المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ ‌ ‌كتاب الحدود (1)   جمع حد، وهو لغة المنع (2) وحدود الله - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الظهار

- ‌التوأمان المنفيان أخوان لأم

-

- ‌كتاب العدد

- ‌من انقضت عدتها قبل موته

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الأقاربوالمماليك من الآدميين والبهائم

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌بابشروط وجوب القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفسمن الأطراف والجراح

- ‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌باب القسامة

-

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

-

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌باب جامع الأيمان المحلوف بها

- ‌باب النذر

-

- ‌باب آداب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب موانع الشهادة وعدد الشهودوغير ذلك

- ‌فصل في عدد الشهود

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

- ‌نبذة مختصرة عن مؤلفي هذا الكتاب، وتاريخ وموضوع كل مجلد، والإشراف على الطبع

الفصل: ‌ ‌ ‌ ‌كتاب الحدود (1)   جمع حد، وهو لغة المنع (2) وحدود الله

‌كتاب الحدود

(1)

جمع حد، وهو لغة المنع (2) وحدود الله محارمه (3) واصطلاحا عقوبة مقدرة شرعا في معصية (4) لتمنع الوقوع في مثلها (5)(لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل)(6) .

(1) الأصل في مشروعيتها: الكتاب والسنة والإجماع، وقال شيخ الإسلام، الحدود صادرة عن رحمة الخلق، وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم، أن يقصد بذلك الإحسان إليهم، والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.

(2)

ومنه يقال للبواب حداد، لأنه يمنع الناس من الدخول.

(3)

قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} ولحديث «ألا وإن حمى الله محارمه» وما حده الشارع، فلا يجوز فيه الزيادة، ولا النقصان والحدود بمعنى العقوبات المقدرة، وما حده الله قدره، فلا يجوز أن يتعدى، وحدوده أيضا ما حده وقدره من مواريث وغيرها.

(4)

من زنا، وقذف، وشرب، وقطع طريق، وسرقة.

(5)

وزواجر للنفوس، ونكال وتطهير، فهي عقوبة مقدرة لأجل حق الله تعالى أوجبها تعالى على مرتكبي الجرائم، التي تتقاضاها الطباع، وليس عليها، وازع طبيعي، فهي من أعظم مصالح العباد، في المعاش والمعاد، بل لا تتم سياسة ملك من ملوك الأرض، إلا بزواجر وعقوبات لأرباب الجرائم وهي واجبة، ولو كان من يقيمها شريكا لمن يقيمها عليه، أو عونا له، وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يجمع بين معصيتين جزم به الشيخ وغيره.

(6)

فالحد أولى بالسقوط من العبادة لعدم التكليف لأنه يدرأ بالشبهة.

ص: 300

لحديث: «رفع القلم عن ثلاثة» (1)(ملتزم) أحكام المسلمين (2) مسلما كان أو ذميا (3) بخلاف الحربي والمستأمن (4)(عالم بالتحريم)(5) لقول عمر وعثمان وعلي: لا حد إلا على من علمه (6)(فيقيمه الإمام أو نائبه)(7)

(1) رواه أهل السنن وغيرهم، وفي قصة ماعز «أبك جنون؟» ولأنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات، فالحد أولى.

(2)

في ضمان النفس، والمال، والعرض وإقامة الحدود، وغير ذلك.

(3)

لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} وغير ذلك.

(4)

فإنه يؤاخذ بحد لآدمي، كحد قذف، وسرقة، لا بحد لله تعالى كزنا.

(5)

فلا حد على من جهل تحريم الزنا أو عين المرأة، كمن زفت إليه غير امرأته لخبر «ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» .

(6)

ولم يعلم لهم مخالف في الصحابة، وقال الموفق: هو قول عامة أهل العلم.

(7)

لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود، ثم خلفاؤه من بعد، ويقوم نائب الإمام مقامه، لقوله:«واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» وأمر برجم ماعز، ولم يحضره، قال في سارق:«اذهبوا به فاقطعوه» .

ص: 301

أو مطلقا سواء كان الحد لله، كحد الزنى، أو لآدمي كحد القذف (1) لأنه يفتقر إلى اجتهاد، ولا يؤمن من استيفائه، الحيف، فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه (2) ويقيمه (في غير مسجد) (3) ويحرم فيه (4) لحديث حكيم بن حزام:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد بالمسجد، وأن تنشد الأشعار (5) .

