المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الظهار

- ‌التوأمان المنفيان أخوان لأم

-

- ‌كتاب العدد

- ‌من انقضت عدتها قبل موته

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الأقاربوالمماليك من الآدميين والبهائم

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌بابشروط وجوب القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفسمن الأطراف والجراح

- ‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌باب القسامة

-

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

-

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌باب جامع الأيمان المحلوف بها

- ‌باب النذر

-

- ‌باب آداب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب موانع الشهادة وعدد الشهودوغير ذلك

- ‌فصل في عدد الشهود

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

- ‌نبذة مختصرة عن مؤلفي هذا الكتاب، وتاريخ وموضوع كل مجلد، والإشراف على الطبع

الفصل: ‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

والأب بولده (فلا) يقاد به في طرف ولا جراح، لعدم المكافأة (1)(ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس (2) وهو) أي‌

‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

(3) أحدهما في الطرف (4) فتؤخذ العين) بالعين (والأنف) بالأنف (5)(والأذن) بالأذن (والسن) بالسن (6) .

(1) فكونه لا يقاد به في النفس، ففي الطرف والجراح، من باب أولى.

(2)

وهو العمد المحض، فلا قود في الخطأ إجماعا، ولا في شبه العمد عند الجمهور، قال ابن رشد: أما إن ضربه بلطمة، أو سوط، أو ما أشبه ذلك، مما الظاهر منه، أنه لم يقصد إتلاف العضو، مثل أن يلطمه فيفقأ عينه، فالذي عليه الجمهور، أنه شبه العمد، ولا قصاص فيه، وفيه الدية مغلظة في ماله.

(3)

في أطراف وجروح بشروط تأتي مفصلة.

(4)

وهو حرف الشيء، ومنتهى كل شيء، وحكى الموفق وغيره، الإجماع على جريان القصاص في الأطراف.

(5)

أي تفقأ عين الجاني بعين المجني عليه، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى إجماعا، ولا يشترط التساوي في الصغر والكبر، والصحة والمرض، ويجدع أنف الجاني بأنف المجني عليه، والمراد المارن وهو مالان منه، دون القصبة كما يأتي ويؤخذ الكبير بالصغير، والأشم بالأفطس.

(6)

أي وتقلع أذن الجاني بأذن المجني عليه، بالإجماع بشرطه، لأنها تنتهى إلى حد، والكبيرة بالصغيرة، ويقلع أو يكسر سن الجاني، بسن المجني عليه، للآية المتقدمة والحديث، والإجماع، ولا يقتص إلا ممن سقطت رواضعه ثم نبتت لأنها تعود بحكم العادة.

ص: 213

(والجفن) بالجفن (1)(والشفة) بالشفة العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى (2)(واليد) باليد، اليمنى، باليمنى، واليسرى باليسرى (3)(والرجل) بالرجل كذلك (4) و (الإصبع) بالإصبع تماثلها في موضعها (5)(والكف) بالكف المماثلة (6)(والمرفق) بمثله (7) .

(1) بفتح الجيم، وحكي كسرها، معروف، وهو غطاء العين من أعلى وأسفل لقوله تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ولأنه ينتهي إلى مفصل، وهو مذهب الجمهور.

(2)

وهما ما جاوز الذقن والخدين علوا وسفلا، فإن الشفة من الإنسان ما ينطبق على فمه ويستر أسنانه، لقوله:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ولأن لها حدا تنتهي إليه، فلا تؤخذ إحداهما بالأخرى، بل تؤخذ العليا من الجاني بالعليا من المجني عليه.

(3)

فإن قطعها من اللوح فله القود منه، وإن قطعها من المرفق، فله القصاص منه، وإن قطع من الكتف، أو خلع عظم المنكب، فله القود إذا لم يخف جائفة للآية، وقال الشارح: بلا نزاع.

(4)

أي تؤخذ اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، كما مر في أخذ اليد.

(5)

وفي اسمها، وإن قطع الأصابع من مفاصلها فله القود من المفصل، لأمن الحيف، ومن الكوع، فمنه وتؤخذ العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، من أنملة يد ورجل.

(6)

اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.

