الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العفو عن القصاص
(1)
أجمع المسلمون على جوازه (2)(يجب بـ) القتل (العمد القود، أو الدية، فيخير الولي بينهما)(3) لحديث أبي هريرة مرفوعا «من قتل له قتيل، فهو بخير النظرين، إما أن يؤدي وإما أن يقاد» رواه الجماعة إلا الترمذي (4) .
(1) العفو: المحو والتجاوز والإسقاط، وكان القصاص حتما على اليهود، ومحرم عليهم العفو والدية، وكانت الدية حتما على النصارى، وحرام عليهم القصاص، فخيرت هذه الأمة تخفيفا ورحمة، والأصل في العفو، الكتاب والسنة والإجماع.
(2)
حكاه الموفق وغيره: وفيه فضل عظيم، جاء به الكتاب والسنة.
(3)
هذاالمشهور في المذهب، وقول الشافعي، ورواية عن مالك، والخيرة في ذلك إلى الولي، إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا إلى غير شيء، وهو أفضل كما يأتي، وقال الشيخ مطالبة المقتول بالقصاص توجب تحتمه، فلا يمكن الورثة بعد ذلك من العفو، وقال: استيفاء الإنسان حقه من الدم عدل، والعفو عنه إحسان، والإحسان هنا، أفضل، لكن هذا الإحسان، لا يكون إحسانا إلا بعد العدل، وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر، وإلا كان ظلما إما لنفسه وإما لغيره، قال في الإنصاف: وهو عين الصواب.
(4)
من قتل له قتيل أي قريب كان حيا، فصار قتيلا بذلك القتل فهو أي ولي المقتول، بخير النظرين، يعني القصاص، والدية، أيها اختار كان له.
وقال الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أوجب تعالى
الاتباع بمجرد العفو، ولو وجب بالعمد القصاص عينا لم تجب الدية عند العفو المطلق، فدلت الآية والحديث: على أنه يخير الولي بينهما، فإن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية.
(وعفوه) أي عفو ولي القصاص (مجانا) أي من غير أن يأخذ شيئا (أفضل)(1) لقوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} (2) ولحديث أبي هريرة مرفوعًا: «ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا» رواه أحمد، ومسلم والترمذي (3) .
(1) بلا نزاع.
(2)
وقوله: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} وقوله: {فمن عفي وأصلح فأجره على الله} .
(3)
ولأحمد من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه صلى الله عليه وسلم أقسم على ثلاث منها «ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة» ولأبي داود عن أنس: لا يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر في القصاص إلا أمر فيه بالعفو، فدلت هذه الأحاديث وما في معناها، على مشروعية العفو في الجملة، والترغيب فيه، واستحبابه، والجمهور على أنه أولى من الترك.
قال ابن رشد: ومن لهم العفو بالجملة فهم الذين لهم القيام بالدم، والذين لهم القيام بالدم، هم العصبة عند مالك، وعند غيره كل من يرث، وعمدتهم اعتبارهم الدم بالدية اهـ ولأبي داود، على المقتتلين يعني أولياء القتيل أن ينحجروا الأول فالأول أي الأقرب فالأقرب، وإن كان امرأة قال الموفق: وأكثر أهل العلم، على أن عفو المرأة جائز كالرجل، اهـ.
وأما قتل الغيلة، فاختار الشيخ، أن العفو لا يصح في قتل الغيلة لتعذر
الاحتراز منه، كالقتل مكابرة، ذكر القاضي وجها في قاتل الأئمة يقتل حدا، لأن فساده عام، وذكر ابن القيم على قصة العرنيين أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدا، فلا يسقطه العفو، ولا تعتبر فيه المكافأة، وهو مذهب أهل المدينة، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، واختيار الشيخ، وأفتى به رحمه الله، وأما ولي الصغير، والمجنون، فليس له العفو على غير مال، لأنه لا يملك إسقاط حقه.
