الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: قدّمنا أنه يتعوّذ في الأولى بلا خلاف، وفي الثانية خلاف.
الأصحُّ: أنه يتعوذ.
الرابع: المختار: أن القراءة في الثانية تكون أقلّ من الأولى، وفيه الخلاف الذي قدَّمناه، والله أعلم.
(بابُ القُنوتِ في الصُّبح)
اعلم أن القنوتَ في صلاة الصبح سنّة.
158 -
للحديث الصحيح فيه عن أنس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل
يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا "، رواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب " الأربعين " (1)، وقال: حديث صحيح (2) .
واعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح، وهو سنّة مؤكدة، لو تركه لم تبطل صلاتُه، لكن يسجد للسهو سواء تركه عمداً أو سهواً.
وأما غير الصبح من الصلوات الخمس، فهل يقنت فيها؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى، الأصحُّ المشهورُ منها: أنه إن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا في ذلك لجميع الصلوات، وإلا فلا.
والثاني: يقنتون مطلقاً.
والثالث: لا يقنتون مطلقاً، والله أعلم.
ويستحبُّ القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر، ولنا وجه: أن يقنت فيها في جميع شهر رمضان، ووجه ثالث: في جميع السنة، وهو مذهبُ أبي حنيفة، والمعروف من مذهبنا هو الأوّل، والله أعلم.
فصل:
اعلم أن محل القنوت عندنا في الصبح بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية.
وقال مالك رحمه الله: يقنت قبل الركوع.
قال أصحابنا: فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يُحسبْ له على الأصحّ، ولنا وجه أن يحسب، وعلى الأصحّ، يعيده بعد الركوع ويسجد للسهو، وقيل: لا يسجد.
وأما لفظه، فالاختيار أن يقول فيه:
(1) وأخرجه الحاكم أيضاً في كتاب القنوت.
(2)
صححه الحاكم على طريقتة في تصحيح ما هو حسن عند غيره، فالصواب أن الحديث حسن.
وحمله بعض العلماء على أنه لم يزل يقنت في النوازل حتى فارق الدنيا.
(*)
159 -
ما روينا في الحديث الصحيح في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرها، بالإِسناد الصحيح عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما قال: علّمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوتر: " اللَّهُمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِني
فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلّني فِيمَن تَوَلَّيْتَ، وبَارِكْ لِي فِيما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيْتَ، فإنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنا وَتَعالَيْتَ ".
قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا.
وفي رواية ذكرها البيهقي: أن محمد بن الحنفية (1)، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن هذا الدعاء [هو الدعاء] الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته (2) .
160 -
ويستحبُّ أن يقولَ عقيب هذا الدعاء: " اللَّهُمَّ صَلّ على مُحَمَّدٍ، وعلى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّم "، فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد حسن (3) :" وَصَلَى اللَّهُ على النَّبِيّ ".
161 -
قال أصحابنا: وإن قنت بما جاءَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسناً، وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُد، ولَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُد، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ.
اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات والمسلمين والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِم الإِيمَانَ وَالحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رسولِك صلى الله عليه وسلم، وَأَوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ على عَدُّوَكَ وَعَدُوِّهِمْ إِلهَ الحَقّ وَاجْعَلْنا منهم ".
(1) الحنيفة، أمة لعليّ رضي الله عنه حصلت له من سبي بني حنيفه.
(2)
قال الحافظ في تخريج الأذكار: وقد عجبت للشيخ - يعني النووي - كيف اقتصر على هذا الموقوف مع أن البيهفي أخرجه مرفوعا من وجه آخر.. (3) قال الحافظ في تخريج الأذكار: هذا الحديث أصله حسن، روي من طرق متعددة عن الحسن، لكن هذه الزيادة في هذا السند غريبة لا تثبت، وإن سنده لا يخلو إما عن روا مجهول أو انقطاع في السند، وقال بعد إيراد ذلك: فتبين أن هذا السند ليس من شرط الحسن لا نقطاعه أو جهالة رواية، ولم ينجبر بمجئيه من وجه آخر. اه.
وقد بالغ المصنف رحمة الله فقال في شرح المهذب: إنه سند صحيح أو حسن، وكذا في الخلاصة.
(*)
واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه " عذِّب كفرة أهل الكتاب "، لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب، وأما اليوم، فالاختيار أن يقول:" عذّب الكفرة " فإنه أعمّ.
وقوله: نخلع: أي نترك، وقوله: يفجر أي: يلحد في صفاتك، وقوله نحفِد بكسر الفاء، أي: نُسارع، وقوله: الجِدّ بكسر الجيم: أي الحق، وقوله: مُلْحِق بكسر الحاء على المشهور، ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره وقوله: ذات بينهم، أي: أمورهم ومواصلاتهم، وقوله: والحكمة، هي: كل ما منع من القبيح، وقوله: وأوزعهم: أي ألهمهم، وقوله: واجعلنا منهم، أي: ممّن هذه صفته.
قال أصحابنا: يستحبّ الجمع بين قنوت عمر ي ضي الله عنه وما سبق، فإن جمع بينهما، فالأصحّ تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر فليقتصر على الأوّل، وإنما يُستحبّ الجمع بينهما إذا كان منفرداً أو إمامَ محصورين يرضون بالتطويل.
واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأيّ دعاء دعا به حصل القنوت ولو قَنَتَ بآيةٍ، أو آياتٍ من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنّة.
وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولا يجزئ غيره.
واعلم أنه يُستحبّ إذا كان المصلِّي إماماً أن يقول: " اللَّهمّ اهدِنا " بلفظ الجمع، وكذلك الباقي، ولو قال " اهدني " حصل القنوت وكان مكروهاً، لأنه يكره للإِمام تخصيص نفسه بالدعاء.
162 -
وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤم عَبْدٌ قَوْماً فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فإنْ فَعَلَ فَقَدْ خانَهُمْ " قال الترمذي: حديث حسن.
فصل:
اختلف أصحابُنا في رَفعِ اليدين في دعاء القنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه.
أصحّها: أنه يستحبّ رفعهما، ولا يمسح الوجه.
والثاني: يرفع ويمسحه.
والثالث: لا يرفع ولا يسمح.
واتفقوا على أنه لا يمسح غير الوجه من الصدر ونحوه، بل قالوا: ذلك مكروه.
وأما الجهر بالقنوت والإِسرار به، فقال أصحابنا: إن كان المصلي منفرداً أسرّ به، وإن كان إماماً جهر على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الأكثرون والثاني: أنه يسرّ كسائر الدعوات في الصلاة، وأما المأموم، فإن لم يجهر الإِمام قنت سرّاً كسائر