(7)

الأيمن بالأيمن، والأيسر بالأيسر، لإمكان المماثلة

ص: 214

(والذكر والخصية والإلية والشفر) بضم الشين، وهو أحد اللحمين المحيطين بالفرج، كإحاطة الشفتين على الفم (كل واحد من ذلك بمثله) للآية السابقة (1)(وللقصاص في الطرف شروط) ثلاثة (2)(الأول الأمن من الحيف)(3) وهو شرط جواز الاستيفاء (4) .

(1) وهي قوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وهو قول جماهير العلماء، فيجري القصاص في الذكر، لأن له حدا ينتهي إليه، ويمكن القصاص فيه من غير حيف، فوجب فيه القصاص، كالأنف، وقال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، ويستوي فيه ذكر الصغير والكبير، والشيخ والشاب، والذكر الكبير والصغير، والصحيح والمريض لأن ما وجب فيه القصاص من الأطراف لا يختلف في هذه المعاني.

وأما الخصية فإن قطع إحداهما وقال أهل الخبرة، يمكن أخذها مع سلامة الأخرى جاز وإن قالوا: لا يؤمن تلف الأخرى، فلا، ويجب فيها نصف الدية، وكلاهما يجري القصاص فيهما، قال الموفق: لا نعلم فيها خلافا، وأما الإلية الناتية، بين الفخذ والظهر، فيجري فيها القصاص، في ظاهر المذهب، للآية ولأن لها حدا تنتهي إليه، فيجري القصاص فيها، كالذكر، وكذا الشفر، لأن انتهاءه معروف، أشبه الشفتين.

(2)

تعلم بالاستقراء، وهي زيادة على شروط القصاص المتقدمة.

(3)

لأن الحيف جور وظلم، وإذا لم يمكن القصاص إلا به، لم يجز فعله.

(4)

وفي نفس الأمر هو واجب، إذ لا مانع منه، لوجود شرطه، وهو العدوان، على من يكافئه عمدا، مع المساواة في الاسم، والصحة والكمال، لكن الاستيفاء غير ممكن لخوف العدوان على الجاني.

ص: 215

ويشترط لوجوبه إمكان الاستيفاء بلا حيف (1)(بأن يكون القطع من مفصل (2) أو له حد ينتهي إليه) أي إلى حد (كمارن الأنف، وهو ما لان منه) دون القصبة (3) .

(1) والأمن من الحيف، أخص من إمكان الاستيفاء بلا حيف، قال في الأصناف: الأمن من الحيف شرط لجواز الاستيفاء وهو التحقيق وقال الفتوحي: النسبة بين إمكان الاستيفاء بلا حيف والأمن من الحيف العموم المطلق فكلما وجد الأمن من الحيف أمكن الاستيفاء بلا حيف وليس كلما أمكن الاستيفاء بلا حيف وجد الأمن من الحيف، فالعام شرط لوجوب القود، والخاص شرط لجواز الاستيفاء، والعام الإمكان، والخاص الأمن، ومتى وجد الخاص، وجد العام، ولا يلزم من وجود العام، وجود الخاص.

(2)

لأن المماثلة في غير ذلك غير ممكنة، ولا يؤمن أن يستوفي أكثر من الحق، والمفصل موضع اتصال عضو بعضو على منقطع عظمين، برباطات واصلة بينهما، مع تداخل كمرفق وركبة، أو تواصل كأنملة وكوع.

(3)

أي أو يكون القطع ينتهي إلى حد، كمارن الأنف، وهو ما لان منه، فهو الذي يجب فيه القصاص، أو الدية دون قصبة الأنف، لأن للمارن حدا ينتهي إليه، أشبه اليد، فإن قطع القصبة فلا قصاص، وله الدية، جزم به في الإقناع والمنتهى، ولابن ماجة: أن رجلا ضرب رجلا، على ساعده بالسيف، فقطعها من غير مفصل، فأمر له صلى الله عليه وسلم بالدية فقال: إني أريد القصاص فقال: «خذها بارك الله لك فيها» ولأن القطع ليس من مفصل فلا يؤمن فيه من الحيف.

