الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدّليل على أن خروج عائشة رضي الله عنها ومن معها كان للإصلاح
كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد أخبر عائشة رضي الله عنها عن هذا المسير، فلمَّا تذكَّرت ذلك همَّت بالرّجوع إلَّا أنَّ مَنْ مَعَها ثَنَاها عن عَزْمها؛ لما يرجون في خروجها ومِنْ رؤية النَّاس لها من خير وإصلاح بين النَّاس، روى أحمد بسند صحيح عن قيس، قَال:"لمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلاً نَبَحَتِ الكِلَابُ، قَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ، قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا أَنِّي رَاجِعَةٌ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدمِينَ فَيَرَاكِ المُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللهُ عز وجل ذَاتَ بَيْنِهِمْ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: "كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ
(1)
؟ "
(2)
.
(1)
ماءٌ عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ، بين البصرة ومكّة.
(2)
أحمد "المسند"(ج 17/ص 273/رقم 24135) وإسناده صحيح .. ورواه ابن حبَّان وصحّحه الألباني في " التّعليقات الحسان "(ج 9/ص 399/رقم 6697)، وهو في "الصّحيحة"(م 1/ص 223/رقم 475)، ورواه أبو يعلى في " مسند أبي يعلى الموصلي " (ج 8/ص 282/رقم 4868) وقال المحقّق: إسناده صحيح، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(ج 3/ص 120) ولم يقع في المطبوع منه التّصريح بالتّصحيح منه ولا من الذّهبي، وقد يكون التّصحيح غفل عنه الطّابع أو النّاسخ، فقد نقل الحافظ تصحيحه عن الحاكم في "الفتح"(م 13/ص 45) وكذلك قال الذّهبي في ترجمة عائشة في " سير أعلام النبلاء "(ج 2/ص 128) هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوْهُ، وذكره الهيثمي في " مجمّع الزّوائد "(ج 7/ص 234/رقم 12026) من رواية البزّار عن ابن عبّاس، وقال: رواه البزَّار ورجاله ثقات، وصحّحه البوصيري في " الإتحاف " انظر:" مختصر إتحاف السّادة المهرة "(م 5/ص 451/رقم 8310)، وقال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة ورواته ثقات.
وعائشة رضي الله عنها لمَّا تذكَّرت الحديث لم تَكْتُمْهُ، وإنَّما ذكرته لهم، لكنَّهم لم يفهموا أنَّ في الحديث نهياً عن الخروج أو أمراً بالقعود، فليس في حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ما يدلّ على الأمر بالقعود، أو بامتناع الخروج عليها، وإنَّما هو إخبار بالغيب وتنْبِيه لِقَدَرِ الله تعالى، وأنَّ أمر الله واقع لا محالة؛ فلا تثريب عليهم. وما مِنْ شكٍّ أنَّ عائشة رضي الله عنها لها فَضْلُ الدَّعوة للإصلاح، والسَّبق إلى الخير.
وفي الحديث دليلٌ قاطع على أنَّ مَنْ خرج معها لم يخرج للقتال، وإنَّما خرج للإصلاح وعلى رأسهم الزُّبير بن العوّام رضي الله عنه حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى أحمد بسند صحيح عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لمَّا أَتَتْ عَلَى الحَوْأَبِ سَمِعَتْ نُبَاحَ الكِلَابِ، فَقَالَتْ:" مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةٌ، إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَنَا: " أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟ فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: تَرْجِعِينَ عَسَى الله عز وجل أَنْيُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ"
(1)
.
ولم يسلم الزّبير رضي الله عنه إلى يومنا مِنَ الطَّعن والتَّجريح، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنَّة، وأحد السِّتَّة مِن أصحاب الشّورى، وأوَّل مَنْ سَلَّ سيفه في سبيل الله تعالى، شهد بدراً والمشاهد كلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف نطعن فيمن تشفع له سوابقه، وقد تقدَّم قولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ الله عز وجل اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"
(2)
.
كما لم يسلم ابنه عبد الله بن الزّبير بن خويلد الّذي كان معه يومها، وهو
(1)
أحمد "المسند"(ج 17/ص 395/رقم 24535) وإسناده صحيح.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(م 3/ج 5/ص 60) كتاب التّفسير.