الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً
(1)
"
(2)
.
فطوبى لمن تشرَّف بالبلاغ عنك يا رسُولَ الله! وأوَّلهم الصَّحابة رضي الله عنهم، حملة العلم، ونقلة الدِّين، وأمان الأمَّة.
واعلم أنَّ عائشة رضي الله عنها أوذيت في حياتها وبعد مماتها؛ لأنَّ لها شأواً عالياً في الإسلام، فالرِّيح لا تلطمُ عواصفُها إلَّا العالي من الشَّجر، كما قال الشَّاعر:
إنَّ الرِّياحَ إذا اشتدَّتْ عواصِفُها فليس تَرْمِي سِوى العَالي مِنَ الشَّجَرِ
أو كما قال آخر:
فالرِّيحُ تحطمُ إنْ هبَّت عواصِفُها دوح الثِّمار وينجو الشِّيحُ والرَّتَم
ثلاث من كن فيه كن عليه
اعلم أنَّ أهل الحقِّ يُعَادَوْنَ، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (112)} [الأنعام]، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ (31)} [الفرقان].
واعلم أنَّ أهل الحقِّ يُستَهزأ بهم، قال تعالى:{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا (41)} [الفرقان] ولذلك قال هؤلاء المستهزئون ما حكاه الله تعالى عنهم: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)} [الفرقان]. ولا يخفى خروج الاستفهام إلى معنى التَّحقير، وأنَّ اسم الإشارة (هذا) للقريب، والغرض التَّحقير
(1)
قوله صلى الله عليه وسلم: "بَلِّغُوا " تكليف، وقوله صلى الله عليه وسلم:" عَنِّي" تشريف، وقوله صلى الله عليه وسلم:"وَلَوْ آيَةً " تخفيف.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 4/ص 145) كتاب أحاديث الأنبياء.
بالقرب أيضاً، ومثله قوله تعالى حكاية عنهم:{أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (36)} [الأنبياء]، وقول مَنْ قال منهم:{أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا (53)} [الأنعام].
فإيذاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورمي أصحابه رضي الله عنهم، وإيذاء المؤمنين في عائشة رضي الله عنها مِن السُّنن، ذلك أنَّ أهل الحقِّ لهم أعداء، ولذلك قال ورقة للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:" لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ "
(1)
.
لكن الباغي عليه تدور الدَّوائر، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ (23)} [يونس] والسُّوء لا يقع فيه إلَّا فاعله، والمكر لا يحيق إلَّا بصاحبه {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (43)} [فاطر].
ولذلك قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كُنَّ عَلَيْهِ: الْبَغْيُ، وَالنَّكْثُ، والمكْرُ " قال عز وجل: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ (23)} [يونس]، وقال:{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ (10)} [الفتح]، وقال:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (43)} [فاطر].
فمَنْ ظَلَمَ عائشة رضي الله عنها ممَّن سَلَفَ ومضى وغبر، أو ممَّن خَلَفَ وأدبر واستكبر،
فإنَّما بغيه على نفسه، وإنَّما حسابه عند ربِّه.
(1)
متَّفق عليه: البخاري "صحيح البخاري"(م 1/ج 1/ص 3) بَدْء الوحي، ومسلم "صحيح مسلم بشرح النَّووي"(م 1/ج 2/ص 203) كتاب الإيمان.