المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب القطع في السرقة - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٧

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الظهار

- ‌التوأمان المنفيان أخوان لأم

-

- ‌كتاب العدد

- ‌من انقضت عدتها قبل موته

- ‌باب الاستبراء

- ‌كتاب الرضاع

-

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب نفقة الأقاربوالمماليك من الآدميين والبهائم

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌بابشروط وجوب القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفسمن الأطراف والجراح

- ‌ القصاص فيما دون النفس (نوعان

-

- ‌كتاب الديات

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌باب الشجاج وكسر العظام

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌باب القسامة

-

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

-

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌باب جامع الأيمان المحلوف بها

- ‌باب النذر

-

- ‌باب آداب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌لا يحكم) القاضي (بعلمه)

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

-

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب موانع الشهادة وعدد الشهودوغير ذلك

- ‌فصل في عدد الشهود

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

- ‌نبذة مختصرة عن مؤلفي هذا الكتاب، وتاريخ وموضوع كل مجلد، والإشراف على الطبع

الفصل: ‌باب القطع في السرقة

‌باب القطع في السرقة

(1)

وهي: أخذ مال على وجه الاختفاء، من مالكه أو نائبه (2)(إذا أخذ) المكلف (الملتزم) مسلما كان أو ذميا، بخلاف المستأمن ونحوه (3)(نصابا من حرز مثلهن من مال معصوم) بخلاف حربي (4) .

(1) أي هذا باب في بيان حكم القطع في السرقة، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وقال صلى الله عليه وسلم «تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا» وأجمع المسلمون: على وجوب قطع السارق في الجملة.

(2)

كوكيله من حرز مثله، واتفق أهل العلم: على وجوب قطع السارق، والسارقة في الجملة، إذا جمع أوصافا، منها الشيء المسروق، الذي يقطع في جنسه، ونصاب السرقة، وأن يكون السارق على أوصاف مخصوصة، وأن تكون السرقة على أصاف مخصوصة، أن يكون المسروق منه مخصوصا، كما سيأتي.

(3)

قال الموفق وغيره: أما قطع المسلم بالسرقة من مال الذمي، وقطع الذمي بالسرقة، من مال المسلم، فلا نعلم فيه خلافا، قالوا: وأما الحربي إذا دخل إلينا مستأمنا فسرق، فإنه يقطع أيضا، قال: لأنه حد يطالب به، فوجب كحد القذف، وكذا المسلم يقطع بسرقته ماله، لأنه سرق مالا معصوما، لا شبهة له فيه من حزر مثلهن فوجب قطعه، كسرقة مال الذمي، ويقطع المرتد إذا سرق، فإن أحكام الإسلام جارية عليه.

(4)

غير المستأمن، لجواز قتله إذا دخل بدون أمان، أو دخل مسلم دار حرب بدون أمان.

ص: 353

(لا شبهة له فيه، على وجه الاختفاء قطع)(1) لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (2) ولحديث عائشة «تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا» (3)(فلا قطع على منتهب) وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة (4)(ولا مختلس) وهو الذي يخطف الشيء ويمر به (5) .

(1) بهذه الشروط، وهي: التكليف والنصاب والحرز، وكون المال محترما، لا شبهة له فيه، وثبوتها بشهادة أو إقرار، ومطالبة المسروق منه، على ما يأتي تفصيله.

(2)

وقرأ ابن مسعود {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} قال الشيخ: وبذلك مضت السنة والحكم عند جميع أهل العلم، موافق لهذه القراءة لا بها، فالقراءة عند الجمهور {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فدلت الآية: على وجوب قطع يد السارق والسارقة، إذا جمع الأوصاف المعروفة، عند أهل العلم.

(3)

متفق عليه، ولأحمد «ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك» وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وأتى عثمان بسارق أترجة قومت بثلاثة دراهم، فقطعه وعلي قطع في ربع دينار، ولذلك اشترط الجمهور نصاب السرقة، ربع دينار من الذهب، وثلاثة دراهم من الفضة.

(4)

من النهبة، وهي: الغارة والسلب، والمراد هناك هو ما كان على جهة الغلبة والقهر، ومرأى من الناس فيمكنهم الأخذ على يديه وتخليص حق المظلوم ولأبي داود مرفوعا ليس على المنتهب قطع، وهو اتفاق.

(5)

والاختلاس: نوع من الخطف والنهب، من اختلسه إذا سلبه لكن

من غير غلبة ولا يخلو من نوع تفريط، فربما استخفى في ابتداء اختلاسه، دون آخره، وإلا فمع كمال التحفظ لا يمكنه الاختلاس، وسمي مختلسا تصويرا لقبح تلك الفعلة.

ص: 354

(ولا غاصب ولا خائن في وديعة، أو عارية أو غيرها)(1) لأن ذلك ليس بسرقة (2) لكن الأصح: أن جاحد العارية يقطع، إذا بلغت نصابا (3) .

(1) الغاصب: تقدم والخائن، هو آخذ المال خفية من مالكه، مع إظهاره له النصيحة والحفظ، ولأبي داود والترمذي ليس على الخائن والمختلس قطع، وقال الموفق: لا يقطع جاحد الوديعة ولا غيرها، من الأمانات، لا نعلم فيه خلافا.

(2)

أي لأنه هذه الخصال المذكورة، ليست بسرقة يجب القطع فيها، للأخبار واتفاق الأئمة، قال الوزير: اتفقوا على أن المختلس والمنتهب والغاصب، على عظم جنايتهم وآثامهم لا قطع على واحد منهم اهـ ويسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال، والسجن الطويل، والعقوبة بأخذ المال.

