الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القسامة
(1)
وهي لغة: اسم القسم (2) أقيم مقام المصدر، من قولهم: أقسم إقساما وقسامة (3) وشرعًا (أيمان مكررة في دعوة قتل معصوم)(4) روى أحمد ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة، على ما كانت عليه في الجاهلية (5) .
(1) القسامة: مشروعة بالسنة والإجماع، وهي: أصل مستقل، وقال الوزير: اتفقوا على أن القسامة مشروعة في القتيل إذا وجد، ولم يعلم قاتله.
(2)
والجماعة يقسمون على الشيء، ويأخذونه.
(3)
وأقسم إقساما أي حلف حلفا فالقسامة هنا، هي الإيمان إذا كثرت على وجه المبالغة وقال الأزهري: هم القوم يقسمون في دعواهم على رجل أنه قتل صاحبهم، سموا قسامة باسم المصدر، كعدل ورضا، وأي الأمرين كان فهو من القسم الذي هو الحلف.
(4)
أما العمد فبلا نزاع، وأما شبه العمد والخطأ فظاهر كلام الخرقي: أنها لا تشرع، معصوم، لا نحو مرتد، ولو جرح مسلما.
(5)
قال ابن عباس: أول قسامة كانت فينا بني هاشم رجل منا قتله رجل من قريش، فقال أبو طالب إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل، أو يحلف خمسون من قومك، وإلا قتلناك به، فحلفوا وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ناس من الأنصار، في قتيل ادعوه على اليهود.
ففي الصحيحين عن سهل بن أبي حثمة، أن عبد الله بن سهل، ومحيصة بن مسعود، خرجا إلى خيبر، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل، وهو يتشحط في دمه، فأتى يهود، فقال: أنتم قتلتموه فقالوا لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم» وفي رواية «تأتون بالبينة» قالوا: ما لنا بينة، فقال:«أتحلفون؟» قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر، فقال: تبرئكم يهود بخمسين يمينا، فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار، فوداه بمائة من الإبل.
فدلت هذه الأحاديث، وما في معناها، على مشروعية القسامة، وأنها أصل من أصول الشرع، مستقل بنفسه وقاعدة من قواعد الأحكام، وركن من أركان مصالح العباد، بها أخذ كافة الأئمة، فتخصص بها الأدلة العامة، وروى ابن عبد البر عن عمرو بن شعيب مرفوعا «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر إلا في القسامة» قال الموفق: وهذه الزيادة يتعين العمل بها، لأن الزيادة من الثقة مقبولة.
ولا تكون في دعوى قطع طرف ولا جرح (1) و (من شروطها) أي القسامة (اللوث (2) وهو العداوة الظاهرة (3) .
(1) أي: فلا تكون القسامة في دعوى قطع طرف، ولا في دعوى جرح لأنها ثبتت، على خلاف الأصل في النفس لحرمتها فاختصت بها، قال الموفق، بلا خلاف.
(2)
وعدها بعضهم عشرة شروط، لصحة القسامة، أحدها: اللوث، من التلوث، وهو التلطخ، يقال: لاثه في التراب، ولوثه ولو كان خطأ أو شبه عمد.
(3)
والشر: والمطالبات بالأحقاد، ومقتضاه، أن اللوث مختص بهذه الصورة وهو قول أكثر الأصحاب، وعن أحمد: ما يدل على أن اللوث ما يغلب على الظن صحة الدعوى.
كالقبائل التي يطلب بعضها بعضا بالثأر) (1) وكما بين البغاة وأهل العدل (2) .
(1) وكما كان بين الأنصار، وأهل خيبر، وما بين أحياء العرب، وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب.
(2)
وما بين الشرط، واللصوص، وكل من بينه وبين المقتول ضغن، يغلب على الظن أنه قتله، وللأولياء أن يقسموا على القاتل، إذا غلب على ظنهم أنه قتله، وإن كانوا غائبين لما تقدم، واختار الشيخ وغيره، أن اللوث ما يغلب على الظن صحة الدعوى كتفرق جماعة عن قتيل، وشهادة من لا يثبت القتل بشهادتهم ونحو ذلك وصوبه في الإنصاف.
وقال أحمد: أذهب إلى القسامة، إذا كان ثم لطخ، وإذا كان ثم سبب بين، وإذا كان ثم عداوة، وإذا كان مثل المدعى عليه، يفعل مثل هذا، قال الشيخ: فذكر أربعة أمور، اللطخ، وهو: التكلم في عرضه، كالشهادة المردودة والسبب البين، كالتفرق عن قتيل، والعداوة، وكون المطلوب من المعروفين بالقتل، وهذا هو الصواب.
