المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصحابة رضي الله عنهم شهداء الله تعالى - الأثر الثمين في نصرة عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين

[أحمد محمود الشوابكة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديمأ. د. عبد النّاصر أبو البصل

- ‌تقديمأ. د. محمود السّرطاوي

- ‌تقديمأ. د. أحمد نوفل

- ‌تقديمد. محمّد ملكاوي

- ‌تقديمأ. د. عبد المقصود حامد

- ‌المقدّمة

- ‌القسم الأوَّلترجمة عائشة رضي الله عنها

- ‌نسبها

- ‌مولدها

- ‌أمّها أمّ رومان

- ‌إخوتها

- ‌نشأتها

- ‌الهجرة

- ‌بناء النبي صلى الله عليه وسلم بها رضي الله عنها ووصف زفافها

- ‌إتيان الملك النّبيّ صلى الله عليه وسلم بصورة عائشة رضي الله عنها قبل أن يتزوجها في سرقة من حرير

- ‌صفة عائشة رضي الله عنها

- ‌صداق عائشة رضي الله عنها

- ‌قَسَم النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ليلتين وليلة لسائر نسائه

- ‌حجرتها رضي الله عنها

- ‌صفة أثاث حجرتها رضي الله عنها

- ‌العلامة الّتي كان يعرف بها النّبيّ صلى الله عليه وسلم رضاها وغضبها

- ‌غيرتها رضي الله عنها

- ‌فضل عائشة رضي الله عنها على سائر النّساء

- ‌أحب الناس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها

- ‌الأمر بمحبّة عائشة رضي الله عنها

- ‌نزول الوحي عليه السلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها دون سائر نسائه

- ‌رؤية عائشة رضي الله عنها للوحي عليه السلام على صورة دحية الكلبي رضي الله عنه

- ‌البرهان بأنّ جبريل عليه السلام أقرأ عائشة رضي الله عنها السّلام

- ‌جهادها رضي الله عنها

- ‌سبب كنيتها بأم عبد الله

- ‌من نعم الله عليها

- ‌القدر الّذي مكثت فيه عائشة رضي الله عنها عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عبادتها رضي الله عنها وخوفها من الله تعالى

- ‌فصاحتها رضي الله عنها

- ‌وفاتها والصّلاة عليها ودفنها

- ‌القسم الثَّانيحديث الإفك

- ‌أذى المنافقين لسيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌أربعة وردت براءتهم في القرآن الكريم

- ‌حديث الإفك

- ‌موقف أمّ رومان رضي الله عنها من الإفك

- ‌موقف أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه

- ‌موقف أمّهات المؤمنين رضي الله عنهن

- ‌موقف أسامة بن زيد رضي الله عنه

- ‌موقف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌موقف الخادمة بريرة رضي الله عنها

- ‌موقف النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌موقف أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

- ‌من ردّ عن عرض أخيه

- ‌الحِكمة من لبوث الوحي

- ‌عائشة رضي الله عنها تتمثَّل آي القرآن في النّوازل

- ‌عائشة رضي الله عنها والصّفح الجميل

- ‌مَن تكلّم ومَن تولّى كبره

- ‌نزول الوحي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر رضي الله عنه ببراءتها رضي الله عنها

- ‌عائشة رضي الله عنها تضيف معرفة النّعمة بكلّيتها إلى الخالق دون الخلق

- ‌أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعفو عن مسطح رضي الله عنه ويصفح