وقال ابن القيم: إنما قطع السارق، دون المنتهب، والمغتصب، لأنه لا يمكن التحرز منه، فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز، ويكسر القفل، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة ولهذا قطع النباش.

وقال: قصر طائفة في لفظ السارق، حيث أخرجوا منه نباش القبور، ولو أعطوا لفظ السارق حقهن لرأوا أنه لا فرق في حده ومسماه، بين سارق الأثمان وسارق الأكفان، وأن إثبات هذا ونحوه بالنصوص، اهـ، وقطع النباش هو مذهب مالك والشافعي وأحمد، وقال: يجب على من سرق من أستار الكعبة، ما يبلغ ثمنه نصابا.

(3)

قطع به في الإقناع، وغيره.

ص: 355

لقول ابن عمر: «كانت مخزومية، تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها» رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وقال أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه (1)(ويقطع الطرار) وهو (الذي يبط الجيب أو غيره ويأخذ منه)(2) أو بعد سقوطه، إن بلغ نصابا، لأنه سرقة من حرز (3)(ويشترط) للقطع في السرقة ستة شروط (4) .

(1) ورواه مسلم من حديث عائشة قالت: «كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها» وكانت تستعير الحلي، وجحدته فقال صلى الله عليه وسلم «تجدوه تحت فراشها، فأخذوه، وأمر بها فقطعت» فدل على أنه يجب القطع على جاحد العارية، وإن كان الجمهور على خلافه، فقد قال ابن القيم: الجحد داخل في اسم السرقة، وهو الصحيح، لموافقة القياس والحكمة فلا يمكن المعير الإشهاد، ولا الإحراز، بمنع العارية شرعا وعادة، وعرفا.

ولا فرق بين من توصل إليه بالسرقة، أو العارية وجحدها، وقال: ضرره مثل ضرر السارق، أو أكثر، وترتيب القطع على جاحدها، طريق إلى حفظ أموال الناس، وفي رواية الميموني عن أحمد: هو حكم من النبي صلى الله عليه وسلم ليس يدفعه شيء.

(2)

خفية، لأنه سارق من حرز، وكذا لو سرق من كمه، أو صفنه بعد بطه أو أدخل يده في الجيب، فأخذ ما فيه.

(3)

أي أو بطه وأخذ ما فيه بعد سقوطه، إن بلغ المسروق نصابا، لأنه سرقة، من حرز، فوجب القطع، قدمه الموفق وغيره، وجزم به في الإقناع، وغيره.

(4)

وعدها بعضهم سبعة، وبعضهم ثمانية، ومنها ما هو مختلف في اشتراطه.

ص: 356

أحدها (أن يكون المسروق ما لا محترما)(1) لأنه ما ليس بمال لا حرمة له (2) ومال الحربي، تجوز سرقته بكل حال (3)(فلا قطع بسرقة آلة لهو) لعدم الاحترام (4)(ولا) بسرقة (محرم كالخمر)(5) وصليب (6) وآنية فيها خمر (7) .

(1) سواء كان مما يسرع إليه الفساد، كالفاكهة أولا، وسواء كان ثمينا كالمتاع والذهب، أولا، كالخشب والقصب، ويقطع بسرقة الأحجار والصيد، والجص والزجاج وغيره، وهو قول مالك والشافعي.

(2)

ولا يساوي المال، فيلحق به.

(3)

أي بكل طريق يتوصل به إليه، وجواز الأخذ منه ينفي وجوب القطع، فليس بملك لهم حقيقة، ولا قطع بسرقة وقف أو غلته على غير معين، ككتب علم وسلاح على طلبة وغزاة، أو على مساجد، لأنه تعيين صفة، لا تعيين أشخاص، لا وقف على معين، وليس من مستحقيه، لأنه مال محترم لغيره، ولا شبهة له فيه.

(4)

آلة اللهو: كطنبور ومزمار، وشبابة وعود، لأنه معصية إجماعا، فلم يقطع بسرقته كالخمر.

(5)

والخنزير والميتة والصنم.

(6)

لأنه مجمع على تحريمه، ولأن للسارق شبهة في أخذه ليكسره، وقال صلى الله عليه وسلم «لا تدع صورة إلى طمستها» وأمر بكسر الصليب، ومحق الأصنام، وهذا مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي.

(7)

للأمر بشق دنان الخمر، ولا تصالها بما لا قطع فيهن وهو وجه، وقول أكثر الأصحاب، ومذهب أبي حنيفة.

ص: 357

ولا بسرقة ماء (1) أو إناء فيه ماء (2) ولا بسرقة مكاتب وأم ولد (3) ومصحف (4) وحر ولو صغيرا، ولا بما عليهما (5) .

(1) وقال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، ولأن أصله الإباحة، وهو غير متمول عادة.

(2)

قالوا: لاتصاله بما لا قطع فيه، فأشبه ما لو سرق مشتركا بينه وبين غيره، والوجه الثاني: يقطع، لأنه سرق نصابا، من حرز، لا شبهة له فيه أشبه ما لو سرقه فارغا، وهو أظهر.

(3)

أي: ولا قطع بسرقة مكاتب ذكرا كان أو أنثى، لأن ملك سيده ليس تاما عليه لكونه لا يملك منافعه، ولا قطع بسرقة أم ولد، لأنه لا يحل بيعها، ولا نقل الملك فيها، فأشبهت الحرة، بخلاف المدبر، فحكمه حكم القن، لجواز بيعه، ولا قطع بأخذ القن الكبير، لأنه لا يسرق، وإنما يخدع بشيء، وأما القن الصغير فيقطع بسرقته، قال الموفق في قول عامة أهل العلم، وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه، من أهل العلم، والصغير: هو الذي لا يميز، فإن كان كبيرا فلا إلا أن يكون نائما أو مجنونا، أو أعجميا لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة فيقطع سارقه.

(4)

أي ولا يقطع بسرقة مصحف، لأن المقصود منه كلام الله تعالى، وهو لا يجوز أخذ العوض عنه، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال الخطابي وغيره: يقطع، وهو ظاهر كلام أحمد، وقول مالك والشافعي، لعموم الآية، وكسرقة كتب الفقه، وسائر كتب العلم، ولا خلاف فيه بين الأصحاب.

(5)

أي ولا قطع بسرقة حر، قولا واحدا، قال: ولو كان الحر صغيرا، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، لأنه ليس بمال، فلا يقطع بسرقته، كالكبير وعن أحمد يقطع بسرقة الصغير، وهو قول مالك، لأنه غير مميز أشبه العبد

ومشى على الأول في الإقناع وغيره، وفي الإنصاف: ولا قطع بسرقة ما عليهما، أي الحر، والمصحف ونحوه، كثوب صغير وكيس مصحف، ولو بلغت قيمته نصاب السرقة، لأنه تابع لما لا قطع فيه، أشبه ثياب الكبير.

ص: 358

الشرط الثاني: ما أشار إليه بقوله (ويشترط) أيضا (أن يكون) المسروق (نصابا (1) وهو) أي نصاب السرقة (ثلاثة دراهم) خالصة، أو تخلص من مغشوشة (2)(أو ربع دينار) أي مثقال، وإن لم يضرب (3)(أو عرض قيمته كأحدهما) أي ثلاثة دراهم، أو ربع دينار (4) فلا قطع بسرقة ما دون ذلك (5) .

(1) عند جماهير العلماء، وقال مالك والشافعي وأحمد، يجب القطع، لو فيما يسرع إليه الفساد، إذا بلغ الحد الذي يقطع في مثله بالقيمة.

(2)

واتفق أهل العلم: على أن من سرق نصابا ثلاثة دراهم فما فوق، وجب قطعه بشرطه، وأن يكون النقد المسروق خالصا من الغش، وإلا لم يجب القطع، حتى يبلغ ما فيه من النقد الخالص نصابا، وسواء كان النقد مضروبا، أو تبرا أو حليا، أو مكسرا للعموم، أو تخلص النقد من دراهم مغشوشة، بنحو نحاس فبلغ نصابا خالصا، وعند الشيخ مطلق الدراهم.

(3)

لأنه يقال له دنيار قراضة ومكسور، أو دينار خلاص، لأنه لا يمكنه سرقة ربع دينار مفرد في الغالب، إلا مكسورا، وقد أوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم القطع بذلك.

(4)

صحاحا، لا مكسرة، لأن إطلاقها ينصرف إلى المضروب، دون المكسر.

(5)

عند عامة الفقهاء المعتد بقولهم، ولإجماع الصحابة.

ص: 359

لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا» رواه أحمد مسلم وغيرهما (1) وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم (2) والدينار اثنا عشر درهما، رواه أحمد (3) .

(وإذا نقصت قيمة المسروق) بعد إخراجه لم يسقط القطع (4) .

(1) وهو في الصحيح أيضًا، فدل الحديث على وجوب القطع في السرقة، إذا بلغ المسروق ربع دينار فأكثر، ولأحمد ولا تقطعوا فيما دون ذلك، وفي تخصيص القطع بهذا القدر، حكمة ظاهرة، فإنها كفاية المقتصد في يومه، له ولمن يمونه غالبا، ولأنه لا بد من مقدار يجعل ضابطا لوجوب القطع، وقطعها في ربع دينار، وجعل ديتها خمس مائة دينار، من أعظم المصالح والحكم، فاحتاط للموضعين للأموال والأطراف، قالوا: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت قال الشافعي:

هناك مظلومة غالبت بقيمتها

وههنا ظلمت هانت على الباري

(2)

وثبت في الصحيحين: أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وفي لفظ ثمنه، ودل على أن العرض يقوم بالدراهم، لأن المجن قوم بها، ولأن ما كان الذهب فيه أصلا، كان الورق فيه أصلا.

(3)

ولعله في تساويهما ذلك الوقت، أو في عرف الراوي، أو باعتبار الغلبة وإلا فالمعتبر القيمةن وكلاهما أصل.

(4)

أي وإذا نقصت قيمة المسروق، وهو ما ليس بذهب ولا فضة، بعد إخراج المسروق من الحرز، إذ الاعتبار بوقت السرقة، لأنه وقت الوجوب، لوجوب السبب فيه، لم يسقط القطع، وهو مذهب مالك والشافعي.

ص: 360

لأن النقصان وجد في العين بعد سرقتها (1)(أو ملكها) أي العين المسروقة (السارق) ببيع أو هبة، أو غيرهما (2)(لم يسقط القطع) بعد الترافع إلى الحاكم (3)(وتعتبر قيمتها) أي قيمة العين المسروقة (وقت إخراجها من الحرز)(4) لأنه وقت السرقة، التي وجب بها القطع (5)(فلو ذبح فيه) أي في الحرز (كبشا) فنقصت قيمته (أو شق فيه ثوبا، فنقصت قيمته عن نصاب) السرقة (ثم أخرجه) من الحرز

(1) فلم يمنع القطع، كما لو حدث باستعماله، والنصاب شرط لوجوب القطع فلا تجب استدامته.

(2)

كإرث ووصية.

