المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حكم المرتد - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الظهار

- ‌التوأمان المنفيان أخوان لأم

-

- ‌كتاب العدد

- ‌من انقضت عدتها قبل موته

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الأقاربوالمماليك من الآدميين والبهائم

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌بابشروط وجوب القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفسمن الأطراف والجراح

- ‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌باب القسامة

-

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

-

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌باب جامع الأيمان المحلوف بها

- ‌باب النذر

-

- ‌باب آداب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب موانع الشهادة وعدد الشهودوغير ذلك

- ‌فصل في عدد الشهود

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

- ‌نبذة مختصرة عن مؤلفي هذا الكتاب، وتاريخ وموضوع كل مجلد، والإشراف على الطبع

الفصل: ‌باب حكم المرتد

‌باب حكم المرتد

(1)

وهو لغة: الراجع (2) قال تعالى: {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} (3) واصطلاحا (الذي يكفر بعد إسلامه)(4) طوعا ولا مميزا (5) أو هازلا (6) بنطق أو اعتقاد، أو شك أو فعل (7) .

(1) والأصل في حكمه، وجوب قتله، الكتاب والسنة والإجماع.

(2)

يقال: ارتد فهو مرتد: إذا رجع.

(3)

أي ترجعوا وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أي يرجعوكم إلى الشرك.

(4)

أي والمرتد اصطلاحا، هو الذي يكفر بعد إسلامه لقوله تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وفي الصحيح من بدل دينه فاقتلوه، وأجمع العلماء على وجوب قتل المرتد، إن لم يتب.

(5)

أي سواء كان كفره بعد إسلامه طوعا لا كرها لقوله تعالى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} ولو كان مميزا فتصح منه الردة، كما يصح إسلامه ويأتي.

(6)

أي أومستهزئا، لعموم الآية والأخبار ولقوله:{إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} فقال تعالى: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} وقال الموفق: ينبغي أن لا يكتفى من الهازل بذلك، بمجرد الإسلام، حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك.

(7)

بعد إسلامه، ولو كان إسلامه كرها بحق كمن أكره على

النطق بالشهادتين فنطق بهما ثم ارتد وسواء كان رجلا أو امرأة لقصة أم رومان.

ص: 399

(فمن أشرك بالله) تعالى، كفر (1) لقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (2)(أو جحد ربوبيته) سبحانه (3)(أو) جحد (وحدانيته (4) أو) جحد (صفة من صفاته) كالحياة والعلم، كفر (5)(أو اتخذ لله) تعالى (صاحبة أو ولدا (6))

(1) إجماعا وقال الشيخ: من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعا.

(2)

أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به وقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} ولأحمد كل ذنب عسى أن يغفره إلا الرجل يموت كافر، وفي الصحيح، ومن لقيه يشرك به دخل النار، ولا نزاع في كفر من مات على الشرك، وقال الموفق: من أقر بالإسلام، ثم أنكره، أو أنكر الشهادتين أو إحداهما كفر بغير خلاف.

(3)

كفر، وقال الشيخ: القائل: ما ثم إلا الله، إن أراد ما يقوله، أهل الاتحاد، أنه ما ثم موجود إلا الله، أو الذي يقول: إن الله بذاته في كل مكان، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإن اعتقد قدم العالم، أو حدوث الصانع جل وعلا، كفر، لتكذيبه الكتاب والسنة، وإجماع الأمة.

(4)

كفر، لأن جاحد ذلك مشرك به سبحانه.

(5)

إجماعا وفي الفصول، شرطه، أن تكون متفقا على إثباتها وقال الشيخ، من شك في صفة من صفات الله تعالى، ومثله لا يجهلها، فمرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد، واستدل بقصة الشاك في قدرة الله.

(6)

كفر إجماعا قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} فنزه نفسه سبحانه عن ذلك ونفاه عنه، ومتخذه مخالف له، ومكذب بما أخبر به.

ص: 400

أو جحد بعض كتبه (1) أو جحد بعض (رسله (2) أو سب الله) سبحانه وتعالى (3)(أو) سب (رسوله) أي رسولا من رسله (4) أو ادعى النبوة (فقد كفر)(5) لأن جحد شيء من ذلك، كجحده كله (6) .

(1) أو شيئا منها، لأن جحد شيء منها كجحدها كلها، إذ الكل من عند الله جل وعلا.

