الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا لم يقلع عنه، ولا شكّ في أنُّا لا نترك الإِنكار بمثل هذا، ونظائر هذا كثيرة معروفة، والله أعلم.
ويُستحبّ لمن سلّم على إنسان وأسمعه سلامه وتوجبه عليه الردّ بشروطه فلم يرد أن يحلِّله من ذلك فيقول: أبرأته من حقّي في ردّ السلام، أو جعلتُه في حِلٍّ منه، ونحو ذلك، ويلفظ بهذا، فإنه يسقط به حقّ هذا الآدمي، والله أعلم.
740 -
وقد روينا في كتاب ابن السني عن عبد الرحمن بن شبل الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أجَابَ السَّلامَ فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ فَلَيْسَ مِنَّا "(1) ويُستحبّ لمن سلَّم على إنسان فلم يَرُدَّ عليهِ أن يقول له بعبارة لطيفة: ردُّ السلام واجبٌ، فينبغي لك أن تردّ عليّ ليسقطَ عنك الفرضُ، والله أعلم.
(بابُ الاستئذان)
قال الله تعالى: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها)[النور: 27] وقال تعالى: (وإذا بلغ الأطفال مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كما اسْتَأذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[النور: 59] .
741 -
وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ، فإنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَاّ فَارْجِعْ ".
ورويناه في " الصحيحين " أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وروينا في " صحيحيهما " عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ ".
وروينا الاستئذان ثلاثاً من جهات كثيرة.
والسنّة أن يُسلِّم ثم يستأذن، فيقوم عند الباب بحيث لا ينظرُ إلى مَن في داخله، ثم يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ فإن لم يجبْه أحدٌ، قال ذلك ثانياً وثالثاً، فإن لم يجبْه أحدٌ انصرف.
742 -
وروينا في " سنن أبي داود " بإسناد صحيح عن ربعيّ بن حِراش، بكسر الحاء المهملة وآخره شين معجمة، التابعي الجليل قال: حدّثنا رجل من بني عامر " استأذن على
(1) وهو جزء من حديث رواه ابن السني رقم (207) وهو بتمامه: " يسلم الراكب على الرجال ويسلم الرجال على القاعد، ويسلم الأقل على الأكثر، مَنْ أجَابَ السَّلامَ فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يجب السلام فليس منا ".
وهو حديث صحيح.
(*)
النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: أألجُ؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: " اخْرُجْ إلى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أأدْخُلُ؟ فسمعه الرجلُ فقال: السلام عليكم، أأدخلُ؟ بفأذن له النبيُّ صلى الله عليه وسلم فدخلَ ".
734 -
وروينا في " سنن أبي داود والترمذي " عن كَلَدَة بن الحَنْبل الصحابي رضي الله عنه قال: " أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فدخلتُ عليه ولم أسلِّم، فقالَ النبيُّ: ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ " قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: كَلَدة، بفتح الكاف واللام.
والحَنْبل، بفتح الحاء المهملة وبعدها نون ساكنة ثم باء موحدة ثم لام.
وهذا الذي ذكرناه من تقديم السلام على الاستئذان هو الصحيح.
وذكر الماوردي فيه ثلاثة أوجه، أحدُها هذا، والثاني تقديم الاستئذان على السلام، والثالث: وهو اختياره، إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدَّم السلام، وإن لم تقع عليه عينه، قدَّم الاستئذان.
وإذا استأذن ثلاثاً فلم يُؤذن له وظنَّ أنه لم يسمع، فهل يزيدُ عليها؟ حكى الإِمام أبو بكر بن العربيّ المالكي فيه ثلاثة مذاهب، أحدُها: يعيده، والثاني: لا يعيده، والثالث: إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعدْه، وإن كان بغيره أعاده، قال: والأصحُّ أنه لا يعيدُه بحال، وهذا الذي صحَّحه هو
الذي تقتضيه السنّة (1) ، والله أعلم.
