الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العاقلة وما تحمله
(1)
(عاقلة الإنسان) ذكور (عصباته كلهم، من النسب والولاء (2) قريبهم) كالإخوة (3)(وبعيدهم) كابن بن بن عم جد الجاني (4)(حاضرهم وغائبهم (5))
(1) العاقلة: العصبة، لغة وشرعا، وسميت أقاربت القاتل عاقلة، لأنهم يعقلون عنه، ويقال لأن الإبل تعقل بفناء أولياء المقتول، ولذا سميت الدية عقلا، وقيل: لأنها تعقل لسان أولياء المقتول.
(2)
كالمعتق وأبنائه، قال ابن رشد: عند الجمهور، إذا عجزت عنه العصبة، وقال الموفق: سائر العصبات من العاقلة، بعدوا أو قربوا من النسب، والمولى وعصبته، وهو قول عمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم، ولأن الموالي من العصبة.
(3)
مثل بهم، لما روي عن أحمد أنهم ليسوا من العاقلة، كما هو ظاهر الخرقي، وغيره يجعلونهم من العاقلة بكل حال، وقال الموفق: لا نعلم عن غيرهم خلافهم.
(4)
لأنهم عصبته، يرثون المال إذا لم يكن وارث أقرب منهم فيدخلون في العقل كالقريب لقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العصبة، وإن لم يرثوا وقال الشيخ الإسلام: أمر عمر أهله أن يقضوا دينه من أموال عصبة عاقلته بني عدي وقريش فإن عاقلة الرجل هم الذين يحملون كله.
(5)
وهو قول أبي حنيفة، للخبر، ولاستوائهم في العصب، فاستووا في التحمل.
حتى عمودي نسبه وهم آباء الجاني وإن علوا، وأبناؤه وإن نزلوا (1) سواء كان الجاني رجلا أو امرأة (2) لحديث أبي هريرة «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان، سقط ميتا، بغرة عبد أو أمة (3) ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة، توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لزوجها وبنتيها، وأن العقل على عصبتها» متفق عليه (4) .
(1) وهو قول جمهور العلماء حكاه الموفق وغيره: وقال الشيخ: أبو الرجل وابنه من عاقلته، عند الجمهور، كأبي حنيفة، مالك، وأحمد في أظهر الروايتين عنه، ولأنهما أحق بنصرته من غيرهما فوجب أن يحملا عنه، كالإخوة.
(2)
بلا نزاع.
(3)
الجنين: حمل المرأة ما دام في بطنها، سمي بذلك لاستتاره، فإن خرج حيا فولد، وإلا فسقط، والغرة أصلها البياض في وجه الفرس، وكأنه عبر بالغرة عن الجسم كله، كما قالوا اعتق رقبته، وأقل ما يجزئ من العبد والأمة ما سلم من العيوب، التي يثبت بها الرد في المبيع.
(4)
في لفظ: وقضى بدية المرأة على عاقلتها، أي قرابتها من قبل الأب وهم عصبته، وهم الذين يعقلون الإبل على باب المقتول.
فدل الحديث على أن دية الخطأ على العاقلة، وأجمع العلماء على ذلك، وفي رواية عن جابر: جعل دية المقتول على عاقلتها، وبرأ زوجها وولدها، ورواه أبو داود، وهو رواية عن أحمد فإذا خرج الولد قيس عليه الوالد، لأنه في معناه، ويشهد لما فرعوا عليه، ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا، إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، ولأنهم عصبة فأشبهوا سائر العصبات، لأن العقل مبناه على التناصر وهم من أهله، وتقدم أنه قول الجمهور، واختيار الشيخ وغيره.
وتقدم اتفاق العلماء، على أن الدية في قتل الخطأ على عاقلة القاتل، وأنها إنما تحمل الخطأ لا العمد بلا نزاع، وأن في شبه العمد نزاع، الأظهر أنها لا تحمله، وأن إيجاب الدية في مال المخطئ ضرر عظيم به، من غير ذنب تعمده، ولا بد من إيجاب بدل المقتول، فالشارع أوجب على من عليهم موالاته ونصرته، أن يعينوه على ذلك، فكان كإيجاب النفقات وفكاك الأسير، قال ابن القيم: ومعلوم أن هذا من أصول الشرائع، التي بها قيام مصلحة العالم.