- ‌الحُكم فيمن قذف طيّبة طابة رضي الله عنها بعد أن أنزل الله تعالى براءتها

- ‌الآيات العشر في براءة عائشة رضي الله عنها

- ‌من دلالات الآيات وعظاتها وهداياتها

- ‌القواعد الحسان لمن سمع حديث الإفك والبهتان

- ‌الحكمة من نزول براءة عائشة رضي الله عنها وحياً يتلى

- ‌لم يؤذون عائشة رضي الله عنها

- ‌ثلاث من كن فيه كن عليه

- ‌قذف المحصنات من السّبع الموبقات

- ‌حصان رزان

- ‌ما هي بأَوَّل بركتكم يا آلَ أَبِي بكر

- ‌القسم الثّالثنفحات من استدراكات أمّ المؤمنين رضي الله عنها

- ‌رجوع الصّحابة رضي الله عنهم إليها رضي الله عنها

- ‌استدراكها رضي الله عنها ومقاييس نقد الحديث عندها

- ‌القسم الرّابعحادثة الجمل

- ‌الفتنة الأولى: مقتل عثمان رضي الله عنه

- ‌مسير عائشة رضي الله عنها إلى البصرة وعذرها

- ‌مغفرة الله تعالى ذنوب عائشة رضي الله عنها ما تقدّم منها وما تأخَّر

- ‌عائشة رضي الله عنها وإصلاح ذات البين

- ‌الأمر بالإصلاح في القرآن الكريم

- ‌شهادة عمَّار رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها

- ‌الدّليل على أن خروج عائشة رضي الله عنها ومن معها كان للإصلاح

- ‌الرَّدُّ على من احتجَّ على خروج عائشة رضي الله عنها بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}

- ‌عليّ رضي الله عنه يستنفر أهل الكوفة ليعيد عائشة رضي الله عنها إلى مأمنها

- ‌المنافقون يوقعون الفتنة بين الحيّين

- ‌عائشة رضي الله عنها تنهى عن القتال يوم الجمل

- ‌قتلى الجمل وزمن القتال

- ‌ما قاله عمار رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها حين فرغ من الجمل

- ‌مسير عائشة رضي الله عنها كان قدراً

- ‌الخطأ في الاجتهاد لا يبيح الطعن في صاحبه

- ‌محاسن من أمسك عن الوقوع في الصّحابة رضي الله عنهم وسكت عمّا شجر بينهم

- ‌القسم الخامسصدّ عاديات الأدعياء عن زوج سيّد الأنبياء صلى الله عليه وسلم

- ‌إثم من يحدِّث بكلِّ ما سمع

- ‌نقض قولهم: إنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أشار إلى بيت عائشة رضي الله عنها وقال: هنا الفتنة

- ‌نقض قولهم: عائشة رضي الله عنها كانت سبباً في طلاق الْجَوْنِيَّةِ وموتها كمدا

- ‌نقض قولهم: لم ينزل في عائشة رضي الله عنها شيء من القرآن

- ‌نقض قولهم: عائشة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا لا في الآخرة

- ‌أحاديث موضوعة في حقِّ عائشة رضي الله عنها

- ‌ماذا قال ابنُ عبّاس رضي الله عنه حين اشتكت عائشة رضي الله عنها وحين حضرتها الوفاة

- ‌أدلّة العدالة

- ‌الصّحابة رضي الله عنهم شهداء الله تعالى

- ‌ تحذير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من دعاة لا يهتدون بهداه ولا يستنون بسنته

- ‌إثم من دعا إلى ضلالة أو سنّ سنّة سيّئة

- ‌موعظة النّبيّ صلى الله عليه وسلم الّتي ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ

- ‌القسم السّابعالاختلاف

- ‌فقه الخلاف في حياة الصّحابة رضي الله عنهم

- ‌أدب الخلاف بين الصَّحابة رضي الله عنهم

- ‌كره الصّحابة رضي الله عنهم للخلاف

- ‌فقه الخلاف في النّوازل

- ‌أنواع الاختلاف

- ‌النّهي عن الاختلاف والأمر بالاجتماع أصلان عظيمان في القرآن

- ‌دلالة عطف النهي على الأمر

- ‌إخبار النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن افتراق أمّته والتّنصيص على وحدتها

- ‌التّعصّب إلى الفرق يزيد من الفرقة

- ‌ما ينبغي أن يكون عليه المسلم عند الاختلاف

- ‌الحاجة إلى فقه الخلاف

- ‌الشفاء من كلّ خلاف مشكل وداء معضل

- ‌القسم الثّامنالفتن

- ‌معنى الفتنة

- ‌المعاني التي يحتملها لفظ الفتنة في القرآن الكريم

- ‌ظهور الفتن بموت الخليفة عمر رضي الله عنه

- ‌فتنة الرّجل عن دينه

- ‌التّحذير من الفتن

- ‌البيان بأن على الإنسان عِنْدَ الْفِتَنِ العمياء أن يكسر سيفه ويكون مقتولا

- ‌الدعاة إلى الفتن هم الدّعاة إلى النّار

- ‌الفتن لا تزال إلى يوم القيامة

- ‌تغبيط أهل القبور وتمني الموت عند نزول الفتن خشية ذهاب الدّين

- ‌من أسباب الاختلاف وظهور الفتن

- ‌من معالم الهدى في الفتن

- ‌وقفات وبعثات الفتنة

- ‌مثل الفتنة

- ‌من شهد الفتنة كارها ومن غاب عنها فرضيها

- ‌الله الله في الدّماء

- ‌أفلح من كفّ يده

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌الصحابة رضي الله عنهم شهداء الله تعالى

