المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لا يحكم) القاضي (بعلمه) - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الظهار

- ‌التوأمان المنفيان أخوان لأم

-

- ‌كتاب العدد

- ‌من انقضت عدتها قبل موته

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الأقاربوالمماليك من الآدميين والبهائم

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌بابشروط وجوب القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفسمن الأطراف والجراح

- ‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌باب القسامة

-

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

-

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌باب جامع الأيمان المحلوف بها

- ‌باب النذر

-

- ‌باب آداب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب موانع الشهادة وعدد الشهودوغير ذلك

- ‌فصل في عدد الشهود

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

- ‌نبذة مختصرة عن مؤلفي هذا الكتاب، وتاريخ وموضوع كل مجلد، والإشراف على الطبع

الفصل: ‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

(وحكم بها) أي بالبينة إذا اتضح له الحكم، وسأله المدعي (1) (و‌

‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

ولو في غير حد (2) لأن تجويز القضاء بعلم القاضي، يفضي إلى تهمته، وحكمه بما يشتهي (3) .

(1) أي سأل القاضي: الحكم له، لزمه الحكم فورا، ولا يحكم بدون سؤاله.

(2)

وهذا مذهب مالك، ومذهب أبي حنيفة والشافعي، جواز القضاء بعلمه في حقوق الآدميين، ويحرم ولا يصح الحكم بضد ما يعلمه، أو مع ليس قبل

البيان.

(3)

قال ابن القيم: لأنه ذريعة إلى حكمه بالباطل، ويقول حكمت بعلمي، قال: ولو فتح هذا الباب، ولا سيما لقضاة الزمان، لوجد كل قاض له عدو: السبيل إلى قتل عدوه، ورجمه وتفسيقه، والتفريق بينه وبين امرأته، ولا سيما إذا كانت العداوة خفية، لا يمكن عدوه إثباتها، حتى لو كان الحق، حكم الحاكم بعلمه، لوجب منع قضاة الزمان من ذلك.

قال: وقد ثبت عن أبي بكر وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية المنع من ذلك، ولا يعرف لهم في الصحابة مخالف، ولقد كان سيد الحكام، صلوات الله وسلامه عليه، يعلم من المنافقين، ما يبيح دماءهم وأموالهم، ويتحقق ذلك، ولا يحكم فيهم بعلمه، مع براءته عند الله وملائكته، وعباده من كل تهمة.

قال: ولكن يجوز له الحكم بما تواتر عنده، وتظافرت به الأخبار، بحيث اشترك في العلم به هو وغيره، ويجوز له الاعتماد على سماعه بالاستفاضة، لأنها

من أظهر البينات، ولا يتطرق الحاكم تهمة إذا استند إليها، فحكمه بها حكم بحجة، لا بمجرد علمه، الذي لا يشاركه فيه غيره، قال الشارح: ويعمل بعلمه، في عدالة بينة، وجرحها بغير خلاف.

ص: 542

(وإن قال المدعي مالي بينة، أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه)(1) لما روي أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم حضرمي وكندي، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي، فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي، وليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي:«ألك بينة؟» قال: لا، قال:«فلك يمينه» (2) .

(1) وكذا إن طلبها المدعى عليه، حلفه القاضي.

وقال الجمهور الفقهاء: اليمين تلزم المدعي عليه بنفس الدعوى، لعموم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.

وقال فقهاء المدينة ومالك: لا تجب اليمين إلا بالمخالطة، نظرا إلى المصلحة لئلا يتطرق الناس بالدعاوي، إلى تعنيت بعضهم بعضا، وأذية بعضهم بعضا.

(2)

لقوة جانبه بالبراءة الأصلية، قال ابن القيم: وهذه قاعدة الشريعة المستمرة، لأن اليمين إنما كانت في جانب المدعى عليه، حيث لم يترجح المدعي بشيء، غير الدعوى، فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين، لقوته بأصل براءة الذمة، فكان هو أقوى المتداعيين باستصحاب الأصل، فكانت اليمين من جهته.

وقال الشيخ: من ادعى على خصمه، أن بيده عقارا، استغله مدة معينة، وعينه، وأنه يستحقه فأنكر المدعى عليه، وأقام المدعي بينة باستيلائه لا باستحقاقه

لزم الحاكم إثباته والإشهاد به، ثم إن أقام بينة بأنه هو المستحق، وإلا فهو كمال مجهول يصرف في المصالح.

ص: 543

وهو حديث حسن صحيح، قاله في شرح المنتهى (1) وتكون يمينه (على صفة جوابه) للمدعي (2)(فإن سأل) المدعي من القاضي إحلافه (أحلفه وخلى سبيله) بعد تحليفه إياه (3) لأن الأصل براءة دمته (4)(ولا يعتد بيمينه) أي يمين المدعى عليه (قبل) أمر الحاكم له و (مسألة المدعي) تحليفه (5) .

(1) ورواه مسلم وأبو داود؛ وفيه: فقال: إنه لا يتورع من شيء، قال ليس لك إلا ذلك.

