الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي، وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا
(1)
، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ! فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟! قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ
(2)
، أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضاً عَلَى مَرَضِي. فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ـ تَعْنِي سَلَّمَ ـ ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ
(3)
؟ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَبَوَيَّ"
(4)
.
موقف أمّ رومان رضي الله عنها من الإفك
لمَّا جاءت عائشة رضي الله عنها أبويها سألت أمَّها، وقالت لها: "يا أمَّتاه، مَا يتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَالله لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ الله
(5)
! وَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟!
(1)
المرط: الكساء من الصّوف أو الكتَّان.
(2)
أي يا هذه.
(3)
اسم إشارة للمؤنَّث.
(4)
البخاري "صحيح البخاري"(م 3/ج 6/ص 5) كتاب التَّفسير. ومسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي"(م 9/ج 17/ص 102) كتاب التّوبة.
(5)
تنزِّه الله تعالى أن يقع لأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ تدنيس، ولهذا قالت:"سُبْحَانَ الله! " على سبيل التّنزية والاستغاثة بجناب الله تعالى والتَّعجب مِن قول النَّاس ذلك مع براءتها المحقّقة عندها.
قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ (لا ينقطع) لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي "
(1)
.
وفي كلام أمِّها دلالةُ ذكاءٍ وفطنة، فقد أرادت أنْ تهوِّنَ عليها الأمرَ الجَلَل بإعلامها بأنَّها لم تنفردْ عن نساء العالمين بهذا الأذى، فقلَّما أحبَّ رجلٌ امرأةً حَسَنَة في خَلْقها وخُلُقِها إلَّا قالوا لها ما يَشِيْنُها، تذكرة لها حتَّى لا تستهول نزول البلاء.
ولم تقصد بالضَّرائر زوجات النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حاشا لله أن تلمَّ بذلك، فالاستثناء في قولها "إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا " استثناء متَّصل، فقد أرادت أنَّ هذا شأن الضَّرائر، فلم تقصد أمَّهات المؤمنين، لأنَّها لم تذكر قصَّة عائشة رضي الله عنها أصلاً، وأمَّهات المؤمنين لم يقع منْهنَّ في حقِّ عائشة رضي الله عنها شيء ممَّا يقع من الضَّرائر البتّة، وإنَّما أشارت إلى ما وقع من حَمْنَة بنت جحش رضي الله عنها
(2)
، وهي من أتباعهنَّ، فهي أختُ أمِّ المؤمنين زينب، وعائشة رضي الله عنها ضرَّة أختها زينب بنت جحش رضي الله عنها.
وكانت حَمْنَة رضي الله عنها حدَّثت فيمن حدَّث، وكأنَّها أرادت أن ترْفَعَ من شَأْن أختها زينب رضي الله عنها، فهي الَّتي كانت تُسَامِي عائشة رضي الله عنها مِنْ أمَّهات المؤمنين فِي المنْزِلَة عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
البخاري "صحيح البخاري"(م 3/ج 6/ص 7) كتاب التَّفسير.
(2)
حَمْنَة بنت جحش رضي الله عنها، صحابيّة فاضلة، كانت زوج مصعب بن عمير، قُتِلَ عنها يوم أحد، فتزوّجها طلحة بن عبيد الله، فولدت له محمّداً وعمران، فهي أمُّ محمّد بن طلحة، المعروف بالسّجاد، بايعت، وشهدت أحداً، وكانت تسقي العطشى، وتداوي الجرحى من ذويها، ترجم لها ابن حجر في "الإصابة"(م 4/ج 8/ص 53) كتاب النِّساء.