يقال عقلت عن فلان، إذا غرمت عنه دية جنايته (1) ولو عرف نسبه من قبيلة، ولم يعلم من أي بطونها، لم يعقلوا عنه (2) ويعقل هرم، وزمن وأعمى أغنياء (3) .
(1) وبعبارة أخرى، يقال عقلت فلانا إذا أعطيت ديته، وعقلت عنه إذا أديت عنه دية جنايته، وغير ذلك مما تقدم.
(2)
لأنهم لا يرثونه، كما لو قتل قرشي، ولم يعلم من أي بطون قريش، لم تعقل قريش عنه، لأن كل قوم منهم ينتسبون إلى أب يتميزون به، ولا يعقل مولى الموالاة، ولا الحليف، وهو مذهب الشافعي.
(3)
الهرم أقصى الكبر، والزمن المقعد، فيعقل الثلاثة كشاب، وصحيح، وبصير، كذا غائب كحاضر، لكونهم من أهل المواساة، والوجه الثاني: لا يعقل الشيخ الفاني، ولا المريض إذا بلغ حد الزمانة، ولا الأعمى لأنهم ليسوا من أهل النصرة، كالصبي فالله أعلم.
(ولا عقل على رقيق) لأنه لا يملك، ولو ملك فملكه ضعيف (1)(و) لا على (غير مكلف) كصغير ومجنون (2) لأنهما ليسا من أهل النصرة (3) .
(ولا) على فقير لا يملك نصاب زكاة عند حلول الحول فاضلا عنه (4) كحج وكفارة ظهار، ولو معتملا، لأنه ليس من أهل المواساة (5)(ولا أنثى)(6) .
(1) ولأنه أسوأ حالا من الفقير، وهو قول جمهور العلماء.
(2)
ولا امرأة قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن المرأة والصبي الذي لم يبلغ، لا يعقلان مع العاقلة.
(3)
ولأن الحمل إنما هو للتناصر، وهما ليس من أهله، فلا عقل عليهما.
(4)
قال الموفق وغيره: أجمعوا على أن الفقير لا يلزمه شيء من العقل، وهو قول مالك والشافعي، وأصحاب الرأي.
(5)
أي كما أن الفقير لا يلزمه حج ولا كفارة ظهار، فلا يلزمه عقل ولو كان معتملا أي: صاحب حرفة، لأن حمل العاقلة مواساة، والفقير ليس من أهل المواساة، فلا يلزمه عقل، لأنه وجب على العاقلة تخفيفا عن القاتل، فلا يجوز التثقيل على الفقير، لأنه كلفة ومشقة، ومن صار عند الحول أهلا من العاقلة، كصبي بلغ، ومجنون عقل، لزمهما ما كان يلزمه، لو كان كذلك جميع الحول.
(6)
أي: ولا عقل على أنثى، وهو مذهب الجمهور، وتقدم قول ابن المنذر: إن المرأة والصبي الذي لم يبلغ لا يعقلان، ولأن فيها معنى التناصر، وليست المرأة من أهل النصرة.
ولا مخالف لدين الجاني (1) لفوات المعاضدة والمناصرة (2) ويتعاقل أهل ذمة اتحدت مللهم (3) وخطأ إمام وحاكم في حكمهما، في بيت المال (4) ومن لا عاقلة له، أو له وعجزت، فإن كان كافرا فالواجب عليه (5) وإن كان مسلما فمن بيت المال، حالا إن أمكن، وإلا سقطت (6) .
(1) فلا يعقل يهودي عن نصراني، ولا نصراني عن يهودي، لأنهم أهل ملتين مختلفتين فلا تعاقل بينهم، كما لا توارث، ولا يعقل المرتد أحد، لا مسلم ولا ذمي، لأنه لا يقر، فخطؤه في ماله، وكذا كل من لا تحمل عاقلته جنايته، يكون موجبها في ماله، كسائر الجنايات التي لا تحملها العاقلة.