ص: 216

فلا قصاص في جائفة (1) ولا كسر عظم غير سن (2) ولا بعض ساعد ونحوه (3) ويقتص من منكب ما لم يخف جائفة (4) الشرط (الثاني: المماثلة في الاسم والموضع (5) فلا تؤخذ يمين) من يد ورجل وعين وأذن ونحوها (6)(بيسار ولا يسار بيمين (7) .

(1) أي جرح واصل إلى باطن الجوف، لأنها ليس لها حد ينتهي القطع إليه.

(2)

لإمكان برد سن الجاني، مثل ما كسره، إذا أمن قلعها أو سوادها. لإمكان الاستيفاء بلا حيف، فإن لم يأمن ذلك سقط القصاص.

(3)

كساق وكف، وعضد وورك، أو قطع يد من الكوع، ثم تأكلت إلى نصف الذراع فلا قصاص، لأنه لا يمكن الاستيفاء منها بلا حيف، وله الدية، لما تقدم، وقال الموفق: إن كان من غير مفصل، فلا قصاص فيه من موضع القطع بغير خلاف نعلمه.

(4)

بلا نزاع لأنه مفصل، وله أن يقتص من مرفقه وإن اختار الدية، فله دية اليد، وحكومة لما زاد.

(5)

قياسا على النفس، ولأن القصاص يعتمد المماثلة، ولأنها جوارح مختلفة المنافع، والأماكن فلم يؤخذ بعضها ببعض، كالعين بالأنف.

(6)

من المنخرين، والثديين والإليتين والأنثيين، والشفتين، والأجفان، وكل ما انقسم إلى يمين ويسار، وأعلى وأسفل.

(7)

قال الموفق: هذا قول أكثر أهل العلم، الأئمة الأربعة وغيرهم، وحكاه الوزير اتفاقا، لأن كل واحدة منهما تختص باسم، فلا تؤخذ إحداهما بالأخرى، كاليد مع الرجل، وتؤخذ كل منها بمثلها.

ص: 217

ولا) يؤخذ (خنصر ببنصر ولا) عكسه (1) لعدم المساواة في الاسم (2) ولا يؤخذ (أصلي بزائد (3) وعكسه) فلا يؤخذ زائد بأصلي، لعدم المساواة في المكان والمنفعة (4)(ولو تراضيا) على أخذ أصلي بزائد أو عكسه (5)(لم يجز) أخذه به، لعدم المقاصة (6) ويؤخذ زائد بمثله موضعا وخلقة (7) .

(1) فلا يؤخذ بنصر بخنصر.

(2)

وتؤخذ الخنصر بالخنصر، والبنصر بالبنصر، والأنملة بمثلها، في الاسم والموضع.

(3)

لأن الزائد دونها، قال في الإنصاف: وإن تراضيا على أصلي بزائد، لم يجز بلا نزاع.

(4)

فلم يجز أخذها بها، لعدم المماثلة.

(5)

كأخذ زائد بأصلي.

(6)

لأن مالا يجوز أخذه مقاصة، لا يجوز بتراضيهما، لأن الدماء لا تستباح بالإباحة والبذل، فلو قطع يسار جان من له القود، في يمينه بتراضيهما، أو خنصرا ببنصر، أو قال: أخرج يمينك فأخرج يساره عمدا، أو غلطا، أو ظنا أنها تجزئ فقطعها، أجزأت قال في الإنصاف: وهو المذهب، ولم يبق قود ولا ضمان جزم به في الإقناع وغيره.

(7)

ولو تفاوتا قدرا، كالأصلي بالأصلي، إذا اتفقا في الموضع والخلقة، واختلفا في القدر، وإن اختلفا في غير القدر، بأن اختلفا في الموضع، أو الخلقة، لم يؤخذ أحدهما بالآخر.

ص: 218

الشرط (الثالث استواؤهما) أي استواء الطرفين المجني عليه، والمقتص منه (في الصحة والكمال (1) فلا تؤخذ) يد أو رجل (صحيحة بـ) يد أو رجل (شلاء (2) ولا) يد أو رجل (كاملة الأصابع) أو الأظفار (بناقصتـ) هما (3)(ولا) تؤخذ (عين صحيحة بـ) عين (قائمة (4)) وهي التي بياضها وسوادها صافيان، غير أن صاحبها لا يبصر بها قاله الأزهري (5) ولا لسان ناطق بأخرس ولو تراضيا، لنقص ذلك (6) .