(2)

لأنه مكذب لله، جاحد لرسول من رسله، أو جحد الملائكة، أو من ثبت أنه ملك، كفر لتكذيبه القرآن، أو جحد البعث، كفر، لتكذيبه الكتاب والسنة والإجماع.

(3)

كفر لأنه لا يسبه إلا وهو جاحد له.

(4)

كفر، أو كان مبغضا لرسوله، أو لما جاء به كفر، أو قذفه أو قذف أمه كفر.

(5)

أو صدق من ادعاها، بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر، لأنه مكذب لقوله تعالى:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ولقوله صلى الله عليه وسلم لا نبي بعدي.

(6)

قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} قال الشيخ ومن أطلق لعن التوارة يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن كان ممن يعرف أنها منزلة من عند الله وأنه يجب

الإيمان بها، فيقتل بشتمه لها وأما إن لعن دين اليهود، الذي هم عليه في هذا الزمان، فلا بأس عليه وكذا إن سب التوراة التي عندهم، مما يبين أن قصده ذكر تحريفها مثل أن يقول: نسخ هذه التوراة مبدلة، لا يجوز العمل بما فيها، ومن عمل بشرائعها المبدلة، أو المنسوخة فهو كافر، فهذا ونحوه، لا شيء على

قائله.

ص: 401

وسب أحد منهم، لا يكون إلا من جاحده (1)(ومن جحد تحريم الزنا أو) جحد (شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها) أي على تحريمها (2) أو جحد حل خبزه ونحوه، مما لا خلاف فيه (3) أو جحد وجوب عبادة من الخمس (4) .

(1) قال الشيخ: ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب، وكفر ببعض، وقال: ومن سخر بوعد الله أو بوعيده، أو لم يكفر من دان بغير دين الإسلام، كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر إجماعا، وقال: من سب الصحابة أو أحدا منهم، أو اقترن بسبب دعوى، أن عليا إله أو نبي، أو أن جبرئيل غلط، فلا شك في كفره.

(2)

كلحم خنزير وخمر، كفر، وقال الشيخ: من استحل الحشيشة المسكرة كفر بلا نزاع.

(3)

كلحم مذكاة بهيمة الأنعام، والدجاج وغيره، مما أجمع على حله كفر.

(4)

أي من العبادات الخمس، المشار إليها في الحديث الصحيح، بقوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإتياء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، كفر، ومثل ذلك جحد وجوب الطهارة وضوءًا كان، أو غسلاً أو تيممًا.

ص: 402

أو حكما ظاهرا مجمعا عليه، إجماعا قطعيا (1)(بجهل) أي بسبب جهله وكان ممن يجعل مثله ذلك (2)(عرف) حكم (ذلك) ليرجع عنه (3)(وإن) أصر أو (كان مثله لا يجهله كفر) لمعاندته للإسلام، وامتناعه من الإلتزام لأحكامه وعدم قبوله لكتاب الله وسنة رسوله، وإجماع الأمة (4) وكذا لو سجد لكوكب ونحوه (5) .

(1) أي أو جحد حكما ظاهرا بين المسلمين، مجمعا عليه، إجماعا قطعيا، لا سكوتيا ولا ظنيا، بل قطعيا لا شبهة فيه، نحو استحلال الخوارج دماء المسلمين وأموالهم، فإن أكثر الفقهاء لا يكفرونهم، لادعائهم أنهم يتقربون إلى الله بذلك.

(2)

أي تحريم شيء من المحرمات الظاهرة، كالزنا ولحم الخنزير، أو حل شيء مما لا خلاف في حله.

(3)

لأن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة جزم به الشيخ وغيره وقال: لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم الشاك في قدرة الله وإعادته، لأنه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة، وقال نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد، والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام، حتى يقوم فيه المقتضي الذي لا معارض له.

(4)

ولا نزاع في كفره.

(5)

أي ومثل من جحد عبادة.. إلخ، لو سجد لكوكب شمس أو قمر، أو نجم، ونحو ذلك، كصنم، كفر إجماعا.

ص: 403

أو أتى بقول أو فعل، صريح في الاستهزاء بالدين (1) أو امتهن القرآن (2) أو أسقط حرمته (3) لا من حكى كفرا سمعه وهو لا يعتقده (4) .

(1) كفر إجماعا لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ولا نزاع في ذلك.

(2)

أي احتقره وكذا لو ادعى اختلافه أو اختلاقه أو القدرة على مثله والله منع قدرتهم، كفر ، ومن زعم أن القرآن نقص منه شيء وكتم، أو أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة، ونحو ذلك فلا خلاف في كفره.