(3)

وهو مذهب مالك الشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم لصفوان: لما قال: ردائي عليه صدقة، «هلا كان قبل أن تأتيني به» ، وقال ابن القيم: إذا سرق العين، ثم ملكها إياه بعد ثبوت القطع، لم يسقط، لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يسقط القطع عن سارق الرداء، بعدما وهبه إياه صفوان اهـ لا قبل الترافع إلى الحاكم، لتعذر شرط القطع، وهو المطلب، ولخبر صفوان فإنه يدل على أنه لو وجد قبل رفعه إليه لقبل ذلك، ولم يقطعه، وهو مذهب مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، وقال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، ولما تقدم من قوله:«إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن الله الشافع والمشفع» وغيره.

(4)

حكاه الموفق وغيرهن قولا واحدا.

(5)

فاعتبرت القيمة وقته، لا بعد الإخراج.

ص: 361

فلا قطع لأنه لم يخرج من الحرز نصابا (1)(أو أتلف فيه) أي في الحرز (المال لم يقطع) لأنه لم يخرج منه شيئا (2)(و) الشرط الثالث (أن يخرجه من الحرز (3) فإن سرقه من غير حرز) كما لو وجد بابا مفتوحا (4) أو حرزا مهتوكا (فلا قطع) عليه (5)(وحرز المال: ما العادة حفظه فيه)(6) إذ الحرز معناه الحفظ، ومنه: احترز أي: تحفظ (7)(ويختلف) الحرز (باختلاف الأموال والبلدان وعدل

(1) فلم يسرق نصابا، ولم يوجد الشرط، فسقط القطع.

(2)

فسقط القطع، وأما ضمان ما أتلف، فتقدم حكمه.

(3)

عند جماهير العلماء، وقال الوزير: أجمعوا على أن الحرز معتبر في وجوب القطع، وسواء حمله إلى منزله أو تركه خارج الحرز، فعليه القطع.

(4)

فأخرج منه نصابا فلا قطع عليه، وإن كان فيها خزائن مغلقة، فالخزائن حرز، لما فيها، وما خرج عنها فليس بمحرز.

(5)

أي أو وجد حرزا مهتوكا، فأخرج منه نصابا، فلاقطع عليه، لفوات شرطه كما لو أتلفه داخل الحرز بأكل أو غيره.

(6)

فإنه لما ثبت اعتباره في الشرع، من غير تنصيص على بيانه، عرف أنه رد ذلك إلى أهل العرف، وهو مذهب الجمهور لأنه لا طريق إلى معرفته إلا من جهته فرجع إليه، كما رجع إليه في معرفة القبض وغيره.

(7)

أي ومنه قول العرب: احترز بالشيء، أي: احتفظ به.

ص: 362

السلطان وجوره وقوته وضعفه) لاختلاف الأحوال باختلاف المذكورات (1)(فحرز الأموال) أي النقود (والجواهر والقماش، في الدور والدكاكين (2) والعمران) أي: الأبنية الحصينة (3) والمحال المسكونة من البلد (وراء الأبواب، والأغلاق الوثيقة) والغلق اسم للقفل (4) خشبا كان أو حديدا (5)

(1) أي فيختلف الحرز باختلاف جنس المال، وباختلاف البلد، كبرا وصغرا، لخفاء السارق بالبلد الكبيرن لسعة أقطاره أكثر منه في البلد الصغير، ويختلف الحرز أيضا، باختلاف عدل السلطان وجوره، وقوته وضعفه، فإن العدل القوي يقيم الحدود، فتقل السراق، خوفا من الرفع إليه فيقطع، فلا يحتاج الإنسان إلى زيادة حرز، وضعفه بالعكس، وجوره يشارك من التجأ إليه ويذب عنه، فتقوى صولتهم، فيحتاج أرباب الأموال إلى زيادة التحفظ، قال الوزير: قال مالك والشافعي وأحمد، الحرز يختلف باختلاف الأموال، والعرف معتبر في ذلك.

(2)

للأمن على ما في الدور بوجود السكان، والدكاكين بالحرس.

(3)

لعدم تمكن السراق من الأخذ منها.

(4)

فهي حرز، قال الموفق وغيره: أما البيوت التي في البساتين، والطرق والصحراء، إن لم يكن فيها أحد، فليست حرزا، مغلقة كانت أو مفتوحة، وإن كان فيها أهلها، أو حافظ ملاحظ، فهي حرز مغلقة كانت أو مفتوحة، وإن كان فيها نائم، وهي مغلقة فهي حرز، وإلا فلا.

(5)

وكذا خيمة وخركاة وبيت شعر إن كان فيها أحد، ولو نائما فهي محرزة مع ما فيها، لأنها هكذا، تحرز في العادة، وإن لم يكن فيها أحد، فإن كان عندها حافظ، فهي محرزة أيضا، وإن لم يكن عندها حافظ، وليس فيها أحد فلا قطع على سارقها، ولا السارق منها، لأنها ليست بمحرزة في العادة جزم به في الإقناع وغيره.

ص: 363

وصندوق بسوق وثم حارس حرز (1)(وحرز البقل، وقدور الباقلاء ونحوهما) كقدور طبيخ وخزف (وراء الشرائج) وهي ما يعمل من قصب ونحوه، يضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره (إذا كان في السوق حارس) لجريان العادة بذلك (2)(وحرز الحطب والخشب الحظائر) جمع حظيرة بالحاء المهملة والظاء المعجمة، ما يعمل للإبل والغنم من الشجر، تأوي إليه فيعبر بعضه في بعض ويربط (3)(وحرز المواشي الصير) جمع صيرة، وهي حظيرة الغنم (4)(وحرزها) أي المواشي (في المرعى بالراعي ونظره إليها غالبا)(5) فما غاب عن مشاهدته غالبا فقد خرج عن الحرز (6) .

