المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عَلَيْهِ نِسَاءُ المشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - الأثر الثمين في نصرة عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين

[أحمد محمود الشوابكة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديمأ. د. عبد النّاصر أبو البصل

- ‌تقديمأ. د. محمود السّرطاوي

- ‌تقديمأ. د. أحمد نوفل

- ‌تقديمد. محمّد ملكاوي

- ‌تقديمأ. د. عبد المقصود حامد

- ‌المقدّمة

- ‌القسم الأوَّلترجمة عائشة رضي الله عنها

- ‌نسبها

- ‌مولدها

- ‌أمّها أمّ رومان

- ‌إخوتها

- ‌نشأتها

- ‌الهجرة

- ‌بناء النبي صلى الله عليه وسلم بها رضي الله عنها ووصف زفافها

- ‌إتيان الملك النّبيّ صلى الله عليه وسلم بصورة عائشة رضي الله عنها قبل أن يتزوجها في سرقة من حرير

- ‌صفة عائشة رضي الله عنها

- ‌صداق عائشة رضي الله عنها

- ‌قَسَم النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ليلتين وليلة لسائر نسائه

- ‌حجرتها رضي الله عنها

- ‌صفة أثاث حجرتها رضي الله عنها

- ‌العلامة الّتي كان يعرف بها النّبيّ صلى الله عليه وسلم رضاها وغضبها

- ‌غيرتها رضي الله عنها

- ‌فضل عائشة رضي الله عنها على سائر النّساء

- ‌أحب الناس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها

- ‌الأمر بمحبّة عائشة رضي الله عنها

- ‌نزول الوحي عليه السلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها دون سائر نسائه

- ‌رؤية عائشة رضي الله عنها للوحي عليه السلام على صورة دحية الكلبي رضي الله عنه

- ‌البرهان بأنّ جبريل عليه السلام أقرأ عائشة رضي الله عنها السّلام

- ‌جهادها رضي الله عنها

- ‌سبب كنيتها بأم عبد الله

- ‌من نعم الله عليها

- ‌القدر الّذي مكثت فيه عائشة رضي الله عنها عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عبادتها رضي الله عنها وخوفها من الله تعالى

- ‌فصاحتها رضي الله عنها

- ‌وفاتها والصّلاة عليها ودفنها

- ‌القسم الثَّانيحديث الإفك

- ‌أذى المنافقين لسيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌أربعة وردت براءتهم في القرآن الكريم

- ‌حديث الإفك

- ‌موقف أمّ رومان رضي الله عنها من الإفك

- ‌موقف أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه

- ‌موقف أمّهات المؤمنين رضي الله عنهن

- ‌موقف أسامة بن زيد رضي الله عنه

- ‌موقف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌موقف الخادمة بريرة رضي الله عنها

- ‌موقف النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌موقف أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

- ‌من ردّ عن عرض أخيه

- ‌الحِكمة من لبوث الوحي

- ‌عائشة رضي الله عنها تتمثَّل آي القرآن في النّوازل

- ‌عائشة رضي الله عنها والصّفح الجميل

- ‌مَن تكلّم ومَن تولّى كبره

- ‌نزول الوحي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر رضي الله عنه ببراءتها رضي الله عنها

- ‌عائشة رضي الله عنها تضيف معرفة النّعمة بكلّيتها إلى الخالق دون الخلق

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعفو عن مسطح رضي الله عنه ويصفح

- ‌الحُكم فيمن قذف طيّبة طابة رضي الله عنها بعد أن أنزل الله تعالى براءتها

- ‌الآيات العشر في براءة عائشة رضي الله عنها

- ‌من دلالات الآيات وعظاتها وهداياتها

- ‌القواعد الحسان لمن سمع حديث الإفك والبهتان

- ‌الحكمة من نزول براءة عائشة رضي الله عنها وحياً يتلى

- ‌لم يؤذون عائشة رضي الله عنها

- ‌ثلاث من كن فيه كن عليه

- ‌قذف المحصنات من السّبع الموبقات

- ‌حصان رزان

- ‌ما هي بأَوَّل بركتكم يا آلَ أَبِي بكر

- ‌القسم الثّالثنفحات من استدراكات أمّ المؤمنين رضي الله عنها

- ‌رجوع الصّحابة رضي الله عنهم إليها رضي الله عنها

- ‌استدراكها رضي الله عنها ومقاييس نقد الحديث عندها

- ‌القسم الرّابعحادثة الجمل

- ‌الفتنة الأولى: مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌مسير عائشة رضي الله عنها إلى البصرة وعذرها