(1) لفعله صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، سوى ما يأتي في الرقيق، وقال الشيخ: الحقوق التي ليست لقوم معينين، تسمى حدود الله، وحقوق الله مثل قطاع الطريق، والسراق والزناة، ونحوهم، ومثل الحكم في الأموال السلطانية، والوقوف، والوصايا التي ليست لمعين، فهذه من أهم أمور الولايات، يجب على الولاة البحث عنها، وإقامتها من غير دعوى أحد بها، وتقام الشهادة فيها، من غير دعوى أحد بها، وتجب إقامتها على الشريف، والوضيع والقوي

والضعيف اهـ.

وفي الدرر، للحنفية: الخليفة لا يحد، ولو قذف، لأن الحد له وإقامته إليه، دون غيره، ولا يمكنه على نفسه ويقتص ويؤخذ بالمال لأنهما من حقوق العباد، ويستوفي ولي الحق، إما بتمكينه أو الاستعانة بمنعة المسلمين.

(2)

وهذا المذهب في الجملة، عليه الأصحاب، واختاره الشيخ وغيره، وأنه لا يجوز إلا لقرينة كتطلب الإمام له ليقتله، فيجوز لغير الإمام أو نائبه قتله.

(3)

جلدا كان، أو غيره.

(4)

بلا نزاع.

(5)

إلا ما كان مثل شعر حسان رضي الله عنه.

ص: 302

وأن تقام فيه الحدود) (1) وتحرم شفاعة وقبولها، في حد الله تعالى، بعد أن يبلغ الإمام (2) ولسيد مكلف، عالم به وبشروطه، إقامته بجلد (3) .

(1) وروي أن عمر أتى برجل زنا، فقال: أخرجوه من المسجد، فاضربوه، وعن علي أنه أتي بسارق، فأخرجه من المسجد، وقطع يده، ولأنه لا يؤمن أن يحدث فيه شيء فينجسه ويؤذيه، فإن أقيم فيه سقط الفرض.

(2)

أي: وتحرم شفاعة في حد من حدود الله، لقوله:«من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضاد الله في أمره» .

وكذا يحرم قبول شفاعة في حد من حدود الله، لقوله:«فهل قبل أن تأتيني به» قال الشيخ: ولا يحل تعطيله، لا بشفاعة، ولا هدية، ولا غيرها، ولا تحل الشفاعة فيه، ومن عطله لذلك، وهو قادر على إقامته، فعليه لعنة الله، وقال: ولا يجوز أن يؤخذ من السارق، والزاني، والشارب، وقاطع الطريق، ونحوه، مال يعطل به الحد، لا لبيت المال، لا لغيره، وهذا المال المأخوذ ليتعطل الحد، سحت خبيث، وإذا فعل ولي الأمر ذلك، جمع بين فسادين عظيمين، تعطيل الحد وأكل السحت، وترك الواجب وفعل المحرم.

وأجمعوا: على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق، والشارب، والمحارب، ونحو ذلك، وتعطيل الحد سحت خبيث، وهو أكثر ما يوجد من إفساد أمور المسلمين وهو سبب سقوط حرمة المتولي، وسقوط قدره وانحلال أمره.

(3)

خاصة لأنه تأديب، والسيد يملك تأديب رقيقه، قال الموفق: في قول أكثر أهل العلم، منهم علي وغيره من الصحابة، والتابعين، وهو قول مالك، والشافعي وغيرهما لقوله صلى الله عليه وسلم «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» وقوله «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها» الحديث وأما القتل في الردة، والقطع في السرقة فإلى الإمام، قال: وهذا قول أكثر أهل العلم، وكونه بالغا عاقلا، عالما بشروطه، قولا واحدا.

ص: 303

وإقامة تعزير على رقيق كله له (1)(ويضرب الرجل في الحد قائما)(2) لأنه وسيلة إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب (3)(بسوط) وسط (لا جديد ولا خلق) بفتح الخاء (4) لأن الجديد يجرحه، والخلق لا يؤلمه (5) .

(1) سواء كان تعزيره لحق الله تعالى، أو لحق نفسه، ولو كان الرقيق مكاتبا أو مرهونا، أو مستأجرًا لعموم الخبر، ولتمام ملكه عليه، وإن كان بعضه حرا، فلا يملك السيد إقامته عليه، لقصور ولايته، ولا على أمته المزوجة، لقول ابن عمر: إذا كانت الأمة ذات زوج، رفعت إلى السلطان، وإلا جلدها سيدها نصف ما على المحصن، قال: ولا نعلم له مخالفا في عصره.