وقال ابن القيم: وهذا من أحسن الاستشهاد فإنه اعتماد على ظاهر الأمارات، المغلبة على الظن، بصدق المدعي، فيجوز له أن يحلف، بناء على ذلك، ويجوز للحاكم، بل يجب عليه، أن يثبت له حق القصاص، أو الدية، مع علمه أنه لم ير ولم يشهد اهـ.
ولا يشترط مع العداوة الظاهرة، أن لا يكون بالموضع الذي به القتيل غير العدو ولا ينبغي أن يحلفوا إلا بعد الاستيثاق في غلبة الظن، وينبغي للحاكم أن يعظهم ويعرفهم ما في اليمين الكاذبة.
وسواء وجد مع اللوث أثر قتل أولا (1)(فمن ادعى عليها لقتل من غير لوث، حلف يمينا واحدة وبرئ) حيث لا بينة للمدعي كسائر الدعاوي (2) فإن نكل قضي عليه بالنكول، إن لم تكن الدعوى بقتل عمد (3) فإن كانت به، لم يحلف وخلي سبيله (4) ومن شرط القسامة أيضا: تكليف مدعى عليه القتل (5) .
(1) أي أو لم يوجد أثر القتل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أم لا، مع أن القتل يحصل بمالا أثر له، كغم الوجه والخنق.
(2)
يحلف المدعى عليه يمينا ويبرأ فكذا دعوى القتل بغير لوث، لقوله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» .
(3)
أي فإن نكل المدعي عليه القتل خطأ أو شبه عمد، قضي عليه بالنكول، لأنه نكول عن وجوب مال عليه، فثبت كسائر الدعاوي، كما سيأتي.
(4)
أي فإن كانت الدعوى بقتل عمد بدون لوث، لم يحلف المدعى عليه، ويخلى سبيله لأنه ليس بمال، وعنه: يحلف اختاره الموفق وغيره، وهي أشهر، وقدمها في الفروع وغيره، فإن نكل لم يقض عليه بغير الدية، لأن القود كالحد، يدرأ بالشبهة ولا يجب القصاص بالنكول، لأنه حجة ضعيفة فلا يناط بها الدم.
(5)
لتصح الدعوى عليه، لأنها لا تصح على صغير ولا مجنون.
وإمكان القتل منه (1) ووصف القتل في الدعوى (2) وطلب جميع الورثة (3) واتفاقهم على الدعوى (4) وعلى عين القاتل (5) وكون فيهم ذكور مكلفون (6) وكون الدعوى على واحد معين (7) .
(1) أي المدعى عليه، وإن لم يمكن منه قتل، لنحو زمانة، لم تصح عليه الدعوى، كبقية الدعاوي، التي يكذبها الحس، وكذا إن لم يمكن القتل منه، لبعده من بلد المقتول، ولا يمكنه مجيئة منه إليه.
(2)
بأن يصفه المدعي في الدعوى، كأن يقول جرحه بسيف، أو سكين ونحوه، في محل كذا من بدنه، أو خنقه أو ضربه، بنحو لت في رأسه.
(3)
فلا يكتفي بطلب بعضهم، لعدم انفراده بالحق.
(4)
أي: ويشترط اتفاق جميع الورثة على الدعوى للقتل، لأنها دعوى قتل، فاشترط اتفاقهم فيها كالقصاص، ويشترط اتفاقهم على القتل، فإن أنكر بعض الورثة فلا قسامة. لأن الأيمان أقيمت مقام البينة، ويقبل تعيينهم بعد قولهم لا نعرفه.
(5)
أي واتفاق جميع جميع الورثة على عين القاتل فلو قال بعض الورثة قتله زيد وقال بعضهم قتله عمرو فلا قسامة أو قال البعض لا أعمل قاتله، فلا قسامة لأن الأيمان أقيمت مقام البينة ويقبل تعينيهم بعد قولهم: لا نعرفه.
(6)
لحديث «يقسم خمسون منكم» ولو واحدا ولا يقدح غيبة بعضهم، ولا عدم تكليفه، ولا نكوله، لأن القسامة حق له ولغيره، فقيام المانع بصاحبه لا يمنع حلفه، واستحقاقه لنصيبه كالمال المشترك.
(7)
أي ويشترط كون الدعوى على واحد لا أكثر، معين لا مبهم، فلو قال: قتله هذا مع آخر، أو أحدهما فلا قسامة، لأنها دعوى على غير معين، فلم تسمع، كسائر الدعاوي وكذا من غير وجود قتل، ولا عداوة، فكسائر الدعاوي في اشتراط تعيين المدعى عليه، وأن القول قوله، قال الموفق لا نعلم فيه خلافا، وعاشرها، اتفاقهم على القتل، بحضرة حاكم.