(2)
أي من المرأة، ومن مخالف لدين الجاني، فلا تعقل المرأة لذلك، ولا يعقل عن الجاني من باين دينه، وظاهر كلامه، أنه لا فرق بين الولاء وغيره، هنا، ومقتضى قوله في الكافي، بناء على ثوريثهم أن المباين في الدين، يعقل في الولاء دون النسب، كما يرث ذو الولاء، مع مباينة الدين دون النسب
(3)
كما يتوارثون، ولأنهم من أهل النصرة، كالمسلمين، وإن كان أحدهما ذميا والآخر حربيا فلا تعاقل، ولو اتحدت مللهم، كما صرحوا به.
(4)
فلا تحمله عاقلتهما لأنه يكثر فيجحف بالعاقلة، ولأن الحاكم والإمام نائبان عن الله، فيكون أرش خطئهما في مال الله، وأما خطؤهما في غير حكم، كرميهما صيدا فيصيب آدميا، فعلى عاقلتهما، كخطأ غيرهما.
(5)
في ماله، حالا لأن بيت المال لا يعقل عنه.
(6)
أي وإن كان الجاني خطأ مسلما، لا عاقلة له أوله، وعجزت عن الكل أو البعض فأرش جنايته من بيت المال حالا، لأنه صلى الله عليه وسلم ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر من بيت المال، وروي عن عمر وعلي، ولأنه إذا لم يكن له وارث، صرف ماله لبيت المال، وهذا مذهب الشافعي.
وقوله: وإلا سقطت أي وإن لم يكن له عاقلة، أو عجزت ولم يصرف من بيت المال، سقطت ديته، وتقدم قول الشيخ: وتؤخذ الدية من الجاني خطأ عند تعذر العاقلة، في أصح قولي العلماء، اهـ وهو في غاية القوة، ولأنها تجب على القاتل ابتداء، ثم تتحملها العاقلة عنه، ولو قيل بوجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم، أما مع عدمهم فلا يمكن القول بوجوبها عليهم.
وقال الموفق: يحتمل أن تجب في القاتل، إذا تعذر حملها عنه، وهو القول الثاني للشافعي لعموم قوله:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} ولأن قضية الدليل وجوبها على الجاني، جبرا للمحل الذي فوته، وإنما سقط عن القاتل، لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل، فإذا لم يوجد ذلك بقي واجبا عليه بمقتضى الدليل اهـ.
(ولا تحمل العاقلة عمدا محضا)(1) ولو لم يجب به قصاص كجائفة ومأمومة (2) .
(1) قال ابن القيم وغيره: بلا نزاع، وقال الموفق: لا خلاف في أنها لا تحمل دية ما يجب فيه القصاص، وأكثر أهل العلم أنها لا تحمل العمد بحال، وروي عن ابن عباس، ولا نعرف له في الصحابة مخالفا، فيكون إجماعا اهـ وللدارقطني عن عمر نحوه، وفي الموطأ عن الزهري، مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن تشاء.
(2)
للعموم ولأنها جناية عمد، فلا تحملها العاقلة كالموجبة للقصاص، لأن حمل العاقلة إنما يثبت في الخطأ.
لأن العامد غير معذور، فلا يستحق المواساة (1) وخرج بالمحض شبه العمد فتحمله (2)(ولا) تحمل العقل أيضا (عبدا) أي قيمة عبد، قتله الجاني، أو قطع طرفه، ولا تحمل أيضا جنايته (3)(ولا) تحمل أيضا (صلحا) عن إنكار (4)(ولا اعترافا لم تصدق به) بأن يقر على نفسه بجناية، وتنكره العاقلة (5) .
(1) ولا التخفيف، ولا يوجد فيه المقتضي للحمل عنه، فوجبت جنايته في ماله.
(2)
صرح به في الإقناع وغيره، لأنه لا يوجب قصاص، كالخطأ وذكره الموفق: قول أكثر أهل العلم، وقال ابن القيم: وفي شبه العمد نزاع، الأظهر أنها لا تحمله فالله أعلم.
(3)
قال ابن القيم: لأنه سلعة من السلع، ومال من الأموال، فلو حملت بدله، لحملت بدل الحيوان والمتاع.
(4)
لأنه إنما يثبت بفعله واختياره، فلم تحمله العاقلة، وذلك: أن يدعى عليه ويصالح عن ذلك، ويأتي أثر ابن عباس: أنها لا تحمل عمدا، ولا اعترافا ولا صلحا في عمد، وأنه لا مخالف له.