(2)

هذا المذهب، وعليه الأصحاب وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وقال علي: لكل موضع من الجسد حظ، إلا الوجه والفرج.

(3)

لما ناله كل عضو، من اللذة المحرمة.

(4)

بين القضيب والعصا، فعن زيد بن أسلم، «أن رجلا اعترف فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتى بسوط مكسور، فقال «فوق هذا» فأتى بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال «بين هذين» ، فأتى بسوط قد لان وركب به، فأمر به فجلد» رواه مالك وغيره.

(5)

روي عن علي وغيره، والخلق هو البالي، فيكون وسطا، لا شديدا فيقتل، ولا ضعيفا فلا يردع، لكن إن رأى الإمام الجلد في حد الخمر، بالجريد والنعال، والأيدي فله ذلك للخبر.

ص: 304

(ولا يمد ولا يربط (1) ولا يجرد) المحدود من ثيابه عند جلده (2) لقول ابن مسعود: ليس في ديننا مد ولا قيد، ولا تجريد (3)(بل يكون عليه قميص أو قميصان)(4) وإن كان عليه فرو، أوجبة محشوة نزعت (5)(ولا يبالغ بضربه، بحيث يشق الجلد)(6) لأن المقصود تأديبه لا إهلاكه (7) ولا يرفع ضارب يده بحيث يبدو إبطه (8) .

(1) أي ولا يمد المحدود على الأرض، ولا يربط في رجله، أو غيرها، ولا تشديده.

(2)

خشية شق جلده، وإتلافه.

(3)

قال الموفق: ولم نعلم عن أحد من الصحابة خلافه وجلد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينقل عن أحد منهم مد، ولا قيد، ولا تجريد، ولم يأمر الله تعالى بتجريده، وإنما أمر بجلده، ومن جلد فوق الثياب فقد جلد. ،

(4)

صيانة له عن التجريد، مع أن ذلك لا يمنع ألم الضرب، ولا يضر بقاؤهما عليه.

(5)

لأنه لو ترك عليه ذلك، لم يبال بالضرب، قال أحمد: لو تركت عليه ثياب الشتاء، ما بالى بالضرب.

(6)

كما أنه لا يجلد إلا بسوط، قد لان وركب به.

(7)

والمبالغة تؤدي إلى ذلك.

(8)

أي لا يرفع يده حال الضرب، بحيث يبدو إبطه، لأن ذلك مبالغة في الضرب.

ص: 305

(و) سن أن (يفرق الضرب على بدنه) ليأخذ كل عضو منه حظه (1) ولأن توالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى القتل (2) ويكثر منه في مواضع اللحم، كالأليتين والفخذين (3) ويضرب من جالس ظهره وما قاربه (4)(ويتقي) وجوبا (الرأس والوجه والفرج (5) والمقاتل) كالفؤاد، والخصيتين، لأنه ربما أدى ضربه على شيء من هذه، إلى قتله، أو ذهاب منفعته (6)(والمرأة كالرجل فيه) أي فيما ذكر (7) .

(1) لقول علي، لكل موضع من الجسد حظ.

(2)

أو إلى شق الجلد، وإن فعل أجزأ.

(3)

لأنهما أشد تحملا.

(4)

رجلا كان أو امرأة.

(5)

لأن ما عدا الأعضاء الثلاثة والبطن، ليس بمقتل، فأشبه الظهر، أما الرأس فمقتل، لأنه ربما أدى في رأسه، إلى ذهاب سمعه أو بصره، أو عقله، أو قتله، والمقصود تأديبه، لا قتله، والوجه نهى صلى الله عليه وسلم عن ضربه، والفرج لا يتحمل الضرب وإن قل.

(6)

وهو لم يؤمر بقتله، بل بتأديبه.

(7)

أي من اتقاء الرأس، والوجه، والفرج، والبطن، والمقاتل في الضرب وكونه بسوط، لا جديد ولا خلق، ولا تمد، ولا تجرد، ولا تشد يداها، ولا يبالغ بضربها، وغير ذلك من صفة الجلد سوى ما استثني.

