الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التعزير
(1)
(وهو) لغة المنع (2) ومنه التعزير بمعنى النصرة، لأنه يمنع المعادي من الإيذاء (3) واصطلاحا (التأديب) لأنه يمنع مما لا يجوز فعله (4)(وهو) أي التعزير (واجب في كل معصية، لا حد فيها ولا كفارة (5) .
(1) لما ذكر العقوبات المقدرة، ذكر ما ليست مقدرة، وتسمى التعزير، تختلف باختلاف الجرائم، وحال المذنب، والتعزير، كما قال الشيخ وغيره، منه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام، ومنه ما يكون بالحبس، ومنه ما يكون بالنفي من الوطن، ومنه ما يكون بالضرب، وإذا كان على ترك واجب، فإنه يضرب مرة بعد مرة، حتى يؤديه، وعلى جرم ماض، فعل منه بقدر الحاجة، وليس لأقله حد، واختلف في أكثره ويأتي.
(2)
واللوم، وضرب دون الحد، أو هو أشد الضرب، سمي تعزيرا لأنه يمنع من الجناية.
(3)
قال تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} لمنع الناصر المعادي والمعاند لمن ينصره.
(4)
وقال السعدي: يقال عزرته، وقرته، وأيضا أدبته وهو من الأضداد وهو طريق إلى التوقير لأنه إذا امتنع به، وصرف عنه الدناءة، حصل له الوقار، والنزاهة.
(5)
فيجب فيما شرع فيه إذا رآه الإمام وهو قول مالك وأبي حنيفة، وما لم
يكن منصوصا إذا رآه الإمام مصلحة، أو علم أنه لا ينزجر إلا به، وإن رأى
العفو جاز، ولحق آدمي تجب إجابته، وحيث كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة، غير منضبطة، في الشدة، والضعف، والكثرة والقلة، جعلت عقوبتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب المصلحة، في كل زمان ومكان.
وقوله: «في كل معصية» قال الشيخ: إن عني به فعل المحرمات، وترك الواجبات، فاللفظ جامع، وإن عنى به فعل المحرمات فقط، فغير جامع، بل التعزير على ترك الواجبات أيضا، وقال: لا نزاع أن غير المكلف كالصبي المميز، يعاقب على الفاحشة، تعزيرا بليغا، وكذا المجنون يضرب على ما فعل، لينزجر، لكن لا عقوبة عليه بقتل أو قطع، اهـ، وأما ما فيه حد أو كفارة، كالزنا والسرقة، والظهار، والإيلاء فلا تعزير.
كاستمتاع لا حد فيه) أي: كمباشرة دون فرج (1)(و) كـ (سرقة لا قطع فيها) لكون المسروق دون نصاب (2) أو غير محرز (3)(و) كـ (جناية لا قود فيها) كصفع ووكز (4)(و) كـ (إتيان المرأة المرأة (5) والقذف بغير الزنا) (6) .
(1) ففيه التعزير بما يراه الأئمة، وولاة الأمور.
(2)
فلم يجب فيه قطع، ففيه التعزير.
(3)
أي: أو كسرقة من غير محرز، فلا قطع، وفيه التعزير.
(4)
أي دفع، وضرب بجميع الكف، وتقدم: إن كان عمدا ففيه القصاصن وإلا فالتعزير.
(5)
أي وكمساحقة المرأة المرأة، فيه التعزير.
(6)
ونحوه، كاللواط، أو كيا حمار أو كلب، ونحو ذلك ففيه التعزير.
إن لم يكن المقذوف ولدا للقاذف، فإن كان، فلا حد ولا تعزير (1) (ونحوه) أي نحو ما ذكر كشتمه بغير الزنا (2) وقوله: الله أكبر عليك (3) أو خصمك (4) ولا يحتاج في إقامة التعزير إلى مطالبة (5)(ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات)(6) .
(1) وكذا إن نزل فلا حد، ولا تعزير، لأبوين وإن علوا، ويعزر الولد لحق الوالد، كما يحد لقذفه، ويقاد به، لكن بمطالبة الولد.
(2)
فيجب التعزير، ومقتضى كلام الشيخ في موضع لا يلعن من لعنه اهـ، وعليه، فلا يدعو عليه، ولا يشتمه بمثله، بل يعزر، وقال في موضع: له أن يقول له مثل ذلك، وقال ابن القيم: وإن سبه أو سخر به أو هزأ به، أو بال عليه أو بصق عليه، فله أن يفعل به نظير ما فعل، وهذا أقرب إلى الكتاب والسنة، والميزان، وآثار الصحابة من التعزير المخالف للجناية، قال: ولا يكذب عليه، ولا يقذفه، ولا يسب والديه اتفاقا.