ثم لا تعزير على جان (1)(فإن اختار) ولي الجناية (القود أو عفا عن الدية فقط) أي دون القصاص (2)(فله أخذها) أي أخذ الدية (3) لأن القصاص أعلى، فإذا اختاره لم يمتنع عليه الانتقال إلى الأدنى (4)(و) له (الصلح على أكثر منها) أي من الدية (5) .
(1) لأنه إنما عليه حق واحد، وقد سقط كعفو عن دية قاتل خطأ، وتقدم قول الشيخ: إن العفو إحسان، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا، إلا بعد العدل إلى الدية.
(2)
لأن الواجب أحد شيئين لا بعينه، سواء عفا عن القصاص مطلقا، أو إلى الدية.
(3)
لما فيه من المصلحة له وللجاني، حيث أن الواجب غير معين، فإذا ترك أحدهما تعين الآخر، فإن اختار القصاص تعين لذلك، وإن اختار بعد ذلك العفو، إلى الدية فله ذلك، جزم به القاضي وغيره، وهو المشهور في المذهب، وقول غير واحد من السلف.
(4)
وهو الدية لأنها أقل من حقه، وتكون بدلا عن القصاص.
(5)
أي لمن وجب له القصاص، الصلح على أكثر من الدية، وتقدم في باب الصلح.
وله أن يقتص لأنه لم يعف مطلقا (1) .
(وإن اختارها) أي اختار الدية فليس له غيرها (2) فإن قتله بعد قتل به، لأنه أسقط حقه من القصاص (3) (أو عفا مطلقا) بأن قال: عفوت: ولم يقيده بقصاص ولا دية فله الدية (4) لانصراف العفو إلى القصاص، لأنه المطلوب، الأعظم (5) .
(1) أي عن القصاص والدية، فله أحدهما، لما تقدم، وإن مات الجاني، أو قتل، فاختار الشيخ أن يسقط القصاص بموته وبقتله، وبكل ما يثبت عنهما
وسواء كان معسرا أو موسرا، وسواء قلنا: الواجب القصاص عينا، أو أحد شيئين.
(2)
لتعينها باختياره، وسقوط القود، قال أحمد: إذا أخذ الدية فقد عفا عن الدم، ولا يملك طلبه بعد اختيار الدية، لأنه إذا سقط لا يعود.
(3)
فصار قتله عمدا عدوانا، حيث قتله بعد اختيار الدية، وقال الشيخ: فمن قتل بعد العفو، أو أخذ الدية، فهو أعظم جرما ممن قتل ابتداء، قال بعض الفقهاء، إنه يجب قتله حدا، ولا يكون أمره إلى أولياء المقتول قال تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي الحديث «لا أعفي» أي لا أدع ولا أتركه، بل أقتص منه، يؤيده لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية.
(4)
أو عفا عن القود مطلقا، ولم يقل على مال أو بلا مال، ولو كان العفو على يد المجني عليه، أو رجله ونحوهما، فله الدية، ولا تسقط الدية، ما لم يصرح بها حيث يعفو عن القود.
(5)
وفي مقابلة الانتقام، والانتقام إنما يكون بالقتل، وإن قال: عفوت عن جنايتك أو عفوت عنك، برئ من الدية، كالقود قولا واحدا، لأن عفوه
عن ذلك يتناولهما، وإن عفا أولياء المقتول عن القاتل، بشرط أن لا يقيم في هذا البلد، ولم يف بهذا الشرط، فقال الشيخ: لم يكن العفو لازما، بل لهم أن يطالبوه بالدية، في قول أكثر العلماء، وقال: ولاية القصاص والعفو عنه، ليست عامة لجميع الورثة، بل تختص بالعصبة، وهو مذهب مالك، وتخرج رواية عن أحمد.