(3)

أي مهابته وما يجب من القيام به من حقوقه، وما لا يحل انتهاكه كفر، وإن أنكر الإسلام أو الشهادتين أو أحدهما كفر.

(4)

أي لا يكفر من حكى كفرا سمعه وهو لا يعتقده، قال في الفروع: ولعل هذا إجماع، وفي الانتصار، من تزيا بزي كفر، من لبس غيار، وشد زنار، وتعليق صليب بصدره حرم، ولم يكفر اهـ وكذا من نطق بكلمة الكفر، ولم يعلم معناها، ولا من جرى على لسانه سبقا من غير قصد لشدة فرح أو دهش، أو غير ذلك، لحديث «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان» وخبر الذي أخطأ من شدة الفرح.

ص: 404

فصل (1)

(فمن ارتد عن الإسلام، وهو مكلف مختار رجل أو امرأة (2) دعي إليه) أي إلى الإسلام واستتيب (ثلاثة أيام وجوبا (3)(وضيق عليه) وحبس (4) لقول عمر رضي الله عنه: فهلا حبستموه ثلاثا، فأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب، أو يراجع أمر الله، اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني رواه مالك في

الموطأ (5) .

(1) في استتابة المرتد، ومن تقبل توبته، وصفتها وغير ذلك.

(2)

لعموم من بدل دينه فاقتلوه «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» منها «التارك لدينه» وقال الوزير: اتفقوا على أن المرتد عن الإسلام يجب عليه القتل، ولأنه فعل يوجب الحد فاستوى فيه الرجل والمرأة، كالزنا وشرطه أن يكون مكلفا فلا يقتل غير المكلف إلا بعد البلوغ، والمختار أخرج المكره، لقوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} وخبر «عفي عن أمتي الخطا والنسيان، وما استكرهوا عليه» .

(3)

جزم به: في الإقناع والمنتهى، وقال الموفق: لا يقتل حتى يستتاب ثلاثا، هذا قول أكثر أهل العلم، منهم مالك وأصحاب الرأي.

(4)

أي: فينبغي أن يضيق عليه، في مدة الاستتابة، ويحبس، لعله ينعطف قلبه فيراجع دينه.

(5)

وذلك: أن رجلا كفر بعد إسلامه، فضربت عنقه فقال ذلك عمر.

ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن تستتاب أم رومان، ولأن الردة إنما تكون لشبهة، ولا تزول في الحال، فوجب أن ينتظر مدة يرتئ فيها، وأولى ذلك ثلاثة أيام وهي مدة قريبة.

ص: 405

ولو لم تجب الاستتابة، لما برئ من فعلهم (1)(فإن) أسلم لم يعزر (2) وإن (لم يسلم قتل بالسيف)(3) ولا يحرق بالنار (4) لقوله عليه الصلاة والسلام «من بدل دينه فاقتلوه، ولا تعذبوه بعذاب الله» يعني النار، أخرجه البخاري، وأبو داود (5) .

(1) ولأنه أمكن استصلاحه، فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه، كالثوب المتنجس.

(2)

ولو بعد مدة الاستتابة، لأن فيه تنفيرا له عن الإسلام، وقال الشيخ: إذا أسلم المرتد، عصم دمه وماله، وإن لم يحكم بصحة إسلامه حاكم، باتفاق الأئمة بل مذهب أحمد المشهور عنه، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، أن من شهد عليه بالردة فأنكر، حكم بإسلامه، ولا يحتاج أن يقر بما شهد عليه به، وقد ذكر تعالى: أنه يتوب على أئمة الكفر، الذين هم من أعظم أئمة البدع.

(3)

أي: وإن لم يسلم المرتد قتل، عند عامة الفقهاء، بالسيف، لأنه آلة القتل، ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا قتلتم فأحسنوا القتلة.

(4)

وروي عن أبي بكر رضي الله عنه: أنه أمر بتحريق المرتدين، وفعل ذلك بهم خالد رضي الله عنه، قال الموفق: والأول أولى، وما فعله أبو بكر وخالد، لما ارتد أكثر العرب، وخيف على بيضة الإسلام وعظم الأمر على الخليفة الراشد، رأي التنكيل بهم، ليرجعوا إلى الإسلام.

(5)

فدل الحديث وغيره على القتل بالسيف.