(2)

كقول المدعي: أقرضتك، ثم يقول المدعى عليه، مالك عندي شيء، فلا يجئه منه، بل يقول ما أقرضتني، على صفة جوابه، ولو قال: عنده لي عشرة دراهم، لم يلزمه أن يسأله هل هي قرض أو غيره.

(3)

وقال غير واحد: لا يحلف المدعى عليه، إلا أن ينضم إلى المدعي علم بمخالطته أو معاملته، أو تكون الدعوىتليق بالمدعى عليه، ولا يتناكرها الناس، ولا ينفيها عرف، كما روي عن علي وغيره، وفقهاء المدينة، وتقدم، ولصعوبة الإقدام على اليمين.

(4)

قال ابن رشد: اتفقوا على أنها تبطل بها الدعوى عن المدعى عليه، إذا لم يكن للمدعي بينة.

(5)

فعلى هذا، لو حلف قبل أمر الحاكم، له، ولو بعد سؤال المدعي تحليفه، لم يجزئه، وكذا لو حلف بأمر الحاكم، قبل سؤال المدعي، فلا بد من سؤال المدعي، والأمر من الحاكم، فإذا سأل المدعي الحاكم إعادتها أعادها.

ص: 544

لأن الحق في اليمين للمدعي، فلا يستوفي إلا بطلبه (1)(وإن نكل) المدعى عليه عن اليمين (قضي عليه) بالنكول (2) رواه أحمد عن عثمان رضي الله عنه (3) .

(1) ولا يحلف مدعى عليه، لا حق له عليه، في شيء مختلف فيه، لا يعتقده مدعى عليه حقا.

(2)

فإنه لو صدق المدعي، لدفع المدعى عليه دعواه باليمين، فلما نكل عنها، كان نكوله قرينة ظاهرة، دالة على صدق المدعي، فتقدمت على أصل براءة الذمة، وأما إذا كان المدعي منفردا بمعرفته، ردت اليمين عليه، وكذا إن قوي جانبه، فقال ابن القيم: الذي جاءت به الشريعة، أن اليمين تشرع من جهة أقوى المتداعيين.

فأي الخصمين ترجح جانبه، جعلت اليمين من جهته، وهذا مذهب الجمهور، كأهل المدينة وفقهاء الحديث، كأحمد والشافعي، ومالك وغيرهم، وقال: كما حكم به الصحابة، وصوبه أحمد وغيره، وقال: ما هو ببعيد يحلف ويأخذ واختاره الشيخ: وقال أبو عبيد: رد اليمين له أصل في الكتاب والسنة.

قال شيخ الإسلام ليس المنقول عن الصحابة في النكول ورد اليمين بمختلف بل هذا له موضع، وهذا له موضع، فكل موضع أمكن المدعي معرفته، والعلم به، فرد المدعى عليه اليمين، فإنه إن حلف استحق، وإن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه، وهذه كحكومة عثمان بن عفان.

قال ابن القيم: وهذا الذي اختاره شيخنا، هو فصل النزاع في النكول، ورد اليمين، وقال: إذا كان المدعى عليه منفردا بمعرفة الحال، فإذا لم يحلف قضي عليه، وأما إذا كان المدعي هو المنفرد، ردت عليه، فإذا لم يحلف لم يقض له بنكول المدعى عليه، فهذا التحقيق: أحسن ما قيل في النكول، ورد اليمين.

(3)

ورواه مالك عن يحيى بن سعيد، عن سالم، عن أبيه، وذلك في غلام

باعه عبد الله بن عمر، فقضى عثمان عليه باليمين، لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد، وفي طريق أخرى لما أبى أن يحلف حكم عليه عثمان بالنكول.

ص: 545

(فيقول) القاضي للمدعي عليه (إن حلفت) خليت سبيلك (1)(وإلا) تحلف (قضيت عليك) بالنكول (2)(فإن لم يحلف قضى عليه) بالنكول (3)(فإن حلف المنكر) وخلى الحاكم سبيله (4)(ثم أحضر المدعي بينة) عليه (حكم) القاضي (بها (5) ولم تكن اليمين مزيلة للحق) (6) هذا إذا لم يكن قال: لا بينة لي (7) فإن قال ذلك ثم أقامها لم تسمع، لأنه مكذب لها (8) .

(1) ولعله إذا كان هو المنفرد بالعلم، لما تقدم.

(2)

وينبغي أن يكرره ثلاثا، قطعا لحجته.

(3)

بشرط أن يسأله المدعي الحكم، لحديث «شاهداك أو يمينه» ، حيث حصر اليمين في جهة المدعى عليه، فهو كإقامة بينة، وتقدم الكلام فيمن ترد عليه اليمين.

(4)

وإن كان المدعي هو المنفرد بالعلم، ردت عليه كما تقدم.

(5)

لأن الدعوى لا تبطل بالاستحلاف كما لو غابت عن البلد.

(6)

بل تكون مزيلة للخصومة.

(7)

فإن وجد بينة بعد، ولم يكن علم بها، سمعت.