‌الصّحابة رضي الله عنهم شهداء الله تعالى

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قال:"مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً، فَوَجَبَتْ لَهُ الجنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الأَرْضِ "

(1)

. وفي رواية، قال صلى الله عليه وسلم:"شَهَادَةُ القَوْمِ المُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ الله فِي الأَرْضِ"

(2)

.

وفي وَسَطِ سورة البقرة، في الآية الثَّالثة والأربعين بعد المائة أثنى الله تعالى على الصَّحابة بأن جَعَلَهُمْ أُمَّةً وسطاً خِيَاراً عُدُولاً في أقوالهم وأفعالهم، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا

(3)

(143)} [البقرة]، وبهذا استحقَّ الصَّحابة أن يكونوا شهداءَ الله تعالى على النَّاس يوم القيامة، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143)} [البقرة]. وفي سورة الحجّ:{لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ (78)} [الحجّ].

فالصَّحابة رضي الله عنهم شهداء الله تعالى، فكيف يجوز لأحد أن يجرح شهود الله تعالى؟! فإن قال قائل: فقد ضيَّع الصَّحابة إيمانهم بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قلنا: أما تقرأ القرآن، أما تقرأ قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} [البقرة]. وإذا كان عز وجل بالنَّاس رؤوفاً رحيماً، فكيف بالصَّحابة رضي الله عنهم.

(1)

البخاري "صحيح البخاري"(م 1/ج 2/ص 100) كتاب الجنائز.

(2)

البخاري "صحيح البخاري"(م 2/ج 3/ص 148) كتاب الشّهادات.

(3)

الوسط: العَدْل والخيار، ووسط كُلّ شيءٍ خياره، ووسط العقد: أَنْفَسُه.

ص: 163

ما أمر الله تعالى به مَن جاء مِن بعد الصَّحابة لا إله إلا الله

أَثْنَى اللهُ تعالى على أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في غير آية ثناءً أوجب محبَّتهم، فقال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ (4)} [الفتح]، وقال تعالى:{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ (174)} [آل عمران]، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)} [الأنفال] في آيات يطول ذكرها.

ونَدَبَ إلى اتِّباعهم بإحسان، والدُّعاء لهم والاستغفار، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا (10)} [الحشر].

فكلُّ مَنْ جاء مِنْ بعد الصَّحابة مِنَ التَّابعين مأمورٌ بالدُّعاء والاستغفار لأصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عامَّة، فقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} عمَّ كلَّ مَنْ جاء مِنْ بعد الصَّحابة إلى قيام السَّاعة، وقوله تعالى:{يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} عمَّ كلَّ أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ولذلك فإنَّ مِنْ أَمارات التَّابعين للصَّحابة بإحسان أنَّهم يستغفرون لإخوانهم السَّابقين بالإيمان، ويسألون الله تعالى ألّا يكون في قلوبهم غلّ لهم، عرفاناً بحقِّهم وفضلهم؛ فقد وَرِثوا عنهم ما تلقّوه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، واعتقاداً، ومنهجاً.

ومِنْ أَمارات مَنْ لم يتَّبعهم بإِحسان أنَّهم يسبُّون الصَّحابة الكرام، وقد

ص: 164

أُمِروا بالاستغفار لهم، ذلك أنَّ في قلوبهم مرضاً، ومن أعظم خبث القلوب وأمراضها أن تجد فيها غلّا للّذين {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (100)} [التَّوبة]. روى مسلم عن عروة، قال: قَالَتْ لي عَائِشَةُ رضي الله عنها: " يَا ابْنَ أُخْتِي، أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَبُّوهُمْ"

(1)

.