(1) صندوق مبتدأ خبره: حرز، أي: وصندوق مقفل وضع بسوق، وثم حارس حرز، لأنه العادة، فمن أخذ من الصندوق نصابا قطع وإن لم يكن ثم حارس فليس الصندوق حرزا

(2)

حكاه الموفق وغيره: قولا واحدا.

(3)

بحبل أو غيره: بحيث يعسر أخذ شيء منه، وأصل الحظر المنع.

(4)

وإن كانت بخان مغلق فهو أحرز.

(5)

لأن الراعية هكذا تحرز.

(6)

فلا قطع لفقد الشرط.

ص: 364

وحرز سفن في شط بربطها (1) وإبل باركة معقولة بحافظ حتى نائم (2) وحمولتها بتقطيرها مع قائد يراها (3) ومع عدم تقطيرها، بسائق يراها (4) وحرز ثياب في حمام ونحوه بحافظ (5) كقعوده على متاع (6) .

(1) بالرباط على العادة.

(2)

لأن عادة ملاكها عقلها إذا ناموا، وإن لم تكون معقولة، وكان الحافظ ناظرا إليها، بحيث يراها فهي محرزة، وإن كان نائما أو مشغولا عنها، فليست محرزة، ولا قطع على السارق منها.

(3)

أي: وحرز حمولة إبل ونحوها، سائرة بتقطيرها، مع قائد يراها، بحيث يكثر الالتفات إليها، ويراعيها، وزمام الأول بيده، لأنها هكذا تحرز عرفا، والحافظ الراكب فيما وراءه، من الإبل السائرة ونحوها، كقائد.

(4)

أي الإبل المحملة ونحوها، وسواء كانت مقطرة أولا، لأنه العادة في حفظها، وإن سرق الجمل بما عليه، وصاحبه نائم عليه، لم يقطع لأنه في يد صاحبه.

(5)

وهو قول مالك والشافعي وغيرهما، وكذا ثياب في أعدال، وغزل في سوق أو خان، وما كان مشتركا في الدخول إليه بحافظ يراها.

(6)

وتوسده، وقال الموفق وغيره: وإن كان لابسا ثوبا، أو متوسدا له، نائما أو مستيقظا، أو مفترشا أو متكئا عليه، في أي موضع كان من بلد أو برية أو نائما على مجر فرسه لم يزل عنه، أو نعله في رجله فحرز، فإن تدحرج عن الثوب زال الحرز، وإن كان الثوب أو غيره من المتاع بين يديه، كبز البزازين، وخبز الخباز، بحيث يشاهده وينظر إليه فحرز.

ص: 365

وإن فرط حافظ حمام بنوم، أو تشاغل ضمن (1) ولا قطع على سارق إذا (2) وحرز باب ونحوه: تركيبه بموضعه (3)(و) الشرط الرابع (أن تنتفي الشبهة) عن السارق (4) لحديث «ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» (5)(فلا يقطع) سارق (بالسرقة من مال أبيه وإن علا (6) ولا) بسرقة (من مال لده وإن سفل)(7) .

(1) ما ضاع بتفريطه لو لم يستحفظه رب المال صريحا، عملا بالعرف.

(2)

لأنه لم يسرق من حرز، وإن حفظ المتاع بنظره إليه، وقربه منه، فسرق لم يضمنه، وعلى السارق القطع.

(3)

مغلقا كان أو مفتوحا، لأنه هكذا حفظه عادة إذا كانت الدار في عمران أو في صحراء وفيها حافظ، وإلا فلا، وكذا الجدار وخشبه.

(4)

عند جماهير العلماء، على ما يأتي تفصيله.

(5)

وتقدم فكل ما فيه شبهة مما يأتي، وغيره يدرأ عنه الحد، وهو مذهب الجمهور في الجملة.

(6)

وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وتحرم سرقته من مال أبيه.

(7)

قال الموفق وغيره: في قول عامة أهل العلم، منهم مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، لقوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك، وقوله «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه» وقال الوزير: اتفقوا على أنه لا قطع على الوالدين وإن علوا، فيما سرقوه من مال أولادهم.

ص: 366

لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر (1)(والأب والأم في هذا سواء) لما ذكر (2)(ويقطع الأخ) بسرقة مال أخيه (3) .

(و) يقطع (كل قريب بسرقة مال قريبه)(4) لأن القرابة هنا، لا تمنع قبول الشهادة من أحدهما للآخر، فلم تمنع القطع (5) .

(ولا يقطع أحد من الزوجين، بسرقته من مال الآخر، ولو كان محرزا عنه)(6) روي ذلك سعيد، عن عمر بإسناد جيد (7) .

(1) ولأن بينهما قرابة، تمنع قبول شهادة أحدهمالصاحبه، فلا يقطع بسرقته من ماله.

(2)

من تعليله: أن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر، قال الموفق وغيره: سواء في ذلك الأب والأم، والابن والبنت، والجد، والجدة، من قبل الأب والأم، هذا قول عامة أهل العلم، لكن مع الحرمة على السارق منهما.

(3)

لأبوين أو لأب، وكذا الأخوات.

(4)

هذا المذهب المنصوص، ومذهب الشافعي.

(5)

ولأن الآية والأخبار: تعم كل سارق، خرج منه عمودا النسب لما تقدم فبقي ما عداهما على الأصل.

(6)

هذا المذهب ومذهب أبي حنيفة وغيره من السلف.

(7)

لما سرق غلام الحضرمي مرآة زوجته، قال: لا قطع عليه، خادمكم أخذ متاعكم قال الموفق: وإذا لم يقطع عبده بسرقة مال زوجته فهو أولى، ولأن كلا منهما يرث صاحبه بغير حجب، ويتبسط في مال الآخر عادة، فأشبه الوالد والولد، وأما إن لم يكن مال أحدهما محرزا، عن الآخر لم يقطع، رواية

واحدة.