ص: 406

إلا رسول كفارة فلا يقتل (1) ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه (2) ما لم يلحق بدار حرب، فلكل أحد قتله، وأخذ ما معه (3)(ولا تقبل) في الدنيا (توبة من سب الله) تعالى (4)(أو) سب (رسوله) سبا صريحا أو تنقصه (5) .

(1) أي إذا كان مرتدا، بدليل رسولي مسيلمة، وقوله: لو أن الرسل تقتل لقتلتكما.

(2)

قال الموفق: في قول عامة أهل العلم، إلا الشافعي في أحد الوجهين في العبد؛ وعن أحمد: نحوه، والأول قول الجمهور، لأنه قتل لحق الله، فكان إلى الإمام كقتل الحر، ولا يعارض ما تقدم من قوله: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم لأن قتل المرتد لكفره لا حدا، فإن قتل المرتد غير الإمام، بغير إذنه، أساء وعزر، لإساءته وافتياته على الإمام، ولم يضمن، سواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها.

(3)

لأنه صار حربيا، وأما ما تركه بدارنا فمعصوم.

(4)

أي: لا تقبل في أحكام الدنيا، كترك قتل، وثبوت أحكام توريث ونحوها، توبة من سب الله تعالى، أو تنقصه لعظم ذنبه، لأن سبه يدل على فساد عقيدته، واستخفافه بالله تعالى، وعن أحمد: تقبل توبته، لقوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ولأن من زعم أن لله ولدا، فقد سب الله تعالى، لخبر «شتمني ابن آدم، فزعم أن لي ولدا» ، وتوبته مقبولة بغير خلاف.

(5)

لا ستخفافه برسول الله صلى الله عليه وسلم أو سب ملكا من الملائكة سبا صريحا، أو تنقصه وإذا قبلت توبة من سب الله تعالى فتوبة من سب رسوله أو ملكا من ملائكته أولى.

ص: 407

(ولا) توبة (من تكررت ردته)(1) ولا توبة زنديق، وهو المنافق الذي يظهر الإسلام، ويخفي الكفر (2)(بل يقتل بكل حال)(3) .

(1) أي ولا تقبل في الدنيا، توبة من تكررت ردته لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} وغيرها، وهذا مذهب مالك، وعن أحمد تقبل توبته، وهو مذهب الشافعي، واختيار أبي بكر الخلال، وقال: إنه الأولى على مذهب أحمد لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ولقصة مخشي ابن حمير وغيره، وظاهر عبارته، الاكتفاء بمرتين، وفي الإنصاف: ثلاثا فأكثر وقيل: لأن الآية تشعر به، وظاهر اللغة مرتين.

(2)

فلا يبين منه ما يظهر رجوعه، إلى الإسلام وتوبته، وقد قال تعالى:{إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} فإذا أظهر التوبة لم يزد على ما كان منه قبلها وهو إظهار الإسلام، وعنه تقبل، وهو مذهب الشافعي لقوله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} ثم قال: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} ولأنه صلى الله عليه وسلم كف عنهم بما أظهروا من الإسلام، ولقصة ابن مسعود، مع بني حنيفة، فإنه قبل توبتهم، إلا ابن النواحة لظهور كذبه، والخلاف في أحكام الدنيا من ترك القتل، وثبوت أحكام الإسلام من توريث وغيره، وأما في الآخرة فإن صدقت توبته قبلت، بلا خلاف.

(3)

أي من تقدم ذكرهم، وهم الزنديق، ومن تكررت ردته، ومن سب الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم وكالزنديق، الحلولية، والإباحية، ومن يفضل متبوعه على محمد صلى الله عليه وسلم أو أنه إذا حصلت له المعرفة سقط عنه الأمر، أو أنه إذا حصلت له، جاز له التدين بدين اليهودي والنصارى، وأمثالهم من الطوائف، المارقين من الإسلام.

ص: 408

لأن هذه الأشياء تدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالإسلام (1) ويصح إسلام مميز يعقله، وردته (2) لكن لا يقتل حتى يستتاب بعد البلوغ، ثلاثة أيام (3)(وتوبة المرتد) إسلامه (و) توبة (كل كافر إسلامه (4) بأن يشهد) المرتد، أو الكافر الأصلي (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول لله)(5) .

(1) أي لأن من قامت به هذه الأشياء، من سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتكرر الردة والزندقة والحلولية، والإباحية وأمثالهم، لا مبالاة لهم بالإسلام.