(1) لاعتماد القصاص على المماثلة.

(2)

لأنه لا نفع فيها سوى الجمال، فلا تؤخذ بما فيه نفع، قال الموفق: لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب قطع يد أو رجل، صحيحة بشلاء، إلا ما حكي عن داود.

(3)

فلو قطع من له خمس أصابع، من يد أو رجل، يد أو رجل من له أربع أو ثلاث أصابع، لم يجز، قولا واحدا لأنها فوق حقه.

(4)

قولا واحدا.

(5)

فليستا بمتساويتين، فلا تؤخذ الصحيحة بالناقصة.

(6)

وزيادة المأخوذ على المفوت، فلا يكون مقاصة، قال الموفق: لا يؤخذ لسان ناطق بأخرس، لا نعلم فيه خلافا، ولا يؤخذ ذكر صحيح بأشل، ولا ذكر فحل بذكر خصي أو عنين، لأنه لا نفع فيهما، فيكون قد أخذ أكثر من حقه، وهذا مذهب مالك وغيره.

ص: 219

(ويؤخذ عكسه) فتؤخذ الشلاء، وناقصة الأصابع، والعين القائمة بالصحيحة (1)(ولا أرش) لأن المعيب من ذلك كالصحيح في الخلقة، وإنما نقص في الصفة (2) وتؤخذ أذن سميع بأذن أصم شلاء، ومارن الأشم الصحيح بمارن الأخشم الذي لا يجد رائحة شيء، لأن ذلك لعلة في الدماغ (3) .

(1) وإن شاء أخذ الدية، بلا خلاف، لأنه عجز عن استيفاء حقه على الكمال بالقصاص فله الدية، وهو مذهب الجمهور.

(2)

فلم يكن له أرش، اختاره القاضي، وصححه الموفق وغيره، وتؤخذ الشلاء بالشلاء، إذا أمن في الاستيفاء الزيادة، لأنهما متماثلين في ذات العضو وصفته فجاز أخذ إحداهما بالأخرى، كالصحيحة بالصحيحة.

(3)

والأنف صحيح، وذهاب السمع نقص في الرأس لأنه محله، وليس بنقص في الأذن، ويؤخذ الصحيح بالمخروم، لقيامه مقام الصحيح، وإن قطع بعض لسانه، أو مارنه، أو شفته، أو حشفته، أو أذنه، أخذ مثله، يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث.

ص: 220

فصل

(النوع الثاني) من نوعي القصاص فيما دون النفس (الجراح (1) فيقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم) (2) لإمكان استيفاء القصاص من غير حيف ولا زيادة (3) وذلك (كالموضحة) في الرأس والوجه (4) .

(1) قال شيخ الإسلام: القصاص في الجراح، ثابت بالكتاب والسنة والإجماع بشرط المساواة، فإذا شجه فله شجه كذلك، فإذا لم تمكن مثل أن يكسر عظما باطنا، أو شجة دون الموضحة، فلا يشرع القصاص، بل تجب الدية، وأما القصاص في الضرب بيده، أو بعصا أو سوط، ونحو ذلك، فقالت طائفة لا قصاص فيه، بل فيه التعزير.

والمأثور عن الخلفاء وغيرهم، من الصحابة والتابعين: أن القصاص مشروع في ذلك، وهو نص أحمد وغيره من الفقهاء، وبذلك جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصواب، وقال عمر: إني ما أرسل عمالي ليضربوا أبشاركم، فوالذي نفسي بيده، من فعل لأقصنه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه، رواه أحمد، ومعناه: أن ضرب الوالي رعيته ضربا غير جائز، فأما الضرب المشروع، فلا قصاص فيه، بالإجماع.

(2)

وهذا شرط لجواز القصاص، زيادة على ما سبق.

(3)

لانتهائه إلى العظم، أشبه قطع الكف من الكوع.