- ‌مغفرة الله تعالى ذنوب عائشة رضي الله عنها ما تقدّم منها وما تأخَّر

- ‌عائشة رضي الله عنها وإصلاح ذات البين

- ‌الأمر بالإصلاح في القرآن الكريم

- ‌شهادة عمَّار رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها

- ‌الدّليل على أن خروج عائشة رضي الله عنها ومن معها كان للإصلاح

- ‌الرَّدُّ على من احتجَّ على خروج عائشة رضي الله عنها بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}

- ‌عليّ رضي الله عنه يستنفر أهل الكوفة ليعيد عائشة رضي الله عنها إلى مأمنها

- ‌المنافقون يوقعون الفتنة بين الحيّين

- ‌عائشة رضي الله عنها تنهى عن القتال يوم الجمل

- ‌قتلى الجمل وزمن القتال

- ‌ما قاله عمار رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها حين فرغ من الجمل

- ‌مسير عائشة رضي الله عنها كان قدراً

- ‌الخطأ في الاجتهاد لا يبيح الطعن في صاحبه

- ‌محاسن من أمسك عن الوقوع في الصّحابة رضي الله عنهم وسكت عمّا شجر بينهم

- ‌القسم الخامسصدّ عاديات الأدعياء عن زوج سيّد الأنبياء صلى الله عليه وسلم

- ‌إثم من يحدِّث بكلِّ ما سمع

- ‌نقض قولهم: إنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أشار إلى بيت عائشة رضي الله عنها وقال: هنا الفتنة

- ‌نقض قولهم: عائشة رضي الله عنها كانت سبباً في طلاق الْجَوْنِيَّةِ وموتها كمدا

- ‌نقض قولهم: لم ينزل في عائشة رضي الله عنها شيء من القرآن

- ‌نقض قولهم: عائشة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا لا في الآخرة

- ‌أحاديث موضوعة في حقِّ عائشة رضي الله عنها

- ‌ماذا قال ابنُ عبّاس رضي الله عنه حين اشتكت عائشة رضي الله عنها وحين حضرتها الوفاة

- ‌أدلّة العدالة

- ‌الصّحابة رضي الله عنهم شهداء الله تعالى

- ‌ تحذير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من دعاة لا يهتدون بهداه ولا يستنون بسنته

- ‌إثم من دعا إلى ضلالة أو سنّ سنّة سيّئة

- ‌موعظة النّبيّ صلى الله عليه وسلم الّتي ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ

- ‌القسم السّابعالاختلاف

- ‌فقه الخلاف في حياة الصّحابة رضي الله عنهم

- ‌أدب الخلاف بين الصَّحابة رضي الله عنهم

- ‌كره الصّحابة رضي الله عنهم للخلاف

- ‌فقه الخلاف في النّوازل

- ‌أنواع الاختلاف

- ‌النّهي عن الاختلاف والأمر بالاجتماع أصلان عظيمان في القرآن

- ‌دلالة عطف النهي على الأمر

- ‌إخبار النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن افتراق أمّته والتّنصيص على وحدتها