(3)
قال الشيخ: كالدعاء عليه، وشتمه بغير فرية، نحو: يا كلب، فله قوله له، أو تعزيره.
(4)
أي وقوله: الله خصمك، أو خصمك الله، دعاء عليه أيضا، فيعزر وقال الشيخ: من دعا عليه ظلما فله أن يدعو على ظالمه، بمثل ما دعا به عليه.
(5)
لأنه مشروع للتأديب، فيعزر من سب صحابيا، ولو كان له وارث، ولم يطالب بالتعزير، وفي الانتصار، في قذف مسلم كافرا، التعزير لله، فلا يسقط بإسقاطه.
(6)
هذا أحد أقوال أهل العلم، ونص عليه أحمد، وهو قول إسحاق.
لحديث أبي بردة مرفوعًا: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله» متفق عليه (1) وللحاكم نقصه عن العشرة حسبما يراه (2) .
(1) أي إلا ما عين فيه الشارع عددا من الضرب، فالمراد مقدر فيه الحد، فليست الحدود، المقدر فيها حد، بل المحرمات، فحدود الله محارمه، وقال الشيخ: معنى حد، أي معصية الله، وهو مذهب أحمد، وعليه أكثر الأصحاب وعنه تجوز الزيادة، وهو مذهب مالك، والشافعي، فيعزر بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة، واختاره الشيخ وغيره.
وإن كان التعزير فيه مقدر، لم يبلغ به المقدر، فلا يبلغ على المباشرة حد الزنا، ولا السرقة من غير قطع حد القطع، ونحو ذلك وما اقتضته المصلحة فيجوز مثل قتل الجاسوس المسلم، والمفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى غير كتاب الله وسنة نبيه، وغير ذلك مما لا يندفع إلا بالقتل.
قال الشيخ وغيره وهذا أعدل الأقوال، وعليه دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، فقد أمر بضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة، وأبو بكر وعمر أمرا بضرب رجل وامرأة وجدا في لحاف واحد، مائة مائة، وضرب عمر صبيغا ضربا كثيرا، وقال: إذا كان المقصود دفع الفساد، ولم يندفع إلا بالقتل قتل، وحينئذ فمن تكرر منه جنس الفساد، ولم يرتدع بالحدود المقدرة بل استمر على الفساد، فهو كالصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل، فيقتل.
(2)
لأنه أقله ليس مقدرا، فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم، وذلك لتفاوت الجرائم، بالشدة والضعف، واختلاف الأحوال، والأزمان فجعلت العقوبات على بعض الجرائم، راجعة إلى اجتهاد الأئمة، وولاة الأمور، بحسب الحاجة، والمصلحة، ولا تخرج عما أمر الله به ونهى عنه، وكما يكون التعزير بالضرب
يكون بالحبس والصفع، والتوبيخ، والعزل عن الولاية، ونحو ذلك.
قال الشيخ: وقد يكون التعزير بالنيل من عرضه، كيا ظالم يا معتدي، وبإقامته من المجلس اهـ، وإن عزر الإمام رجلا فمات، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد لا ضمان عليه.
لكن من شرب مسكرا في نهار رمضان، حد للشرب، وعزر لفطره بعشرين سوطا (1) لفعل علي رضي الله عنه (2) ومن وطئ أمة امرأته حد (3) ما لم تكن أحلتها له فيجلد مائة، إن علم التحريم فيهما (4) ومن وطئ أمة له فيها شرك، عزر بمائة إلا سوطا (5) .
(1) ذهب إليه الإمام أحمد، ورأى أن من شرب الخمر في نهار رمضان يحد ثم يعزر، لجنايته من وجهين.
(2)
وروي عن عمر: أنه كتب إلى أبي موسى، أن لا يبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا، فيجتمع الحد والتعزير في هذه الصورة.
(3)
لخبر النعمان بن بشير، ورواه أبو داود وغيره، ولأنه وطء في فرج من غير عقد ولا ملك، فوجب عليه الحد، كوطء أمة غير زوجته.
(4)
أي فيما إذا شرب مسكرا في نهار رمضان، أو وطئ أمة أمراته التي أحلتها له، وإن ولدت منه لم يلحقه نسبه، لانتفاء الملك والشبهة، وقال الشيخ: إن ظن جوازه لحقه وإلا فروايتان، ويكون حرا على الصحيح، وإن ظن حلها بذلك اهـ ولا يسقط حد بإباحة، إلا في هذا الموضع.
(5)
لفعل عمر فيمن وطئ جارية، له فيها شرك، احتج به أحمد، وكذا وطء أمته المزوجة، ولخبر النعمان، لأنها في معناها، وكذا لو وجد مع امرأته رجلا في لحافها، لما روي أن عليا ضربه مائة.
