الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ، فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا، أَوْ عَجِينَهَا، وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ
(1)
، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ الله! والله مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ "
(2)
.
ويظهر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كره أن يصرِّحَ بالأمر، فصرَّحَ به بعضُ أصحابه صلى الله عليه وسلم، فلمَّا تفطَّنت للأمر نَفَتْ أنَّها رأت فيها ما يسألون عنه أبداً، وأنَّها لا تعلم فيها إلّا الخُلُوص من العيب كما يعلم الصّائغُ من الذَّهب الأحمر الخُلُوص من العيب.
موقف النّبيّ صلى الله عليه وسلم
-
لم يَشُكَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ببراءة عائشة قطُّ، وحاشا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنَّما تعيَّن عليه استشارة أهل بطانته، والتَّنقيب عن هذه القصَّة؛ لقطع دابر الطُّغيان واجتثاث شُبَه أهل الإفك بإقامة الحجَّة عليهم.
وإلّا فإنَّ براءة عائشة رضي الله عنها محقَّقةٌ عنده صلى الله عليه وسلم، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أعلم النَّاس بعائشة رضي الله عنها، وبجميل أحوالها وارتفاعها عن الدَّنايا، فصحبة عائشة رضي الله عنها له آكد مِنْ صحبة غيرها مِنْ نسائه، لكنَّه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم لنفسه إلّا بعد نزول الوحي، ولم يكن ليحكم على عائشة رضي الله عنها برأي؛ لقوله تعالى:{بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ (105)} [النِّساء]
وليس له صلى الله عليه وسلم أن يتكلم في أَمْر ليس له به علم، لقوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (36)} [الإسراء] فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يُثْبِتُ أمراً، ولا ينفيه إلَّا بعلم كما أُمِر.
(1)
أي حتَّى صرَّحوا لها بالأمر.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(م 3/ج 6/ص 12) كتاب التَّفسير.
ثمّ إنَّ الإسلام دين الواقعيَّة، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلّمنا أنْ نأخذ بالأسباب ولا ننفكّ عنها. وإذا كان أفاضل الصَّحابة يقطعون بكذب أهلِ الإفكِ، ويجزمون ببراءَة عائشة رضي الله عنها، ويقولون:" لا نعلم إلّا خيراً " ويقولون: سُبْحَانَكَ {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)} [النُّور] فما الظَّنُّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم!
وموقف النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يختلف كثيراً عن موقف أصحابهلا إله إلا الله، فقد ثبت أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لمّا وَقَفَ خطيباً على المنبر واستعْذَر مِن ابن أبيّ، شَهِدَ لعائشة رضي الله عنها وصفوان رضي الله عنه بالخير، قَالَتْ عائشة: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "يَا مَعْشَرَ المسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي
(1)
مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي؟! فَوَالله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْراً، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْراً، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلّا معي"
(2)
.
وفي رواية هشام بن عروة، قال: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:"لمّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا (اتّهموا) أَهْلِي، وَايْمُ الله، مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ؟! والله مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي"
(3)
.
(1)
أي من ينصرني.
(2)
البخاري "صحيح البخاري"(م 3/ج 6/ص 7) كتاب التَّفسير.
(3)
المرجع السّابق.