ص: 306

(إلا أنها تضرب جالسة)(1) لقول علي تضرب المرأة جالسة والرجل قائما (2)(وتشد عليها ثيابها، وتمسك يداها لئلا تنكشف)(3) لأن المرأة عورة (4) وفعل ذلك بها أستر لها (5) وتعتبر لإقامته نية، لا موالاة (6)(وأشد الجلد) في الحدود (جلد الزنا (7) ثم) جلد (القذف ثم) جلد (الشرب (8) .

(1) وفاقا، وهو مفهوم ما تقدم.

(2)

وهو قول أبي حنيفة، ومالك والشافعي.

(3)

ويضرب منها الظهر، وما قاربه.

(4)

إجماعا، لقوله صلى الله عليه وسلم «المرأة عورة» صححه الترمذي.

(5)

أي وضربها جالسة، مشدودة عليها ثيابها، ممسكة يداها أستر، لئلا تنكشف.

(6)

أي وتعتبر لإقامة الحد نية، بأن ينويه، ليصير قربة، لحديث «إنما الأعمال بالنيات» فيضربه لله ولما وضع الله ذلك لأجله، كالزجر، وتقدم قول الشيخ: على المقيم للمحدود، أن يقصد بها النفع والإحسان اهـ.

ويجزئ بلا نية، على المشهور، فلو حد للتشفي أثم، ولا يعيد، واستظهره في الفروع، وقوله: لا موالاة، أي لا يعتبر موالاة، في الجلد، ونظره الشيخ، لأنه لا يحصل منه حينئذ ألم، ولا يقتضي ردعا، ولا زجرا، واستظهره في الفروع.

(7)

مائة جلدة للبكر الحر، ونصفها للرقيق، ثم جلد قذف ثمانون، ونصفها للرقيق.

(8)

أي شرب الخمر ثمانون، أو أربعون، كما يأتي.

ص: 307

ثم) جلد (التعزير)(1) لأن الله تعالى خص الزنا بمزيد تأكيد بقوله {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} (2) وما دونه أخف منه في العدد، فلا يجوز أن يزيد عليه في الصفة (3) ولا يؤخر حد لمرض (4) ولو رجي زواله (5) .

(1) عشر أو بما يردعه، كما سيأتي.

(2)

ولم يذكر نحوه، فيما سواه من الحدود، فدل على أنه الأشد، لمزيد التأكيد.

(3)

فهو دليل، على أن ما خف في عدده، كان أخف في صفته، وهو قوة الضرب، وأنه لا يجوز أن يزيد عليه، في إيلامه ووجعه لأنه يفضي إلى التسوية أو زيادة القليل على ألم الكثير.

(4)

لأنه يجب على الفور، ولا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة، ولأن عمر أقامه على ابن مظعون في مرضه، كذا قاله الأصحاب، أما إن كان الحد رجما لم يؤخر، لأنه لا فائدة فيه، إذا كان قتله متحتما، وإن كان جلدا، فإن كان لا يرجى برؤه، أقيم عليه الحد في الحال، بسوط يؤمن معه التلف.

(5)

أي لا يؤخر الحد، ولو رجي زواله، قاله الأصحاب، وعنه: يؤخر وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك والشافعي، لفعله صلى الله عليه وسلم، وفعل علي في التي هي حديثة عهد بنفاس، ولأن في تأخيره إقامة له على الكمال، من غير إتلاف، قال الموفق، فكان أولى، وحديث عمر في جلد قدامة، يحتمل أنه كان مرضا خفيفا، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقدم على فعل عمر، وهو اختيار علي وفعله.

ص: 308

ولا لحر أو برد ونحوه (1) فإن خيف من السوط لم يتعين (2) فيقام بطرف ثوب ونحوه (3) ويؤخر لسكر حتى يصحو (4)(ومن مات في حد فالحق قتله)(5) ولا شيء على من حده، لأنه أتى به على الوجه المشروع، بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم (6) .

(1) كضعف وفي خبر الجهنية، التي أمر بالإحسان إليها حتى تضع، وخبر الأمة التي قال لعلي إذا تعالت من نفاسها، إمهال البكر ونحوها، حتى تزول شدة الحر، والبرد والمرض المرجو زواله، وحكي الإجماع على ذلك، بخلاف الرجم، لأنه لقصد الإتلاف.

(2)

أي جلده بالسوط المتقدم وصفه، وفي الإقناع، يقام عليه بسوط يؤمن معه التلف.