(8)

نص عليه، وقيل: بلى، واختاره ابن عقيل وغيره، قال في الفروع: وهو متجه حلفه أولا، كقوله: لا أعلم لي بينة، قال: وكذا قول: كذب شهودي، وأولى، ولا تبطل دعواه بذلك في الأصح، اهـ فإن قال: لا أعلم هل لي بينة أولا، ثم أقامها بعد، سمعت لأنه ليس بمكذب لها.

ص: 546

فصل (1)

(ولا تصح الدعوى إلا محررة)(2) لأن الحكم مرتب عليها (3) ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وإنما أقضي على نحو ما أسمع» (4) ولا تصح أيضا إلا (معلومة المدعى به)(5) أي تكون بشيء معلوم، ليتأتى الإلزام (6)(إلا) الدعوى بـ (ما نصححه مجهولا كالوصية) بشيء من ماله (7)(و) الدعوى (بعبد من عبيده) جعله مهرا ونحوه) كعوض خلع (8) .

(1) أي في بيان: ما تصح به الدعوى، والبينة.

(2)

فإن كانت بدين على ميت، ذكر موته، وحرر الدين، فيذكر نوعه وجنسه، وقدره ولو دفع الورقة إلى القاضي، وقال: ادعى بما في هذه الورقة، لم يقبل إلا بالتكلم، وظاهر كلام الشيخ، صحة الدعوة على المبهم، كدعوى الأنصار قتل صاحبهم ودعوى المسروق منهم، على بني أبيرق، وغيرهم.

(3)

أي على الدعوى، والواجب، أن من ادعى مجملا، استفصل الحاكم ما ادعاه.

(4)

فدل الحديث على وجوب تحرير الدعوى ليتبين للحاكم وجه الحكم.

(5)

فلا تصح على مدعى مجهول.

(6)

إذا ثبت المدعى به المعلوم.

(7)

بأن وصى له بدابة ونحو ذلك.

(8)

أو طلاق على مجهول، كإحدى دوابها.

ص: 547

أو أقر به فيطالبه بما وجب له (1) ويعتبر أن يصرح بالدعوى فلا يكفي: لي عنده كذا، حتى يقول: وأنا مطالبه به (2) ولا تسمع بمؤجل، لإثباته (3) غير تدبير، واستيلاد وكتابة (4) ولا بد أن تنفك عما يكذبه (5) فلا تصح على إنسان، أنه قتل أو سرق، من عشرين سنة، وسنة دونها (6) .

(1) أي أو أقر بمجهول، بأن ادعى أنه أقر له بمجمل، كمال فتصح، وإذا ثبت طالبه مدع ببيان ما وجب له.

(2)

قاله غير واحد من الأصحاب، وقدمه في الفروع.

وقال: وظاهر كلام جماعة، يكفي الظاهر، وقال: هو أظهر، ولو كان المدعى به متميزا مشهورا عند الخصمين والحاكم، كفت شهرته عن تحديده، لحديث الحضرمي والكندي.

(3)

لأنه لا يجب الطلب به قبل حلوله، ولا يحبس عليه، وقيل: تسمع، صححه في الترغيب، وفي الرعاية: تسمع بدين مؤجل، لإثباته إن خاف سفر الشهود أو المدين، وأما الإشهاد فتسمع.

قال الشيخ: والثبوت المحض، يصح بلا مدعى عليه، وقد ذكره قوم من الفقهاء، وفعله طائفة من القضاة، وقال: لا يعتبر في أداة الشهادة، قوله: وأن الدين باق في ذمة الغريم إلى الآن، بل يحكم الحاكم باستصحاب الحال، إذا ثبت عنده سبق الحق، إجماعا.

(4)

لصحة الحكم بها، وإن تأخر أثرها.

(5)

عرفا، كنحو ما مثل به.

(6)

كما لو ادعى أنه قتل أباه، أو سرق منه، ونحوه منفردا به.

ثم ادعى على آخر أنه شاركه فيه أو انفرد به، فلا تسمع الثانية، ولو أقر الثاني، إلا أن يقول المدعي غلطت أو كذبت في الأولى.

ص: 548

ولا يعتبر فيها ذكر سبب الاستحقاق (1)(وإن ادعى عقد نكاح أو) عقد (بيع أو غيرهما) كإجارة (فلا بد من ذكر شروطه)(2) لأن الناس مختلفون في الشروط، فقد لا يكون العقد صحيحا عند القاضي (3) وإن ادعى استدامة الزوجية، لم يشترط ذكر شروط العقد (4) .

(وإن ادعت امرأة نكاح رجل، لطلب نفقة أو مهر أو نحوهما، سمعت دعواها) لأنها تدعي حقا لها تضيفه إلى سببه (5)(وإن لم تدع سوى النكاح) من نفقة ومهر وغيرهما (لم تقبل) دعواها، لأن النكاح حق الزوج عليها، فلا تسمع دعواها بحق لغيرها (6) .

(1) لعين أو دين لكثرة سببه وقد يخفى على المدعي، ولا يعتبر أيضا في الشهادة بذلك، ذكر السبب، لأن ما صحت الدعوى به، صحت الشهادة به، وما لا فلا.

