الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه سنن ماضية لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)} [فاطر].
واعلم أنَّ من سُنَنِ الله تعالى أنَّ الرُّسل تبتلى ثمَّ تكون لهم العاقبة، قال هِرَقْلُ لِأَبِي سُفْيَانَ:"وسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ، فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا، يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمْ الْعَاقِبَةُ"
(1)
.
ومِنْ سُنَنِ الله تعالى أن يُبْتلى المتَّقون، ثمَّ يجعل الله تعالى العاقبة لهم، قال تعالى:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)} [القصص]، {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه].
حَنانَيْكَ ربَّنا، اجعلنا مِنَ المتَّقين الَّذين قلت فيهم:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)} [الدّخان] وقلت فيهم: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر].
قذف المحصنات من السّبع الموبقات
القذف لغة: الرَّمي مطلقاً بحجر أو سهم ونحوهما ممَّا يؤذي، ثمَّ اسْتُعِير للقذف باللِّسان، لأنَّه يشبه الأذى الحسيّ، فخرج اللِّسان مخرج اليد، فهو في المقال كناية عن الشَّتم. والقذف اصطلاحاً: الرَّمي بزنا، واشتهر فِي هذا المعنى حتَّى غلب عليه.
(1)
البخاري "صحيح البخاري"(م 3/ج 5/ص 168) كتاب التّفسير. ومسلم "صحيح مسلم بشرح النَّووي"(م 6/ج 12/ص 106) كتاب الجهاد.
وجاء التَّعبير عن القذف بالرَّمي ثلاث مرَّات في ثلاث آيات مِن سورة النَّور، قَال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ (4)} [النّور]، وقَال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ (6)} [النّور]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ (23)} [النّور] وهو من بلاغة القرآن؛ فإنَّ الكلمة إذا خرجت من اللِّسان لا يقوى اللِّسان على العودة بها أو ردِّها، فهي كالحجر ونحوه ممَّا يُرمى، فلا تعود اليْدُ قادرة على ردِّه.
واتَّفق الفُقَهاءُ على تحريم القَذْفِ، وأنَّه من الكبائر، والأصل في تحريمه الكتاب والسُّنَّة، فمن الكتاب آيات بيِّنات، منها قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} [النّور]، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} [النّور].
واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية على أقوال أربعة: الأوّل أنَّها نزلت في عائشة رضي الله عنها، والثَّاني: أنَّها في أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والثَّالث: أنَّها في المهاجرات، والرَّابع: أنَّها عامَّة في أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهنَّ.
وقوله تعالى: {الْغَافِلَاتِ} أي لا علم لهنَّ بما رمين به، كناية عن براءتهنَّ، وقوله:{الْمُؤْمِنَاتِ} فيه تشنيع على الَّذين يقذفونهنَّ كذباً؛ لأن وصف الإيمان وازع لهنَّ عن الوقوع في هذا الإفك المفترى.
ومن أدلَّة تحريمه من السُّنَّة قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قَالُوا
: