الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تختلف قلوبهم ولا تضيق صدورهم! فما بال أقوام تختلف قلوبهم قبل أن يختلفوا، ويختلفون على ماذا؟! لا يختلفون على معالي الأمور، وإنَّما على سَفْسَفِها، ولا تتصافح قلوبهم مهما طال الزَّمان وكرَّ الجديدان، ولا يدرون أنَّ وراء هذه الدَّار داراً، قَال الله تعالى فيها:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} [غافر].
كره الصّحابة رضي الله عنهم للخلاف
ممَّا ورد في كراهة الصَّحابة رضي الله عنهم للخلاف ورجوعهم عنه حتَّى في مسائل الاجتهاد؛ حرصاً على وحدة الكلمة، ما أخرجه البخاريّ عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، قال:"اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الِاخْتِلَافَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ، أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي"
(1)
.
هذا وقد ظلَّ الخلافُ بين الصَّحابة رضي الله عنهم لا يراد به غير الحقّ، حتَّى جاء مِن بعدهم خلف اشتغلوا بخلافهم لمآرب أخرى، ولم تنفعهم تبصرة ولا ذكرى.
فقه الخلاف في النّوازل
تسمحُ لنا النَّوازلُ في الاختلاف بشرط أَنْ تكونَ مِن المسائل الَّتي يَسُوغُ النَّظر فيها ويتَّسع الاجتهادُ معها، ولا يجوز أنْ تفتحَ هذه النَّوازلُ بَابَ الشِّقَاقِ والمنابَذَةِ بين المسلمين.
وفي صحيح البخاريّ قصَّةٌ تبيِّن فِقْه الخلاف في النَّوازل كيف كان أيَّام
(1)
البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 4/ص 208) كتاب فضائل الصَّحابة.
الصَّحابة رضي الله عنهم، فقد التقى ثلاثة مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أحدهم كان يدعو للخليفة عليٍّ رضي الله عنه وينصره، وهو عمَّار رضي الله عنه، والآخران كانا قد اعتزلا الفتن، وهما: أبو موسى الأشعريّ رضي الله عنه، وأبو مسعود البدريّ (عقبة بن عمرو الأنصاريّ)، وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قد أَرْسَلَ عمَّار بن ياسر إلى أَهْلِ الكوفة يَسْتَنْفِرُهُمْ للخروج معه إلى البصرة، وملاقاة أمِّهم أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لتأْمِين عودتها إلى المدينة.
فلمَّا اجتمعا عَابا عليه إِسراعه في الوقوف مع عليّ رضي الله عنه وملابسة الفتن، وعاب عليهما إِبْطَاءَهمَا واعتزالهما، ثمَّ قام أبو مسعود وكان موسِراً وأمر غلامه أن يأتي بحلَّتين، فأعطى إحداهما أبا موسى، والأخرى عمَّاراً!
فانظر إلى هذا الخلاف، انظر كيف يختلفون وَيَتَهَادُونَ! يختلفون في النَّوازل ومع هذا يتهادون، ويعرفون للأخوَّة حرمتها ومعناها، يختلفون ولا يورث الخلاف بينهم العداوة والبغضاء والفرقة.
وهذا هو واجب المسلمين اليوم عند الاختلاف، عليهم أن يتعلَّموا أدب الاختلاف، وفقه الاختلاف في النَّوازل، وكيف كان الاختلاف في الاجتهاد والانتصار للرّأي لا يؤثِّر في سلامة القلوب وائتلافها، ولا يشغلهم عن ما يجب عليهم شرعاً، مِنْ قَوْلِ الحقِّ والتَّواصي به والصَّبر عليه، وبذل النَّصيحة، وحسن الظَّنِّ، والرِّفق ولين الجناح، وعدم القطيعة والتَّنازع.
روى البخاري عن عمرو، قال: سمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ:"دَخَلَ أَبو مُوسَى وَأَبو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ حَيْثُ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ الكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ، فَقَالَا: مَا رَأَيْنَاكَ أَتَيْتَ أَمْراً أَكْرَهَ عِنْدَنَا مِن إِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الأَمْرِ مُنْذُ أَسْلَمْتَ، فَقَالَ عَمَّارٌ: مَا رَأَيْتُ