(2)

أي شروط النكاح، أو شروط عقد البيع، أو عقد الإجارة، وتقدمت في مواضعها.

(3)

فلا يتأتى له الحكم بصحتها مع جهله بها.

(4)

لأنه لم يدع العقد، وإنما يدعي خروجها من طاعته، ويجزئ عن المرأة إن غابت ذكر اسمها ونسبها.

(5)

أشبه سائر الدعاوي.

(6)

ومتى جحد الزوجية، ونوى به الطلاق، لم تطلق بمجرد ذلك.

ص: 549

(وإن ادعى) إنسان (الإرث ذكر سببه)(1) لأن أسباب الإرث تختلف فلابد من تعيينه (2) ويعتبر تعيين مدعى به، وإن كان حاضرا بالمجلس (3) وإحضار عين بالبلد لتعين (4) .

وإن كانت غائبة وصفها كسلم (5) والأولى ذكر قيمتها أيضا (6) .

(وتعتبر عدالة البينة، ظاهرا وباطنا)(7) لقوله تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (8) .

(1) أي وإن ادعى إنسان على شخص آخر الإرث، ذكر سببه وجوبا.

(2)

لأنه لا بد أن تكون الشهادة، على سبب معين، فكذلك الدعوى.

(3)

لنفي اللبس بالتعيين.

(4)

أي ويعتبر إحضار عين مدعى بها، إن كانت حاضرة بالبلد، لتعين بمجلس الحكم نفيا للبس.

(5)

أي: وإن كانت العين المدعى بها، غائبة عن البلد، وصفها مدع، كسلم بأن يذكر ما يضبطها من الصفات.

(6)

أي مع وصفها، ويذكر قيمة غير مثلي، وعليه العمل، وكذا إن كانت تالفة، أو كانت في الذمة، ولو غير مثلية، كالمبيع في الذمة بالصفة، ويذكر قيمة نقد البلد، وقيمة جوهر ونحوه، مما لا يصح فيه سلم، لعدم انضباط صفاته، وتكفي شهرة عقار عندهما، وعند حاكم، عن تحديده لخبر الحضرمي والكندي.

(7)

هذا المذهب عند بعض الأصحاب.

(8)

وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ، وقال:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وعنه: تكفي العدالة ظاهرا، اختاره الخرقي، وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة

وعليه العمل، لقبوله صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابي، وقول عمر: المسلمون عدول.

ويحكم بها إن لم يعلم خلافها، وحكى ابن القيم، اتفاق الناس، على أنه لا يجوز للحاكم، أن يحكم بخلاف علمه، وإن شهد بذلك عنده العدول، وإنما يحكم بشهادته، إذا لم يعلم خلافها.

ص: 550

إلا في عقد نكاح فتكفي العدالة ظاهرا، كما تقدم (1)(ومن جهلت عدالته سأل) القاضي (عنه) ممن له به خبرة باطنة بصحبة، أو معاملة ونحوهما (2) وتقدم بينة جرح على تعديل (3) وتعديل الخصم وحده، أو تصديقه للشاهد تعديل له (4) .

(1) فلا يبطل ولو كانا فاسقين.

(2)

كجوار لهما، لمن يزكونه من الشهود، وكذا يعتبر لمزكين، معرفة حاكم خبرتهما، وزكى رجل رجلا عند عمر، فقال: أنت جاره، تعرف ليله ونهاره؟ قال: لا، قال: صحبته في السفر، الذي تظهر فيه جواهر الرجال؟ قال: لا؛ قال: عاملته بالدينار والدرهم؟ قال: لا، قال: لست تعرفه.

وقال أئمة التحقيق، كالشافعي وغيره، كل جريمة، تؤذن بقلة أكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الديانة مبطلة للعدالة.

(3)

لأن معها زيادة علم، بأمر باطن، خفي على المعدل، وشاهد العدالة يخبر بأمر ظاهر، والجارح مثبت، والمعدل ناف، والمثبت مقدم على النافي.

(4)

لأن البحث عن عدالته لحقه، ولأن إقراره بعدالته، إقرار بما يوجب الحكم عليه لخصمه، فيؤخذ بإقراره، وتعديله للشاهد، تعديل له، فيؤخذ بتصديقه الشاهد، كما لو أقر بدون شهادة الشاهد.

ص: 551

(وإن علم) القاضي (عدالته) أي عدالة الشاهد (عمل بها) ولم يحتج إلى التزكية (1) وكذا لو علم فسقه (2)(وإن جرح الخصم الشهود كلف البينة به) أي بالجرح (3) ولا بد من بيان سببه عن رؤية أو استفاضة (4)(وانظر) من ادعى الجرح (له ثلاثة أيام إن طلبه (5) وللمدعي ملازمته) أي ملازمة خصمه في مدة الإنظار لئلا يهرب (6) .

(1) اكتفاء بعلم الحاكم عدالة الشاهد.

(2)

وإن ارتاب في الشهود سألهم كيف تحملوه الشهادة؟ وأين تحملوها؟ قال ابن القيم: وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم، وجار في الحكم، وشهد رجلان، على رجل أنه سرق، فاستراب منهما علي رضي الله عنه، فأمرهما بقطع يده، فهربا وفرق علي شهودا على امرأة فرجعوا، وقال: الله أكبر، أنا أول من فرق بين الشاهدين، وذكر فعل الملك، بالقاضيين الذين شهدا على المرأة المناصحة له بالبغي واختلافهما.

(3)

وكذا إن أراد جرحها كلف البينة لحديث «البينة على المدعي» . لأن إلزامه في الحال، تضييق عليه، وإنظاره أكثر من ذلك، تأخير للحق عن مستحقه، بلا ضرورة فجمع بين الحقين.

(4)

كقوله: رأيته يشرب الخمر، أو يأخذ أموال الناس ظلما، ونحوه، أو سمعته يقذف ونحوه، أو يستفيض عنه ذلك، لاختلاف الناس، في أسباب الجرح.

(5)

لأن إلزامه في الحال تضييق عليه وإنظاره أكثر من ذلك تأخير للحق عن مستحقه بلا ضرورة فجمع بين الحقين.

(6)

فيضيع حقه.

ص: 552

(فإن لم يأت) مدعي الجرح (ببينة حكم عليه)(1) لأن عجزه عن إقامة البينة على الجرح، في المدة المذكورة دليل على عدم ما ادعاه (2)(وإن جهل) القاضي (حال البينة، طلب من المدعي تزكيتهم) لتثبت عدالتهم فيحكم له (3)(ويكفي فيها) أي في التزكية (عدلان يشهدان بعدالته) أي بعدالة الشاهد (4)(ولا يقبل في الترجمة و) في (التزكية و) في (الجرح (5) والتعريف) عند حاكم (6) .

(1) بما شهدت به البينة.

(2)

فوجب الحكم عليه، لثبوت حقه بالبينة وبطلان دعواه الجرح.

(3)

بما شهدوا به، على يقين حالهم، وإن استراب بهم، فتقدم توضيحه.

(4)

هذا المشهور في المذهب، أنه لابد في تزكية الشاهد الواحد من عدلين، وفي الشاهدين من أربعة، وعنه: تكفي تزكية الواحد للواحد، وعليه العمل.

(5)

أي: ولا يقبل في الترجمة عمن لا يفهم كلامه عند حاكم، لا يعرف لسان الخصم ولا يقبل في التزكية للشهود، إذا جهلت عدالتهم، ولا يقبل في الجرح للشهود عند حاكم، إلا قول عدلين على المذهب.

(6)

أي: بالمدعي والمدعى عليه، وقال الشيخ: يتضمن تعريف عين المشهود عليه، والمشهود له والمشهود به، إذا وقعت على الأسماء وتعريف المحكوم له، والمحكوم عليه، والمحكوم به، وتعريف المثبت له، والمثبت عليه، ونفس المثبت في كتاب القاضي إلى القاضي، والتعريف مثل الترجمة سواء، فإنه بيان يسمى هذا الاسم، كما أن الترجمة، كذلك، لأن التعريف قد يكون في أسماء الأعلام والترجمة في أسماء الأجناس، وهذا التعريف لا يختص بشخص دون شخص.

ص: 553

(والرسالة) إلى قاض آخر بكتابه ونحوه (إلا قول عدلين)(1) إن كان ذلك فيما يعتبر فيه شهادة عدلين، وإلا فحكم ذلك حكم الشهادة، على ما يأتي تفصيله (2) وإن قال المدعي: لي بينة، وأريد يمينه، فإن كانت بالمجلس، فليس له إلا أحداهما (3) وإلا فله ذلك (4) وإن سأل ملازمته حتى يقيمها أجيب في المجلس (5) .

(1) أي ونحوه: كامرأة أرسل إليها لتستحلف، والمذهب لا يقبل فيها، إلا قول عدلين، وعنه يقبل قول واحد، وقال الشيخ: يقبل قول عدل واحد، ويقبل التعديل والجرح باستفاضة، ووجود العداوة لا يمنع التزكية، وعلى هذه الرواية، يصح بدون لفظ الشهادة، وفي الإنصاف: تجب المشافهة.

(2)

في الشهادات وتجب المشافهة فيمن يعدل، أو يجرح ونحوه.

(3)

أي البينة أو تحليف خصمه لحديث «شاهداك أو يمينه» ، ولا يجمع بينهما، لإمكان فصل الخصومة بالبينة، فلم يشرع غيرها، مع إرادة مدع إقامتها وحضورها، ولأن اليمين بدل، فلا يجمع بينها وبين بدلها.

(4)

أي: وإلا تكن حاضرة، فله تحليفه في المجلس، ثم إقامة البينة، وقال عمر: البينة الصادقة، أحب إلي من اليمين الفاجرة.

(5)

أي، وإن سأل المدعي، ملازمة المدعى عليه، حتى يقيم البينة، أجيب في المجلس، حيث أمكن إحضارها فيه، لأنه من ضرورة إقامتها، ولا ضرر فيه على المدعى عليه.