- ‌التّعصّب إلى الفرق يزيد من الفرقة

- ‌ما ينبغي أن يكون عليه المسلم عند الاختلاف

- ‌الحاجة إلى فقه الخلاف

- ‌الشفاء من كلّ خلاف مشكل وداء معضل

- ‌القسم الثّامنالفتن

- ‌معنى الفتنة

- ‌المعاني التي يحتملها لفظ الفتنة في القرآن الكريم

- ‌ظهور الفتن بموت الخليفة عمر رضي الله عنه

- ‌فتنة الرّجل عن دينه

- ‌التّحذير من الفتن

- ‌البيان بأن على الإنسان عِنْدَ الْفِتَنِ العمياء أن يكسر سيفه ويكون مقتولا

- ‌الدعاة إلى الفتن هم الدّعاة إلى النّار

- ‌الفتن لا تزال إلى يوم القيامة

- ‌تغبيط أهل القبور وتمني الموت عند نزول الفتن خشية ذهاب الدّين

- ‌من أسباب الاختلاف وظهور الفتن

- ‌من معالم الهدى في الفتن

- ‌وقفات وبعثات الفتنة

- ‌مثل الفتنة

- ‌من شهد الفتنة كارها ومن غاب عنها فرضيها

- ‌الله الله في الدّماء

- ‌أفلح من كفّ يده

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: عَلَيْهِ نِسَاءُ المشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ

عَلَيْهِ نِسَاءُ المشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ المشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ:

إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ الله، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَرَجَعَ إِلَى المدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ "

(1)

(.

‌الهجرة

لم تبلغْ أُسْرَةٌ في التَّضحية والبطولة والفداء ما بلغته أسرةُ أبي بكر رضي الله عنه، فقد بادر جميعُ أفراد هذه الأسرة إلى الإسلام، عدا عبد الرّحمن شقيق عائشة رضي الله عنها، فقد

(1)

البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 3/ص 58) كتاب الكفالة.

ص: 25

تأخَّر إسلامه.

وقدَّمت هذه الأسرةُ أعْظَمَ مثل في الجِهَاد يوم الهجرة، الَّتي تعدُّ نقطة تحوّل في تاريخ الدَّعوة، حتَّى أَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه الصَّحابة في خلافته أن يؤرِّخوا بها، قال عمر رضي الله عنه:

" الهجرة فرَّقت بين الحقِّ والباطل فأرِّخوا بها"

(1)

، وقال سهل بن سعد رضي الله عنه:" مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ المدِينَةَ "

(2)

.

وقد روى البخاري قصّة الهجرة بطولها، وأقتطع منها دور هذه الأسرة الكريمة، قالت عائشة رضي الله عنها: " وَتَجَهَّزَ أَبو بَكْرٍ قِبَلَ المدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ، وَهُوَ الْخَبَطُ

(3)

، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْماً جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ

(4)

،

قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعاً فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، والله مَا جَاءَ به فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ

(1)

ابن حجر " فتح الباري"(ج 7/ص 215).

(2)

البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 4/ص 267) كتاب المناقب.

(3)

((الخبط: ورق الشَّجر يضرب ويخبط حتَّى يسقط.

(4)

((كان لا يخطئه يوم إلَّا أتى منزل أبي بكر طرفي النَّهار، فلمَّا عزم على الهجرة جاءهم في الظَّهيرة متقنِّعاً وقد غطَّى رأسه.

ص: 26

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ

(1)

ـ بِأَبِي أَنْتَ

(2)

ـ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ

(3)

ـ بِأَبِي أَنْتَ ـ يَا رَسُولَ الله، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، قَالَ أَبو بَكْرٍ: فَخُذْ ـ بِأَبِي أَنْتَ ـ يَا رَسُولَ الله، إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: بِالثَّمَنِ

(4)

.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ

(5)

الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لهما سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ به عَلَى فَمِ الْجِرَابِ؛ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ.

قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَبو بَكرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ

لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ الله بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ

(6)

، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ

(7)

بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي

(1)

إشارة إلى ابنتيه: عائشة وأسماء، كما فهم من طرائق أخرى للحديث.

(2)

التَّقدير: أنت بأبي مفديّ.

(3)

أي أريد المصاحبة.

(4)

أحبَّ صلى الله عليه وسلم أن تكون هجرته من ماله.

(5)

أحثّ: اسم تفضيل من الحثّ، وهو الإسراع.

(6)

أي حاذِق سريع الفهم.

(7)

من الكيد، أي يُكَاد لهما بمكروه.