(4)

واتفق أهل العلم على جواز القصاص فيها بشرطه، وقال الوزير: أجمعوا على أن الموضحة فيها القصاص، إذا كانت عمدا، وفي الإنصاف: يوضحه بالمساحة بلا نزاع.

ص: 221

(وجرح العضد و) جرح (الساق و) جرح (الفخذ و) جرح (القدم (1)) لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (2)(ولا يقتص في غير ذلك من الشجاج)(3) .

(1) قياسا على جرح الموضحة، المتفق عليها.

(2)

وهو نص على القصاص في الجروح بشرطها، ولو لم يجب القصاص في كل جرح، ينتهي إلى عظم، لسقط حكم الآية.

(3)

أي ولا يقتص في أي نوع من الشجاج، غير المذكورة، المنتهية إلى عظم، كالموضحة وجرح العضد والساق، والقدم، كما دون الموضحة كالباضعة، أو أعظم منها، كما مثل، واختار الشيخ: القصاص في كل شيء من الجراح والكسر، يقدر على القصاص منه للأخبار، وقال: ثبت عن الخلفاء الراشدين، وتقدم نحوه.

وقال ابن القيم: قالت الشافعية، والحنفية، والمالكية، ومتأخروا الأصحاب، لا قصاص في اللطمة والضربة، وحكى بعضهم الإجماع، وخرجوا عن محض القياس، وموجب النصوصن وإجماع الصحابة، وقال تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} فالواجب للملطوم، أن يفعل بالجاني عليه كما فعل به، فلطمة بلطمة، وضربة بضربة في محلهما، بالآلة التي لطمه بها، أو مثلها، أقرب إلى المماثلة المأمور بها، حسا وشرعا، من تعزيره بغير جنس اعتدائه وصفته، وهذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه ومحض القياس، ونصوص أحمد.

ص: 222

كالهاشمة والمنقلة والمأمومة (1)(و) لا في غير من (الجروح) كالجائفة (2) لعدم أمن الحيف والزيادة (3) ولا يقتص في كسر عظم (غير كسر سن)(4) .

(1) الهاشمة هي: التي تهشم العظم، والمنقلة هي التي تنقل العظام، والمأمومة هي: التي تصل إلى جلدة الدماغ، فجلدة الرأس يليها لحم، ويلي اللحم جلدة رقيقة، تسمى السمحاق، ويليها عظم يسمى القحف، وبعد العظم خريطة، مشتملة على دهن، وذلك الدهن يسمى الدماغ، ويسمى أيضا أم الرأس، والجناية الواصلة إلى الخريطة المذكورة، المسماة أم الرأس، تسمى مأمومة فلا قصاص فيها، عند الأئمة الأربعة، قال الموفق، ولا نعلم أحدا أوجب القصاص، فيما فوق الموضحة، إلا ما روي عن ابن الزبير، أنه أقاد من المنقلة، وليس بثابت عنه، وقال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا خالف ذلك، لأنه ليس له حد ينتهي إليه، ولا يمكن الاستيفاء من غير حيف.

(2)

وهي التي تنفذ إلى جوف، كبطن وصدر، وثغرة نحر، وجبين وخاصرة ونحوها، فلا قصاص في نحوها، لما تقدم.

(3)

ولابن ماجه مرفوعا «لا قود في المأمومة، ولا في الجائفة، ولا في المنقلة» وقال ابن رشد: القصاص فيما أمكن القصاص فيه منها، وفيما وجد منه محل القصاص، ولم يخش منه تلف النفس، وإنما صاروا لهذا، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القود في المأمومة، والمنقلة، والجائفة فرأى مالك ومن قال بقوله: أن هذا حكم ما كان في معنى هذه من الجراح التي هي متالف مثل كسر عظم الرقبة، والصلب والصدر، والفخذ وما أشبه ذلك، ولأنه لا تؤمن الزيادة فلم يجب القصاص، ككسر العظام.

(4)

تقدم أنه لا قصاص في كسر عظم، بغير خلاف، غير كسر سن.