ص: 554

فإن لم يحضرها فيه صرفه (1) لأنه لم يثبت له قبله حق حتى يحبس به (2)(ويحكم على الغائب) مسافة القصر (إذا ثبت عليه الحق)(3) .

(1) أي: وإن لم يحضر المدعي، بينته في المجلس، صرف المدعى عليه، ولا ملازمة لغريمه.

(2)

ولا يقيم به كفيلا، ولئلا يمكن كل ظالم من حبس من شاء من الناس، ولو بان بعد الحكم، كفر الشهود، أو فسقهم لزمه نقضه، ويرجع بالمال، أو بدله وبدل قود مستوفى على المحكوم له، وإن بان خطؤه في إتلاف، بمخالفة دليل قاطع ضمن، وقال ابن القيم خطأ المفتي كخطأ الحاكم، والشاهد.

(3)

قال الشيخ: وإن أمكن القاضي، أن يرسل إلى الغائب رسولا، ويكتب إليه الكتاب والدعوى، ويجاب عن الدعوى بالكتاب والرسول، فهذا هو الذي ينبغي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بمكاتبته اليهود، لما ادعى الأنصاري عليهم قتل صاحبهم، وكاتبهم ولم يحضرهم، وهكذا ينبغي في كل غائب طلب إقراره أو إنكاره إذا لم يقم الطالب بينة.

وإن أقام بينة فمن الممكن أيضا، أن يقال: إذا كان الخصم في البلد، لم يجب عليه حضور مجلس الحاكم، بل يقول: أرسلوا إلي من يعلمني بما يدعى به علي، ويجوز أن يكون الرسول واحدا، لأنه نائب الحاكم، كما كان أنيس نائب النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحد، بعد سماع الاعتراف، وثبوت الحد، أو يخرج على المراسلة من الحاكم إلى الحاكم.

قال: ونص عليه، فيما إذا أقام ببينة، بالعين المودعة، عند رجل سلمت إليه، وقضى على الغائب.

ص: 555

لحديث هند، قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، قال:«خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، متفق عليه (1) فتسمع الدعوى والبينة على الغائب مسافة قصر (2) وعلى غير مكلف، ويحكم بها (3) ثم إذا حضر الغائب فهو على حجته (4) .

(1) فدل الحديث بصحة الحكم على الغائب بما في معناه.

(2)

أي عن القاضي المدعي عنده، ولو شاهدا ويمينا فيما يقبل منه فيه، ويحكم بها، وقال الوزير: اتفقوا على أن الحاكم يسمع دعوى الحاضر، وبينة الغائب اهـ واعتبر في القضاء على الغائب، أن يكون في غير محل ولايته، أما لو كان غائبا بمكان ولايته، ولا حاكم فيه، فإن الحاكم يكتب إلى من يصلح للقضاء، بالحكم بينهما، فإن تعذر فإلى من يصلح بينهما، فإن تعذر قال للمدعي حقق دعواك، فإن فعل أحضر خصمه، وإن بعدت المسافة على المذهب.

وذكر أحمد مذهب أهل المدينة، وأنهم يقضون على الغائب، وقال: هذا مذهب حسن، قال الزركشي: فلم ينكر أحمد سماع الدعوى، ولا البينة وحكى قول أهل المدينة والعراق وكأنه عنده محل وفاق.

(3)

أي وتسمع الدعوى على غير مكلف، ويحكم بها لخبر هند، ثم إذا كلف بعد الحكم، فهو على حجته، وكذا المجنون والميت، لأن كلا منهم لا يعبر عن نفسه فهو كالغائب

(4)

إن كانت، لزوال المانع، والحكم بثبوت أصل الحق، لا يبطل دعوى القضاء، أو الإبراء ونحوه، مما يسقط الحق، وإن حضر قبل الحكم وقف على حضوره.

ص: 556

(وإن ادعى) إنسان (على حاضر في البلد غائب عن مجلس الحكم)(1) أو على مسافر دون مسافة قصر (2) غير مستتر (3)(وأتى) المدعي (ببينة لم تسمع الدعوى ولا البينة) عليه حتى يحضر مجلس الحكم، لأنه يمكن سؤال، فلم يجز الحكم عليه قبله (4) .

(1) لم تسمع الدعوى، ولا البينة، إلا بحضرته مجلس الحكم.

(2)

لأنه في حكم المقيم.

(3)

لتعذر حضوره، فهو كالغائب بل أولى، لأن الغائب قد يكون له عذر بخلاف المتواري.

(4)

بخلاف الغائب البعيد إلا أن يمتنع الحاضر بالبلد، أو الغائب دون مسافة القصر، عن الحضور، فيسمع الحاضر الدعوى عليه، والبينة.

ص: 557

باب كتاب القاضي إلى القاضي (1)

أجمعت الأمة على قبوله، أي: كتاب القاضي إلى القاضي (2) لدعاء الحاجة إليه (3) فـ (يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق) لآدمي، كالقرض والبيع، والإجارة (4)(حتى القذف) والطلاق والقود، والنكاح، والنسب (5) .