ص: 27

رِسْلٍ

(1)

، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا

(2)

حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ "

(3)

.

هجرتها رضي الله عنها وتحمّلها للمشاق

لا شكَّ أنَّ الهجرة أشقُّ على النِّساء من الرِّجال، فالرِّجال من شأنهم السَّعي والضَّرب في أكباد الأرض، فبعد أن أقام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه في المدينة مع المسلمين مهاجرين وأنصار، هاجرت عائشة وأسماء معاً مع بنات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومع آل أبى بكر، فنزلوا جميعاً المدينة.

وقد تحمَّلت عائشة رضي الله عنها كغيرها المصاعب في طريق الهجرة، روت عائشة رضي الله عنها، قالت:"قدمنا مهاجرين، فسلكنا في ثنيَّة صعبة، فنفر جمل كُنْتُ عليه نُفُوراً مُنكراً، فوالله ما أَنْسَى قول أمِّي: يا عريسة، فركِبَ بي رأسَه، فَسَمِعْتُ قائِلاً يقول: ألقي خِطَامَه، فألقيته، فقام يستدير كأنَّما إنسانٌ قائمٌ تحته"

(4)

.

ولمَّا وصلت عائشة المدينة نزلت مع أهلها في دار بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، ومرضت بالحمَّى حتَّى تمزَّق شعرها، روى البخاري عنها أنَّها رضي الله عنها قالت: " فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ (انْتَتَفَ) شَعَرِي فَوَفَى

(5)

(1)

الرِّسْل: اللَّبن.

(2)

الرَّضِيفُ: اللَّبن المَرْضُوفُ، وهو الَّذي طُرِحَ فيه الحجارة المُحْماةُ، ليذْهب وخَمُه.

(3)

البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 4/ص 255) كتاب المناقب.

(4)

الهيثمي "مجمع الزوائد"(ج 9/ص 228) وقال: رواه الطَّبراني وإسناده حسن.

(5)

أي كَثُر وَفِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره ثُمَّ فَصَلْتُ مِنْ الحمَّى فَتَرَبَّى شَعْرِي حتَّى وصل المنكبين.

ص: 28

جُمَيْمَةً

(1)

"

(2)

. وعند مسلم أنَّها مرضت شهراً كاملاً، تقول عائشة رضي الله عنها:"قَدِمْنَا المَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْراً فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً"

(3)

.

وكانت المدينة عند قدومهم وبِئَة، فلمّا رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم شكوى أصحابه، دعا لها أن يصحِّحها وينقل حمَّاها إلى الجُحْفَة فأجاب الله دعوته، تقول عائشة رضي الله عنها:"قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ، فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَاشْتَكَى بِلَالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَكْوَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: "اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ

(4)

"

(5)

.

وفي الحديث من الفقه: جواز التَّداوي بالدّعاء لرفع الوباء وكشف البلاء، وفيه الدُّعاء للمسلمين بالبركة والرَّخاء ورفع الدَّاء، وجواز الدُّعاء على الأعداء لشغلهم عن الدَّعوة، فقد دعا صلى الله عليه وسلم بنقل الحمَّى إلى الجحفة وكانت دار شرك فكفى الله المؤمنين.

وكان صلى الله عليه وسلم قد دعا على قريش لمَّا أبطؤوا عن الإسلام واستعصوا عليه ورأى منهم إدباراً، فقال:"اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ"

(6)

.

(1)

جُمَيْمَة: تصغير جُمَّة، والجُمَّة من شعر الرأْس ما سَقَط على المَنْكِبَيْن، وصار إلى هذا الحدّ.

(2)

البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 4/ص 251) كتاب المناقب.

(3)

مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 5/ج 9/ص 207) كتاب النكاح.

(4)

ميقات أهل الشّام وكانت إذ ذاك يسكنها يهود.

(5)

مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 5/ج 9/ص 150) كتاب الحجّ.

(6)

البخاريّ "صحيح البخاريّ"(م 3/ج 6/ص 19) كتاب التَّفسير.

ص: 29