ص: 223

لإمكان الاستيفاء منه بغير حيف، كبرد ونحوه (1)(إلا أن يكون) الجرح (أعظم من الموضحة كالهاشمة، والمنقلة والمأمومة فله) أي للمجني عليه (أن يقتص موضحة) لأنه يقتصر على بعض حقه، ويقتص من محل جنايته (2)(وله أرش الزائد) على الموضحة (3) فيأخذ بعد اقتصاصه من موضحة في هاشمة خمسا من الإبل (4) وفي منقلة عشرا (5) وفي مأمومة ثمانية وعشرين وثلثا (6) ويعتبر قدر جرح بمساحة، ودون كثافة اللحم (7) .

(1) أي كبر سن الجاني، وتقدم.

(2)

قولا واحدا، وهو مذهب الشافعي، فإنه إنما وضع نحو السكين، في موضع وضعها الجاني فيه، ولأن سكين الجاني، وصلت العظم وتجاوزته.

(3)

فيجب له إذا اقتص موضحة والجناية فوقها، ما بين دية الموضحة، ودية تلك الشجة، لأنه تعذر فيه القصاص، فوجب الأرش، كما لو تعذر في جميعها.

(4)

لأنه التفاوت بينها وبين الموضحة.

(5)

أي ويأخذ في المنقلة عشرا من الإبل، لأنه ما بين الموضحة والمنقلة.

(6)

لأن الواجب فيها ثلث الدية، فإذا سقط منها دية موضحة، وهي خمس من الإبل، بقي ذلك المذكور.

(7)

أي ويعتبر قصاص جرح طولا وعرضا، دون كثافة اللحم لأن حده العظم، والناس يختلفون في كثرة اللحم وقلته، فلا يمكن اعتباره فيعمد المقتص إلى موضع الشجة من رأس المشجوج، فيعلم طولها وعرضها، بنحو خيط، ويضعها على رأس الشاج، ويعلم طرفيه بنحو سواد، ويأخذ حديدة، عرضها كعرض الشجة فيضعها في أول الشجة ونحوها، إلى آخرها فيأخذ مثل الشجة طولا عرضا، ولا يراعي العمق، لأن حده العظم، ولو روعي لتعذر الاستيفاء.

ص: 224

(وإذا قطع جماعة طرفا) يوجب قودا كيد (أو جرحوا جرحا يوجب القود) كموضحة ولم تتميز أفعالهم، كأن وضعوا حديدة على يد، وتحاملوا عليها حتى بانت (فعليهم) أي على الجماعة القاطعين أو الجارحين (القود)(1) لما روي عن علي أنه شهد عنده شاهدان على رجل بسرقة، فقطع يده، ثم جاءا بآخر فقالا: هذا هو السارق، وأخطأنا في الأول، فرد شهادتهما على الثاني، وغرمهما دية يد الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما (2) وإن تفرقت أفعالهم (3) .

(1) في أشهر الروايتين، وهو مذهب مالك، وكذا لو أكرهوا إنسانا، على قطع طرف، أو ألقوا صخرة على طرف إنسان فقطعه، او قلعوا عينا بضربة واحدة، ونحو ذلك.

(2)

رواه البخاري وغيره، ودل على أن القصاص على كل منهما لو تعمدا، ولأنه أحد نوعي القصاص، فتؤخذ الجماعة بالواحد، كالأنفس.

(3)

أي القاطعين لليد ونحوها، فلا قود عليهم.

ص: 225

أو قطع كل واحد من جانب فلا قود عليهم (1)(وسراية الجناية مضمونة في النفس فما دونها)(2) فلو قطع إصبعا فتآكلت آخرى أو اليد، وسقطت من مفصل فالقود (3) وفيما يشل الأرش (4)(وسراية القود مهدرة)(5) فلو قطع طرفا قودا فسرى إلى النفس فما دونها فلا شيء على قاطع، لعدم تعديه (6) .

(1) قولا واحدا إن لم يتواطؤوا، وكذا لو ضرب كل واحد على اليد ونحوها، حتى انفصلت، ونحو ذلك، فلا قود عليهم، وإن كان فعل كل واحد يمكن الاقتصاص منه بمفرده، اقتص منه، وهذا مذهب الشافعي.

(2)

قال الموفق: سراية الجناية مضمونة بغير خلاف، لأنها أثر جناية والجناية مضمونة فكذا أثرها.

