الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ينبغي أن يكون عليه المسلم عند الاختلاف
المسلم وليُّ المسلم، ناصِرٌ له في الحقِّ ولو بالدُّعاء، لا يخذله ولا يظلمه مهما شَجَرَ بينهما، أخرج ابن أبي الدُّنيا بسند صحيح عن شعبة، عن يحيى بن الحصين، قال: سمعت طارقاً، قال: " كان بين سعد رضي الله عنه وخالد رضي الله عنه كلام، فَذَهَبَ رجل يَقَعُ في خالد عند سَعْد، فقال سعد رضي الله عنه: مَهْ
(1)
، إنَّ ما بيننا لم يَبْلُغْ دِينَنَا "
(2)
.
فانظر كيف يذبُّ سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه عن خالد بن الوليد رضي الله عنه مع أنَّه كان بينهما خلاف؛ فقد تربَّى في مدرسة الرَّحمة المهداة والنِّعمة المسداة، في مدرسة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، القائل:" مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ، كَانَ حَقّاً عَلَى الله أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ"
(3)
وقرأ فيها قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ (12)} [الحجرات].
فالصَّحابة رضي الله عنهم كانوا يتعايشون بالدِّين، ولذلك تراهم لم يُنْفِقُوا عمرهم بتصنيف الكتب وتَدْبِيجها وتَحْبِيرها؛ وإنَّما جعلوا الكتاب والسُّنَّة واقعاً في حياتهم، وتمثَّلوهما خُلُقاً يمشون فيه بين النَّاس؛ اقتداء بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فما اندَرَسَتْ آثارهم، وما انقطعت أخبارهم، وما كفَّت الألسن عن الدُّعَاءِ والاسْتِغْفار لَهُمْ.
أتى سَعْدُ بْن هِشَام رضي الله عنه عَائِشَةَ، وسألها، وقال لها: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقَالَتْ: " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ؛ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ الله عز وجل:
(1)
مَهْ: اسْمُ فِعلِ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ، ومَعْنَاه: اكْفُفْ عن هذا.
(2)
ابن أبي الدُّنيا "الصّمت"(ص 137).
(3)
أحمد "المسند"(ج 18/ص 601/رقم 27481) وإسناده حسن.
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم]؟ "
(1)
. وعلى هذه الأَخْلاقِ كانت خلائق الصَّحابة رضي الله عنهم.
هذا وينبغي للمسلم عند الخلاف أن يذلَّ لأخيه المسلم ويرحمه، فقد مدح الله تعالى الذُّلَّ في موضعين، الأوَّل: أن يذلَّ المسلم لوالديه: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (24)} [الإسراء] والثَّاني: أنْ يذلَّ لأخيه: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ (54)} [المائدة]، {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29)} [الفتح].
فحريّ بالمسلم أن يدْرَأ بالحسنة السَّيِّئة، وأن يدفع بالَّتي هي أحسن، كما قال تعالى:{وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ (22)} [الرّعد]، {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} [فصّلت]، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)} [المؤمنون]، وأن يكظم غيظه ويعفو؛ فإنَّ ذلك من عمل المحسنين، قال تعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران].
وقد ندب الله تعالى إلى العفو وبيَّن فضله، فقال تعالى:{ا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (40)} [الشّورى]، وهذا نبيّ الله يوسف عليه السلام بعد أن لقي مِنْ
(1)
أحمد "المسند"(ج 17/ص 379/رقم 24482) وإسناده صحيح.