ويقاد فيها إذا تمت الشروط (1)(ويبدأ بأيمان الرجال من ورثة الدم (2) فيحلفون خمسين يمينا) (3) وتوزع بينهم بقدر إرثهم (4) ويكمل كسر (5) ويقضى لهم (6) .
(1) العشرة، وشروط القود، لقوله صلى الله عليه وسلم «يحلف خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم برمته» ، وفي لفظ لمسلم «ويسلم إليكم» مع ما تقدم، وثبوت القود بالقسامة، كالبينة، وقال ابن القيم: وليس إعطاء بمجرد الدعوى، وإنما هو بالدليل الظاهر، الذي يغلب على الظن صدقه، فوق تغليب الشاهدين، وهو اللوث، والعداوة الظاهرة، والقرينة الظاهرة، فقوي الشارع هذا السبب، باستحلاف خمسين من أولياء المقتول، الذين يستحيل اتفاقهم كلهم على رمي البريء بدم ليس منه، وقوله صلى الله عليه وسلم «لو يعطى الناس بدعواهم» لا يعارض القسامة بوجه، فإنما نفى العطاء بدعوى مجردة.
(2)
أي ويبدأ في القسامة بأيمان الرجال، لا النساء، ولا غير المكلف من ورثة الدم، ولا غيرهم، لعدم استحقاقه من الدية.
(3)
لحديث عبد الله بن سهل، بحضرة الحاكم أنه قتله.
(4)
أي وتوزع الأيمان بين الرجال، من ذوي الفروض والعصبات، بقدر إرثهم منه، إن كانوا جماعة لأن موجبها الدية، وهي تقسم كذلك.
(5)
كزوج وابن، أو ثلاثة بنين، ومن لا قسامة عليه كالنساء سقط حكمه.
(6)
أي ويقضى لأولياء المقتول، إذا حلفوا خمسين يمينا، بعد أن كملت الشروط العشرة، وشروط القود بالقود أو الدية لما تقدم.
ويعتبر حضور مدع ومدعى عليه (1) وسيد قن وقت حلف (2) ومتى حلف الذكور، فالحق حتى في عمد لجميع الورثة (3) .
(فإن نكل الورثة) عن الخمسين يمينا، أو عن بعضها (أو كانوا) أي الورثة كلهم (نساء حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ) إن رضي الورثة (4) وإلا فدى الإمام القتيل من بيت المال (5) .
(1) أي وقت حلف كبينة على المدعى عليه، فلا تسمع إلا بحضرة كل من مدع، ومدعى عليه.
(2)
أي ويعتبر حضور سيد قن، وقت حلف، في عمد أو خطأ سواء كان مدعيا، أو مدعى عليه.
(3)
أي ومتى حلف الذكور من ورثة القتيل، عددا كانوا أو واحدا، خمسين يمينا، وصفة اليمين، كوالله، لقد قتل فلان بن فلان الفلاني، ويشير إليه فلانا ابن أو أخي، ونحوه منفردا بقتله عمدا، أو شبه عمد، أو خطأ بسيف أو بما يقتل غالبا، ونحو ذلك، فالحق حينئذ حتى في عمد لجميع الورثة لانه حق ثبت للميت، فصار لورثته كالدين.
(4)
بأيمان مدعى عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحلف اليهود، حين قال الأنصار: كيف نأخذ أيمان قوم كفار، وصفة اليمين كوالله ما قتلته، ولا شاركت في قتله، ولا فعلت شيئا مات منه، ولا كنت سببا في موته، ولا معينا على موته، وإن نكل لزمته الدية، وإن نكل الورثة بعد الرضى بيمينه لم يحبس ولزمته الدية ولا قصاص.
(5)
أي وإن لم يرض الورثة بيمين المدعى عليه، فدى الإمام القتيل من بيت
المال بلا نزاع وخلي عن المدعي عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم ودى الأنصاري لما لم ترض الأنصار بيمين اليهود، لأنه لم يبق سبيل إلى الثبوت، ولم يوجد ما يوجب السقوط، فوجب الغرم من بيت المال، لئلا يضيع المعصوم هدرا.
كميت في زحمة جمعة وطواف (1) .
(1) فيفدي من بيت المال، لما روي عن عمر، وعلي، ففي سنن سعيد بن منصور، عن إبراهيم، قال: قتل رجل في زحام الناس بعرفة، فجاء أهله إلى عمر، فقال: بينتكم على من قتله، فقال علي: يا أمير المؤمنين، لا يطل دم امرئ مسلم، إن علمت قاتله، وإلا فأعط ديته من بيت المال.