وتعجب حين تعلم أنَّ كثيراً من النَّاس يبحثون عن عِلاج لأمراض الأبدان، وهم في الحقيقة يحتاجون إلى علاج لأمراض القلوب، الَّتي امتلأت غيظاً وحقداً وضغناً وحسداً وزيغاً وزيفاً ونفاقاً وعُجْباً وفخراً وكبراً وهمّاً وحسرةً

وأمراض القلوب أشدّ خطراً من أمراض الأبدان؛ فأمراض الأبدان غاية أمرها أنَّها قد تفضي بصاحبها إلى الموت، أمَّا أمراض القلوب فقد تفضي إلى الشَّقاء في الدَّارين، لأنَّ معينها الشّبهات والشّهوات!

والقرآن الكريم فيه شفاء مِن أمراض القلوب الَّتي في الصّدور، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)} [يونس].

فالقرآن الكريم فيه من الآيات البيِّنات والبراهين القاطعات ما يجعل النَّاظر فيه يُخْرِجُ الحقَّ مِنْ خَاصِرَةِ البَاطِلِ، وقاصد الحقِّ لا يعمى. والقرآن يعمّ شفاءَ القلوب والأبدان بإذن الله تعالى وتقديره، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ

(1)

مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 9/ج 18/ص 158) كتاب التّفسير.

ص: 165

وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (44)} [فصّلت]، وقال تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} [الإسراء]، لكن ما كلّ أحدٍ يوفَّق للاستشفاء به.

ومن النَّاس مَنْ يجعل القرآن آخر الأسباب، وَحَقِيقٌ بكتاب الله تعالى الَّذي عَلِمْنا بَعْضَ شَأْنِه أَنْ يُسْتَشْفَى بِه مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وأنْ يُقَدَّم على كلِّ دواء، والله أعلم.

فإيَّاك أن تكون ممَّن يخالف أمر الله تعالى، فتقع في أعراض الصَّحابة رضي الله عنهم، وتقيم الأحقاد في القلب لهم، فالإسلام حرَّم حمل الأحقاد والأضغان، وكُنْ من التَّابعين لهم بإحسان، ممَّن يستغفرون لمن سبقهم في الإيمان.

واعلم أنَّ الصَّحابة أسلم النَّاس قلوباً وأنقاهم سِيرة وسَريرة، وأنَّ القرآن نصَّ على طهارة قلوبهم، قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى (3)} [الحجرات]، وقال تعالى:{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (22)} [المجادلة].

واعلم أنَّ الله تعالى رضي عن الصَّحابة السَّابقين الأوَّلين ولم يشترط، لكنَّه اشترط على التَّابعين لهم أن يتَّبعوهم بإحسان، فقال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (100)} [التَّوبة].

واعلم أنَّنا لا نأخذ عقيدتنا في الصَّحابة لا إله إلا الله مِنْ كتب التَّاريخ وروايات المؤرِّخين، وإنَّما نأخذ عقيدتنا فيهم مِن كتاب الله تعالى، القائِل فيهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ

ص: 166

اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29)} [الفتح].

فلا نقبل روايات تطعن في سلامة قلوبهم، والله تعالى يقول:{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} [الفتح].

ولا نقبل روايات تاريخيَّة تشكِّك في تقواهم، وقد شهد الله تعالى لهم أنَّهم أهل للتَّقوى:{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا (26)} [الفتح] ولذلك اختارهم الله تعالى لدينه وصحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم لعلمه عز وجل بهم.

ولا نقبل روايات تقدح في إيمانهم، والله تعالى يقول:{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)} [المجادلة].

ولا نقبل روايات تزعم أنَّهم ارتدُّوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وأنَّهم في النَّار، والله يقول:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى (10)} [الحديد] فهم موعودون بالجنَّة، فكيف وعدهم الله الحسنى لولا عِلْمه سبحانه أنَّهم سيظلُّون على الإيمان؟!

وكيف يدخلون النَّار، والله تعالى يقُول: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا

ص: 167

يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)} [الأنبياء]. ولا نقبل روايات تشكِّك في فوزهم وفلاحهم في الدُّنيا والآخرة، والله تعالى يقول:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف].