(2)

أي ويصح إسلام مميز يعقل الإسلام ومعناه: أن يعلم أن الله ربه، لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، قال الموفق: وهذا لا خلاف في اشتراطه وتصح ردته، لأن من صح إسلامه صحت ردته.

(3)

قال الموفق: سواء قلنا بصحة ردته، أولا، لأن الغلام لا يجب عليه عقوبة، بدليل أنه لا يتعلق به حكم الزنا والسرقة، وسائر الحدود، ولا يقتل قصاصا فإذا بلغ وثبت على ردته، ثبت حكم الردة حينئذ فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، سواء قلنا إنه مرتد قبل بلوغه، أو لم نقل، وسواء كان مسلما أصليا فارتد، أو كافر فأسلم صبيا ثم ارتد، اهـ ومن ارتد وهو سكران، صحت ردته، ولا يقتل حتى يصحو، وتتم له ثلاثة أيام، ليستتاب فيها، وهو بخلاف المجنون، فإنه لا يصح إسلامه، ولا ردته قولا واحدا.

(4)

أي وتوبة من ثبتت ردته بإقرار أو بينة، إسلامه وتوبة كل كافر أصلي، من كتابي وغيره، إسلامه.

(5)

ولا يكشف عن صحة ما شهد به عليه، ويخلى سبيله، ولا يكلف الإقرار بما نسب إليه، قال ابن القيم: بل ولا يكلف أن يقول أشهد بل

لو قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كان مسلمًا باتفاق، فإذا تكلم بلا إله إلا الله محمد رسول الله، حصلت له العصمة.

ص: 409

لحديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكنيسة (1) فإذا هو بيهودي، يقرأ عليهم التوراة (2) فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته (3) فقال: هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «آووا أخاكم» رواه أحمد (4)(ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه) كتحليل حرام، أو تحريم حلال (5) أو جحد نبي أو كتاب (6) .

(1) متعبد لليهود، وكذا النصارى مشهورة كنائسهم.

(2)

التي أنزلت على موسى عليه السلام.

(3)

يعني في التوراة وكذا في الإنجيل.

(4)

أي حيث أنه شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ولقوله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» ، وقوله، «حتى يؤمنوا بي وبما جئت به» .

(5)

مجمع عليهما.

(6)

من كتب الله، أو آية من كتاب الله، أو ملك من ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكة الله.

ص: 410

أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب (1)(فتوبته مع) إتيانه بـ (الشهادتين إقراره بالمجحود به) من ذلك (2) لأنه كذب الله سبحانه بما اعتقده من الجحد، فلا بد في إسلامه من الإقرار بما جحده (3) .

(أو قوله أنا) مسلم أو (برئ من كل دين يخالف) دين (الإسلام)(4) ولو قال كافر: أسلمت، أو أنا مسلم، أو أنا مؤمن، صار مسلما، وإن لم يلفظ بالشهادتين (5) .

(1) وأنه إنما أرسل إلى العرب خاصة وقد قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وقال صلى الله عليه وسلم والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار.

(2)

أي مما تقدم، من تحليل، أو جحد فرض، أو جحد نبي أو كتاب، فلا بد مع الشهادتين من إقراره بذلك.

(3)

فإذا لم يف بما جحده، بقي الأمر على ما كان عليه وإن كانت ردته بجحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب، فلا بد أن يشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق أجمعين، ولا بد أن يقول مع ذلك كلمة الشهادتين، ولا يكفي فيه مجرد إقراره بما جحده.

(4)

أي أو توبته، مع قوله: أنا مسلم، أو توبته مع قوله أنا بريء من كل دين، يخالف دين الإسلام، إقراره بالمجحود به، من فرض ونحوه.. إلخ.

(5)

فهو توبته أيضا للمرتد، ولكل كافر، لأنه إذا أخبر عن نفسه بما تضمن الشهادتين، كان مخبرا بهما، لما روى المقداد، أنه قال يا رسول الله أرأيت

لو لقيت رجلا من الكفار يقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذمني بشجرة، فقال: أسلمت أفأقتله، بعد أن قالها؟ قال:«لا تقتله» رواه مسلم.

قال الموفق: يحتمل أن هذا في الكافر الأصلي، أو من جحد الوحدانية أما من كفر بجحد نبي، أو كتاب أو فريضة، ونحو هذا فلا يصير مسلما بذلك، لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون، ومنهم من هو كافر اهـ، وهذا معلوم في النصيرية والباطنية والدروز وغيرهم.