(3)

وهذا مذهب أبي حنيفة، لأنه أحد نوعي القصاص، وإن سرت الجناية إلى النفس، أو ما لا يمكن مباشرته بالإتلاف، مثل أن هشمه في رأسه فمات، أو ذهب ضوء عينيه، وجب القصاص بلا خلاف في النفس.

(4)

وهو قول مالك والشافعي، لعدم إمكان القصاص في الشلل، وهو فساد العضو وذهاب حركته بالسراية.

(5)

وهو مذهب مالك، والشافعي، وقال الوزير: اتفقوا على أن الإمام إذا قطع يد السارق، وسرى إلى نفسه، فلا ضمان عليه.

(6)

وروى البيهقي وغيره، عن عمر وعلي، أنهما قالا: في الذي يموت في القصاص لا دية له، ولأنه قطع بحق، فكما أنه غير مضمون، فكذا سرايته، كقطع السارق المتفق عليه.

ص: 226

لكن إن قطع قهرا مع حر أو برد (1) أو بآلة كالة، أو مسمومة ونحوها (2) لزمه بقية الدية (3) .

(ولا) يجوز أن (يقتص من عضو وجرح قبل برئه)(4) لحديث جابر أن رجلا جرح رجلا، فأراد أن يستقيد فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح، رواه الدارقطني (5)(كما لا تطلب له) أي للعضو أو الجرح (دية) قبل برئه، لاحتمال السراية (6) فإن اقتص قبل فسرايتها بعد هدر (7) .

(1) بلا إذنه، ولا إذن الإمام أو نائبه، لزمه بقية الدية.

(2)

كحرقه طرفا يستحق القصاص فيه، فيموت جان، أو في حال لا يؤمن فيها الخوف من السراية.

(3)

أي يضمن دية النفس، منقوصا منها دية العضو، الذي وجب له فيها القصاص، فإن وجب في يده، فعليه نصف الدية، أو جفن فثلاثة أرباعها وهكذا.

(4)

عند أكثر أهل العلم، منهم أبو حنيفة مالك، وقال ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم، يرى الانتظار بالجرح متى يبرأ.

(5)

ورواه أحمد وغيره، من حديث عمرو بن شعيب، ولأنه باقتصاصه قبل الإندمال، رضي بترك ما يزيد عليه بالسراية، فبطل حقه منه، وقال أحمد: لأنه قد دخله العفو بالقصاص.

(6)

أي لا يقتص من عضو وجرح قبل البرء، كما أنه لا تطلب له دية، لاحتمال السراية، فتسقط عن المجني عليه.

(7)

لأنه استعجل ما لم يمكن له استعجاله فبطل حقه، لحديث عمرو

رواه أحمد، فإن قيل: ما الفرق بين هذا وما قبله، حيث ضمن السراية في الأول دون الثاني؟ قيل: إنه إنما منع من الاقتصاص في الطرف قبل برئه، لمصلحة المجني عليه، إذ قد تسري الجناية إلى طرف آخر، أو إلى النفس، بخلاف منعه من القصاص في الحر أو البرد، فإنه لمصلحة الجاني، فلذلك ضمن السراية، فيما إذا كانت مصلحة التأخير للجاني، ولم تضمن إذا كانت المصلحة للمجني عليه.

ص: 227

ولا قود ولا دية لما رجي عوده من نحو سن، ومنفعة، في مدة تقولها أهل الخبرة (1) فلو مات تعينت دية الذاهب (2) .

(1) أي أن السن أو المنفعة، تعود وتسقط المطالبة به، فوجب تأخيره، وإن عاد فلا شيء على الجاني، لأن المتلف عاد، فلم يجب به شيء، كإن كانت شماء مثلا فلا دية ولا قود، إن رجي عوده، وإن مضى زمن يمكن عودها فيه، فلم تعد، خير بين القصاص والدية، كسائر الجنايات، واختار الموفق في سن الكبير ونحوها القود في الحال، وصوبه في الإنصاف، ولعله مراد الأصحاب: فإن سن الكبير إذا قلعت يئس من عودها غالبا.

(2)

لأنه لا يتأتى العود بعد موته.

ص: 228