ولا نقبل روايات تتَّهمهم بالكفر والفسوق والعصيان بعد الإيمان، والله تعالى يقول:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)} [الحجرات].

ولا نقبل روايات تدعو إلى معاداتهم، والله تعالى يقول:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا (55)} [المائدة] فهم يستحقّون الموالاة.

فإن احتجّوا بما شجر بين الصَّحابة قلنا: ما شجر بينهم لا ينقضُ عدالتهم، ولا يقْدَحُ في إيمانهم؛ لأنَّ ثناءَ الله تعالى عليهم قد مضى وانقضى، فهو سبحانه أعلم بهم وبحالهم وببقائهم على الهدى والتُّقى، قَال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة].

وما شجر بين الصَّحابة بعد كمال الدِّين لا يُبَدِّل كلماتِ الله تعالى، قال تعالى:{لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ (64)} [يونس] وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ (115)} [الأنعام] وقال تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ (27)} [الكهف] فالدِّين بعد

ص: 168

أن كَمُلَ لا يُزَادُ فيه ولا ينقص ولا يُبَدَّل ولا يُحرَّف، قال تعالى:{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)} [يونس].

واعلم أنَّ لهم فيما شَجَرَ بينهم أعذاراً، حسبك منها سلامة قلوبهم، وصفاء سريرتهم، {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)} [الحجرات].

فاعذر، وتبيَّن، واحْفَظْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَأْتِ الله بقلب سليم، فكم من لائم، وهو مُلِيمُ، ولله القائل:

تأنَّ ولا تَعْجَلْ بِلومِكَ صَاحِباً لعلَّ لَهُ عُذْراً وأنْتَ تَلُومُ

ولا تسمع إلى أولئك الَّذين أعمى الهوى قلوبهم، فاختلقوا الرِّوايات، ووضعوا القصص والحكايات؛ لإيغار الصُّدور، وإلهابِ المشاعر، وإثارة الأحقاد على أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} [الزّمر].

واعلم أنَّ النَّقص فيمن تزيّوا عن خِدَاعٍ بزيّ العلماء، لا في أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الأجلّاء، المُثْنَى عليهم في التَّوراة والإنجيل والقرآن. وكفى برهاناً على عدالتهم مِنَ السُّنَّة قوله صلى الله عليه وسلم في حَجَّة الوَدَاع:" هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ "

(1)

.

فلو كان فيهم مجروح واحد لما أمرهم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جميعاً بالبلاغ عنه، ولذلك

(1)

البخاري "صحيح البخاري"(م 1/ج 1/ص 24) كتاب العلم.

ص: 169

لا يجوز التُّوقُّفُ أو التردُّد في عدالة أحد منهم، فَأَمْرُه صلى الله عليه وسلم إيَّاهم بالبلاغ عنه جملة واحدة دون استثناء لا شكَّ فيه نصٌّ صريحٌ على عدالتهم جميعاً.

وفي الحديث تصريح بوجوب تبليغ العلم ونقله وهو من فرائض الكفاية، وهذا ما قَامَ به أصحابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فخير من بلَّغ بعد النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أصحابهلا إله إلا الله، فقد دعوا إلى ما دعا إليه صلى الله عليه وسلم، فأدوا الأمانة، وبلَّغوا الرِّسالة، وهذا القرآن الَّذي بين أيدينا، إنَّما نقله إلينا أصحابه لا إله إلا الله، فاجْهَدْ في اتِّباع سبيلهم، ولا تكن مع الجاهلين.

وهذا الصَّحابيّ الجليل عَائِذ بْن عَمْرو رضي الله عنه ينصّ على أنَّ الصَّحابة رضي الله عنهم كلّهم أجمعون صفوة عدول، روى مسلم أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ الله بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ:"أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ"

(1)

.

فإن احتجّوا على عدم عدالتهم جميعاً بقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح].وتمسَّكوا بأنَّ (مِنْ) في قوله تعالى (منهم) تفيد التَّجزئة والتَّبعيض، أي أنَّ بعضهم وعِد بالمغفرة والأجر العظيم، وليس كلّهم. فهذا كلام مَنْ يجهل اللّغة، فحرف الجرّ (مِن) يأتي على خمسة عشر وجهاً، أحدها بيان الجنس، فالحقّ أنَّ (مِن) في الآية بيانيّة للتّبيين لا للتّبعيض، فهي تبيّن أنّ جنس الصّحابة موعود بالمغفرة والأجر العظيم.