فصل:
وينبغي إذا استأذن على إنسان بالسلام أو بدقّ الباب، فقيل له: مَنْ أنتَ؟ أن يقول: فلانُ بن فلان، أو فلانٌ الفلاني، أو فلانٌ المعروف بكذا، أو ما أشبه ذلك، بحيث يحصل التعريف التامّ به، ويُكره أن يقتصر على قوله: أنا، أو الخادم، أو بعض الغلمان، أو بعض المحبّين، وما أشبه ذلك.
744 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " في حديث الإِسراء المشهور (2)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" " ثُمَّ صَعِدَ بي جِبْرِيلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا فَاسْتَفْتَحَ (3)، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟
(1) كما تقدم في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ، فإنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلَاّ فَارْجِعْ.
(2)
المراد من الإسراء، ما يشمل المعراج، لإن ما ذكر في الاستئذان في فتح أبواب السماء إنما هو في قضا المعراج، وقصة الإسراء كذلك مرويه عن الشيخين والترمذي والحاكم والبيهقي والبزار وغيرهم، وكانت قصة معراج قبل الهجرة بنحو ثمانية عشر شهرا.
(3)
قال ابن علاّن: الأشبه كما قال الحافظ ابن حجر أن هذا الاستفتاح كان بقرع، لأن صوته معروف، يؤيد كما قال بعضُهم ما في بعض الروايات: فقرع الباب.
(*)
قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، ثُمَّ صَعِدَ بي إلى السَّماءِ الثَّانِيَةِ والثَّالِثَةِ وَسائِرِهنَّ، وَيُقالُ في بابِ كُلِّ سمَاءٍ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: جبْرِيلُ ".
745 -
وروينا في " صحيحيهما " في حديثَ أبي موسى لما جلسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على بئر البستان (1) وجاء أبو بكر فاستأذن، فقال: مَنْ؟ قال: أبو بكر، ثم جاء عمر فاستأذن، فقال: مَن: قال عمر، ثم عثمان كذلك.
746 -
وروينا في " صحيحيهما " أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: " أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فدققتُ البابَ، فقال: مَنْ ذَا؟ فَقلتُ: أنا، فقال: أنَا أنَا؟ كأنه كرهها ".
فصل:
ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرف إذا لم يعرفه المخاطب بغيره، وإن كان
فيه صورة تبجيل له، بأن يكنّي نفسه، أو يقول: أنا المفتي فلان، أو القاضي، أو الشيخ فلان، أو ما أشبه ذلك.
747 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، واسمها فاختة على المشهور، وقيل: فاطمة، وقيل هند، قالت:" أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمةُ تستُره فقال: " مَنْ هَذِهِ؟ فقلتُ: أنا أم هانئ ".
748 -
وروينا في " صحيحيهما " عن أبي ذرّ رضي الله عنه، واسمه جُندب، وقيل: بُرَيْرٌ بضمّ الباء تصغير برّ، قال: خرجتُ ليلةً من الليالي فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحدَه، فجعلتُ أمشي في ظلّ القمر، فالتفتَ فرآني فقال:" مَنْ هَذَا؟ " فقلت: أبو ذرّ ".
749 -
وروينا في " صحيح مسلم " عن أبي قتادة الحارث بن رِبعي رضي الله عنه في حديث الميضأة المشتمل على معجزات كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جمل من فنون العلم، قال فيه أبو قتادة:" فرفعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: مَنْ هَذَا؟ قلت: أبو قتادة ".
قلت: ونظائر هذا كثيرة، وسببه الحاجة، وعدم إرادة الافتخار.
750 -
ويقرب من هذا ما رويناه في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة رصي الله عنه - واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصحّ - قال: قلتُ: يا رسولَ الله ادعُ الله أن يهديَ
(1) سمى نفسه لأنه معروفا، ولم يعرف من الملائكة من اسمه جبريل سواه، ولم يقل: أنا لئلا يلتبس بغيره.
(2)
وهي بئر أريس بوزن جليس، بئر بقباء، وكان أبو موسى حافظ الباب في ذلك الوقت كما في الصحيح، فلما جاء كلٌّ من الصلاص، استأذن لهم، فأذن لهم، والشاهد من الاستدلال أن كلاً منهم لما استأذن، فقيل له: مَن هذا؟ ذكر اسمَه بالصريح.
(*)