(1) أي باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي، وما يقبل فيه، وما لا يقبل وما يجب عليه أن يثبته.

(2)

لقوله تعالى: حكاية عن بلقيس (إنه ألقي إلى كتاب كريم) ولأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي، وإلى قيصر، وإلى كسرى، يدعوهم إلى الإسلام وكاتب ولاته وعماله، وسعاته، وحكى الإجماع عليه غير واحد.

(3)

فإن من له حق في غير بلده، لا يمكنه إثباته، والطلب به بغير ذلك، إذ يتعذر عليه السفر بالشهود، وربما كانوا غير معروفين به، فيتعذر الإثبات عند حاكم.

(4)

وغصب وصلح، ووصية بمال ورهن، وجناية توجب مالا، قال الوزير: اتفقوا على أن كتاب القاضي إلى القاضي، من مصر إلى مصر، في الحقوق التي هي المال أو ما كان المقصود منه المال، جائز مقبول.

(5)

وتوكيل وإيصاء في غير مال، ونحو ذلك، وحتى هنا: إشارة إلى ما في المسألة من الخلاف، قال الوزير: اتفقوا على أن كتاب القاضي إلى القاضي من مصر إلى مصر، في الحدود والقصاص، والنكاح والطلاق، والخلع، غير مقبول إلا مالك، فإنه يقبل عنده كتاب القاضي إلى القاضي، في ذلك كله، وقال الشيخ: يقبل في الحدود، والقصاص عند مالك، وأبي ثور والشافعي أيضا في القصاص.

ص: 558

لأنها حقوق آدمي لا تدرأ بالشبهات (1) .

و (لا) يقبل (في حدود الله) تعالى (كحد الزنا ونحوه) كشرب الخمر لأن حقوق الله تعالى، مبنية على الستر والدرء بالشبهات (2) .

(ويقبل) كتاب القاضي (فيما حكم به) الكاتب (لينفذه) المكتوب إليه (3) .

(وإن كان) كل منهما (في بلد واحد)(4) لأن حكم الحاكم يجب إمضاؤه على كل حال (5) .

(1) فوجب قبول القاضي، المكتوب إليه بها.

(2)

ولهذا لا تقبل بالشهادة على الشهادة، وكتاب القاضي حكمه، كالشهادة على الشهادة، لأن شهادة القاضي، على شهادة من شهد عنده.

(3)

أي فيما حكم به القاضي، الكاتب لذلك الحكم، الثابت عنده لينفذه القاضي المكتوب إليه بذلك الحكم.

(4)

أي الكاتب، والمكتوب إليه.

(5)

وإلا تعطلت الأحكام وكثرت الخصومات، وصورة الحكم أن يقول: حكمت لفلان، على فلان، بكذا، وكذا، وقال الشيخ: إذا كان عينا في بلدا لحاكم فإنه يسلمه إلى المدعي، ولا حاجة إلى كتاب، وأما إن كان دينا، أو غائبا في بلد آخر، فهنا يقف على الكتاب، وإذا كان المحكوم به غائبا فلو قيل: ينبغي

أن يكاتب الحاكم، بما ثبت عنده، من شهادة الشهود، حتى يكون الحكم في بلد التسليم كان متوجها.

ص: 559

(ولا يقبل) كتابه (فيما ثبت عنده ليحكم) المكتوب إليه (به إلا أن يكون بينهما مسافة قصر) فأكثر (1) لأنه نقل شهادة إلى المكتوب إليه، فلم يجز مع القرب، كالشهادة على الشهادة (2) .

(ويجوز أن يكتب) كتابه (إلى قاض معين (3)

(1) أي فيقبل كتابه، فيما ثبت عنده، ليحكم المكتوب إليه به، وصورة الثبوت أن يقول: ثبت عندي، أن لفلان على فلان، كذا وكذا ونحوه، قال الشيخ: وإخبار الحاكم، أنه ثبت عندي، بمنزلة إخباره، أنه حكم به، أما إن قال: شهد عندي فلان، او أقر عندي، فهو بمنزلة الشاهد سواء، فإنه في الأول تضمن قوله: ثبت عندي الدعوى والشهادة، والعدالة والإقرار، وهذا من خصائص الحكم، بخلاف قوله: شهد عندي، أو أقر عندي، فإنما يقتضي الدعوى.

(2)

ولا يقبل إذا سمع الكاتب البينة وجعل تعديلها إلى الآخر المكتوب إليه، إلا في مسافة قصر فأكثر، والثبوت ليس بحكم، بل خبر بالثبوت قال الشيخ: ويجوز نقله إلى مسافة قصر فأكثر، ولو كانت الذي ثبت عنده، لا يرى جواز الحكم به، لأن الذي ثبت عنده ذلك الشيء، يخبر بثبوت ذلك عنده، قال: وللحاكم الذي اتصل به ذلك الثبوت، الحكم به، وإذا كان يرى صحته.

(3)

أي ويجوز لقاضي جهة، أن يكتب إلى قاضي جهة أخرى معين، يعينه في نص كتابه، فيقول: فلان، قاضي البلد أو الجهة الفلانية، ويلزمه قبوله.