ص: 411

ولا يغني قوله: محمد رسول الله عن كلمة التوحيد (1) وإن قال: أنا مسلم، ولا أنطق بالشهادتين، لم يحكم بإسلامه، حتى يأتي بالشهادتين (2) ويمنع المرتد من التصرف في ماله (3) وتقضى منه ديونه (4) وينفق منه عليه وعلى عياله (5) .

(1) لأن من جحد شيئين لا يزول جحده، إلا بالإقرار بهما ما، ولأن الشهادة بأن محمدا رسول الله، لا تتضمن الشهادة بالتوحيد.

(2)

قال أبو يعلي الصغير: لا خلاف في ذلك، ولقوله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله» الحديث.

(3)

من بيع وهبة ووقف وإجارة، ونحو ذلك، لتعلق حق الغير به، كمال المفلس، واختار الموفق أنه يترك عند ثقة، وقال: لا يحكم بزوال ملك المرتد بردته، في قول اكثر أهل العلم.

(4)

لأنها حقوق، لا يجوز تعطيلها.

(5)

ومن تلزمه نفقته لجوبه عليه شرعا وكالدين.

ص: 412

فإن أسلم، وإلا صار فيئا من موته مرتدا (1) ويكفر ساحر يركب المكنسة فتسير به في الهواء، ونحوه (2) لا كاهن ومنجم، وعراف وضارب بحصى ونحوه (3) إن لم يعتقد إباحته (4) وأنه يعلم به الأمور المغيبة (5) ويعزر ويكف عنه (6) .

(1) أي فإن أسلم المرتد، أخذ ماله أو بقيته، ونفذ تصرفه وإن مات أو قتل مرتدا، صار ماله فيئا من حين موته، لأنه لا وارث له، وبطل تصرفه.

(2)

كمن يدعي أن الكواكب تخاطبه والمكنسة بكسر الميم، آلة الكنس والسحر عقد ورقى، وكلام يتكلم به فاعله، أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة فمنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، كما في الآية الكريمة، وتعلمه وتعليمه وفعله، حرام، بلا نزاع ومعتقد حله كافر إجماعا، ويقتل الساحر، إن كان مسلما، ومعتقد حله لا ذميا إلا أن يقتل بسحره.

(3)

أي لا يكفر كاهن، وهو من له رئي من الجن، يأتيه بالأخبار، ولا يكفر منجم، وهو من ينظر في النجوم، يستدل بها على الحوادث، ولا يكفر عراف، وهو الذي يحدس ويحرص ولا يكفر ضارب بحصى، ونحوه كشعير وقداح.

(4)

أي إباحة الكهانة، وما عطف عليها فيكفر.

(5)

أي: وأنه يعلم بما تقدم الأمور الغيبية.

(6)

أي: ويعزر ساحر تعزيرا بليغا، لينكف هو وأمثاله عن السحر وتعاطيه، وللترمذي عن عمر، حد الساحر ضربه بالسيف، وكتب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، رواه البخاري، وقال الشيخ: التنجيم كالاستدلال بالأحوال الفلكية، على الحوادث الأرضية، من السحر، ومحرم إجماعا.

ص: 413

ويحرم طلسم، ورقية بغير العربي (1) ويجوز الحل بسحر ضرورة (2) .

(1) الطلسم خطوط أو كتابة يستعملها الساحر، ويزعم أنه يدفع الأذى، والكلمة دخيلة، والرقية: ما يرقى به المريض، من آيات وأدعية معلومة، قال شيخ الإسلام: كل اسم مجهول، فليس لأحد أن يرقى به، فضلا عن أن يدعو به، ولو عرف معناه، لأنه يكره الدعاء بغير العربية، وإنما يرخص لمن لا يحسن العربية، فأما جعل الألفاظ الأعجمية شعارا، فليس من دين الإسلام.

قال غير واحد: أجمع أهل العلم، على جواز الرقي، بثلاثة شروط، أن تكون بكلام الله، أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي، وما يعرف معناه، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى.

(2)

أي لأجل الضرورة، وتوقف أحمد، وعن الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر، وقال ابن القيم، النشرة، حل السحر عن المسحور، وهي نوعان، حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يجب، فيبطل عمله عن المسحور، والثاني النشرة بالرقية، والتعوذات والأدوية المباحة، فهذا جائز

ص: 414