ص: 367

(وإذا سرق عبد) ولو مكاتبا (من مال سيده (1) أو سيد من مال مكاتبه) فلا قطع (2)(أو) سرق (حر مسلم) أو قن (من بيت المال) فلا قطع (3)(أو) سرق (من غنيمة لم تخمس) فلا قطع (4) لأن لبيت المال فيها خمس الخمس (5)

(1) فلا قطع عند الجمهور، لقصة عمر ونحوه عن ابن مسعود، أن رجلا جاءه فقال: عبد لي سرق قباء عبد لي آخر، فقال: لا قطع، مالك سرق مالك، ولابن ماجه مرفوعا: إن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس، فقال: مال الله، سرق بعضه بعضا، قال الموفق: وهذه قضايا اشتهرت، ولم يخالفها أحد، فتكون إجماعا، وهذا يخص عموم الآية، ولأن هذا إجماع من أهل العلم، لأنه قول من سمينا من الأئمة، ولم يخالفهم في عصرهم أحد، فلا يجوز خلافه بقول من بعدهم، كما لا يجوز ترك إجماع الصحابة، بقول واحد من التابعين، قال: وأم الولد والمدبر، والمكاتب كالقن في هذا، وهو قول أصحاب الرأي.

(2)

لأنه يملك تعجيزه في الجملة، ولأنه عبد ما بقي عليه درهم.

(3)

وهو مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي، لما رواه ابن ماجه وهو قول عمر وعلي وغيرهما ولأن له في المال حقا، فيكون شبهة تمنع وجوب القطع.

(4)

لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم «مال الله سرق بعضه بعضا» وقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وبعض أصحاب مالك.

(5)

فكما لو سرق من مال له فيه شركة، هذا إذا كان من أهله، وإلا فقال الوزير وغيره: إذا سرق من المغنم، وهو من غير أهله أنه يقطع.

ص: 368

(أو) سرق (فقير من غلة موقوفة، على الفقراء) فلا قطع لدخوله فيهم (1) .

(أو) سرق (شخص من مال له فيه شركة (2) أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه) كأبيه وابنه وزوجه، ومكاتبه (لم يقطع) للشبهة (3) .

(1) كالمسكين يسرق من مال وقف المساكين، أو من قول معينين عليهم وقف، فلا قطع، لأنه شريك، وأسقط عمر القطع زمن المجاعة، وأسقط القطع عن غلمان حاطب، لما سرقوا ناقة لرجل من مزينة، قال: إنكم تستعملونهم، وتجيعونهم وأضعف قيمتها، ووافق أحمد على سقوط الحد في المجاعة، قال ابن القيم، وهو محض القياس، ومقتضى قواعد الشرع، وهي شبهة قوية، تدرأ القطع عن المحتاجين، وأسقط عمر القطع في الغزو.

وقال ابن القيم: نهى أن تقطع الأيدي في الغزو، ورواه أبو داود، خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله، من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين وقد نص العلماء: على أن الحدود لا تقام في أرض العدو، وحكى أبو محمد المقدسي إجماع الصحابة، وكتب عمر إلى الناس: أن لا يجلد أمير جيش ولا سرية، ولا رجل من المسلمين حدا وهو غاز، حتى يقطع الدرب قافلا.

(2)

كالمال المشترك بينه وبين شريكه، لأنه إذا لم يقطع الأب بسرقة، مال ابنه، لكون أن له فيه شبهة، فلأن لا يقطع من مال له فيه شركة، من باب أولى.

(3)

لأن له فيه شركة، ولا يقطع من غنيمة لأحدهم فيها شركة، لأن ذلك شبهة، فيدرأ بها الحد، وإن ادعى السارق أن ما أخذه من الحرز ملكه، بعد قيام البينة، على أنه سرق من حرز نصابا، فقال أحمد، وأبو حنيفة والشافعي لا يقطع

وسماه السارق الظريف، وقال أحمد: إذا لم يكن معروفا بالسرقة وإن ملكه بشراء أو هبة أو غير ذلك، قبل الترافع، أو بعده، فقال مالك والشافعي وأحمد لا يسقط القطع.

ص: 369

الشرط الخامس: ثبوت السرقة (1) وقد ذكره بقوله (ولا يقطع إلا بشهادة عدلين)(2) يصفانها بعد الدعوى، من مالك أو من يقوم مقامه (3)(أو بإقراره) السارق (مرتين) بالسرقة (4) .

(1) ولا تثبت إلا بأحد شيئين ببينة أو إقرار لا غير، قولا واحدا.

(2)

رجلين مسلمين حرين، سواء كان السارق مسلما أو ذميا.

(3)

أي ويشترط أن يصفا السرقة والحرز، وجنس النصاب وقدره، ليزول الاختلاف فيه، فيقولان: نشهد أن هذا سرق كذا، قيمته كذا من حرز، ويصفان الحرز، وذلك بعد الدعوى، من مالك للمال المسروق، أو دعوى من يقوم مقام المالك فإن كان المسروق منه غائبا فحضر وكيله وطالب بالسرقة، احتاج الشاهدان أن يرفعا في نسبه فيقولان، من حرز فلان بن فلان، بحيث يتميز عن غيره، فإذا اجتمعت هذه الشروط، فقال الموفق وغيره: يجب القطع في قول عامتهم، وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه، على أن قطع السارق، يجب إذا شهد بالسرقة شاهدان حران مسلمان، ووصفا ما يوجب القطع.

