الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد استدلّ العلماء بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)} [الّليل] ومعه قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13)} [الحجرات] على أنَّ أبا بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه ما طلعت الشَّمس ولا غربت بعد النَّبيِّين على رجل أفضل منه.
ولكن لمن تقول هذا؟! إنَّ أهل الأهواء لو جئتهم بكلِّ آية {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا (15)} [الحجر]، وصدق الله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)} [النّمل].
نقض قولهم: عائشة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا لا في الآخرة
قالوا: عائشة رضي الله عنها زوجة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الدُّنيا لا في الآخرة؛ واحتجّوا بأنَّها بدَّلت وغيَّرت مِنْ بعده صلى الله عليه وسلم.
قلت: وحُجَتُهُمْ دَاحِضَةٌ؛ فقد ثبت في الصَّحيحين أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أُمِرَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بين المقام معه أو مفارقته لهنَّ بَدَأَ بعائشة رضي الله عنها، فَقَالَ: " إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ إِنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ، قَالَ:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الأحزاب]، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟! فَإِنِّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ"
(1)
.
فأمَّهات المؤمنين كلُّهنَّ اخترْنَ اللهَ ورسولَه والدَّار الآخرة، وكلهنَّ محسنات أعدَّ الله لهنَّ أجراً عظيماً.
وقد حظر الله تعالى عليهنَّ أنْ يتزوَّجن بعد موته صلى الله عليه وسلم، وقصرَهُنَّ عليه صلى الله عليه وسلم؛ ليبقين أزواجه في الآخرة، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا (53)} [الأحزاب].
ومن المعلوم أنَ زوجة المؤمن في الدُّنيا زوجته في الآخرة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"المرأة لآخر أزواجها"
(2)
ولقوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ (23)} [الرّعد]، وقوله:{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} [يس]، وقوله:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)} [الزّخرف] فإذا كان هذا للمؤمنين، فما بالك بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأمَّهات المؤمنين!
وهناك أحاديث صحيحة صريحة تدحض قول مَنْ زعم أنَّ عائشة رضي الله عنها زوجة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الدّنيا لا في الآخرة، فقد بشَّرها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّها زوجته في الدّنيا والآخرة، منها ما رواه ابن حبّان وغيره بسند صحيح، عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ بِي جِبْرِيلُ عليه السلام إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ فَقَالَ: " هَذِهِ
(1)
البخاريّ "صحيح البخاري"(م 3/ج 6/ص 23) كتاب التّفسير. ومسلم "صحيح مسلم
بشرح النّوويّ" (م 5/ج 10/ص 78) كتاب الطّلاق.
(2)
الألباني "الصّحيحة"(م 3/ص 275/رقم 1281).