوهما، ولو كان لها من يقوم بمصالحها، ولا تخرج لحوائج غيرها، ولا لعيادة وزيارة ونحوهما، وهو المذهب عند الأكثر، قال الزركشي: اشترط كثير من الأصحاب لخروجها الحاجة، وأحمد وجماعة لم يشترطوا ذلك، فلا حاجة في التحقيق إلى اشتراطه، لأن المرأة وإن لم تكن متوفى عنها، تمنع من خروجها من بيتها، لغير حاجة مطلقا.
(3)
لقوله صلى الله عليه وسلم «تحدثن عند إحداكن، حتى إذا أردتن النوم، فلتأت كل واحدة إلى بيتها» وإنما أبيح لها أن تخرج لضرورة، كانهدام المنزل ونحوه.
(4)
لمخالفتها الأوامر.
(5)
فإذا انقضى الزمان تمت به عدتها، قولا واحدا، والأمة كالحرة في الإحداد والاعتداد في منزلها، والبدويةكالحضرية في لزوم الموضع، الذي مات وهي به، فإن انتقلت الحلة انتقلت معهم، للضرورة، وإن انتقل أهلها، انتقلت معهم للحاجة.
(6)
أي ورجعية حكمها في لزوم مسكن مطلقا، كمتوفى عنها لا في إحداد لقوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ} والفاحشة تشمل الزنا، والنشوز على الزوج، والبذاء على أهل الرجل، وأذيتهم في الكلام، والفعال، وإن خشيت أن يقتحم عليها، تحولت، لقصة فاطمة بنت قيس، عند مسلم وغيره.
وتعتد بائن بمأمون من البلد حيث شاءت (1) ولا تبيت إلا به (2) ولا تسافر (3) وإن أراد إسكانها بمنزلة أو غيره، تحصينا لفراشه، ولا محذور فيه، لزمها (4) .
(1) ولا تجب عليها العدة في منزله لحديث فاطمة بنت قيس، قالت: طلقني زوجي ثلاثا فأذن لي صلى الله عليه وسلم أن اعتد في أهلي رواه مسلم.
(2)
أي بالمسكن المأمون، لما في البيتوتة بغير منزلها، من التبرج والتعرض للريبة.
(3)
قبل انقضاء عدتها، لما في سفرها إلى غير بلدها، من التبرج والتعرض للريبة.
(4)
كأن يفعله ليتحقق حملها، لأن الحق له فيه وضرره عليه، فكان إلى اختياره، كسائر الحقوق، وقال الشيخ: يلزمه ذلك إن أنفق عليها، وإلا فلا اهـ وليس له الخلوة بامرأته البائن، إلا مع زوجته أو أمته، ومحرم أحدهما وأصله النسوة المفردات، هل لهن السفر مع أمن بلا محرم؟ وهل له الدخول على البائن منه، مع أجنبية ثقة؟ وجهان؛ قال الشيخ: ويحرم سفره بأخت زوجته ولو معها، وقال في ميت عن امرأة شهد قوم بطلاقه ثلاثا مع علمهم عادة بخلوته بها، لا تقبل لأن إقرارهم يقدح فيهم.