الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
الحمد للَّه الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، مقدِّر الأقدار، مصرِّف الأمور، مُكوِّر الليل على النهار، تبصرةَ لذولي القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه ومن اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، ووفَّق من اجتباه من عبيده فجعلَه من الأبرار، وبصَّرَ من أحبَّه فزهَّدهم في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهُّب لدار القرار، واجتناب ما يُسخطه والحذر من عذاب النار، وأخذوا أنفسهم بالجدِّ في طاعته وملازمة ذكره بالعشيّ والإِبكار، وعند تغاير الأحوال في آناء الليل والنهار، فاستنارت قلوبُهم بلوامع الأنوار.
أحمده أبلغَ الحمد على جميع نعمه، وأسألُه المزيد من فضله وكرمه، وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلَاّ اللَّه العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وحبيبه وخليله، أفضلُ المخلوقين، وأكرمُ السابقين واللاحقين، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى سائر النبيّينَ، وآل كلٍّ وسائر الصالحين.
أما بعد: فقد قال الله العظيم العزيز الحكيم: (فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ)[البقرة: 152] وقال تعالى: (وَمَا خَلقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا ليَعْدون)[الذاريات: 56] فعُلِم بهذا إِنَّ مِنْ أفْضَلِ - أو أفضل - حال العبد، ذكره لرب العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين.
وقد صنَّف العلماء رضي الله عنهم في عمل اليوم والليلة والدعوات والأذكار كتباً كثيرةً معلومةً عند العارفين، ولكنها مطوّلة بالأسانيد والتكرير، فضَعُفَتْ عنها هممُ الطالبين، فقصدتُ تسهيل ذلك على الراغبين، فشرعتُ في جمع هذا الكتاب مختصراً مقاصد ما ذكرته تقريباً للمعتنين، وأحذف الأسانيد في معظمه لما ذكرته من إيثار الاختصار، ولكونه موضوعاً للمتعبدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد (1) متطلعين، بل يكرهونه وإن قَصُرَ إلا الأقلّين، ولأن المقصود به معرفةُ الأذكار والعمل بها، وإيضاح
(1) الأسانيد: هو جمع إسناد، وهو الإخبار عن طريق المتن.
(*)
مظانّها للمسترشدين، وأذكر إن شاء الله تعالى بدلاً من الأسانيد ما هو أهم منها مما يخلّ
به غالباً، وهو بيان صحيح الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها (1) ، فإنه مما يفتقر إلى معرفته جميعُ الناس إلا النادر من المحدّثين، وهذا أهمّ ما يجب الاعتناء به، وما يُحقِّقهُ الطالبُ من جهة الحفاظ المتقنين، والأئمة الحُذَّاق المعتمدين، وأضمُّ إليه إن شاء الله الكريم جملاً من النفائس من علم الحديث، ودقائق الفقه، ومهمات القواعد، ورياضات النفوس، والآداب التي تتأكد معرفتُها على السالكين.
وأذكرُ جميعَ ما أذكرُه مُوَضَّحَاً بحيث يسهلُ فهمه على العوام والمتفقهين.
1 -
وقد روينا في (صحيح مسلم) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ دَعا إلى هُدىً كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئاً) .
فأردت مساعدة أهل الخير بتسهيل طريقه والإِشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدلالة عليه، وأذكر في أوَّلِ الكتاب فصولاً مهمة يحتاجُ إليها صاحبُ هذا الكتاب وغيره من المعتنين، وإذا كان في الصحابة مَن ليس مشهوراً عند مَن لا يعتني بالعلم نبَّهتُ عليه فقلت: روينا عن فلان الصحابيّ، لئلا يُشكَّ قي صحبته.
وأقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإِسلام وهي خمسة: (صحيح البخاري) ، و (صحيح مسلم) ، و (سنن أبي داود) ، و (الترمذي) ، و (النسائي) .
وقد أروي يسيراً من الكتب المشهورة غيرها.
وأما الأجزاء والمسانيد فلستُ أنقل منها شيئاً إلا في نادر من المواطن، ولا أذكرُ من الأصول المشهورة أيضاً من الضعيف إلا النادر مع بيان ضعفه، وإنما أذكر فيه
(1) والصحيح في الأصل من أوصاف الأجسام، ثم جُعل وصفاً للحديث، ثم هو قسمان: صحيح لذاته، وهو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علّة فادحة، وصحيح لغره: وهو كان رواية دون ذلك في الضبط والإتقان، فيكون حديثه في مرتبة الحسن فيرتقى بتعدد طرقه إلى الصحة.
والحسن قسمان كذلك: حسن لذاته، وهو أن يكون راويه مشهوراً بالصدق والأمانة لكن لم يبلغ درجة الصحيح في الحفظ والإتقان، وهو مرتفع عن حال من يُعَدُّ تفرده مُنكراً، وحسن لغيره: وهو أن لا
يخلو الإسناد من مستور لم تتحقق أهلية، وليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، ولا ظهر منه سبب آخر مُفسِّقٌ، ويكون الحديث معروفاً برواية مثله أو نحوه من وجه آخر والضعيف: ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح، ولا صفات الحسن المذكورة، وهو على ما رتب متفاوتة بحسب شدة ضعف رواته وخفته، وهو أنواع، منها المنكر.
(*)
الصحيح غالباً، فلهذا أرجو أن يكون هذا الكتاب أصلاً معتمداً، ثم لا أذكر في الباب من الأحاديث إلا ما كانت دلالته ظاهرة في المسألة.
والله الكريم أسألُ التوفيق والإِنابة والإِعانة والهداية والصيانة، وتيسير ما أقصده من الخيرات، والدوام على أنواع المكرمات، والجمع بيني وبين أحبابي في دار كرامته وسائر وجوه المسرّات.
وحسبي الله ونِعم الوكيل، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله العزيز الحكيم، ما شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَاّ باللَّهِ، توكلتُ على الله، اعتصمتُ بالله، استعنتُ بالله، وفوَّضت أمري إلى الله، واستودعت ديني ونفسي ووالديّ وإخواني وأحبائي وسائر من أحسن إليّ وجميع المسلمين، وجميعَ ما أنعمَ به عليّ وعليهم من أمور الآخرة والدنيا، فإنه سبحانه إذا استُودع شيئا حفظه ونعم الحفيظ.