وإنْ احتجّوا بما رواه مسلم عن حذيفة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "فِي أَصْحَابِي

(1)

مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي "(م 6/ ج 12/ ص 215) كتاب الإمارة.

ص: 170

اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الجنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"

(1)

.

فالمعنى الَّذين يُنْسَبُون إلى صحبتي، ويتشبَّهون بأصحابي، فهو على المجاز، ولذلك احترز صلى الله عليه وسلم، فقال:"فِي أَصْحَابِي" ولم يقل: (مِن أصحابي) أي يدخلون في زمرة الصَّحابة وليسوا منهم، وذلك مثل قولنا: إبليس كان في الملائكة وليس منهم، وهؤلاء كانوا اثني عشر منافقاً في الصَّحابة، ولا يصحّ أن يُقَال: كانوا منهم.

وكان حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم قد خُصَّ بِمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ هؤلاء المُنَافِقِينَ، فهو صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ.

واعلم أنَّ الله تعالى قد رفع قَدْرَ الصَّحابة، فجعل إيمانهم معياراً ومقياساً لمن يأتي مِنْ بعدهم، فقال سبحانه:{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ (137)} [البقرة].

والآية في معناها أقوال أحدها: فإن آمنوا إيماناً مثل إيمانكم، فقد اهتدوا، فبقدرِ القُربِ من إِيمانهم لا إله إلا اللهتكون الهِداية، وهكذا.

ذلك أنَّ الله جل جلاله أخبر عن إيمانهم مقروناً بإيمان النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة]

واعلم أنَّ اللهَ تعالى أعلى شَأْنَهم، فأمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بِخَفْضِ الجناح لهم، فقال له

(1)

مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 9/ج 17/ص 124) كتاب صفات المنافقين.

ص: 171

:

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} [الشّعراء]، وأمره بالدُّعاء لهم، فقال:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103)} [التّوبة]، وأن يكون بهم حفيّاً فيبدأهم بالسَّلام، فقال:{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ (54)} [الأنعام]، وأن يصبر نفسه معهم، فقال:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ (28)} [الكهف]. وأمره أن يعفو عنهم، وأن يستغفر لهم، وأن يشاورهم في الأمر، فقال له:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (159)} [آل عمران].

وقد علَّمنا الله تعالى العَفْوَ عنهم عمَّا كان منهم، فقد عفا سبحانه عن الَّذين تولّوا منهم يوم أُحد، فقال تعالى:{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} [آل عمران]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)} [آل عمران].

فاعف عن زلّاتهم إن وجدت فهم بَشَر، واستغفر لهم، فجدير بالعفو مَنْ عفا الله تعالى عنه.

فإذا عرفت أنَّ الآيات تكاثرت في بيان فضلهم فلا عذر لك عند الله تعالى إذا وقعت فيهم، أو في أحد منهم، {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ (275)} [البقرة].

واعلم أنَّ الله تعالى لم يأمر باتِّباع كتب التَّاريخ، وإنَّما قال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {اتَّبِعْ

ص: 172

مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (106)} [الأنعام].

وأمره أن يقول: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)} [الأنعام]، وأمرنا الله تعالى بما أمر به نبيَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ (55)} [الزّمر].

ولذلك قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه في حَجَّة الوَدَاع: "وقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ الله. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ، فَقَالَ ـ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ ـ: اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"

(1)

.

قلت: وصدق الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم، فقد ضَلَّ مِنْ بعده صلى الله عليه وسلم مَنْ لم يعتصم بكتاب

الله تعالى، ومَن لم يَأْتمَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم.

كذلك لم يأمر الله تعالى بالاكتفاءبتقليد الآباء والإعراض عمَّا أنزله، قَال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة]، وللآية نظائر ذمَّ الله تعالى فيها تقليد مَنْ لا علم له ولا هدى، وذمّ فيها مَنْ لا غرض له في التّقى، قال تعالى:{ا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)} [المائدة]، وقال تعالى: {ا وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ

(1)

مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 4/ج 8/ص 184) كتاب الحجّ

ص: 173