(4)

لما روى أبو داود: أنه صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف، فقال له:«ما إخالك سرقت؟ قال: بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع» ولقول علي: شهدت على نفسك مرتين، ومثله يشتهر فلم ينكر، ولأنه يتضمن إتلافا في حد، فكان من شرطه التكرار، وعنه: مرة وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك، يقطع باعترافه مرة، لأنه حق يثبت بالإقرار، فلم يعتبر فيه التكرار، فالله أعلم.

ص: 370

ويصفها في كل مرة، لاحتمال ظنه القطع، في حال لا قطع فيها (1)(ولا ينزع) أي يرجع (عن إقراره حتى يقطع)(2) ولا بأس بتلقينه الإنكار (3) .

(و) الشرط السادس (أن يطالب المسروق منه) السارق (بماله)(4) فلو أقر بسرقة من مال غائب (5) أو قامت بها بينة، انتظر حضوره ودعواه (6) فيحبس وتعاد الشهادة (7) .

(1) أي ويشترط أن يصف السرقة، فيذكر شروطها من النصاب والحرز، وإخراجها منه، لاحتمال ظنه القطع في حالة لا قطع فيها لفقد بعض شرطها.

(2)

قال الموفق: هذا قول أكثر الفقهاء، لقوله صلى الله عليه وسلم للسارق «ما إخالك سرقت؟» يعرض له ليرجع، ولأنه إنما ثبت بالاعتراف، فقبل رجوعه، كحد الزنا.

(3)

ليرجع عن إقراره، نص عليه، وقال الموفق: هذا قول عامة الفقهاء، وقال مالك: إن لم يعرف بشر، وأجمعوا على أنه إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه، لما تقدم.

(4)

وهو قول أبي حنيفة والشافعي، ونصره الموفق وغيره.

(5)

انتظر حضوره ودعواه لاحتمال أن يكون أباحه إياه.

(6)

لأن المال يباح بالبذل والإباحة، فيحتمل أن مالكه أباحه إياه، أو وقفه على المسلمين، أو على طائفة السارق منهم، أو أذن له في دخول حرزه، فاعتبرت المطالبة لتزول هذه الشبهة.

(7)

أي فيحبس السارق، لغيبة المالك، لتعلق حق الله به، وحق الآدمي، فحبس لما عليه من حق الله، وإن كانت العين في يده أخذها الحاكم وحفظها

للغائب، وإلا فإذا جاء فهو الخصم فيها.

قال الوزير: اتفقوا على أنه إذا كانت العين قائمة، فإنه يجب ردها، وإن كانت تالفة وجب الغرم، والقطع عند الشافعي وأحمد اهـ.

وعن أحمد: لا يشترط مطالبة المسروق منه بماله، لظاهر الآية واختاره أبو بكر والشيخ، وهو مذهب مالك، كإقراره بالزنا بأمة غيره، قال: واللص الذي غرضه سرقة أموال الناس، ولا غرض له في شخص معين فإن قطع يده واجب، ولو عفا عنه رب المال اهـ.

وإذا وجد المال المسروق مع المتهم، فقال ابن القيم: لم يزل الخلفاء والأئمة يحكمون بالقطع، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار، فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، ووجود المال معه نص صريح، لا يتطرق إليه شبهة، وذكر في قصة حيي إقرار المكره، إذا ظهر معه المال، وأنه إذا عوقب وظهر عنده قطعت يده، قال: وهو الصواب بلا ريب لوجود المال، اهـ.

وقال الشيخ في تقديم القيافة مثل أن يدعي أنه ذهب من ماله شيء ويثبت ذلك فيقص القائف أثر الوطء، من مكان إلى آخر فشهادة القائف: أن المال دخل إلى هذا الموضع، توجب أحد أمرين، إما الحكم، وإما أن يكون لوثا، يحكم به مع يمين المدعي، وهو الأقرب، فإن هذه الأمارة ترجح جانب المدعي، واليمين مشروعة في أقوى الجانبين.

ص: 371

(وإذا وجب القطع) لاجتماع شروطه (1)(قطعت يده اليمنى) لقراءة ابن مسعود (فاقطعوا أيمانهما)(2) .

(1) المتقدم ذكرها مفصلا.

(2)

قال الشيخ: وبذلك مضت السنة، وقال الوزير: أجمعوا على أن السارق إذا وجب عليه القطع، وكان ذلك أول سرقة، وهو صحيح الأطراف، أنه يبدأ بقطع يده اليمنى، من مفصل الكف، ثم يحسم.

ص: 372

ولأنه قول أبي بكر وعمر (1) ولا مخالف لهما من الصحابة (2)(من مفصل الكف)(3) لقول أبي بكر وعمر: تقطع يمين السارق من الكوع ولا مخالف لهما من الصحابة (4)(وحسمت) وجوبا (5) يغمسها في زيت مغلي (6) لتستد أفواه العروق، فينقطع الدم (7) فإن عاد قطعت رجله اليسرى، من مفصل كعبه (8) .

(1) رضي الله عنهما، قال: إذا سرق السارق، فاقطعوا يمينه من الكوع.

(2)

حكاه الموفق وغيره.

(3)

قال في المبدع: بلا خلاف.

(4)

وبذلك استمر عمل المسلمين، ولأن البطش بها أقوى، فكانت البداءة بها أردع، ولأنها آلة السرقة غالبا، فناسب عقوبته بإعدام آلتها، واقتصر في القطع إلى الكوع، لأن اليد تطلق عليها إلى الكوع والمرفق، وإلى المنكب، وإرادة ما سوى الأول مشكوك فيه، فلا يقطع مع الشك.