(أو هلك الجاني فليس له) أو لولي الجناية (غيرها) أي غير الدية من تركة الجاني، لتعذر استيفاء القود، كما لو تعذر في طرفه (1)(وإذا قطع) الجاني (إصبعا عمدا فعفا) المجروح (عنها ثم سرت) الجناية (إلى الكف أو النفس، وكان العفو على غير شيء فـ) السراية (هدر)(2) لأنه لم يجب بالجناية شيء، فسرايتها أولى (3) .
(1) أي طرف الجاني، بأن قطع يدا، وتعذر قطع يده لشللها، أو ذهابها ونحوه، فإن لم يخلف جان عمدا تركة، ضاع حق المجني عليه، ولا تحمله العاقلة لأنها لا تحمل العمد المحض.
(2)
قدمه في المقنع، وجزم به في الوجيز، وتبعه في المنتهى.
(3)
واختار الموفق والشارح: أنه له تمام الدية، وفي الإنصاف، وهو المذهب وجزم به في الإقناع، وهو مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: تجب كاملة، ويقال: سقطت ديتها بعفوه عنها، فاختص السقوط بما عفا عنه، دون غيره والمعفو عنه عشر الدية، وإن قال: عفوت عن هذه الجناية فلا شيء له، رواية واحدة، كما تقدم، بخلاف ما لو قال: عفوت عن هذا الجرح، وكل عفو عما أوجب المال عينا، كالخطأ فمن الثلث، وإن كان عما أوجب قودا فمن أصل التركة.
(وإن كان العفو على مال فله) أي للمجروح (تمام الدية) أي دية ما سرت إليه (1) بأن يسقط من دية ما سرت إليه الجناية أرش ما عفا عنه، ويجب الباقي (2) .
و (إن وكل) ولي الجناية (من يقتص) له (ثم عفا) الموكل عن القصاص (فاقتص وكيله ولم يعلم) بعفوه (فلا شيء عليهما) لا على الموكل لأنه محسن بالعفو (3) .
و {ما على المحسنين من سبيل} (4) ولا على الوكيل لأنه لا تفريط منه (5) وإن عفا مجروح عن قود نفسه أو ديتها صح كعفو وارثه (6) .
(1) وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وحكي عن مالك وجوب القصاص، وإذا لم يجب فيها قصاص مع إمكانه، فلأن لا يجب في سرايتها أولى.
(2)
لأن حق المجني عليه، فيما سرت إليه الجناية، لا فيما عفا عنه، وإن ادعى عفوه عن قود ومال، أو عنها وعن سرايتها، فقال: بل إلى مال، أو دون سرايتها، فقول عاف بيمينه لأن الأصل عدم العفو.
(3)
ولا يقتضي وجوب الضمان.
(4)
فدل عموم الآية، أن الإحسان بالعفو، يقتضي عدم الرجوع عليه.
(5)
فإن العفو حصل على وجه، لا يمكن الوكيل استدراكه، فلم يلزمه ضمان.
(6)
أي كما يصح عفو وارثه، لأن الحق له، قال في الإقناع، وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح، سواء كان بلفظ العفو أو الوصية، أو الإبراء، أو غير ذلك، وإن طالب المقتول، بالقصاص، فتقدم قول الشيخ: مطالبة المقتول بالقصاص توجب تحتمه، فلا يمكن الورثة بعد ذلك من العفو.
(وإن وجب لرقيق قود (1) أو) وجب له (تعزير قذف فطلبه) إليه (وإسقاطه إليه) أي إلى الرقيق دون سيده، لأنه مختص به (2)(فإن مات) الرقيق بعد وجوب ذلك له (فلسيده) طلبه وإسقاطه، لقيامه مقامه، لأنه أحق به، ممن ليس له فيه ملك (3) .
(1) فطلبه وإسقاطه إلى الرقيق، لأنه مختص به، والقصد منه التشفي.
(2)
ولا حق للسيد فيه إلا أن يموت العبد.
(3)
فاختص به السيد، لاختصاصه بمنافعه، وفواتها عليها بالجناية عليه، وقيامه مقامه، وهو ماله فإتلافه عليه، كسائر متلفاته.