الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتنة الرّجل عن دينه
ذَمَّ اللهُ تعالى مَنْ يُوقِع الفتنة، وجعل فتنة الرَّجل عن دينه والاعتداء على عقيدته أشدّ وأعظم من الاعتداء على نفسه وقتله، قال تعالى:{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (191)} [البقرة]، وقال تعالى:{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (217)} [البقرة] فاحذر أن تُفْتَنَ أو تَفْتِنَ أحداً عن دينه، فالمصيبة في الدِّين من أعظم المصائب، ولذلك كان مِن دعاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"لا تجْعَلْ مصيبتنا في دِيننا"
(1)
.
وفتنة الرَّجل المؤمن في دينه سنَّة مطَّردة، قال تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت].
فقد جرت سنَّة الله تعالى واقتضت حكمته ابتلاء أوليائه بأعدائه، ولذلك أنكر الله تعالى على مَنْ لم يصبر على ذلك، فقال:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ (10)} [العنكبوت].
التّحذير من الفتن
تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ الفِتَنِ عموماً، والحثِّ على تجنّبها واعتزالها والهرب والنَّجاة منها، وعدم ملابستها أو الخَوضِ فِيهَا، وأنَّ شرَّها يكون حسب الدُّخول فيها، فَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (25)} [الأنفال]، وَمَا رَوَاه أبو هريرة عن
(1)
التّرمذي "سنن التّرمذي"(ج 5/ص 528/رقم 3502) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:" تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ اليَقْظَانِ، وَاليَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ "
(1)
.
وما رواه مسلم عن أبي بكرة أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ: القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي فِيهَا، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا، أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ، وَلَا غَنَمٌ، وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ! قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"
(2)
.
وروى أحمد عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال عن قتال الفتنة: " يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِن النَّاسُ قُتِلُوا حَتَّى يَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِن الدِّمَاءِ كَيْفَ أَنتَ صَانِعٌ؟ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: تَدْخُلُ بَيْتَكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله فَإِنْ أَنَا دُخِلَ عَلَيَّ؟ قَالَ: تَأْتِي مَنْ أَنْتَ مِنْهُ
(3)
، قَالَ: قُلْتُ: وَأَحْمِلُ السِّلَاحَ؟! قَالَ: إِذًا شَارَكْتَ (أي بالإثم)، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: إِنْ خِفْتَ أَنْ يَبْهَرَكَ
(1)
مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 9/ج 18/ص 8) كتاب الفتن.
(2)
المرجع السّابق.
(3)
أي الزم أهلك، وقيل مَنْ بايعته.