الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّمُومِ (27)} [الطّور]، فَبَكَتْ، وَقَالَتْ:" رَبِّ مُنَّ، وَقِنِي عَذَابَ السَّمُومِ"
(1)
.
فصاحتها رضي الله عنها
-
كانت رضي الله عنها فصيحة اللِّسان عالية البيان، إذا خطبت ملكت على النَّاس مسامعهم، قال مُوسَى بْن طَلْحَةَ:"مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ"
(2)
. ولا ريب أنَّ الفصاحة والبيان من أجمل ما يتحلَّى به الإنسان، لمَّا تُوُفِّيَ الصِّدِّيْقُ رضي الله عنه ودفن بجوار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَفَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَلَى قَبْرِهِ، وراحت ترسل كلاماً على سجيَّته، ليس من السَّهل أن تبلغ بلاغته، قالت:"نَضَّرَ اللهُ وَجْهَكَ يَا أَبَتِ، وَشَكَرَ لَكَ صَالِح سَعْيِكَ، فَلَقَدْ كُنْتَ لِلدُّنْيَا مُذِلّاً بِإِدْبَارِكِ عَنْهَا، وَلِلآخِرَةِ مُعِزّاً بِإِقْبَالِكَ عَلَيْهَا، وَلَئِنْ كَانَ أَجَلَّ الْحَوَادِثِ بَعْدَ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم رَزْؤُكَ وَأَعْظَمَ المَصَائِبِ بَعْدَهُ، فَقَدْ كَانَ كِتَابُ الله لَيَعِدُ بِحُسْنِ الصَّبْرِ عَنْكَ حُسْنَ العِوَضِ مِنْكَ، وَأَنَا أَسْتَنْجِزُ مَوْعُوْدَ الله فِيْكَ بِالصَّبْرِ، وَأَسْتَقْضَيْهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَكَ، أَمَا لَئِنْ كَانُوْا قَامُوْا بِأَمْر الدُّنْيَا فلَقَدْ قُمْتَ بِأَمْرِ الدِّيْنِ لمَّا وَهَى شُعَبُهُ، وَتَفَاقَمَ صَدْعُهُ، وَرَجُفَتْ جَوَانِبُهُ؛ فَعَلَيْكَ سَلَامُ الله تَوْدِيْعَ غَيْرِ قَالِيَةٍ لِحَيَاتِكَ، وَلَا زَارِيَةٍ عَلَى الْقَضَاءِ فِيْكَ! "
(3)
.
وفاتها والصّلاة عليها ودفنها
كَانَت وفاتها في عهد معاوية رضي الله عنه، سنة ثَمَان وَخمسين من الْهِجْرَة فِي رَمَضَان لَيْلَة الثُّلَاثَاء لسبع عشرَة خلت مِنْهُ عِنْد الْأَكْثَرين، وصلَّى عليها أبو هريرة رضي الله عنه،
(1)
ابن أبي الدّنيا "الرّقة والبكاء"(ص 92).
(2)
التّرمذي "سنن التّرمذي"(ج 5/ص 705) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(3)
أبو إسحاق "زهر الآداب"(ج 1/ص 71) وابن قتيبة "عيون الأخبار"(ج 2/ص 338).
وكانت رضي الله عنها قد أوصت عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنهما أنْ تُدْفَنَ مع صواحبها أمَّهات المؤمنين في البقيع مدفن أهل المدينة، وقالت له:"ادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي، وَلَا تَدْفِنِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي البَيْتِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُزَكَّى"
(1)
.
وفي الصَّحيح عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ:" ائْذَنِي لِي أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ، فَقَالَتْ: إِي وَالله، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَتْ: لَا والله، لَا أُوثِرُهُمْ بِأَحَدٍ أَبَدًا"
(2)
.
من حقوق النّبيّ الأمين صلى الله عليه وسلم توقير أمّهات المؤمنين
أوجب الله تعالى تعظيم الفاضل في الدُّنيا على المفضول، مثل تفضيل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على سائر النَّبيِّين، وسائر الصَّحابة على سائر التَّابعين فإذا تقرّر ذلك، فإنّا لا نرى أَوْجَبَ بعد تعظيمه صلى الله عليه وسلم من تعظيم زوجاته، اللّواتي أكرمهنَّ اللهُ بصحبة رسوله، وجعلهنَّ أمَّهات للمؤمنين:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (6)} [الأحزاب] فأوجب لهنَّ حقَّ الأمومة على كلّ مؤمن، ولا يخفى ما للأمِّ من عظيم حقّ، فكيف بأمّهات المؤمنين المخاطبات بقوله سبحانه:{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ (32)} [الأحزاب]! والمحسنات اللّواتي اخترن الله ورسوله والدَّار الآخرة: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الأحزاب].
(1)
البخاري "صحيح البخاري"(م 4/ج 8/ص 153) كتاب الاعتصام.
(2)
المرجع السَّابق.