(5)
وقال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، وهو قول الأئمة الأربعة وغيرهم، وقال ابن القيم: وذلك أن المدعي والمدعى عليه، قد يتواطآن على الإقرار بالجناية ويشتركان فيما تحمله العاقلة، ويتصالحان على تغريم العاقلة، فلا يسري إقراره ولا صلحه فلا يجوز إقراره في حق العاقلة، ولا يقبل قوله فيما يجب عليها من الغرامة، اهـ ويصح إقراره ويضمن ما اعترف به.
روي ابن عباس مرفوعا: «لا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا» ، وروي عنه موقوفا (1) (ولا) تحمل العاقلة أيضا (ما دون ثلث الدية التامة) أي دية ذكر حر مسلم (2) لقضاء عمر: أنها لا تحمل شيئا، حتى يبلغ عقل المأمومة (3) إلا غرة جنين مات بعد أمه (4) أو معها بجناية واحدة، لا قبلها (5) .
(1) رواه أحمد والبيهقي وهو المشهور، قال الموفق وغيره: لم نعرف له في الصحابة مخالفا، فيكون إجماعا.
(2)
وهو قول مالك وغيره من السلف.
(3)
ولقلته، واحتمال الجاني حمله، ولأن مقتضى الأصل وجوب الضمان على الجاني، لأنه موجب جنايته، وبدل متلفه، فكان عليه كسائر الجنايات والمتلفات وإنما خولف في الثلث تخفيفا عنه، لكونه كثيرا يجحف به.
(4)
بجناية واحدة، لأن الجناية واحدة، فتبعها مع زيادتها على الثلث، فحملتها العاقلة، كالدية الواحدة، لخبر المغيرة، وحديث أبي هريرة.
(5)
أو إلا دية جنين، مات مع أمه، بجناية واحدة، فتحملها العاقلة، أيضا، لا إن مات الجنين قبل أمه، مع اتحاد الجناية، فلا تحملها العاقلة، لنقصه عن الثلث، ولا تبعية لموته قبلها، نص عليه.
فالعمد المحض، والعبد وصلح الإنكار والاعتراف، وما دون ثلث الدية في مال الجاني حالا، لأن الأصل وجوبها عليه حالا، لأنه بدل متلفه، وكذا الغرة إن مات قبل أمه، وعمد الصبي المجنون خطأ، تحمله العاقلة.
ويؤجل ما وجب بشبه العمد والخطأ، على ثلاث سنين (1) ويجتهد الحاكم في تحميل كل منهم، ما يسهل عليه (2) ويبدأ بالأقرب فالأقرب (3) لكن تؤخذ من بعيد، لغيبة قريب (4) .
(1) لقول عمر وعلي، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، فكان إجماعا وحكى الوزير وابن رشد: اتفاقهم على أن دية الخطأ، مؤجلة على العاقلة ثلاث سنين، وأن دية العمد حالة إلا أن يصطلحا على التأجيل، وقال الشيخ: لا تؤجل على العاقلة، إذا رأى الإمام المصلحة فيه، ونص على ذلك أحمد رحمه الله.
(2)
قال الموفق: لا خلاف بين أهل العلم في أن العاقلة لا تكلف من العقل ما يجحف بها ويشق عليها، اهـ فيجتهد الحاكم في تحميل كل من العاقلة ما يسهل عليه لأن ذلك مواساة للجاني، وتخفيف عنه، فلا يشق على غيره، فيفرض على كل واحد قدرا يسهل، ولا يؤذي، وهو مذهب مالك، وذلك حيث أنه لا نص فيه، فرجع إلى اجتهاد الحاكم، كتقدير النفقات، وعن أحمد: يتحمل الغني زيادة على المتوسط، وقاله مالك والشافعي.
(3)
أي ويبدأ الحاكم بقسمة الدية، بين العاقلة، الأقرب فالأقرب، فيقسم على الآباء والأبناء، ثم الإخوة، ثم بنيهم، ثم الأعمام ثم بنيهم، وهكذا كالميراث.
(4)
فإن اتسعت أموال الأقربين لها، لم يتجاوزهم وإن لم يتسعوا دخل من هو أبعد منهم، وهكذا حتى يدخل فيهم أبعدهم درجة، على حسب الميراث وهذا مذهب الشافعي.