ص: 560

و) أن يكتبه (إلى كل من يصل إليه كتابه، من قضاة المسلمين) من غير تعيين (1) ويلزم من وصل إليه قبوله (2) لأنه كتاب حاكم من ولايته، وصل إلى حاكم، فلزمه قبوله، كما لو كتب إلى معين (3) .

(ولا يقبل) كتاب القاضي (إلا أن يشهد به القاضي الكاتب، شاهدين) عدلين يضبطان معناه، وما يتعلق به الحكم (4) (فيقرأه) القاضي الكاتب (عليهما) أي على الشاهدين (ثم يقول: اشهدا أن هذا كتابي إلى فلان ابن فلان) أو إلى من يصل إليه من قضاة المسلمين (5) .

(1) قال الشيخ: وتعيين القاضي الكاتب، كشهود الأصل، وقد يخير المكتوب إليه، قال الأصحاب: ويعتبر تعيينهم لهم، حتى لو قال تابعيان، أشهدنا صحابيان، لم يجز حتى يعيناهما.

(2)

ولو لم يعينه، كأن يكتب إلى من يصل إليه، من قضاة المسلمين.

(3)

وجب عليه قبوله، فكذا من وصل إليه، من قضاة المسلمين، يلزمه قبوله، كما يلزم المعين.

(4)

دون ما لا يتعلق به الحكم، لعدم الحاجة إليه.

(5)

وعنه: يجوز العمل بكتابته إذا عرف خطه، وعليه العمل.

وقال ابن القيم: أجمع الصحابة على العمل بالكتاب، وكذا الخلفاء بعدهم، وليس اعتماد الناس في العلم، إلا على الكتب، فإن لم يعمل بما فيه تعطلت الشريعة، وقال: ولم يزل الخلفاء والقضاة، والأمراء والعمال، يعتمدون على كتب بعضهم لبعض، ولا يشهدون حاملها على ما فيها، ولا يقرؤنه عليه، هذا عمل الناس من زمن نبيهم إلا الآن.

قال: والقصد حصول العلم، بنسبة الخط، إلى كاتبه، فإذا عرف وتيقن، كان كنسبة اللفظ إليه، وقد جعل الله في خط كل كاتب، ما يتميز به عن خط غيره، كتميز صورته وصوته، والناس يشهدون شهادة لا يستريبون فيها، على أن هذا فيه خط فلان.

وقال الشيخ: ومن عرف خطه بإقراره، أو إنشاء، أو عقد أو شهادة عمل به كالميت فإن حضر وأنكر مضمونة، فكاعترافه بالضرب، وإنكار مضمونه، ويلزم الحاكم أن يكتب للمدعى عليه، إذا ثببت براءته محضرا بذلك، إن تضرر بتركه، وللمحكوم عليه أن يطالب الحاكم عليه، بتسمية البينة، ليتمكن من القدح فيها باتفاق.

ص: 561

(ثم يدفعه إليهما) أي: إلى العدلين، الذين شهدا بما في الكتاب (1) فإذا وصلا، دفعاه إلى المكتوب إليه (2) وقالا: نشهد أن هذا كتاب فلان إليك، كتبه بقلمه (3) والاحتياط ختمه بعد أن يقرأه عليهما (4) ولا يشترط (5) .

(1) هذا ما ذهب إليه بعض الأصحاب، عملا بالأحوط، عندهم، وتقدم قول الشيخ وتلميذه، وهو المعمول به.

(2)

أي فإذا وصل الشاهدان، المدفوع إليها الكتاب، إلى عمل المكتوب إليه، دفعاه إلى القاضي المكتوب إليه.

(3)

وأشهدنا عليه.

(4)

صونا لما فيه.

(5)

أي الختم، لأن الاعتماد على شهادتهما، لا على الختم، وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ولم يختمه، فقيل له: إنه لا يقرأ كتابا غير مختوم فاتخذ الخاتم.

ص: 562

وإن أشهدهما عليه، مدرجا مختوما، لم يصح (1) .

(1) كذا قالوا، رحمهم الله، وتقدم: إذا وجدت وصية الرجل، مكتوبة عند رأسه، وعرف خطه، نفذ ما فيها، وقالوا: لأن ما أمكن إثباته بالشهادة لم يجز الاقتصار فيه على الظاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، إذا لم يقرأه عليهما القاضي، لم يعمل القاضي المكتوب إليه بما فيه، وحجتهم: أنه لا يجوز أن يشهدا إلا بما يعلم.

وقال مالك: يجوز ذلك، ويلزم القاضي المكتوب إليه قبوله، ويقول الشاهدان هذا كتابه دفعه إلينا مختوما، وهذا رواية عن أحمد، اختارها الموفق وغيره.

وقال ابن القيم: لم يشهدا بما تضمنه، وإنما شهدا بأنه كتاب القاضي، وذلك معلوم لهما، والسنة الصريحة، تدل على صحة ذلك، وتقدم جواز الحكم به، إذا عرف خطه.

ص: 563