(3)

كشمراخ النخل، فإذا أخذ ضغثا، وهو: عذق النخل، فيه مائة شمراخ، وضربه به واحدة، أو ضربة مرتين بخمسين أجزأ، لما رواه أحمد وغيره، وحسنه الحافظ، أنه صلى الله عليه وسلم قال:«اضربوه بعثكال فيه مائة شمراخ» وللآية.

(4)

ليحصل المقصود من إقامة الحد، وهو الزجر، وإن أقيم سقط، إن أحسن بالضرب، وإلا لم يسقط، لأنه لم يحسن بالضرب، فلم يوجد ما يزجره.

(5)

أي ومن مات في حد، بقطع أو جلد، وكذا بجلد في تعزير، لم يلزم تأخيره، فهو هدر عند جمهور العلماء، مالك، وأصحاب الرأي، والشافعي، إلا فيما زاد على الأربعين في الخمر عنده، والجمهور على خلافه، كالتعزير.

(6)

وكسراية القصاص، وقال الموفق: لا نعلم بين أهل العلم خلافا في سائر الحدود، أنه إذا أتى بها على الوجه المشروع، من غير زيادة لا يضمن من مات بها.

ص: 309

ومن زاد ولو جلدة، أو في السوط أو بسوط لا يحتمله فتلف المحدود، ضمنه بديته (1)(ولا يحفر للمرجوم في الزنا) رجلا كان أو امرأة (2) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفر للجهنية، ولا لليهودي (3) لكن تشد على المرأة ثيابها، لئلا تنكشف (4) ويجب في إقامة حد الزنا، حضور إمام أو نائبه (5) .

(1) لأنه تلف بعدوانه، فأشبه ما لو ضربه في غير الحد فوجب الضمان، قال الموفق: بغير خلاف نعلمه.

(2)

أما الرجل فبالإتفاق، حكاه الوزير وغيره، وسواء ثبت ببينة، أو إقرار قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، وأما المرأة، فمذهب مالك والشافعي، إن ثبتت بالبينة، وقال أبو حنيفة: الإمام بالخيار، وإن ثبت بإقرارها، فلا خلاف، لتترك على حال، لو أرادت الهرب تركت.

(3)

كما هو معلوم عند أهل العلم، بالحديث.

(4)

لما روى أبو داود: أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن تشد عليها ثيابها لئلا تنكشف وذلك أستر لها.

(5)

أو من يقوم مقامها، وكذا في كل حد لله، أو لآدمي كما في استيفاء القصاص، وصححه في الإنصاف، ومن أذن له الإمام، فهو نائبه، ويكفي حضوره لقوله «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» .

ص: 310

وطائفة من المؤمنين ولو واحدا (1) وسن حضور من شهد، وبداءتهم برجم (2) .

(1) أي ويجب في إقامة حد الزنا، حضور طائفة من المؤمنين، لقوله تعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ولو واحدا مع من يقيمه، لأن من يقيمه حاضر ضرورة، وهذا القول، روي عن ابن عباس، وفي المبدع: منقطع، والطائفة قيل: أقلها أربعة، وقيل ثلاثة، وقيل اثنان، وقيل واحد، وهو قول لأحمد.

(2)

وبإقراره بداءة إمام أو نائبه، ثم الناس، لما روي عن علي، ولأن فعل ذلك أبعد من التهمة في الكذب عليه، ومتى رجع مقر قبل أن يقام عليه، أو في أثنائه، أو هرب ترك وببينة فلا، وإن اجتمعت حدود لله، وفيها قتل، استوفي وسقط سائرها، ومن جنس تتداخل، لا إن أقيم ثم حدث آخر، ومن أجناس تستوفى كلها قال في المبدع بغير خلاف، ومن قتل أو سرق خارج الحرم، ثم لجأ إليه، لم يعامل حتى يخرج، ليستوفى منه، وفيه يستوفى منه فيه، بلا خلاف، ولقوله:{حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} الآية.

قال الشيخ: وإن تعدى أهل مكة على الركب دفع الركب، كما يدفع الصائل، وللإنسان أن يدفع معهم، بل يجب إن احتيج إليه، قال ابن القيم: والطائفة الممتنعة به من المبايعة لا تقاتل لا سيما إن كان لها تأويل، وأما حرم المدينة، وسائر البقاع، والأشهر الحرم، وغيرها، كرمضان، فلا يمتنع فيها إقامة حد، ولا قصاص، قال الشيخ: وغلظ المعصية وعقابها، بقدر فضيلة الزمان والمكان.

ص: 311