(5)

لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال في سارق «اقطعوه واحسموه» رواه الحاكم وغيره.

(6)

ويقوم الودك مقام الزيت، إن لم يوجد الزيت، وعليه أجرة قطعه، لأنه حق وجب عليه الخروج منه، فكانت مؤونته عليه، وعليه ثمن زيت حسم، حفظا لنفسه.

(7)

إذ لو ترك بلا حسم لنزف الدم، فأدى إلى موته، وفي السنن أمر بها فعلقت في عنقه، وذكر الراوي: أنه من السنة.

(8)

ويترك له عقبا يمشي عليه، وأجمعوا، على أن من لم يكن له الطرف

المستحق قطعه، قطع ما بعده، وكذلك إن كان أشل، من الطرف المستحق قطعه، بحيث لا يقطع فيه، قطع ما بعده، إلا أبا حنيفة، فقال: تقطع والشافعي: إن لم يرق دمها، وإلا قطعت.

ص: 373

بترك عقبه، وحسمت (1) فإن عاد، حبس حتى يتوب وحرم أن يقطع (2) .

(1) وجوبا بغمسها في زيت مغلي لئلا ينزف الدم، وروي عن علي أنه كان يقطع من شطر القدم من معقد الشراك، والأصل في قطع الرجل في المرة الثانية: ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: «إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله» رواه الدارقطني، وهو قول أبي بكر وعمر، ولا مخالف لهما من الصحابة فكان إجماعا، ولا نزاع في ذلك يعتد به.

وكونه اليسرى لقوله في المحاربة (من خلاف) وأرفق لأن المشي على اليمنى أسهل، فوجب قطع اليسرى، لئلا تتعطل منه منفعة بلا ضرورة وكونه من مفصل الكعب قول أكثر أهل العلم، وفعل عمر، لأنه أحد العضوين المقطوعين في السرقة، فيقطع من المفصل، كاليد، قال الوزير: أجمعوا على أنه إن عاد فسرق ثانيا، ووجب عليه القطع، أنه تقطع رجله اليسرى من مفصل الكعب، ثم تحسم اهـ.

(2)

هذا المذهب، ومشى عليه في الإقناع والمنتهى، وغيرهما، لما روي عن علي أنه أتى برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق، فقال لأصحابه، ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: أقتله إذا، وما عليه القتل، بأي شيء يأكل، ويتوضأ ويغتسل، وعن أحمد: تقطع يده اليسرى في الثالثة، ورجله اليمنى في الرابعة، وفي الخامسة، يعزر ويحبس، وهو قول مالك والشافعي، وروي عن أبي بكر، وعمر، وفي الفروع قياس قول الشيخ: أن السارق كالشارب

في الرابعة يقتل عنده إذا لم يتب، قال في الإنصاف، بل هذا أولى عنده وضرره أعظم اهـ.

وينبغي في قطع السارق أن يقطع، بأسهل ما يمكن، بأن يجلس ويضبط لئلا يتحرك، فيجني على نفسه، وتشديده بحبل، وتجر حتى يتعين المفصل، ثم يوضع نحو سكين، ويجر بقوة، ليقطع في مرة واحدة، وكذا يفعل في الرجل وإن علم قطع أوحى من هذا، قطع به، لأن الغرض التسهيل عليه.

ص: 374

(ومن سرق شيئا من غير حرز، ثمرا كان أو كثرا) بضم الكاف وفتح المثلثة طلع الفحال (1)(أو غيرهما) من جمار أو غيره (2)(أضعفت عليه القيمة) أي ضمنه بعوضه مرتين (3) .

(1) أضعفت عليه القيمة، وقال الوزير: أجمعوا على أنه يسقط القطع عن سارق الثمر، المعلق على رءوس النخل، إذا لم يكن محرزا، اهـ وكذا الكثر، وحرزهما نحو شجرة في دار محرزة، أو بعد أن أوى الثمر الجرين قطع.

(2)

أي ومن سرق غير الثمر والكثر، من جمار، وهو شحم النخلة، أو غير الجمار، كالماشية من غير حرز، لقوله:«وليس في شيء من الماشية قطع إلا فيما آواه المراح» الحديث.

(3)

لقوله صلى الله عليه وسلم في الثمر المعلق (من أصاب منه بفيه، من ذي حاجة، غير متخذ خبنة، فلا شيء عليه، ومن خرج منه بشيء، فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤيه الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع) رواه أبو داود وغيره، وقال أحمد: لا أعلم شيئا يدفعه، واحتج أيضا: بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بلتعة، حين نحر غلمانه، ناقة رجل من مزينة مثلي

قيمتها.

ص: 375

قاله القاضي، واختاره الزركشي، وقدم في التنقيح: أن التضعيف خاص بالثمر، والطلع والجمار، والماشية، وقطع به في المنتهى غيره (1) لأن التضعيف ورد في هذه الأشياء على خلاف القياس، فلا يتجاوز به محل النص (2)(ولا قطع) لفوات شرطه، وهو الحرز (3) .

(1) فقال: ولا تضعف في غير ما ذكر، قال في الإقناع، وما عداهن، أي الثمر والكثر والماشية، يضمن بقيمته مرة واحدة، أو بمثله إن كان مثليا.

(2)

فيها إلى سواها، وإنما يضمن مرة واحدة بقيمته، إن كان متقوما، أو بمثله إن كان مثليا، لأن الأصل وجوب المثلي بمثله، والمتقوم بقيمته، بدليل المتلف والمغصوب والمنتهب، وسائر ما تجب غرامته، خولف فيما تقدم للآثار.

(3)

وتقدم الإجماع: على أن الحرز معتبر في وجوب القطع.

ص: 376