ويحرم تعزير بحلق لحية (1) وقطع طرف أو جرح (2) أو أخذ مال أو إتلافه (3) .
(1) لما فيه من المثلة، وأجمعوا على تحريم حلق اللحية، حكاه الشيخ وغيره، فيحرم التعزير به، للنهي عنه، ولأنه مثلة ومحرم لذاته، كقطع إصبع، وكما لا يجوز أن يعزر بحرام، كسقيه خمرا يشربها لا بتسويد وجه، ولا بأن ينادى عليه بذنبه ويطاف به مع ضربه.
(2)
لأنه مثلة أيضا، ولأن الواجب أدب، والأدب لا يكون بالإتلاف.
(3)
قالوا: لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عمن يقتدى به، وقال الشيخ وابن القيم: وغيرهما، يجوز بأخذ مال وإتلافه، فالتعزير بالعقوبات المالية مشروع في مواضع منصوصة، كسلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده، وكسر دنان الخمر، وشق ظروفه، وكهدم مسجد الضرار، وتضعيف العزم على من سرق من غير حرز، وحرمان القاتل سلبه، لما اعتدى على الأمير، وتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر، وتحريق قصر ابن أبي وقاص، لما احتجب فيه عن الرعية، وإراقة اللبن المشوب، ونظائرها.
ولم يرو أنه حرم جميع العقوبات المالية، بل أخذ الخلفاء الراشدين، وأكابر الصحابة بذلك بعد موته، دليلا على أن ذلك غير منسوخ، ومدعي النسخ ليس معه حجة شرعية، من كتاب ولا سنة، والعين والتأليف المحرم، فإزالته وتغييره متفق عليها بين المسلمين، كإراقة الخمر وتغيير الصورة، قال: وهو جائز على أصل أحمد، لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في المال غير منسوخة كلها، وقول أبي محمد المقدسي: ولا يجوز أخذ ماله، يعني المعزر، فإشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة.
(ومن استمنى بيده) من رجل أو امرأة (بغير حاجة عزر) لأنه معصية (1) وإن فعله خوفا من الزنا، فلا شيء عليه، إن لم يقدر على نكاح، ولو لأمة (2) .
(1) بالإجماع، فوجب تعزيره.
(2)
قال ابن القيم وغيره: من استمنى بيده بغير حاجة عذر، إذا قدر على التزوج أو التسري، وقال الشيخ: يحرم عند عامة العلماء، لكن إن اضطر إليه، مثل أن يخاف الزنا، أو المرض إن لم يفعله، فرخص فيه في هذه الحال طوائف من السلف، وقال ابن عقيل: إذا كان بغير شهوة حرم عليه، لأنه استمتاع بنفسه، والآية تمنع منه، وإن كان مترددا بين الفتور والشهوة، كره، وإن كان مغلوبا يخاف العنت، كالأسير والمسافر والفقير، جاز نص عليه أحمد، وروي أن الصحابة كانوا يفعلونه، في غزواتهم وأسفارهم اهـ.
وقياس الرجل في ذلك المرأة إذا لم يرغب أحد في نكاحها، ومن عرف بأذى الناس وأذى مالهم حتى بعينه، حبس حتى يموت، أو يتوب وقال ابن القيم: يحبس وجوبا، ذكره غير واحد من الفقهاء، ولا ينبغي أن يكون فيه خلاف لأنه من نصيحة المسلمين، وكف الأذى عنهم.
وقال: العمل في السلطنة بالسياسة، هو الحزم، فلا يخلو منه إمام ما لم يخالف الشرع، فإذا ظهرت أمارات العدل، وتبين وجهه بأي طريق، فثم شرع الله، فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل موافقة، لما جاء به بل جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة، تبعا لمصطلحكم، وإنما هي شرع حق، فقد حبس صلى الله عليه وسلم في التهمة، وعاقب في التهمة لما ظهرت آثار الريبة فمن
أطلق كلا منهم وخلى سبيله، أو حلفه مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض
فقوله مخالف للسياسة الشرعية، بل يعاقبون أهل التهم، ولا يقبلون الدعوى التي تكذبها العادة والعرف.
وقال الشيخ: يعزر من يمسك الحية، ويدخل النار ونحوه، ومن ينتقص مسلما بأنه مسلما في، ومن قال لذمي: يا حاج، أو سمى من زار القبور والمشاهد حاجا، ونحو ذلك، وإذا ظهر كذب المدعي بما يؤذي به المدعى عليه عزر، ويلزمه ما غرم بسببه ظلما، لتسببه في ظلمه بغير حق.
..........................................................